د. نبيل سكر يدعو لحوار صريح حول إصلاح القطاع العام أو خصخصته

07-06-2007

د. نبيل سكر يدعو لحوار صريح حول إصلاح القطاع العام أو خصخصته

الجمل ـ د . نبيل سكر : قرأنا في صحيفة الثورة بتاريخ 22/02/2007 نتائج أعمال لجنة القطاع العام الصناعي التي تم تكليفها من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء لوضع الإطار التشريعي لإصلاح القطاع العام الصناعي، وتبين من نتائج أعمال اللجنة أن هناك إجماع بين أعضاء اللجنة على ضرورة إصلاح القطاع العام الصناعي (الذي بلغت خسائره في العام 2006 مبلغ 85 مليار ليرة سورية)، وإجماع على توسيع صلاحيات مجالس إدارة شركات ومؤسسات القطاع العام الصناعي. ولكن كان هناك اختلافاً جوهرياً بين أعضائها حول منهجية وآلية إصلاح هذا القطاع، مما جعل اللجنة تخلص إلى صيغتين لمشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي، تاركين لصاحب القرار اعتماد البديل الذي يراه مناسباً.

ولدى قراءتي لأوجه الاختلاف أجد نفسي مع الصيغة الأكثر مرونة والتي تنادي بفصل القطاع العام الصناعي عن وزارة الصناعة وإلحاقه بهيئة تنفيذية تقام لتأهيل القطاع العام، وإخضاع منشآت القطاع العام لقانون التجارة وقانون العمل، وإغلاق الشركات الخاسرة منه فوراً.  وأجد بنفس الوقت أن الصيغة الأخرى المتشددة التي تكرس ارتباط القطاع العام الصناعي بالهرم البيروقراطي للدولة وإخضاع عماله للقانون الأساسي للعاملين في الدولة، ومعالجة الشركات الخاسرة من خلال الدمج أو تغيير النشاط أو نقل تبعية الشركة إلى إحدى الجهات العامة الأخرى، ما هي إلا صيغة تشكل استمراراً للمحاولات السابقة غير المجدية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي التي بدأت في العام 1994 بإحلال المرسوم التشريعي رقم 20 محل المرسوم التشريعي رقم 87 لعام 1974 ثم إحلال القانون رقم 2 لعام 2005 محل المرسوم رقم 20 لعام 1994، والتي لم تتضمن إلاّ إصلاحات تجميلية أدخلتنا في دوامات مفرغة على مدى ثلاثة عشر عاماً وأضاعت علينا فرصاً للإصلاح الجدي للقطاع العام ووقف نزيفه المستمر للمال العام، وخسارة عوائد كان يمكن أن تجنى من استثمار هذا القطاع استثماراً جيداً.
وبالمقابل فإن الصيغة المرنة المقترحة لإصلاح القطاع العام الصناعي (والتي يمكن وصفها بالإنجليزية "Corporatization" ) تحمل معها بعض الأمل، ويمكن أن تنجح في تقليص خسائر القطاع العام واستنزافه للمال العام إذا طبقت بطريقة سليمة. ولكنني مع ذلك غير متأكد من إمكانية قدرتها على جعل القطاع العام ديناميكياً وقادراً على النمو والازدهار وقادراً على إدخال سورية في الأسواق التنافسية العالمية، وذلك للأسباب التالية:
1. صعوبة فصل المنشآت الإنتاجية عن الهرم البيروقراطي في الدولة وإعطاء هذه المنشآت الاستقلالية التامة في قرارات الشراء والبيع والتوظيف بعيداً عن تدخلات الدولة والحزب، وصعوبة خلق ثقافة المنافسة لدى المديرين والمرؤوسين والتابعين خلال فترة قصيرة من الزمن وصعوبة وقف الفساد والهدر والصفقات الكبرى غير المشروعة في القطاع العام وصعوبة إقامة رقابة فعالة على إدارة هذا القطاع (على غرار رقابة الجمعيات العمومية في شركات القطاع الخاص). 
2. عدم توفر المال الكافي لدى الدولة لدعم القطاع العام الصناعي حتى يستطيع القيام بالاستثمارات الكبيرة اللازمة لإعادة الهيكلة التقنية (رفع المستوى التقني للآلات والمعدات وتكثيف استخدامه لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات) بالتلازم مع الهيكلة الإدارية المقترحة، وذلك بسبب تراجع الموارد المالية للدولة مع انحسار الحقبة النفطية، ومتطلبات الاستثمار في رأس المال البشري والإنفاق في مجالات الصحة والتعليم، فضلاً عن متطلبات تجديد البنية التحتية في البلاد، ومتطلبات الأمن القومي. كما أكد القانون المالي الجديد للدولة (الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2006) على إلزام مؤسسات القطاع العام بتمويل استثماراتها بنفسها من خلال فوائضها المالية المحققة، ومن خلال الاقتراض من السوق المالية أو طرح الأسهم للاكتتاب العام. ولا يخفي على أحد صعوبة نجاح القطاع العام بطرح أسهمه للاكتتاب العام بأمل إدخال شركاء معه من القطاع الخاص.

إن الهدف ليس مجرد إنقاذ القطاع العام ووقف خسائره ونزيفه للمال العام، فهذا هو الحد الأدنى، لكن الهدف الأكبر هو أولاً رفع أداء القطاع العام الصناعي وقدرته التسويقية والتنافسية وتحقيق عائد مرتفع على هذه الكتلة الكبيرة من الأصول الرأسمالية التي تم ضخها في الاقتصاد الوطني على مدى أربعين عاماً دون أن تحقق ريعية مقبولة، وثانياً ضرورة انتقال الصناعة السورية من الانغلاق إلى الاندماج في حلقات الإنتاج والتسويق العالمية، وهو هدف لابد أن تتبناه الصناعة السورية حتى تعيش في زمن العولمة. وهذه التحديات لا يمكن مواجهتها بقطاع عام مشكوك بقدرته على التنظيم الداخلي فضلاً عن قدرته على التعامل والتعاطي مع هذه المتغيرات العالمية.

وأرى، على الرغم من تحفظاتي هذه، أن يتم تبني البديل المرن المقترح من قبل مجموعة الأقلية في اللجنة المذكورة أعلاه لإصلاح القطاع العام الصناعي (ومنه إقامة الهيئة التنفيذية المقترحة لإصلاحه والسماح له بإجراء عقود الإدارة مع جهات في القطاع الخاص ودعوة جهات القطاع الخاص للاستثمار في بعض منشآته لفترات محددة)، وذلك على أمل احتواء الضرر وتخفيف الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن على أن يشكل القانون المقترح للإصلاح مرحلة انتقال استعداداً لخصخصة القطاع العام الصناعي في مرحلة لاحقة، وتحديداً خلال فترة الخطة الخمسية الحادية عشرة، وكذلك على أن نعد العدة خلال السنوات الأربعة القادمة للتحضير للخصخصة. فأنا لا أعتقد أن أي إصلاح سيمكن القطاع العام من أن يصبح قطاعاً ديناميكياً قوياً، كما أني في الحقيقة لا أجد مبرراً للقطاع العام في العملية الإنتاجية على المدى البعيد. وأرى أن الشراكة بين القطاعين يجب أن تكون على أساس توزيع الأدوار، فالقطاع العام يتبنى دوراً اجتماعياً من خلال تركيزه على مجالات الصحة والتعليم وإقامة برامج وشبكات الحماية الاجتماعية (إضافة إلى الإنفاق على البنية التحتية ودوره التوجيهي للاقتصاد الوطني ورسم السياسات المالية والنقدية)، والقطاع الخاص يتولى ريادة العملية الإنتاجية. فقد أثبتت جميع تجارب دول العالم تفوق القطاع الخاص في العملية الإنتاجية وقدرته على تحقيق عائد أكبر للاستثمار في الاقتصاد الوطني، فضلاً عن أن قطاعنا العام محدود الموارد وعليه متطلبات اجتماعية كبيرة. فلماذا هذا الإصرار من قبل البعض على استمرار القطاع العام في العملية الإنتاجية؟ وإذا كان المبرر هو السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية فلنسرع بإصدار تشريعات تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار، ولنعجل بإقامة شبكات الحماية الاجتماعية كالضمان الصحي وتعويض البطالة، وهي التشريعات والمؤسسات الموجودة في جميع أنظمة اقتصاد السوق الغربية (أنظمة "الرأسمالية المتوحشة" بالنسبة للبعض) منذ عشرات السنين، بدلاً من الإصرار على ملكية الدولة لعوامل الإنتاج.

أما إذا كان المبرر هو "ضمان الوظيفة" فضمان الوظيفة لا يؤدي إلا إلى الخمول والكسل وقتل روح المبادرة والإبداع لدى العامل وسعيه للارتقاء الوظيفي وتطوير الذات، وهي آخر ما يحتاجه اقتصادنا الوطني في زمن العولمة والثورة الرقمية والتنافسية العالمية. والأفضل أن نعطي الأمان للعامل من خلال برامج الضمان الصحي وتعويض البطالة (فضلاً عن توفير التعليم المجاني والصحة المجانية) بدلاً من ضمان الوظيفة. لا بل أعتقد أن ريادة القطاع الخاص للعملية الإنتاجية (مع برامج حماية اجتماعية) هو في مصلحة الطبقة العاملة، لأن القطاع الخاص الديناميكي يوسع الاستثمارات ويوفر فرص عمل ويمنح أجوراً أعلى. ولتنظر الطبقة العاملة إلى الرفاهية التي وصلت إليها الطبقات العاملة في أنظمة السوق الغربية، حيث تتمتع هذه الطبقات بشبكات الحماية الاجتماعية وتتملك أسهم الشركات، ولم تعد تحتاج إلى اللجوء للإضراب. هل يذكر أحد منا آخر إضراب تم هناك، على غرار ما كان يحصل في النصف الأول من القرن الماضي وما قبله؟ ثم هاهي ماليزيا تخصخص وفيتنام تخصخص والهند تخصخص والصين تخصخص، فضلاً عن عشرات الدول الأخرى التي خصخصت قبلها، سعياً وراء التوزيع الأكفأ للموارد وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني ورفع معدلات النمو وتوسيع فرص العمالة. فلماذا هذا الطهر العقائدي في سورية وحدها؟ وهل هو الطهر العقائدي حقاً، أم أن بعضه هو المصالح المكتسبة، وبعضه الجهل بما آل إليه العالم من تغيير وبما يتوجب عمله للبقاء في هذا العالم الجديد؟ لقد كان القطاع العام الاقتصادي في سورية رائداً حين كان النمو يعتمد على الكثافة الرأسمالية (في السبعينات) وأصبح القطاع العام عبئاً حين أصبح النمو يعتمد على الكفاءة في توزيع الموارد، تماماً مثلما حصل في الاتحاد السوفيتي السابق، ولم يعد بإمكان اقتصادنا الوطني تحمل هذا العبء (الذي يتمثل بهدر موارد عامة كحد أدنى وبفوات عوائد على أصول استثمارية كبيرة كحد أقصى). ولئن تحملت الصين كلفة تأخير إصلاح / خصخصة مؤسسات الدولة الإنتاجية (حتى النصف الثاني من التسعينات) فذلك لأن الصين تتمتع بتدفقات استثمارية خارجية وصادرات سلعية هائلة عوضت عن كلفة التأخر بإصلاح وتخصيص مؤسساتها الإنتاجية (المتوسطة والصغيرة). أما نحن فلا نملك هذه الميزة.

ويذكرني إحجام الحكومة والحزب الخوض في موضوع الخصخصة اليوم برفضهما الخوض في موضوع "اقتصاد السوق" على مدى عشرين سنة أو أكثر، وقد كنت قد دعوت (ودعى غيري) إلى اقتصاد السوق في دراستي المقدمة إليهما في العام 1987 (الدراسة بعنوان: نحو اقتصاد اشتراكي متطور في القطر العربي السوري 7 تشرين الثاني 1987)، إلى أن تم اعتماد "اقتصاد السوق الاجتماعي" في منتصف عام 2005. كم كلفنا هذا التأخير بينما كان العالم من حولنا بتغير بسرعة. هل قدر سورية أن تتأخر دائما ثم تركض على أمل اللحاق بالآخرين؟ ولماذا؟ لعل على مجلس الشعب الجديد أن يسأل الحكومة هذا السؤال وغير هذا السؤال.

أعتقد أنه آن الأوان لاتخاذ القرار الجريء بالاستعداد للخصخصة المتدرجة والمنتقاة (والمبنية على أساس تقييم الوضع الإداري والمحاسبي الحقيقي والتقني لكل شركة على حدة)، وذلك بعد الإصلاح المقترح أعلاه، على أن يتم ذلك بشكل منهجي وبضوابط تبعدنا عن الفساد خلال عملية الخصخصة، (مثلما حصل في الاتحاد السوفياتي السابق وفي بلاد أخرى)، وتحمينا من سيطرة الرأسمال الأجنبي على اقتصادنا الوطني من خلالها، وعلى أن نستعد لهذه الخصخصة من خلال إقامة شبكات الحماية الاجتماعية اللازمة ومراكز التدريب والتأهيل وتشجيع إقامة المؤسسات الفردية الصغيرة والتعامل مع مشكلة العمالة الفائضة (انظر الدراسة التي أعددتها عام 2006 لمشروع التحديث المؤسساتي والقطاعي ISMF بعنوان "خيارات التعامل مع العمالة الفائضة في سورية"). لا بل أعتقد أنه علينا ألا نباشر بالخصخصة قبل أن نضع هذه البرامج والتشريعات موضع التنفيذ.

أعتقد أن علينا حسم قضية العام والخاص والشراكة بينهما، حتى نستطيع التفرغ لوضع السياسات والاستراتيجيات لتطوير قطاع الصناعة والارتقاء به إلى المستويات العالمية، وكذلك التفرغ لتطوير القطاع الخاص ورفع مستوى مؤسساته، حتى يستطيع ريادة الصناعة والقيام بالاستثمارات الكبيرة اللازمة لرفع السوية التكنولوجية للصناعة السورية وإدماجها في الاقتصاد العالمي من جهة، وحتى يساهم في امتصاص العمالة الفائضة من القطاع العام من جهة أخرى. وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تتحول فيه وزارة الصناعة من وزارة غارقة في حل المشاكل الإنتاجية والإدارية للقطاع العام الصناعي إلى وزارة تلعب دوراً تدخلياً استراتيجياً في كل من وضع الاستراتيجيات والسياسات وتحديد فرص الاستثمار الصناعي ذات الأولوية، وتطوير رأس المال البشري الصناعي وتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار، فضلاً عن تعزيز نشاط البحث والتطوير واستخدام أنظمة المعلومات والاتصالات لدى المؤسسات الإنتاجية وإقامة الحاضنات التكنولوجية.

وأخيراً، أرجو أن تطلق وجهة النظر التي قدمتها أعلاه حواراً صريحاً وجريئاً تحت عنوان: "إصلاح القطاع العام الاقتصادي أم خصخصته ما بعد الخطة الخمسية العاشرة"، حتى لا نجد أنفسنا و قد دخلنا الخصخصة، حين يأتي أوانها، من دون استعداد وتحضير، لأن الكلفة الاقتصادية للارتجال في موضوع الخصخصة كبيرة كبيرة.

                                                                الجمل 
       


  الدكتور نبيل سكر : nsukkar@scbdi.com

المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار واقتصادي رئيسي سابق في البنك  الدولي في واشنطن 

إلى الندوة

التعليقات

إصلاح القطاع العام أم خصخصته معتز حيسو : 8 / 7 / 2007 / م ----------------------------- ـــ تناول الدكتور نبيل سكر في موضوعه إصلاح القطاع العام أم خصخصته .. مجموعة من القضايا ذات الصلة المصيرية بالمواطن السوري. في عرضنا هذا سوف ننطلق من العام إلى الخاص ، لتقديرنا بأن هذا الشكل يساهم موضوعياً في إيضاح هدفنا . تتحدد المرحلة الراهنة بالعولمة التي تمثل شكلاً موضوعياً للرأسمالية في سياق حركتها التوسعية العابرة والمتجاوزة لكافة الحدود والقوانين ، لكن إذا دققنا النظر نرى بأن ما هو معولم ينحصر في : 1 ــ رأس المال المالي . ــ 2 ــ وسائل الإنتاج ، ( ويتم تصدير وسائل الإنتاج المستهلكة للطاقة ، والمنتجة للصناعات الملوثة للبيئة ، والمنتجة للصناعات المعمرة ، والتي تحتاج لقوى عاملة كبيرة و مواد أولية ضخمة ... إلى البلدان المتخلفة .). لتبقى قوى العمل الحية خارج السياق المعولم وتخضع للقيود والضوابط القطرية والقومية والإقليمية التي تحد من حركتها ، وتعامل وفق معايير محلية تتباين فيها معدلات الدخل على المستوى الدولي . ـــ بينما تبقى البلدان الصناعية الكبرى ، والشركات العابرة للقومية والمتعددة الجنسيات تحتكر: الصناعات الفائقة التقنية ، والتكنولوجيا ، أسلحة الدار الشامل ، الاتصالات والإعلام ، الحصول على الموارد الطبيعية . والرأسمالية المعولمة حتى اللحظة تتجلى بـ : تزايد حدة الاحتكار ، تزايد حدة تمركز الرساميل ، تزايد حدة الاستغلال لتحقيق معدلات ربح أعلى ، تزايد شدة الاستقطاب الاجتماعي ، وبالتالي تزايد معدلات الفقر والبطالة .. ، تزايد حدة التباين على المستوى الدولي ، واستخدام القوة العسكرية تنفيذاً وتحقيقاً لمصالح المتحكمين بالاقتصاد العالمي للهيمنة على ثروات العالم ونهب مقدراته . ويعمل أصحاب القرار الاقتصادي في الدول الصناعية في سياق التبادل التجاري على فرض الانفتاح الاقتصادي على المستوى الدولي، وتحديداً على الدول النامية ، والدول التي دخلت مضمار التطور التقاني حديثاً ، بينما تحاول بعض الدول الصناعية الكبرى حتى الآن حماية بعض صناعاتها. إن الدول الصناعية بعد إن وصلت إلى مرحلة التكنولوجيا فائقة التطور فإنها تفرض الانفتاح الاقتصادي على باقي الدول ، و تلجأ أحياناً إلى الحماية مع مثيلاتها (أمريكا ــ الصين) ( تتدخل الولايات المتحدة بذريعة المحافظة على حقوق الإنسان في أشكال العمالة الصينية للحد من انخفاض الكلفة الإنتاجية ولتحجيم القدرة التنافسية لبعض الصناعات الصينية ) ـــ أما فيما يخص القطاعان العام والخاص ، فإن القطاع الخاص عموماً لم يرتقي حتى اللحظة ليكون ممثلاً ومعبراً عن مشروع صناعي وطني ، بل يتجلى في أفضل حالاته بكونه رأس مال عقاري ، ريعي ، طفيلي.. يساهم إلى درجة محدودة في رفع معدلات النمو في هذه القطاعات حصراً ، وتوظيف رأس المال الخاص في القطاعات الصناعية لا يتعدى الاشتغال في صناعات اللمسة الأخير ذات الربح المرتفع و حركة دوران رأس مال سريعة . أما القطاع العام فإن خسارته ليست ناتجة عن بنية القطاع العام ذاته ، بل هي تجلياً لآليات عمل اقتصادية وسياسية لا ترتقي لإدارة هذا القطاع بشكل منهجي يعيد توظيف التراكم المالي الناتج عن الربح لتوسيع وتطوير القطاع الإنتاجي نفسه ، ونلاحظ بأن أرباح هذه القطاعات ، والمبالغ المخصصة لإهتلاك وسائل الإنتاج ، تذهب إلى مؤسسات وجهات أخرى داخل الدولة ، مما يؤدي إلى تردي نوعية الإنتاج و انخفاض كمياته ، وارتفاع كلفة الصيانة ... وبالتالي إلى ارتفاع أسعار الإنتاج في القطاع العام ، وتتقاطع هذه التجليات مع النهب الذي يتعرض له القطاع العام ، وانتشار البيروقراطية .. ، و انتشار ظواهر الفساد( الإداري ، المالي ، الوظيفي ...) في أغلب هذه القطاعات ، والتي باتت سمة عامة تحتاج لتجاوزها إلى تنمية اجتماعية وبشرية وسياسية شاملة . لذلك فأن خسارة القطاع العام تتحملها جهات إدارية حولت مؤسسات القطاع العام إلى اقطاعات شخصية جمعت من خلاله ثروات غير مشروعة ، و يساهمون الآن بتحديد التوجهات الاقتصادية بما يتناسب مع مصالحهم الاقتصادية والسياسية . وبالتالي فإن أولى المهمات المطروحة للخروج من إشكاليات القطاع العام تتجلى : ــ استئصال الفساد المهيمن على هذه القطاعات . ــــ تجاوز البيروقراطية والتدخلات السياسية المعيقة لتطور القطاع العام . ــ وضع أصحاب الخبرة والكفاءة بعيداً عن تصنيفاتهم السياسية في مواقع الإدارة . ـــ وضع خطط منهجية لإصلاح هذه القطاعات وتطويرها وإعادة هيكلتها لتحقيق أعلى إنتاجية بأقل كلفة وبأسعار منافسة ، وإيجاد الحلول العادلة للقوى العاملة الحية الفائضة. ـــ الإبقاء على التراكم المالي في نفس القطاع ليصار إلى تطويره وتوسيعه .... ـــ استعادة الأموال المنهوبة وتوظيفها في إعادة تأهيل وتطوير مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدمية .... . ـــ وضع الموارد والثروات الوطنية في سياق تنمية صناعية وبشرية . ــــــــ أما فيما يخص القطاع الخاص فمن الواجب الإقرار بضرورة مشاركته في الحياة الاقتصادية ليساهم في رفع معدلات التوظيف الصناعي لزيادة معدلات النمو والقدرة الإنتاجية وفق خطط منهجية تحدد مشاركة القطاع الخاص في سياق خطط تنموية شاملة . ـــ التأكيد على ضرورة الاستثمارات الوطنية والأجنبية بما يتلاءم مع الاستراتيجيات التنموية ، وفق آليات تحدد نسب الشراكة و العمالة وآليات إدخال وإخراج الرساميل والأرباح ومدة التوظيف الاستثماري، والقطاعات التي يجب العمل فيها . ـــ ضرورة وضع قوانين إدارية وسياسية ناظمة ومشجعة للاستثمار ، وتمنع بنفس الوقت المستثمرين من الهيمنة على سياق التطور الاقتصادي . ـــ وضع نظام ضريبي يتلاءم مع الواقع الحالي ويساهم في تطوير البني التحتية و الصناعية . ـــ إلغاء سياسية الإعفاءات الضريبية ، وإيجاد أشكال ضريبية مناسبة . == إن أهمية مشاركة القطاع الخاص الوطني يجب أن لا تمنعنا من التأكيد على أهمية المحافظة على دور الدولة الديمقراطية الوطنية في القطاعات الأساسية ، بكونها المعنية بشكل مباشر بالتنمية الاجتماعية ، ذلك لمعرفتنا بأن القطاع الخاص وتحديداً في بلداننا يميل إلى الاشتغال في القطاعات ذات حركة رأس مال سريعة ، إضافة إلى أنه يميل لتوظيف أمواله في القطاعات العقارية وصناعات اللمسة الأخيرة والنشاطات الطفيلية والتجارة السلعية ، ناهيك عن انخفاض مقدراته المالية ، ليبقى الحجم المالي الأكبر في مؤسسات الدولة البنكية ..... وإن الترويج بتقسيم الأدوار بين القطاعين العام والخاص وفق الصيغة التالية : القطاع العام يهتم بتطوير البنى التحتية ، وتأمين العدالة الاجتماعية ( الصحة والتعليم والضمان المعاشي للعاطلين عن العمل .... ) ، بينما يكون القطاع الخاص رائداً للتطور الصناعي ... هو مؤشر على أن أصحاب هذه الأصوات يسعون بأشكال وأسباب مختلفة للترويج بأن القطاع العام عالة على الاقتصاد الوطني وعلى تطور الحياة الإجتماعية وبالتالي يجب التخلص منه ، مع العلم بأن إمكانيات إعادة تأهيله مرتبطة بتوفر الإرادات الوطنية الصادقة ، وهذا بالضرورة لا يمنع من دراسة أوضاع بعض مؤسسات القطاع العام التي لا يمكن إصلاحها وإيجاد حلول لها ( خصخصة ، بيع ) ، إضافة إلى أنه من الضروري التأكيد على أن الصيغة المطروحة تؤكد بأن القطاع الخاص غير قادر على تطوير البنى التحتية وتوفير العدالة الاجتماعية وغير قادر على قيادة عجلة التطور و التنمية الاقتصادية، وبنفس الوقت تدلل إلى عدم رغبة القطاع الخاص بتوظيف أمواله في البنى التحتية لكونها لا تحقق تراكم مالي مرتفع . وتوزيع الأدوار بهذه الطريقة يحول مؤسسات الدولة على خادم لرأس المال الخاص ( بمعنى أن مؤسسات الدولة المعنية تعمل في توفير البنى التحتية التي تحتاج لكتلة مالية كبيرة وبنفس الوقت لا تنتج قيمه زائدة ، وتوفر المناخ المناسب للاستثمارات الخاصة ، بينما يتم توظيف رأس المال الخاص في القطاعات الإنتاجية المربحة ) . و يجب ألا نغفل عن حجم العمالة الموجودة في القطاع العام والتي سوف تتضرر من بيع القطاع العام أو خصخصته مما يساهم في تزايد نسب البطالة والفقر ويقود إلى تزايد حدة الأزمات اجتماعية والانحلال الاجتماعي والأخلاقي والقيمي ... وبالتوازي مع إعادة هيكلة الوسائل الإنتاجية يجب العمل على إيجاد حلول عادلة لمشكلة البطالة والعاملين الذين سيرمون إلى سوق البطالة. وهذا يقودنا إلى التأكيد على أهمية مشاركة القطاع الخاص بكونه يحفز القدرة التنافسية بين القطاعين ويساهم في زيادة التطور الإنتاجي ، لكن ليس بكونه رائداً للتطور الاقتصادي المحلي بل بوصفه مساهماً مع القطاع العام وباقي المؤسسات الإنتاجية في عملية التطور ، ويجب التأكيد على ضرورة دور الدولة في تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص والعام ( المعدلات الضريبية ـ قوانين الحماية الجمركية .. ) أمام الصناعات الأجنبية . إن العملية التشاركية بين القطاعين على قاعدة : التنمية الصناعة الوطنية ذات ميزات تنافسية ، و سيادة القانون المدني والديمقراطي الضامن للمشاركة السياسية وحقوق الإنسان والمواطنة ، يمكن أن تكون الخطوة الأولى في معالجة إشكالاتنا الراهنة . إن الاندماج بالاقتصاد الرأسمالي المعولم وفق أوضاعنا الراهنة هو تحطيم لمجمل البنى الاقتصادية الوطنية ، والبنى الإجتماعية التي ما زالت حتى اللحظة تحافظ ظاهرياً على تماسكها ، وبالتالي فأن أي انفتاح ، أو اندماج ، أو خصخصة أو بيع للقطاع عام يجب أن يكون مدروساً من زاوية تأثير نتائجها على الواقع الاجتماعي . إن ما حصلت عليه الطبقة العاملة في أوربا وباقي الدول الصناعية نتاج سياق تطور موضوعي أكده نضال الطبقة العاملة ، إضافة إلى عمليات النهب والشفط لموارد وثروات بلداننا ، والأموال الشخصية المودعة في البنوك الأجنبية ... ساهمت في تطور البلدان الغربية و حرمت مجتمعاتنا من إمكانيات التطور وتحقيق تراكم الرساميل الوطنية ، و بالتالي فأن واقع الطبقة العاملة في البلدان الصناعية المتطورة ، لا يعبر بالمطلق عن أشكال التجليات المستقبلية للطبقة العاملة السورية أو البلدان المتخلفة في حال كان القطاع الخاص هو قائداً للتنمية الاقتصادية ، ذلك لأسباب مختلفة أولها اختلاف الشرط الموضوعي عالمياً ، إضافة إلى واقع حال القطاع الخاص الوطني بأشكاله الراهنة . ==============================================

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...