التسويق السياسي في سوريا على مبدأ «يا عمال العالم صلوا على النبي»

22-04-2007

التسويق السياسي في سوريا على مبدأ «يا عمال العالم صلوا على النبي»

الجمل- هيثم جودية: اليوم  تبدأ عمليات الاقتراع للمواطنين السوريين في كل أنحاء القطر لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب في دوره التشريعي التاسع .
وتتميز خريطة مجلس الشعب بأنها غاية في الوضوح من خلال توزع القطاعات( 50% للعمال والفلاحين ضمن الفئة- أ- وباقي قطاعات الشعب في الفئة-ب-) ومن حيث توزع القوى السياسية في المجلس(أكثر من ثلثي أعضاء المجلس(168) عضواً هم من مرشحي قوائم الجبهة الوطنية التقدمية والتي تضم عشرة أحزاب بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي إذا أخذنا بالاعتبار فوز مرشحي الجبهة في عضوية المجلس في الأدوار التشريعية السابقة وباقي الأعضاء-82- من المستقلين). وبرغم ذلك الوضوح فإن الحملة الانتخابية كانت قوية نسبياً بين المرشحين وخاصة المستقلين للفوز بالانتخابات.
 الحملات الانتخابية في الدول المتقدمة وما يرتبط بها من مفاهيم كالتسويق السياسي والانتخابي أضحت علماً في حد ذاتها تقوم بها مؤسسات متخصصة تدرس توجه الناخبين وتقنع الجمهور بالبرامج التي يقدمها المرشحون هذا فضلاً عن المساهمة في الحض على توعية الفرد لكي يدلي بصوته ولا يكون سلبياً في تعامله مع الظاهرة الانتخابية.
ولكن هل ينطبق هذا على عمليات الانتخاب في سوريا؟ وبعبارة أخرى هل هناك تسويق سياسي وانتخابي للمنظمات السياسية(أحزاب,مرشحين) يسهم في حصولهم على موقع في الخارطة السياسية السورية؟ وهل يتأثر المجتمع بشكل عام والناخب بشكل خاص بالعملية التسويقية للمنظمات السياسية! بحيث تدفعه إلى تحديد سلوكه الانتخابي والسياسي؟ وهل الوضع السياسي العام يسمح للأحزاب والمرشحين والناخبين العمل بحرية أم أن هناك قيود ومحددات في الساحة السياسية السورية تحد من قدرة المنظمات السياسية على استخدام وسائل مهمة للحصول على أصوات الناخبين وتحديد سلوكهم السياسي؟.
لا شك في أن المنظمة السياسية في سورية تتصف بالضعف والهشاشة. فالأحزاب السورية لا تعمل بشكل فعال فمعظمها باستثناء حزب البعث(نسبياً) أحزاب صغيرة وليست جماهيرية, عدد المنتسبين إليها قليل, محصورة في العاصمة وبعض المدن الرئيسية وليس لها نشاطات واضحة في الأرياف والمناطق المهمشة, كما أن غالبية هذه الأحزاب ليس لها هوية محددة فهي أحزاب هلامية, ويلاحظ في الظاهرة الحزبية السورية غياب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب فهي تنظيمات جامدة ومركزة وخاضعة لسلطة المركز ومعظمها يرفض وجود الرأي الأخر داخلها.
والأهم من ذلك كله هو العلاقة الضعيفة بين الأحزاب و المجتمع فالنشاط السياسي للأحزاب(هو جانب من التسويق السياسي) كالعمل في الوسط الجماهيري والتحرك لكسب أو جمع التأييد أو حشد الأصوات وغيرها من الممارسات السياسية المعروفة ضعيف, ونشاطها الذي يعنى بمعرفة هموم وحاجات وقضايا كل شريحة من الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع لمعرفة موقف وأراء واتجاهات هذه الشرائح نحو العمل السياسي(هو جانب من التسويق السياسي) أيضاً ضعيف، وهذا ما أدى إلى افتقار الأحزاب إلى برامج تتصدى لمعالجة القضايا المحلية والدولية التي تهم المواطن والمجتمع. وإن وجدة تلك البرامج فهي أقرب لأن تكون شعارات فضفاضة كبيرة تصلح لكل مكان وزمان ولا تنطلق من الواقع.
وإن كان حال الأحزاب هكذا فهل سيكون حال الأفراد أو المرشحين أفضل.
إن المنظمات السياسية في سورية أكانت حزباً أو مرشحاً غير قادرة على تسويق نفسها بشكل جيد لما في الساحة السورية, وهذا التسويق غاية في الأهمية لعمل المنظمات السياسية لأن البيئة السياسية في حراك دائم وغير مستقر وأحياناً شديد التقلب.
أما إذا انتقلنا إلى جزء من التسويق السياسي وهو التسويق الانتخابي للمنظمات السياسية والتي نعيشها الآن في الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية فقد كانت مظاهره منتشرة في كل المحافظات معتمداً على وسائل وأدوات مختلفة، فالصور منتشرة في كل مكان بطرق غير منظمة وبوحشية، تحتوي على الفئة التي سيتنافس المرشح فيها مع المرشحين الآخريين وأحياناً القطاع أو المهنة التي ينتمي إليها المرشحون كالصناعي، المربي، الشيخ، قطاع غرف التجارة و معظمها لا يحتوي شعارات، كما أن هناك صور عملاقة لبعض المرشحين وهناك انتشار للصور ولكن بشكل محدود في الصحف الخاصة والرسمية.
أما اللافتات فتتركز في الأماكن المزدحمة تحتوي على عبارات وشعارات المرشحين فمنهم من   يستخدم شعاراً واحداً في كل حملته الانتخابية والبعض الأخر يستخدم شعارات عديدة،معظم تلك الشعارات عامة وكبيرة لا تخلو أحياناً من البلاغة, قليلة جداً هي الشعارات التي تتحدث عن هموم المواطن كتحسين الدخل والرعاية الصحية  ومكافحة البطالة والغلاء أما الشعارات التي تتحدث عن قضايا سياسية ملحة داخلياً كانت أم خارجية فهناك غياب كامل لها.
وهناك عدد من المرشحين يخاطبون عبر لافتاتهم فئات اجتماعية محددة  كالشباب مثلاً بتبني شعارات وعبارات –كجيل الشباب والكفاءات الشابة وبسواعد الشباب نبني المستقبل- وهناك من يخاطب قطاعات معينة –مرشحكم صوت الشباب الجامعي!
كما أن بعض المرشحين وخاصة في المحافظات التي لها نسبة تمثيل كبيرة في المجلس يسوقون أنفسهم انتخابياً عن طريق تحالفات انتخابية بشكل قوائم تحتوي على عدد من المرشحين في كِلا الفئتين. وقد تكون تلك القوائم متجانسة لكن مصلحياً وتضم مجموعة من الاقتصاديين كرجال الأعمال و الصناعيين مثل قائمة الفيحاء في دمشق، وقد تكون غير متجانسة لكن ما يجمعها في الانتخابات هو الهم الوطني كالتحالف بين مرشح اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين وبعض المرشحين الإسلاميين المعتدلين في دمشق والذين يخاطبون الطبقات الفقيرة والعمال والفلاحين و المهمشين منطلقين من مقولة " يا عمال العالم صلوا على النبي"
إلا أن معظم القوائم والتحالفات بين المرشحين لا تعني أكثر من تكتيك انتخابي يهدف إلى حصول المرشحين على أصوات بعضهم البعض.
أما الغائب الأكبر في عمليات التسويق الانتخابي فهو البرنامج الانتخابي للمرشحين فهي قليلة جداً على الرغم من تأثيرها الكبير في جذب الناخبين، وعلى الرغم من ذلك قد يجد المواطن برامج متكاملة رغم قلتها تتحدث في المسائل الوطنية كتحرير الجولان وتعزيز الوحدة الوطنية الشاملة ودعم المقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين. وفي المسائل الاقتصادية والاجتماعية كضرب قوى النهب والفساد التي تشكل بوابة العبور للعدوان الخارجي. والعمل على تأمين الضمان الصحي الشامل ومجانية التعليم والوقوف في وجه السياسات الليبرالية ... والمساءلة الديمقراطية كسن قوانين أحزاب وانتخاب عصرية ورفع الأحكام العرفية، وجميع هذه المسائل تهم المواطن، وأحياناً قد تجد مسائل تتعلق بالحزب نفسه أو المرشح كما هي الحال بالنسبة لبعض الأحزاب الشيوعية التي تضم كوادرها مواطنين أكراد سوريين والذين يطالبون بإلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي الجائر في الجزيرة لعام 1962 وإعادة المواطنة لكل المواطنين السوريين الأكراد التي جردوا منها لعقود ومنع أي تميز على أساس قومي أو ديني.
لكن هل تكفي الصور واللافتات لجذب الناخبين وذلك بدون وجود برامج انتخابية تجذب الناخبين والتواصل مع الناخبين إن كان عن طريق وسائل الإعلام كالأحاديث الصحفية و المقابلات الإذاعية والتلفزيونية وإقامة الندوات وما شابه...
إن ضعف التسويق السياسي والانتخابي للأحزاب والمرشحين قد يدفع معظم الناخبين إلى أخذ اعتبارات وقضايا وتوازنات كالقبلية والعائلية والطائفية والمناطقية في تحديد سلوكهم الانتخابي دون الاعتماد على البرامج الانتخابية وما شابه، كما أن ضعف الثقافة السياسية للناخبين والوعي السياسي وعدم نضج المجتمع وانتشار الأمية قد تضعف عملية التسويق السياسي والانتخابي.
إلا أن أهم العوامل التي تؤثر على التسويق السياسي للمنظمة السياسية وبالتالي قدرتها على العمل السياسي هو الوضع السياسي العام كالاعتبارات القانونية والسياسية للدولة وظروف العمل السياسي ومستوى الديمقراطية والمشاركة ومؤسسات النظام القائمة وفعاليتها (كالمؤسسات التشريعية والتنفيذية...).
إن وجود قانون الطوارئ وعدم وجود قوانين عصرية للأحزاب والانتخابات وتشريعات تكفل توسيع الحريات العامة للمجتمع يجعل الحزب أو المرشح غير قادر على تسويق نفسه من خلال العمل في المجتمع والاهتمام بقضاياه ومشاكله.
إن التسويق السياسي كمفهوم هو شرط أساسي لتجديد عقلية الأحزاب و المرشحين وله دور أساسي في رفع ثقافة ووعي المجتمع السوري وهو انعكاس لعافية الدولة والمجتمع.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...