"الشركات العائلية" مازالت تعمل بعقلية الدكنجي

13-06-2006

"الشركات العائلية" مازالت تعمل بعقلية الدكنجي

لا يختلف اثنان أن التحديات الاقتصادية لا تستثني أحداً فكل القطاعات معنية وكلها في تأثر فليس من أحد محصن من التحول والتغيير.. هذا الكلام قد يطرب له «القطاع الخاص» لا بل يتوانى عن ترديده على أنه قناعة ومطلب ضروري.. لكن على أرض الواقع تتلاشى الأقاويل والتصريحات.. فإلى الآن ومنذ زمن لم يجد الخاص ترجمة مناسبة لحقيقة تحويل شركاته ومعامله «ذات الطابع العائلي البحث» إلى مؤسسات..
ففي الوقت الذي تحدث فيه الكثير عن ضرورة فصل الملكية عن الادارة في القطاع العام بهدف تحسين أدائه تملص القطاع الخاص وتململ عند مجرد توجيه النظر إليه عند الكلام.. متناسياً أهمية هذا التوجه علماً أنه من أول دعاة تأسيس سوق أوراق مالية وانشاء شركات مساهمة تدعم هذا السوق.. فكيف ستكون المفارقة إذا لم يقتنع بفتح جنازير أبواب شركته للغير..
في هذا البلد نعول الآمال الكبيرة على القطاع الخاص لكي يكون محركاً مهماً للتطور الاقتصادي ويزيد من استثماراته في سبيل خلق فرص عمل جديدة للشباب السوري.
هذا في الوقت الذي يواجه القطاع الخاص تحديات منها  الانفتاح التدريجي للسوق على المنافسة المجاورة والعالمية وصغر حجم كثير من الشركات الخاصة الذي يجعل كلفتها مرتفعة وعدم توفر المديرين ذوي الكفاءة العالية بالعدد اللازم وكذلك عدم توفر الرأسمال الضروري للقيام بالعمل كما يجب.
 موضوعي وعلمي
وما عليه أمام ذلك وكما يؤكد المهندس فؤاد اللحام في معرض تعليقه على هذا الموضوع سوى التحويل إلى مؤسسات تدار بشكل موضوعي وعلمي من شأنه حل عدد كبير من هذه المشكلات ووضع الشركة بحالة تؤهلها لمواجهة هذه التحديات.
ولكي تصبح الشركات الخاصة قادرة على المنافسة ما عليها إلا اجتذاب عناصر خبيرة لدخول الإدارة واجتذاب رأس مال من مستثمر أو قرض من مصرف عالمي ودمج الشركات الصغيرة لتوزيع التكاليف الثابتة على قاعدة إنتاجية أوسع.
 موروث اقتصادي واجتماعي
هنا يوضح السيد اللحام أن هذه الأمور لن تتحقق إلا إذا أصبحت الشركة مؤسسة لا تخضع بشكل كلي لعائلة أو لسيطرة شخص واحد وهذا يعني ضمان استمرارية الشركة بغض النظر عن وجود أو غياب مؤسسها أو رئيس عائلتها.
إذاً، المسألة بحاجة إلى توعية وتثقيف وبعد نظر، وكذلك طريقة تعاط أخرى من قبل الحكومة لتأمين المناخ السليم الذي يدفع بملاك الشركات لاتخاذ قرار التحول ومن ثم لعب الدور الجديد في الساحة الاقتصادية.
ولكن مادام حبل الثقة شبه مقطوع بين الجهات الحكومية والخاص لا يمكن ضخ جرعات الأمان واقناع هؤلاء الوارثين لأملاكهم وأرزاقهم - كما يخاطبون- بالتنازل عن هذا الموروث. كما أن في ذلك مكانة اجتماعية لا يمكن التخلي عنها إذ لا يمكن تجريد مجتمعنا من النظرة إلى هؤلاء الرأسماليين الوطنيين فهم ورثوا أموالاً واستثمارات تعتبر من حقهم ومن الصعب إدخال الاخر في مفاصلها.
وحتى لا نخيف القطاع الخاص أكثر نستعمل عبارة «فصل الملكية عن الإدارة في القطاع الخاص» ربما تكون صيغة مهذبة نوعاً ما قياساً لتفكير صاحب الشأن. وهنا يعود المهندس اللحام للقول: إنه لتمويل الشركات العائلية يجب التفريق بين القوى الثلاث التي تؤثر عليها وتفهم تداخلات هذه الحلقات الثلاث وهي المالكون والشركة والعائلة وكل مركز قوة له تنظيم وخطط تقوم بحماية مصالحه فإذا تقيد كل فرد بحسب انتمائه إلى الدائرة المعنية بالوسائل الكفيلة بتحقيق مصالحه حلت مشكلة التداخل والميوعة في المسؤوليات والصلاحيات.
فالشخص الذي يكون عضواً في العائلة وأيضاً مساهماً في الشركة لا يحق له أن يتدخل في الإدارة أو أن يدخل الشركة أو المصنع ويعطي الأوامر ويطلب المعلومات من الموظفين لأن له مراجع أخرى لهذه الأغراض وهي مجلس العائلة وجمعية المساهمين.
كما أن الملاحظ يقترح مثلاً أن استراتيجية الشركة ليست من مهام العائلة المباشرة ولكن مجلس العائلة يقترح على مجلس الإدارة عدة أمور تؤثر بشكل غير مباشر على تحديد هذه الاستراتيجية أيضاً عضو العائلة الذي يكون موظفاً في الشركة ولا يحمل أسهمها يكون في التقاطع بين دائرة الشركة ودائرة العائلة ويتقيد بأحكامها، ومن الضروري أن تحل مشكلات كل حلقة داخل إطارها الخاص وعبر هيكلها التنظيمي وليس أن ترفع إلى حلقة أخرى وبهذا نتفادى الفوضى.
 أين المحترفون؟
النقطة المهمة هنا أن الأشخاص الذين على قدر كبير من الخبرة والاحتراف لن ينضموا إلى شركة لن توفر لهم النمو والترقية الذاتية على المدى الطويل فمحاباة الأقارب سوف تثبط من أداء وعزيمة الموظف وتحد من تفانيه في العمل.
ونفس الأمر ينطلق على المستثمرين الخارجيين الذين يوجهون اهتمامهم  نحو المؤسسات المحترفة ليضعوا فيها رؤوس أموالهم شاعرين بالثقة والأمان.
أما مسألة دمج الشركات فتصبح أسهل إذا كان هناك مؤسسات لأنها سوف تحل مشكلة من هو المالك الذي سيدير الشركة الجديدة وبهذا تحل مشكلة الوجاهة.
ومن المعروف أنه قليلة هي الشركات التي تستطيع أن تعيين مديرين على مستوى عال من الخبرات والمهارات لتعويض النقص الموجود عند المدير المالك لذلك فإن تشكيل مجلس إدارة هو حل جيد في هذه الحالة ويتألف من ممثلين عن العائلة  ومديرين من خارج العائلة.
 فكرة جذرية
أما إذا كانت فكرة تعيين مجلس إدارة أغلبه مؤلف من أشخاص من خارج العائلة فكرة جذرية وبعيدة عن طريقة تفكير المالكين فهناك حل آخر وهو تعيين مجلس من الخبراء من خارج المؤسسة لا يكون له صلاحيات القرار وإنما يقدم النصيحة لمجلس الإدارة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
بالعموم هناك مقومات عديدة لتحويل الشركات  العائلية إلى مؤسسات على مبدأ فصل الملكية من الإدارة ولكن المقومات الشخصية والنفسية والاجتماعية للمالكين غائبة، والمطلوب كثير من المرونة التشريعية والضرائبية وخلق بيئة أعمال عصرية فيها عامل التشاركية هو الغالب استعداداً لما هو الشارع بانتظاره سوق الأوراق المالية التي تبقى الشركات المساهمة -وليس عندنا سوى القليل منها- والمؤسسات الجديرة هي العمود الفقري له.

 

علي بلال قاسم

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...