دلالات زيارة نجاد لدمشق وخلفياتها الإقليمية

21-07-2007

دلالات زيارة نجاد لدمشق وخلفياتها الإقليمية

الجمل:   لقيت زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق أول أمس الخميس، اهتماماً كبيراً في مختلف أرجاء العالم، وعلى وجه الخصوص الأطراف المهمة والمعنية بشؤون وملفات الشرق الأوسط الساخنة.
• ترتيبات زيارة:
جاءت زيارة الرئيس الإيراني بناء على دعوة سورية له، وقد استغرقت الزيارة يوماً واحداً، وكانت متزامنة مع مناسبة تنصيب الرئيس بشار الأسد للولاية الرئاسية الثانية، وقد رافق الرئيس الإيراني في زيارته إلى دمشق كل من وزير خارجيته السيد منوشهر متكي، ووزير الإسكان والتنمية الحضرية الإيراني سعيدي كيا.
• خلفيات الزيارة:
جاء توقيت الزيارة ضمن بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، تتميز ملفاتها بالتداخلات والتأثيرات المتبادلة، والنظرة العامة الأولية على خارطة الصراع الحالية تشير إلى:
- ملف عراقي أصبح أكثر تعقيداً بسبب الصراعات الداخلية والموقف التركي وخلافات الكونغرس- البيت الأبيض.
- ملف فلسطين أصبح أكثر تعقيداً بسبب صراعات فتح- حماس، ودور الأطراف الدولية وإسرائيل والمعتدلين العرب.
- ملف لبناني أصبح أكثر تعقيداً بسبب تدويل الأزمة اللبنانية وانقياد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومة السنيورة وراء إسرائيل.
- ملف إيراني أصبح أكثر تعقيداً بسبب الحشود العسكرية الأمريكية المفرطة، والتراجع الروسي، والتواطؤ الخليجي، وانقياد مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية وراء إسرائيل.
- ملف سوري- إسرائيلي، أصبح أكثر تعقيداً بسبب انقياد حكومة كاديما والإدارة الأمريكية وراء أجندة تحالف الليكود- جماعة المحافظين الجدد.
هذه الملفات ليست معزولة عن بعضها البعض، بل أخذت تداخلاتها بعداً تفاعلياً شديد الحساسية والتأثير على توازنات الأمن القومي والأمن الدولي.. فالإدارة الأمريكية وإسرائيل تعملان باتجاه إشعال الصراع في المنطقة، وتسيران ضمن مسارين متوازيين، الأول: يركز على استغلال وتوظيف المؤسسات الدولية وصولاً إلى مرحلة فرض الحصار والعقوبات ضد سورية، والثاني: مسار الإجراءات العسكرية، وذلك وصولاً  إلى مرحلة اندلاع حرب سورية- إسرائيلية، وحرب إيرانية- أمريكية. ومن اللافت للنظر أن التباين الشكلي في المسارين، يقوم على وحدة المحتوى والمضمون المتمثلة في استهداف سورية وإيران، باستخدام المزيد من الذرائع التي تبدو في ظاهرها مختلفة، ولكنها في الباطن تمثل شيئاً واحداً، ومنها:
- زعزعة استقرار العراق، بحيث تدعم سورية المتمردين السنة،  وتدعم إيران المتمردين الشيعة.
- زعزعة استقرار لبنان، بحيث تدعم سورية وإيران كل من حزب الله وحركة أمل.
- دعم الإرهاب في فلسطين، بحيث تدعم سورية وإيران، كل من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
• أهمية الزيارة:
تتفاوت وتتباين أهمية الزيارات بحسب تباين وتفاوت جملة من المتغيرات، أبرزها: الوزن الإقليمي والدولي لأطراف الزيارة، طبيعة الأحداث والوقائع، الترابط بين المنطقة الإقليمية ودوافع النظام الدولي.
صرح الرئيس أحمدي نجاد في مطار طهران لحظة مغادرته إلى سوريا قائلاً بأنه سوف يناقش روابط طهران- دمشق، ومواقفهما المشتركة حول القضايا والمسائل الإقليمية والدولية والتطورات على المستوى الأعلى، كذلك تحدث الرئيس الإيراني عن نية ورغبة إيران في تطوير وترقية كل علاقاتها مع دمشق وعلى وجه الخصوص في المجال الاقتصادي.
دعوة القيادة السورية، وتصريحات الرئيس الإيراني، ووقائع الزيارة لعبت دوراً هاماً على الصعيدين الدولي والإقليمي، في (ردع) الأطراف الأخرى التي كانت تتقيد في مخطط بث الخلافات وإضعاف العلاقات السورية- الإيرانية.. وقد كان مخطط بث الخلافات والتفرقة هذا يسير ضمن مسارين، الأول دولي، ويتمثل في الجهود الأمريكية- الأوروبية، الغربية التي ظلت تعكسها تصريحات دوائر صنع واتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والتي كانت تحاول ردع سورية وإيران عن المضي قدماً في العلاقة الثنائية.. والثاني كان إقليمياً، وكان يتمثل في جهود دوائر صنع واتخاذ القرار فيما يسمى بدول (المعتدلين العرب) التي هدفت إلى محاولة التأثير على سورية لكي تقتنع بـ(فرضية) الخطر الإيراني على منطقة الشرق الأوسط، التي روجت لها إسرائيل  وتبنتها الأردن، ومصر، والسعودية.
• الزيارة ومعطيات خبرة العلاقات السورية- الإيرانية:
العلاقات السورية الإيرانية قديمة قدم (طريق الحرير)، وهي ليست ظاهرة تكتيكية في نسيج العلاقات الإقليمية الشرق أوسطية، وقد برزت هذه العلاقة بوضوح في الربع الأخير من القرن الماضي، وفقاً للعديد من المتغيرات الإيجابية والسلبية التأثير:
- ارتباط نظام شاه إيران بإسرائيل والولايات المتحدة أثّر سلباً.
- قيام الثورة الإيرانية ودعم الحقوق العربية المشروع أثّر إيجاباً.
- الموقف السوري الواضح في الحرب العراقية- الإيرانية، أثر إيجاباً ليس لأن سورية وقفت بجانب إيران ضد العراق، ولكن لأن مواقف السياسية الخارجية السورية إزاء الحرب العراقية- الإيرانية لم يكن متأثراً بالنعرات المحلية، وإنما كان موقفاً يقوم على رفض قيام النظام العراقي بشن حرب ضد الثورة الإيرانية بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل استناداً إلى (فرضية) الخطر الإيراني التي تبنتا بعض الدول العربية وفقاً لـ(مبدأ كارتر) الشهير الذي وضعه مجلس الأمن القومي الأمريكي.
- الموقف الإيراني الواضح من الأزمة اللبنانية، والخطر الإسرائيلي في المنطقة، وتأييد الحقوق المشروعة أثر إيجابياً.
العلاقات الدولية بين الكيانات السياسية إما علاقات تعاون وتكامل أو علاقات صراع وحرب.. ولما كانت المواثيق الدولية تؤكد وتطالب بعلاقات التعاون والتكامل، فإن العلاقات السورية- الإيرانية ليست سباحة ضد تيار السلام الدولي والعالمي.. كذلك ليست هي علاقات مفتعلة مؤقتة على خلفية الأحداث والتطورات الدراماتيكية الجارية، بل هي علاقات جيو-سياسية فرضتها متغيرات التاريخ والجغرافيا.
وعموماً: إن محاولة بعض الخبراء والمحللين التكهن بـ(الصفقات) التي تتم بين القيادات في الظلام حول الملفات الإقليمية الساخنة في المنطقة، هي محاولات أكثر ظلامية، وذلك لأنها تحاول تصوير وتفسير مضمون الزيارة على ضوء معطيات نظرية المؤامرة، بينما تقول كل الحقائق والشواهد الماثلة بأن الروابط السورية- الإيرانية، بعيدة كل البعد عن أجندة المؤامرة، بدليل أن مؤشرات الروابط السورية- الإيرانية هي مؤشرات تتميز بثباتها المطلق في حالتي الحرب والسلم، فلم يحدث أن انقطعت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، ولم يحدث أن تدفق الحجيج الإيراني إلى دمشق.

الجمل قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...