قصة سقوط صحيفة فرانس سوار الفرنسية

31-05-2006

قصة سقوط صحيفة فرانس سوار الفرنسية

بعد نحو 75 عاماً من العطاء المثمر والقفزات المهنية القياسية، تشهد صحيفة «فرانس سوار» اليوم لحظات كئيبة هي الأسوأ في تاريخها الحافل، مع تدهور مكانتها الإعلامية وخسارة جمهورها الواسع من القرّاء، وتراجعها من المرتبة الأولى إلى جريدة غير مرغوبة. فما الذي أدى بالصحيفة الفرنسية الأكثر انتشاراً في منتصف القرن الماضي إلى الانحدار حتى الحضيض؟
تأسّست «فرانس سوار» في العام ,1932 على يد الإعلامي الشاب الطموح بيار لازاريف، الذي أصبح في سن الثالثة والعشرين رئيس المعلومات في صحيفة «باري ميدي». وخلال الحرب العالمية الثانية، نُفي لازاريف إلى نيويورك حيث أسّس إذاعة «صوت أميركا»، ثم عاد ليحوّل «فرانس سوار» إلى صحيفة يومية شعبية حققت نجاحاً لافتاً مباشراً، وازدادت نسبة مبيعاتها بين العامين 1944 و1948 من 265 ألفا إلى 630 ألف نسخة يومياً، وازداد الإقبال عليها لدرجة أنها باتت تصدر طبعات متلاحقة تصل إلى 8 طبعات في اليوم الواحد!
استوحت «فرانس سوار» الأفكار التي ثبت نجاحها في «باريس سوار» من عناوين بخط عريض وصور لافتة، إلى جانب إعطاء الأولوية لمواضيع الرياضة والتسلية والمعلومات العامة بشكل موازٍ لمواضيع التحقيقات السياسية الساخنة. وأراد لازاريف أن تكون صحيفته شاملة. وكان مبنى الصحيفة أشبه بخلية نحل حيث يعمل 2000 موظف و350 صحافياً و1000 عامل.
مع موت لازاريف في العام ,1972 بدأ السيناريو التراجيدي لتدهور «فرانس سوار» مع تراجع نسبة المبيعات من 800 ألف نسخة إلى 145 ألفاً في العام ,1976 حين اشترى روبرت هرسانت الامتياز، وأجرى تغييرات جذرية في السياسة التحريرية أدت إلى سقوط الصحيفة نحو الهاوية رويداً رويداً، ففقدت ثلثي قرائها وأصبح عددهم في العام 1995 لا يتعدى ال185 ألفاً.
واستمر التراجع خلال ترؤس جورج غصن الصحيفة. فانحدر عدد القراء إلى 150 ألفاً. ثم اشترتها دار نشر بوليغرافيسي واستمر التراجع ليصل إلى 120 ألفاً مع ريموند لاكا رئيساً، ثم إلى 65 ألفاً. واليوم، لا يتجاوز عدد النسخ المباعة ال50 ألف نسخة.
تكمن الأسباب الحقيقية لانفضاض القراء عن «فرانس سوار» في عدم مجاراتها لتطوراتهم الاجتماعية والثقافية، كما أنها لم تعد تهتم بالطبقات الشعبية العاملة التي تشكل صلة الوصل بين الفرد ومجتمعه، هذا بالإضافة إلى أن الذين تعاقبوا على إدارتها أعطوا الأولوية لانتماءاتهم السياسية.
وبشكل عام، فقدت الصحافة الفرنسية الكثير من تألقها الشعبي في العام ,1960 بعدما أعطت الأولوية للأخلاقيات وتثقيف القارئ، فأصبحت صحافة سياسية تلقينية، على عكس صحف بريطانيا التي اهتمت بمواضيع مثيرة كالجنس والرياضة والجريمة، ما ولّد لها قاعدة شعبية واسعة.
إلى ذلك، فإن إقدام حكومة الجنرال شارل ديغول المدعومة من الأحزاب الاشتراكية، بعد الحرب العالمية الثانية، على إغلاق 188 من أصل 200 صحيفة صدرت قبل العام ,1939 وتغيير سياسات صحف عديدة، أدى إلى خلق تغييرات جوهرية سلبية في حياة الصحافة الفرنسية. فتحولت هذه إلى نشرات للأحزاب السياسية ولحركة المقاومة، وأهملت اهتمامات القراء والمحاور التي تجذب الممولين للاستثمار في الصحف.
وبعدما كانت الصحافة الفرنسية ملكة الصحافة الأوروبية، انحدرت إلى الحضيض من أكثر من 197 صحيفة في العام 1945 إلى 65 جريدة يومية فقط تطبع في فرنسا اليوم. كما انخفض عدد القراء من 12 مليون قارئ في أواسط القرن الماضي إلى 8 ملايين فقط في العام ,2005 وفق إحصاء نشرته صحيفة «لوموند» أخيرا.
فهل تشهد الصحافة الفرنسية ثورة تجديدية، تعيد إليها تألقها السابق وأمجاد الماضي الغابرة؟


المصدر : أورينت برس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...