الضغوط على سوريا لتنفيذ رزمة المطالب الأمريكية والاسرائيلية

21-05-2006

الضغوط على سوريا لتنفيذ رزمة المطالب الأمريكية والاسرائيلية

في انتهاك صارخ لكافة الأعراف والقوانين الدولية وفى استهتار واضح بكرامة العرب والمسلمين ، تبنى مجلس الأمن الدولى مشروع قرار أمريكي يحث سوريا على إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان وترسيم الحدود المشتركة بين البلدين ، كما يحث سوريا على اتخاذ خطوات لمنع تدفق الأسلحة من الأراضي السورية إلى الميليشيات فى لبنان ، في إشارة إلى حزب الله اللبنانى.

   ويدعو القرار أيضا كل الدول والأطراف المعنية إلى التعاون مع الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة في التنفيذ الكامل لقرار المجلس 1559 الصادر في سبتمبر عام 2004 والذى دعا إلى إنهاء التدخل الخارجي في لبنان الذي كان آنذاك تحت الهيمنة السورية منذ 29 عاما ، وسحب القوات السورية وأجهزة أمنها وهو ما نفذ بالفعل عندما سحبت سوريا قواتها من لبنان في 26 إبريل 2005 ، لكن واشنطن تزعم أن بعض البنود الأخرى في القرار 1559 لم تطبق بعد لاسيما تفكيك ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان وبسط سلطة الحكومة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية ويزعم قرار مجلس الأمن الجديد 1680 أن مثل هذه الإجراءات ستشكل خطوة مهمة نحو تأكيد سيادة وسلامة أراضي لبنان واستقلاله السياسي وستحسن العلاقات بين البلدين مع المساهمة ايجابيا في استقرار المنطقة.


   وتمت الموافقة على القرار بأغلبية 13 من أعضاء المجلس وامتناع كل من الصين وروسيا عن التصويت، وبررت الدولتان امتناعهما بأن القرار لم يكن له داع، ولن يشكل سندا قانونيا لتدخل الأمم المتحدة في العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا وفي تعقيبه على القرار ، زعم المندوب الأمريكى لدى الأمم المتحدة جون بولتون أن القرار سيجبر سوريا على الاعتراف بسيادة لبنان ، كما أن فقرة "جميع الدول والأطراف المعنية" موجهة أساسا لإيران وسوريا للتوقف عن دعم حزب الله اللبناني، كما رحب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بقرار مجلس الأمن بإقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان  ومن جانبها ، سارعت سوريا إلى إدانة القرار ووصفته بأنه متحيز واستفزازى يعقد الأمور بدل حلها، ويعتبر مخالفا لأحكام الميثاق وإتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ويصب في مصلحة إسرائيل . وأوضحت وزارة الخارجية السورية فى بيان لها أن سوريا حريصة على سيادة واستقلال لبنان وسلامته الإقليمية وعلى قيام علاقات سورية لبنانية طبيعية تعكس مصالح الشعبين والبلدين الشقيقين بعيدا عن أى تدخل خارجي، وقال البيان :" بعض الجهات التى دفعت لتبني مشروع القرار معنية أولا وأخيرا بتنفيذ نواياها ومخططاتها السياسية المبيتة التى تستهدف سوريا ولبنان والمنطقة بغض النظر عن مصالح الشعبين وعن الأمن والاستقرار فى المنطقة".


   كما انتقد وزير الخارجية السوري وليد المعلم القرار وقال :"إن مسألة التمثيل الدبلوماسي مع لبنان تتطلب إيجاد المناخ المناسب وإن التناغم والتنسيق بين بعض القوى اللبنانية والتدخلات الخارجية الأمريكية كلها عوامل ساهمت في تأزيم الوضع اللبناني الداخلي ونشوء حالة انقسام بين صفوف الشعب اللبناني" وأكد المعلم أن سوريا ترغب في تطوير وتعزيز علاقاتها مع لبنان لخدمة مصالح الشعبين وتتمنى نجاح المباحثات التي يتناولها الحوار الوطني اللبناني ولاتتدخل في الشأن اللبناني الداخلي, كما انتقدت جامعة الدول العربية القرار ووصفته بأنه "موقف غريب" من مجلس الأمن ، وقال الأمين العام المساعد للشئون السياسية بالجامعة العربية السفير أحمد بن حلى :" إن هذا ليس مجلس الأمن الذى كانت تتطلع إليه شعوب ودول العالم"، واعتبر بن حلى المشروع تدخلا فى سيادة الدول وفى العلاقات بينها ، مضيفا أن جامعة الدول العربية تحرص على أن تكون العلاقة بين الأشقاء فى سوريا ولبنان فى أحسن حالاتها ودعا إلى أن يتم حل المسائل العالقة بين الأشقاء فى سوريا ولبنان فى إطار ثنائى أو فى إطار عربى إذا تطلب الموقف هذا التحرك العربى .

   يري مراقبون أن القرار انتهاك صارخ للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ويتجاهل أن العلاقات الدبلوماسية مسألة ثنائية وليست مسألة يعالجها مجلس الأمن ،وتساءل المراقبون "متى كانت العلاقات الدبلوماسية بين الدول شأناً أمريكياً أو أممياً؟ وهل يحق لدول العالم استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولى تطالب الولايات المتحدة بإقامة علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة أو تلك؟ وهل نسيت إدارة بوش أنها طوال نصف قرن لا تعترف بالنظام السياسى فى كوبا وتفرض على هذه الدولة وشعبها حصاراً ظالماً لا هوادة فيه؟" وحذر المراقبون من أن الإدارة الامريكية لن تتوقف عن تقديم المزيد من مشروعات القوانين لمجلس الأمن الدولى التى تستهدف سوريا والإساءة إليها بهدف تركيع تلك الدولة لمخططات واشنطن في المنطقة .


   وأضاف المراقبون أن القرار جاء بهدف تصعيد ضغوط واشنطن على سوريا مجددا بعد أن أشاد سيرج برامريتس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى بتعاون سوريا مع اللجنة وبعد أن أكدت الأوساط السياسية والإعلامية السورية أن زيارة برامريتس إلى دمشق فى 25 إبريل الماضى والتى التقى خلالها بالرئيس السورى بشار الأسد تبعث على الارتياح، وهو ما عبر عنه الرئيس الأسد أمام أكثر من زائر، حيث نقل عنه القول إن برامريتس يتمتع بمهنية عالية، على خلاف سلفه ديتليف ميليس الذي كان منحازا لواشنطن  كما أن القرار جاء بعد زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى دمشق خلال شهر مايو ، الأمر الذي أربك واشنطن وحكومة فؤاد السنيورة الموالية لها لأنه يؤكد أن حلفاء سوريا في لبنان ومنهم برى مازالوا يصرون على علاقات جيدة مع دمشق وهو ما يهدد بانفراط عهد هيمنة القوى المعارضة لسوريا على الحياة السياسية اللبنانية منذ اغتيال الحريرى.


   وحذر المراقبون من أن العلاقات السورية اللبنانية على وشك أن تشهد مرحلة تصعيد جديدة، بعد صدور القرار ، بسبب مزاعم القوى اللبنانية المعارضة لسوريا حول استمرار تغلغل جيوب أجهزة الأمن السورية فى الحياة اللبنانية في محاولة لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، التى تتهمها دمشق بأنها السبب في صدور القرار الجديد بعد زيارة قام بها السنيورة لواشنطن في إبريل الماضى طلب خلالها من الرئيس الأمريكى جورج بوش استصدار قرار جديد من مجلس الأمن أشد لهجة، يلزم دمشق التنفيذ الكامل للقرار 1559 ووضع حد لتدخلها فى الشأن اللبنانى وأشار المراقبون إلى أنه يزيد من حدة التوتر أيضا ، حكم قضائي سوري صدر عن محكمة حلب العسكرية في أواخر إبريل الماضى باستدعاء الزعيم اللبناني وليد جنبلاط أمام المحكمة لاستجوابه بتهمة تشويه سمعة سوريا، وتحميلها مسئولية اغتيال عدد من الصحفيين والسياسيين اللبنانيين، وهو مااعتبرته القوى اللبنانية المعارضة لسوريا إشارة ذات مغزى، تعنى إصرار دمشق على اعتبار لبنان مجرد ولاية سورية وليس بلدا مستقلا.

   وأضاف المراقبون أنه رغم مضي عام على خروج القوات السورية من لبنان، إلا أنه لايزال الحوار بين بيروت ودمشق، أملا في فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، يتعثر في دروب صعبة، ولا يزال الجهد الذي يبذله الطرفان غير كاف لإقامة علاقات صحيحة تقوم على الثقة المتبادلة، والإقرار بحق اللبنانيين فى قرارهم الوطني في إطار فهم متبادل للمصالح الاستراتيجية المشتركة، ولا تزال فرص التدخل الخارجي لتوسيع هوة الخلاف أكبر من فرص تدخل الأصدقاء والأشقاء لرأب الصدع في علاقات البلدين.

   أثار اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى في 14 فبراير 2005 أزمة سياسية عنيفة اندلعت على إثرها موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق في لبنان تطالب بانسحاب القوات السورية ومسؤولي الاستخبارات السورية من لبنان وهو مااستغلته أمريكا جيدا حيث نجحت في تمرير قرار في مجلس الامن الدولى هو القرار 1559 الذى يطالب سوريا بالانسحاب بشكل كامل من لبنان كما يطالب بنزع أسلحة المليشيات في لبنان ، في إشارة إلي نزع أسلحة حزب الله اللبنانى وسحبت سوريا قواتها من لبنان في 26 إبريل عام 2005 ، ورغم ذلك مازالت الخلافات تتصاعد بين البلدين حيث يدور خلاف على ترسيم الحدود اللبنانية السورية في قطاع مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل. ويعتبر حزب الله الشيعي اللبناني أن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان لم يكتمل عام 2000 طالما ان اسرائيل لا تزال تحتل مزارع شبعا الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا ولبنان واسرائيل  ومن جهتها فان الامم المتحدة تعتبر هذه المنطقة التي احتلتها اسرائيل من سوريا عام 1967، ضمن الاراضي السورية حتى اشعار اخر.


   وقد اعلنت السلطات السورية عدة مرات شفهيا ان هذه الاراضي لبنانية وتصر حكومة السنيورة المعارضة لدمشق على ضرورة ترسيم الحدود فى منطقة شبعا التى اعترف السوريون شفاهة بأنها جزء من أرض لبنان، وتطالب بإقامة علاقات دبلوماسية بين دمشق وبيروت، ترتب مصالح الجانبين على أساس المصلحة المتكافئة وحسن الجوار، إلا أن دمشق تتخوف من أن يسارع لبنان إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في حال ترسيم الحدود وانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وهو مايضعف موقفها في التفاوض على استرداد الجولان السورى المحتل من قبل إسرائيل ، خاصة وأن مقاومة حزب الله المدعوم من سوريا في مزارع شبعا تشكل ضغطا على إسرائيل لتقديم تنازلات لسوريا ، كما أنه في حال ترسيم الحدود فإن القوى اللبنانية المعادية لسوريا سوف تسارع إلى نزع سلاح حزب الله حليف دمشق ، بما يضعف موقف سوريا أكثر وأكثر.


   وتستغل واشنطن تلك القضايا لتعميق الخلافات السورية اللبنانية وتصعيد الضغوط على سوريا ، ولذلك تجاهل موفد الأمين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن، المكلف تطبيق القرار 1559 في تقريره الذي قدمه لمجلس الامن في العاشر من مايو حول التقدم الحاصل في تطبيق هذا القرار ، الاشارة لنقطتين مهمتين هما أن سوريا كانت قد اعلنت في السابق انه لا مانع لديها من حيث المبدأ من اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عندما تتوفر الظروف الملائمة والمناخ المواتي ، كما كانت سوريا قد ابلغت لبنان برسالة وجهها رئيس مجلس وزراء سوريا بتاريخ 14/ 11/ 2005 موافقتها على استئناف عمل لجان الحدود المشتركة بين البلدين ، وهو ما يعنى أنه لا داع لصدور القرار الجديد وتدخل مجلس الامن في الشئون الداخلية والعلاقات الثنائية بين الدول ، خلافا لأحكام الميثاق واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية  كما تجاهل القرار الجديد تأكيد لارسن توقف جميع عمليات تهريب الاسلحة إلى لبنان منذ فبراير2006 ، بالاضافة إلى تجاهل التقرير لانتهاكات اسرائيل البرية والجوية والبحرية المتكررة لسيادة واستقلال وسلامة الاراضي اللبنانية بما يؤكد أنه يصب في خدمة الاهداف الاسرائيلية في المنطقة.‏

منذ استقلال سوريا 1946م خضعت العلاقات الأمريكية - السورية لشدٍّ وجذبٍ؛ فقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية تمامًا بعد يونيو 1967، خصوصًا مع وجود خطاب بعثي وصف بأنه "متشدد"، انتهج مبدأ "الحرب الشعبية" لتحرير فلسطين، فضلاً عن ارتباطه مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، واستمرت العلاقات على هذه الحال مع وصول الرئيس حافظ الأسد للحكم عام 1970م، لكنها دخلت مرحلة جديدة في سنة 1974م بعد حرب أكتوبر مع توقيع اتفاقية فصل القوات، بعد مفاوضات مكوكية قام بها كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بين دمشق وتل أبيب، ثم خضعت للتجاذب فيما بعد، خاصة بعد التدخل السوري في لبنان الذي كرس الدور الإقليمي لسوريا، وانتهى بواشنطن إلى إقراره بعد حرب الخليج الثانية، التي شهدت عودة الجولات المكوكية بين واشنطن ودمشق، التي قام بها هذه المرة جيمس بيكر الذي أقنع الأسد بالانضمام للتحالف الدولي تحت قيادة الولايات المتحدة "لإخراج" العراق من الكويت، ثم بالمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1990.

 حافظت العلاقات بعدها على نوع من "التفاهم غير المعلن" خلال حكم الرئيس بيل كيلنتون وكان منهج الأسد الأب الاستفادة من المفاوضات السورية - الإسرائيلية بشكل يساعد في تحسين العلاقة مع أمريكا دون الاصطدام معها. وجاء تأييد واشنطن للأسد الابن في استلامه للسلطة من خلال زيارة أولبرايت وزيرة الخارجية آنذاك لدمشق، باعتباره امتدادًا لنهج أبيه، وخصوصًا فيما يتعلق برغبته في السلام واستمرار المفاوضات السورية- الإسرائيلية لكن التوتر عاد مجددا للعلاقات الأمريكية - السورية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وبعد زعم واشنطن ان اى مقاومة للاحتلال في العالم العربى هى إرهاب وصعد الرئيس جورج بوش الابن الذى تضم إدارته حلفاء إسرائيل أو ما يطلق عليهم "الصقور" من أمثال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، ضغوطه على سوريا لوقف دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية وللانضمام للحرب التى يشنها على مايسمى بالارهاب واعلن ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكية في عام 2001 أن الولايات المتحدة "قد تقوم بعمل عسكري ضد دول مثل سوريا إذا لم تستجب للمطالب الأمريكية والغربية"،

    وقد أثارت تصريحاته تلك في ذلك الوقت احتجاجات شديدة اللهجة من قبل الحكومة السورية، فاستدعت وزارة الخارجية السفير الأمريكي بدمشق تيودور قطوف لإبلاغه احتجاجها الشديد على تصريحات أرميتاج، لكن تصريحاته تكررت خصوصًا بالنسبة إلى دعم سوريا ل "حزب الله"، ثم أتت بعد ذلك تصريحات مساعد وزير الخارجية في ذلك الوقت جون بولتون الذي أضاف سوريا إلى دول "محور الشر" أعقب ذلك كله قرار الكونجرس الأمريكي الذي صادق عليه بوش فيما بعد بعدم إعطاء الرعايا السوريين تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة (بالرغم من وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين)، ثم أعقبه "قانون محاسبة سوريا" الذي جرت مناقشته في (سبتمبر 2002)، ويحمّل سوريا مسئولية أي عملية يقوم بها "حزب الله" أو أحد التنظيمات الفلسطينية المقيمة في سوريا، ويطالبها بضرورة وقف تصدير النفط العراقي عبر أراضيها. 
    ونظرا لان سوريا كانت تتخوف منذ أحداث سبتمبر من المدى الذي يمكن أن تبلغه "الحرب ضد الإرهاب"، ألحت باستمرار على "ضرورة تعريف الإرهاب"، وانطلاقًا من تخوفها هذا ورغبتها في تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة أيضًا قدمت تعاونًا "استخباراتيًّا" ملحوظًا في "الحرب ضد الإرهاب"، ربما فاجأ المسئولين في الإدارة الأمريكية بحجمه، وكان السوريون يتوقعون أن يؤثر هذا التعاون في طبيعة العلاقات مع أمريكا ، لكنه لم يسفر إلا عن تجميد "قانون محاسبة سوريا" الذي بدا واضحًا حينها أنه محاولة "للضغط" لتقديم "تعاون" في الحرب الأمريكية ضد "الإرهاب" ، ثم تطبيقه بالفعل في عام 2005  ولم تكن إسرائيل بمنأى عن هذا التدهور ، وبدت عاملاً مهمًا في تعثر العلاقات الأمريكية- السورية، ومنذ أحداث سبتمبر انقلبت إسرائيل بشكل ساخر إلى دولة "محارِبة للإرهاب" مستغلة الشحنة الانفعالية لأحداث سبتمبر إلى أقصى مدى، بدأ بتشبيهها "إرهاب 11 سبتمبر" بـ"الإرهاب الفلسطيني"، وصولاً إلى سعيها المحموم للزج باسم سوريا ضمن اللائحة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، تارة من خلال الملف الفلسطيني، وأخرى من مدخل "الملف العراقي". 
  ومع تعقيدات الأزمة العراقية وبروز خيار الحرب لم يكن من بدّ أمام الرئيس بشار الاسد إلا التعاطي بشكل مختلف عن تعاطي الأسد الأب في حرب الخليج الثانية، فكان الموقف السوري من أشد المواقف صلابة وهو ما دفع إلى التصادم الذي كانت سياسة الأسد الأب تقوم على تفاديه ، فقد عارض الابن الحرب على الدوام ، لأنه يدرك جيدًا اختلاف المرحلة والأهداف، فدخول أمريكا للعراق يعني إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتوافق مع أمن العدو الإسرائيلي، وفقدان العمق الإستراتيجي لسوريا في العراق، ووقوع سوريا بين فكي كماشة: "الجار الأمريكي" الجديد، والعدو الإسرائيلي، وهذا لا شك ستكون له انعكاساته الإقليمية، وخاصة في العلاقة مع تركيا التي ترتبط باتفاقيات مع إسرائيل؛ الأمر الذي يعني عزل سوريا تمامًا وهو ما سيشكل ضغوطًا شديدة على المصالح السورية تفضي إلى "تنازلات" مؤلمة أمام إسرائيل، كما أن من شأنه تصفية المقاومة الفلسطينية التي تؤوي سوريا عددًا من قياداتها. 
   ولذلك تزايدت حدة المعارضة السورية للحرب مصممة على كونها "احتلالاً" و"غير شرعية"، وكان لافتًا صدور فتوى سورية (26-3-2003) بالحث على "العمليات الاستشهادية" في العراق ضد الأمريكيين، وكانت إسرائيل ترقب الوضع عن كثب وفق سياسة "انتهاز" الفرص المعهودة منها، فسرّبت أخبارًا تحريضية ظهرت على لسان وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد في مؤتمر صحفي (28-3-03) قائلاً: "لدينا معلومات بأن شحنات من العتاد العسكري تعبر الحدود من سوريا إلى العراق بما في ذلك مناظير للرؤية الليلية"، وقد سئل عن "عمل عسكري" ضد سوريا فلم يجب. وجاء الرد السوري مباشرة بأن تصريحات رامسفيلد "محاولة لتغطية ما ترتكبه قواته بحق المدنيين في العراق". وفي هذا السياق جاءت تحذيرات رامسفيلد لإيران أيضًا (28-3-2003) من "مغبة السماح بأي أنشطة عسكرية" في العراق؛ الأمر الذي يرجح صحة الرؤية السورية للتهديدات. 
  وأدى سقوط بغداد (9-4-2003) إلى زيادة التصعيد الأمريكي؛ فقد حذرت الولايات المتحدة الدول التي تتهمها "بالسعي" لامتلاك أسلحة غير تقليدية -ومن بينها إيران وسوريا وكوريا الشمالية- بأن تأخذ العبرة من "درس العراق" وطالبت واشنطن دمشق بأن تقدم تعاونًا كاملاً في القبض على الهاربين من أعضاء حكومة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، وبإغلاق الحدود في وجه الهاربين، مع أن سوريا صرحت سابقًا بإغلاق الحدود إلا أمام المساعدات الإنسانية وهدد ريتشارد بيرل، مخطط الغزو الامريكى للعراق الذي كان يرأس "مجلس السياسة الدفاعية" في البنتاجون هدد في (12-4-2003) بأن "سوريا ستصبح هدفًا عسكريًّا محتملاً إذا تبين أن في حيازتها أسلحة دمار شامل عراقية" ، وهو الأمر الذي ربما رفع حدة التكهنات بالخيار العسكري لدى البعض؛ إذ يصدر من "مهندس" الغزو الأمريكي للعراق هذه المرة ثم عاد باول ليكرر (13-4-2003) الاتهامات بشأن إيواء مسؤولين عراقيين وتخزين أسلحة دمار شامل عراقية، وتزويد بغداد بالعتاد العسكري أثناء الغزو، مشيرًا إلى قلق واشنطن من إيران وكوريا الشمالية باعتبارهما جزءًا من "محور الشر". 
   وأثارت تلك التهديدات مخاوف المجتمع الدولى ، وحث مسؤول السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا (14-4-2003) الولايات المتحدة على "تخفيف نبرتها الحادة ضد سوريا"، قائلاً: "إنه حان وقت تهدئة الوضع المتوتر في الشرق الأوسط". كما حذر وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر (15-4-2003) الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من مخاطر وقوع "مواجهة جديدة" مع سوريا في خضم الحرب على العراق. وقال للصحفيين في لوكسمبورج: إنه يجب تركيز الجهود على كيفية "كسب السلام في العراق وعدم الدخول في مواجهة أخرى". ودعت موسكو -على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر لوسيوكوف- الولايات المتحدة إلى "مزيد من ضبط النفس في تصريحاتها حيال سوريا"، معربة عن قلقلها من أن هذه التصريحات يمكن أن تعقد الوضع في منطقة الشرق الأوسط.

 تضغط أمريكا وإسرائيل على سوريا لتقديم تنازلات في عدد من القضايا أبرزها :
1. إزالة وحل المنظمات الفلسطينية التي تعمل من دمشق ومن بينها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي.
2. إنهاء تعاون سوريا مع إيران، ومن ذلك محاولات نقل أسلحة إلى الفلسطينيين ، وتحريض الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
3. نشر الجيش اللبناني على امتداد حدود لبنان مع إسرائيل وطرد حزب الله من المنطقة.
4. تفكيك شبكة صواريخ أرض- أرض تزعم إسرائيل أن حزب الله أقامها في جنوب لبنان.
5 - منع دخول المسلحين إلى العراق . 
   ويري مراقبون أن الادارة الأمريكية تدرك جيّدًا "صلابة" الموقف السوري، وأنه ليس وليد اليوم، لذلك تسعى إلى تكثيف الضغط النفسي لإدخال الحكومة السورية في حلقة مفرغة من التوتر وحالة اللاحسم: تصعيد ثم تهدئة ثم تصعيد ثم تهدئة، مستغلة فى ذلك مشهد الخراب والدمار بعد إسقاط نظام صدام في العراق، وكون الجيوش الأمريكية في الجوار، الامر الذي من شانه إفقاد سوريا توازنها وبالتالى تطويعها بما يخدم مخططات امريكا وإسرائيل دون اللجوء لعمل لعسكرى .

 


 

جهان مصطفى

المصدر : المحيط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...