هل تصحّح الدراما التاريخ المكتوب؟
بعد انتصار حركة الضباط الاحرار في مصر (1952) التي اصطلح على تسميتها بـ «ثورة يوليو»، أصبح الماضي (قبل يوليو) زمناً ملعوناً لكونه، بحسب أيديولوجية الحركة، يمثل الإقطاع و «الرجعية»... حتى أن بعض رموز يوليو حاول إلغاء ظاهرة ام كلثوم، وعدم بث أغانيها باعتبارها جزءاً من هذا العهد، فخرجت بعض الأصوات العقلانية، وعلى رأسها صوت زعيم الثورة جمال عبدالناصر، تهدئ من حماسة مناصري الثورة، بالقول: اذا كانت الأهرام جزءاً من الماضي العريق لمصر فهل نهدمها؟
مسلسل «الملك فاروق» للدكتورة لميس جابر والمخرج حاتم علي، يحاول إلقاء نظرة متفحصة على فترة الملك فاروق (1936-1952) وإعادة الاعتبار لزمن تم تغليفه بأطنان من الشعارات والمصطلحات القومية، مثل، عصر الإقطاع، عصر الطغيان، عصر الاستعمار... وصار التاريخ، بحسب بعضهم، يبدأ من تموز (يوليو)، فالتاريخ كما هو معروف يكتبه المنتصر... وبعد 55 سنة على حركة الضباط الأحرار وبعد اهتراء الكثير من المبادئ التي جاءت بها وفشلت في تحقيقها (التنمية، التحرير، إلقاء إسرائيل في البحر، الديموقراطية...) صار بالإمكان العودة الى الماضي والقاء نظرة متفحصة عليه بعيداً من «المستبقات» الايديولوجية ومقصاتها.
ولد فاروق في بيت الملك فؤاد الأول (1917-1936) المستبد الذي يتكلم العربية المخلوطة بالتركية. تولى تربيته مربيتان (انكليزية ويهودية مصرية)، فأتقن الطفل العربية الفصحى والعامية على حد سواء... وحاول كثيراً الخروج على التقاليد الملكية الصارمة فكانت له بالمرصاد عصا فؤاد الأول... ثم أجبرته الظروف السياسية السائدة آنذاك ليكون ملكاً على مصر وهو بعمر السادسة عشرة (توج عام 1937)، ولأنه كان قاصراً وضع تحت وصاية مجلس رأسه ابن عمه الأمير محمد علي بن الخديوي توفيق شقيق الملك، واستمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة شهور. خافت والدته الملكة نازلي من طمع الأمير محمد علي بالحكم فاستصدرت فتوى من المراغي شيخ الأزهر آنذاك بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجري، وأدّى ذلك إلى أن يتوج فاروق ملكاً رسمياً بتاريخ 29 تموز (يوليو) 1937.
يركز المسلسل بموضوعية وحياد على الملك كإنسان وحاكم من دون تزييف للحقائق. فهو الملك ذو الخبرة السياسية القليلة التي تجعله متردداً كثيراً في قراراته، ما يؤدي الى أن يلعب رئيس ديوانه حسنين باشا (عزت أبو عوف) دوراً كبيراً في حياة مصر السياسية آنذاك، بخاصة في فترة الازمة بين الانكليز والملك، وميله لدول المحور أثناء الحرب العالمية الثانية. كما يستعرض العمل تفاصيل العلاقة بين حزب الوفد والملك ورئاسة مصطفى باشا النحاس للحكومة والصراعات بينه وبين علي ماهر، ثم تفجر الخلافات مع ابن حزبه الشخصية البارزة مكرم عبيد إذ أن النحاس باشا كان يراعي كثيراً السياسة الإنكليزية في مصر لذلك وضع ماهر رهن الإقامة الجبرية لكونه يروج للألمان بحسب رأيه.
كما يتعرض العمل في شكل لافت للعلاقة بين حكومة الوفد و «حركة الإخوان المسلمين». ففي أحد المشاهد يدور حوار مهم بين النحاس باشا وحسن البنا زعيم الإخوان آنذاك، ويحذر الأول الثاني من العمل السياسي حتى لا يكون الإخوان مطية بيد السياسيين، فعملهم بحسب النحاس دعوي اسلامي فقط، وهو سيدعمهم ان بقوا ضمن الاطار الارشادي الدعوي وإلا الاعتقال مصيرهم، فيوافقه البنا على ذلك ويعده بالبقاء بعيداً من السياسة.
وفي موازاة الخط السياسي هناك الخط الاجتماعي والانساني للملك فاروق (علاقته مع زوجته وخلافاته معها ومع والدته ومع البلاط ودسائس الأقرباء)، وقد أجاد المسلسل في وصفه...
«الملك فاروق» (تيم حسن) يعطينا صورة غنية عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، تصحح كثيراً الصورة النمطية التي فرضها التيار القومي في الحقبة اللاحقة عن فترة فاروق، وينفض الغبار عن هذه الشخصية التي وصفت بشتى الصفات السيئة على أساس أن مرحلته شر مطلق بينما مرحلة خلفه خير مطلق!
واعتمد المسلسل على استوديوات مركبة عوضاً عن الأماكن الحقيقية، وبنيت له ديكورات ذات كلفة مرتفعة صممها عادل مغربي، كما اعتمد المخرج على التصوير بكاميرا واحدة محمولة كونها تلتقط كل التفاصيل المكانية وتفاصيل انفعال الشخصيات عكس التصوير بثلاث كاميرات. وعادت مصممة الأزياء رجاء مخلوف الى وثائق التاريخ لتصميم أزياء مناسبة لزمن فاروق...
وبعد رفض كثير من الفنانين المصريين لعب دور الملك، اختار المخرج حاتم علي الفنان السوري الشاب تيم حسن لموهبته وشبهه الجسدي بفاروق. وبلغت كلفة المسلسل الانتاجية أكثر من مليوني دولار واستغرق تصويره أربعة أشهر. ويبقى السؤال: هل تصحح الدراما التاريخ المكتوب؟ ربما يكون «الملك فاروق» نموذجاً.
أحمد الخليل
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد