تأهيل الموارد البشرية شرط للتنمية العربية

09-06-2007

تأهيل الموارد البشرية شرط للتنمية العربية

يتناول «تقرير التنمية في العالم 2007»، الذي يعده البنك الدولي، موضوع التنمية والجيل المقبل من خلال السياسات والإجراءات والبرامج. ويتعلق اهتمامي بما تضمنه التقرير عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم، بحسب تصنيف البنك الدولي، كل البلدان العربية باستثناء موريتانيا والسودان والصومال وجزر القمر، وتشمل أيضاً إيران وإسرائيل ومالطا.

إن الإمكانات البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هائلة: حوالى مئة مليون من الشباب في الشريحة العمرية 12-24 سنة، مع معدل إعالة أقل، أي ان نسبة السكان غير العاملين إلى السكان الذين هم في سن العمل أقل. مثل هذا الوضع يوفر للمنطقة فرصة سانحة كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي كبير.

هذه الفرصة لا تتحول من تلقاء نفسها إلى منافع تتجسد في النمو الاقتصادي الموعود. يفيدنا تقرير البنك الدولي هذا بأن تحويل الإمكانات البشرية الهائلة إلى نمو اقتصادي مرتفع ممكن بشرط استغلال توفر اليد العاملة بشكل منتج، وارتفاع معدلات الادخار والاستثمار. ونظرة سريعة على معدلات الادخار والاستثمار في المنطقة العربية (الإحصاءات المنشورة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أيلول/ سبتمبر 2006) تبين ان معدلات الاستثمار أعلى من معدلات الادخار بنسب كبيرة: ففي عام 2004 كان معدل الاستثمار لمجموع البلدان العربية 35 في المئة، وارتفع إلى نحو 40 في المئة 2005. وفي المقابل انخفض معدل الادخار من نحو 21 في المئة إلى نحو 20 في المئة في عامي 2004 و2005 على التوالي. هذا التطور في معدلي الادخار والاستثمار على مستوى مجموع البلدان العربية أدى إلى ارتفاع فائض الموارد (فجوة موارد موجبة) من نحو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي عام 2004 إلى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي عام 2005.

وإذا علمنا ان الناتج المحلي الإجمالي العربي ارتفع من نحو 879 بليون دولار عام 2004 إلى نحو 1066 بليون دولار عام 2005، يكون فائض الموارد لمجموع البلدان العربية ارتفع من نحو 124 بليون دولار إلى نحو 214 بليون دولار لعامي 2004 و2005 على التوالي. وفائض موارد عام 2005 أكبر من مجمل الناتج المحلي الإجمالي لعشر دول عربية من بينها الأردن ولبنان وتونس وليبيا والعراق.

في ضوء هذه الأرقام نلفت الى ان الموارد المالية متوافرة في المنطقة العربية بشكل كبير نسبياً. ونظرة سريعة أيضاً على بيانات البطالة والأمية في البلدان العربية تبين ان الأخيرة، باستثناء دول مجلس التعاون، تتراوح بين 8.4 في المئة في لبنان و28.1 في المئة في العراق. أما معدل الأمية فيتراوح بين حد أدنى مقداره سبعة في المئة في الكويت وحد أعلى مقداره نحو 50 في المئة في المغرب. ويشار الى ان معدلات الأمية مرتفعة نسبياً في كل من مصر واليمن وموريتانيا والجزائر والسودان.

يوضح ما بينا أعلاه ان على رغم توافر الموارد المالية، فإن البطالة متفشية في المنطقة العربية، وكذلك الأمية في الكثير من البلدان العربية. لذا نستخلص ان القائمين على إدارة البلاد والعباد يواجهون تحدي خلق فرص إيجاد وفي الوقت ذاته تحدي القضاء على الأمية. لكن تقرير البنك الدولي 2007 يركز على التحديات التي تواجه الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تشمل:

- إتمام الدراسة الثانوية، خصوصاً في المناطق التي تتسم بنوعية تعليم خفيضة وفقر.

- اكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل والبحث عن فرصة عمل والانخراط في القوة العاملة.

- معدلات البطالة بين الشباب هي الأعلى مقارنة بالبلدان النامية الأخرى. ففي مصر وسورية على سبيل المثال، يشكل الشباب أكثر من 60 في المئة من العاطلين عن العمل.

- ما زال انخفاض معدلات المشاركة في القوة العاملة بين الإناث مستمراً.

ويفيدنا تقرير البنك الدولي 2007 بأن مواجهة هذه التحديات التي أشرنا إليها، تتطلب تحسين نوعية التعليم الأساسي وتوسيع نطاق الخيارات أمام التعليم الثانوي لإتاحة فرص أفضل للشباب. والمطالبة بتحسين نوعية التعليم لم تأت من فراغ، بل استناداً إلى دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، في عام 2005 بينت ان نسبة المواظبة بين تلاميذ المدارس الابتدائية في المغرب حتى آخر صف من صفوف المرحلة الابتدائية تزيد على 80 في المئة، ولكن أقل من 20 في المئة يحسنون معرفة المواد التي درسوها.

وإضافة إلى تحسين نوعية التعليم الأساسي، تظهر الحاجة إلى توسيع نطاق الطاقة الاستيعابية في المدارس الثانوية بمشاركة القطاع الخاص. وبما ان أقل من 20 في المئة من الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتيح فرص تدريب لموظفيها مقارنة بـ60 في المئة من الشركات في منطقة شرق أسيا، فإن الدعوة إلى تقديم حوافز أو زيادة المتاح أمام الشركات لتدريب العاملين، تصبح مناسبة، بل ضرورية.

إن الحلول المقترحة في التقرير بشأن التعليم حلول تقليدية تناولتها أقلام كثيرة منذ اكثر من عقدين من خارج البنك الدولي ومن بعض العاملين فيه المهتمين بالتعليم في المنطقة العربية. ولا بد من التأكيد على إصلاح نوعية التعليم في كل مراحله ورفع مستوياته. ولكن عملية الارتقاء بالنظام التعليمي ككل يحتاج إلى الإعداد والتخطيط والتجهيز والتقويم، وهذه أمور في غاية الأهمية وتتطلب الاستمرارية. والتأكيد على تحسين نوعية التعليم في المرحلة الأساسية مهم ويتطلب الإعداد والتخطيط له ولا يلغي الحاجة إلى تحسين المرحلتين اللاحقتين الثانوية والجامعية. فمثلاً، أهم عنصرين في تحسين نوعية التعليم الأساسي هما المعلم والمواد التعليمية. وإعداد المعلم المتمكن من الارتقاء بنوعية التعليم الأساسي عملية ليست سهلة وتحتاج إلى موارد مهمة سواء مالية أو بشرية، وكذلك إعداد المواد التعليمية.

أما في ما يتعلق بتوسيع نطاق الطاقة الاستيعابية في المدارس الثانوية بمشاركة القطاع الخاص، فلا بد من النظر في إمكان الاستفادة من فنون التواصل عبر الإنترنت في تقديم مناهج دراسية، تغطي متطلبات المرحلة الثانوية من دون الحاجة إلى الذهاب إلى مدرسة ثانوية تقليدية.

علي الصادق

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...