عمرو خالد: الصحابة كانوا رجال أعمال والرسول أول مدير ناجح

21-05-2006

عمرو خالد: الصحابة كانوا رجال أعمال والرسول أول مدير ناجح

لم يكن من الغريب أن تختار النيويورك تايمز الأمريكية شخصية عمرو خالد لتسلط عليها الضوء وتقدمها للخارجية الأمريكية ولمراكز صناعة القرار التى تشغل نفسها بالبحث عن سيناريوهات مختلفة للمستقبل فى المنطقة، أو تبحث عن نوع من الإسلام الموالى للغرب، رأت المجلة فى عمرو خالد نموذجا له، ولم يكن غريبا أن تعقد الباحثة اليهودية سامنتا شابيرو مقارنة بين عمرو خالد وبين داعية شهير وكبير مثل يوسف القرضاوى تقول فيها إن القرضاوى يتحدث كثيرا عن ضرورة دعم المقاومة فى العراق وفلسطين فى حين أن عمرو خالد لا يفعل ذلك بل إنه يقول لجمهوره إن أفضل وسيلة لتحرير القدس هى أن ينجح المسلم فى عمله ودراسته وأن يساعد الآخرين على مزيد من التدين!

الدراسة التى اهتمت بتقديم عمرو خالد لمراكز صناعة القرار فى أمريكا كانت تحت عنوان «مد يد العون لمسلم متطلع» وهى تضمنت لقاء مع مسئول فى الخارجية الأمريكية قال أن موظفى الخارجية يرحبون بعمرو خالد إذا جاء إلى واشنطن حتى يعرف الجميع أنه لا مشكلة لواشنطن مع الإسلام المعتدل أو حتى المحافظ، ولكن مشكلتهم مع الجريمة المسماة بالإرهاب، كانت هذه المقدمة المعلوماتية ضرورية للإجابة عن سؤالين أولهما هو: ماذا يريد عمرو خالد من أمريكا؟ وثانيهما ماذا تريد أمريكا من نموذج مثل عمرو خالد بذل مجهودا كبيرا طوال سنوات كى يقدم نفسه لها؟!

قبل أن نجيب عن السؤالين يجب أن نقول أنه إذا كان ما نشرته النيويورك تايمز كان بمثابة مفاجأة للكثيرين فإنه لم يكن مفاجأة لمجلة مثل روزاليوسف اعتادت على أن تقرأ ما وراء الأحداث وتحولت إلى مرجع رئيسى فى قضايا كثيرة كان من بينها ملف عمرو خالد الذى اهتممنا بقراءته والتأمل فيه منذ خمس سنوات أو أكثر، وكان مجمل قراءتنا يقول أن هذا الشاب يروج لمشروع سياسى تختلط فيه السياسة بالدين بالاقتصاد بأشياء أخرى، وكان هذا يثير اندهاش الكثيرين الذين كثيرا ما علقوا ولكنه ليس له علاقة بالسياسة، ولكنه أبسط من ذلك، وبالطبع فالاهتمام بالسياسة والعمل بها حق للجميع، لكن الطابع الأخلاقى والدعوى لعمرو خالد كان يساهم مساهمة كبيرة فى اجتذاب الآلاف من الشبان من أبناء الطبقة الوسطى الذين فوجئوا بعد رحلة سنوات مع عمرو خالد أنهم جزء من مشروع سياسى كبير تشاركت فى صياغته جهات عديدة، مشروع يمكن أن ترى فيه بوضوح جماعة الإخوان المسلمين أو جناحا منها على الأقل. ويمكن أن ترى فيه أيضا جماعات كبيرة ومؤثرة من رجال الأعمال. ويمكن أن ترى فيه أيضا وبوضوح رعاية سعودية تعبر عن توجهات فى الأسرة المالكة السعودية ترغب فى دعم نوع آخر من الإسلام مخالف فى طبيعته للإسلام الوهابى العنيف والذى كادت المملكة تدفع فاتورة غالية لرعايتها له بعد أحداث 11 سبتمبر. ولعل أيا من هذه الأطراف لا يمكن أن يثير غضب أمريكا التى تتعطش مراكز صناعة القرار فيها لنموذج إسلامى لا يناصب المصالح الأمريكية فى المنطقة العداء، ولعل الذين قدموا عمرو خالد للإدارة الأمريكية فى هذه اللحظة كانوا يدركون هذا جيدا.

التفاصيل كثيرة لذلك لابد أن نحدد الأسئلة:
1- ما الذى يريده عمرو خالد؟
2- هل ما كتبته النيويورك تايمز عنه كان بمثابة مفاجأة؟
3- ما الذى تريده أمريكا؟
قراءة مسار الحوادث تدل على أن عمرو خالد صاحب مشروع سياسى طموح وأنه من البداية كان حريصا على صياغة مشروع سياسى إسلامى يلاقى قبول الغرب. وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، هذا المشروع له جاذبية كبيرة ليس لأنه أصيل فى حد ذاته ولكن لأنه ينطوى على شىء من كل شىء تماما مثل عمرو نفسه، يعرف شيئا من الدين وشيئا من الإدارة. وشيئا من الخبرة فى البيزنس، وشيئا من السياسة، علاقة غير أصيلة لكنها خليط مطلوب من مصالح ومراكز قوى سيكون لها تأثير كبير فى المستقبل. هو من أبناء الطبقة الجديدة فى مصر التى بات واضحا أنها ستتحكم فى مقاليد المستقبل خلال السنوات العشر القادمة، تبلور اتجاهه الإسلامى فى الثمانينيات واكتشف أن هناك عدة صعوبات تواجه جيله من الشباب داخل جماعة الإخوان أبرزها ديكتاتورية شيوخ الجماعة، وعلى المستوى الخارجى كانت أدبيات الجماعة تقول أن عدم وصول الإخوان للحكم فى الدول الإسلامية سببه العداء الأمريكى لها والخوف منها، حيث كانت كتابات الجماعة تتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء كل محن الجماعة من اغتيال حسن البنا إلى تزوير الانتخابات! فى نفس الوقت وكموظف فى بنك كبير كان عمرو خالد مجبرا على اجتياز دورات التنمية الذاتية والشخصية وتنمية المهارات، وهذه فى حد ذاتها أبرز منجزات الثقافة الأمريكية فى القرن الأخير حتى إننا يمكن أن نسمى هذا النوع من العلوم الإدارية العابرة للقارات (إنجيل العولمة)، كان التميز الحقيقى لعمرو خالد أنه قام بأسلمة هذه العلوم وقدمها للشباب وهو نفس ما فعله فى الخليج داعية آخر هو طارق سويدان وإن كان سويدان أكثر صراحة ووضوحا فى حديثه عن هذه المناهج.

قام عمرو خالد بإعادة قراءة للسيرة النبوية ليقول للشباب أن الرسول «صلى الله عليه وسلم » كان أول مدير ناجح وأن الصحابة كانوا رجال أعمال ومليونيرات وأن جمع الثروة هو دليل رضا الله على العبد وأن المسلم الصالح هو المسلم الثرى!! الخ.. باختصار قدم عمرو خالد ما يمكن تسميته بالتفسير الرأسمالى للإسلام وأعتقد أن هذه كانت الورقة الأولى التى يقدمها فى ملف اعتماده لدى الدوائر الغربية حتى إن لم تقرأ هذه الدوائر الملف سوى متأخرا، إلى جانب هذا قدم عمرو خالد أسلوبا وعظيا متأثرا إلى حد التناسخ مع أساليب الوعاظ البروتستانت فى الكنائس الغربية مهد له بفترة كان يتردد فيها على الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة ليطلع على أسلوب مختلف فى الوعظ من حيث الشكل، وإن كان أحد لا يساوره شك فى أنه كان - وسيظل - مخلصا أشد الإخلاص لمشروعه القائم على الإحياء الرأسمالى للإسلام ولعل هذه كانت الورقة الثانية فى ملف اعتماده لدى الدوائر الأمريكية، الحديث عن تنمية المهارات الفردية للشباب والاستفادة من الوقت وضرورة العمل لم يكن فقط رسالة تطمين للآباء الموسرين بأن أبناءهم فى أيدى مرب أمين لكنه كان أيضا تفسيرا جديدا لإسلام يغفل البعد الإرهابى أو الجهادى الذى أحياه فى نفوس الشباب أشخاص مثل شكرى مصطفى وعمر عبد الرحمن. وعندما خرج عمرو خالد من مصر وقدم له المستثمر السعودى صالح كامل كل أوجه الرعاية الممكنة ثم وقع الغزو الأمريكى للعراق مارس 2003. وقدم عمرو خالد برنامجا يوميا على الهواء بعنوان «حتى يغيروا ما بأنفسهم». هذا البرنامج ربما كان الورقة الثالثة فى ملف اعتماد عمرو خالد الأمريكى فهو كما يبدو من العنوان تحدث مع الشباب عن وسائل جديدة لمقاومة الغزو، وفى الوقت الذى كانت فيه المظاهرات الغاضبة تجوب الشوارع. وتطلب فتح باب الجهاد فى العراق أقترح عمرو خالد على جمهوره إرسال رسائل إلكترونية غاضبة للسفارات الأمريكية! وفى حلقة تالية اقترح إرسال رسائل المحمول! وقال أن القدس لن تتحرر إلا إذا امتلأت المساجد بالمصلين فى صلاة الفجر وفى رأى الكثيرين فإن هذا كان نوعا من تمييع مشاعر الغضب لدى الشباب الغاضب جدا وقتها، وكان أيضا نوعا من أنواع خدمة التوجهات السياسية للمحطة السعودية التى يبث عمرو خالد برامجه من خلالها، ولعل الموقف من القتال فى العراق وفلسطين كان أهم المبررات التى ساقتها النيويورك تايمز فى تقديمها لعمرو خالد وتفضيلها له على داعية مثل يوسف القرضاوى وصفته بأنه يتحدث كثيرا عن القتال فى العراق وفلسطين!!

الورقة الرابعة والأهم فى ملف الاعتماد كانت بعد انتقال عمرو خالد للإقامة فى لندن حيث قام تنظيم القاعدة بعدة عمليات إرهابية ضاعفت فكرة الخوف من الإسلام والبحث عن بديل إسلامى صديق للغرب، ولعل هذا ما دعا الخارجية والمخابرات فى بريطانيا لوضع خطة تحت عنوان عملية المسابقة تهدف إلى دعم الدعاة المعتدلين الذين يعيشون فى إنجلترا، وكان عمرو خالد هو الاسم الأول الذى تقرر دعمه! ووفقا للخطة كان يجب إقامة نوع من المنظمات المدنية الصديقة للغرب وهو ما تم بالفعل حيث أسس عمرو منظمة مدنية هى (البداية الصحيحة) بهدف دعم المشروعات الصغيرة والقضاء على البطالة فى صفوف الشباب فى الدول الإسلامية على اعتبار أن البطالة هى أحد أسباب انتشار التطرف بين الشباب المسلم وحصلت المنظمة على دعم قيمته 8 ملايين جنيه إسترلينى من صندوق دعم الفرص فى الخارجية البريطانية عن العام الماضى! بعدها انتقل عمرو خالد ليكثف نشاطه فى مصر وسط تكهنات بإعلانه عن وجه سياسى صريح من خلال سلسلة جمعيات صناع الحياة وأسئلة عما إذا كان التنظيم الشبابى الجديد سيكون مناصرا للإخوان أم منافسا لهم، لكن عمرو خالد مرر الورق ولم يشأ أن يلعب فى هذه الدورة لحسابات لها علاقة بحس سياسى بارع وقدرة عالية على قراءة الظروف المحيطة والرغبة فى عدم المغامرة والخسارة، بعدها وحين اشتعلت أزمة الرسوم المسيئة للرسول «صلى الله عليه وسلم » لعب عمرو خالد اللعبة الأبرع وقدم الورقة الأهم فى ملف اعتماده وكان فى هذه المرة أيضا فى مواجهة أستاذه القديم يوسف القرضاوى.. قرر عمرو خالد أن يخرج على الإجماع المعادى للغرب وذهب إلى الدنمارك طالبا الحوار! لم يكن المهم هو الحدث نفسه ولكن دلالته وتعبيره عن أن هناك شخصا له جمهور كبير فى العالم الإسلامى يمكن للغرب أن يتحدث معه إذا أراد؟ لم يكن ما حدث وما سيحدث صدفة ولكنه ثمار تخطيط لشاب طموح استخدم الدين لبناء مشروع سياسى اقتصادى ضخم. مشروع تنبع جاذبيته من أنه نقطة التقاء لمشاريع عديدة قديمة لم يستطع كل منها أن يتحقق بمفرده.. الإخوان المسلمون غير غاضبين من الابن القديم للجماعة ويعتبرون جهوده تصب فى صالحهم رغم أن الرجل قطع كل صلة تنظيمية له بالجماعة وإن بقى منتميا بدرجة كبيرة لمشروعها الفكرى. ورجال الأعمال سعداء جدا بهذا الشاب الذى قدم تفسيرا إسلاميا لا يعادى الثروة ولا يحث على الزهد ولا يعتبر البذخ فى نمط المعيشة من الأشياء التى تغضب الله. وهناك أيضا الجمهور غير المستدعى للمشاركة فى أى شىء وهؤلاء وفر لهم عمرو نمطا من المشاركة الافتراضية التليفزيونية واقترح عليهم مشروعات ومبادرات كبيرة جدا أشعرتهم بأنهم مازالوا على قيد الحياة السياسية، هذا المشروع أيضا هو نقطة يلتقى عندها الباحثون عن إسلام لا يتعارض مع المصالح الغربية فى المنطقة ويندمج فى حركة الاقتصاد العالمى، ولعل هذا هو المشروع الذى اجتهد عمرو خالد فى صياغته طوال السنوات الماضية.

 

وائل لطفى

المصدر: روز اليوسف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...