الصوفية والباطنية

13-06-2006

الصوفية والباطنية

الجمل:   تمثل الصوفية في الإسلام البعد الأكثر بروزاً، وهي واحدة من أكثر التقاليد أهمية للباطنية الإسلامية. إن الاشتقاق اللغوي للاسم العربي ( الصوفي ) يبدو مشتقاً من  الصوف، إشارة لرداء الصوف الذي يرتديه المتصوفون. وقد انتشر هذا المصطلح بدءاً من القرن ( 3/9 ). وحسب التقليد، فإن الأسلاف الروحانيين للصوفية كانوا من صحابة محمد، وعلى سبيل المثال سلمان الفارسي، الحلاق الفارسي الذي سكن منزل الرسول وأصبح نموذج التبني الروحي والمسارة الصوفية. و( وايس الكاراني ) الذي أثنى محمد على ورعه (20).
    ولا يعرف سوى القليل من الاتجاهات التنسكية (21). ولكنها تتحقق على الأرجح تحت حكم أسرة الأمويين. ففي الواقع إن عدداً كبيراً من المؤمنين خاب أمله بعدم المبالاة الدينية من الخلفاء الذين شغلهم التوسع المستعمر بإمبراطوريتهم فقط (22).
    وأول صوفي متمسك هو الحسن البصري ( م.110/728 ) المشهور بتقواه وبحزنه العميق لأنه كان يعتقد دائماً بيوم الدينونة. وهناك حالم آخر، إبراهيم ابن أدهم المشهور بتعريفه لمظاهر الزهد الثلاثة:
1) ـ التنازل عن الدنيا .
2) ـ عن سعادة معرفة ترك الدنيا .
3) ـ التحقيق بالإتمام لترك أهمية العالم الذي لن ينظر إليه (23).
    ورابعة ( م 185/801) وهي أمةٌ اعُتقت من قبل سيدها، وأدخلت في الصوفية الحب المطلق لله وبدون مقابل. فالحبيب لا يجوز أن يفكر لا في الجنة ولا في النار، ورابعة هي الأولى بين الصوفيات التي تكلمت عن غيرة الله. (يا أملي، يا راحتي ياسعادتي، إن القلب لا يستطيع حب واحد آخر غيرك ) (24). وقد أصبحت الصلاة بالنسبة لرابعة محادثة حب طويلة مع الله (25). مع ذلك وكما أشار إليه الباحثون المحدثون(26). فإن جعفر الصادق رابع إمام (145/765) وواحد من كبار معلمي الصوفية القديمة، كان قد عرف التجربة الصوفية بعبارات حب إلهي ( نار إلهية تفترس الإنسان تماماً ) الأمر الذي يبرهن على التضامن بين الشيعة وأول مظهر للصوفية.
    وفي الواقع إن البعد الباطني الإسلامي، للتمييز للشيعة، كان بدائياً متماهياً في السنة مع الشيعة.وحسب رأي ابن خلدون ( إن الصوفيين اعتمدوا النظريات الشيعية ). كذلك فإن الشيعة اعتبروا نظرياتهم كمصدر هام للصوفية (27).
    وعلى كل حال فإن التجارب الصوفية الغنوصيات التيوصوفية تسربت بصعوبة في الإسلام الأصولي، فالمسلم لم يجرؤ على إدراك علاقة صميمية، واقعة حب روحي مع الله. فقد كان يكفيه التسليم لله وإطاعة الشرعية وإتمام تعليمات القرآن بواسطة السنة. وإن العلماء الأقوياء بثقافتهم الدينية ومهارتهم بالاجتهاد، كانوا يعتبرون وكأنهم الرؤساء الدينيون الوحيدون للجماعة. وعليه فإن الصوفيين كانوا بعناد كبير ضد العقلانيين، وبالنسبة لهم، إن المعرفة الحقيقية الدينية قد تم الحصول عليها بتجربة شخصية، موصلة لاتحاد مؤقت مع الله. إن نتائج التجربة الصوفية في نظر العلماء والتفسيرات المقدمة من الصوفية، كانت تهدد حتى أسس الفقه الأصولي.
    ومن جهة أخرى، فإن طريق الصوفية يقتضي بالضرورة ( التلامذة )، مع لزوم تكريسهم وطول تدريبهم من قبل معلم. وإن هذه العلاقة الاستثنائية بين المعلم وتلامذته وصلت سريعاً لتمجيد الشيخ وعبادة القديسين. وكما يكتب الهجويري ( اعلم أن مبدأ وأساس الصوفية ومعرفة الله تعتمد على القداسة ) (28).
    إن هذا التجديد أقلق العلماء، ولم يكن هذا فقط لأنهم رأوا سلطتهم مهددة أو متجاهلة. وبالنسبة للفقهاء الأصوليين، فإن الصوفيين كانوا متهمين بالهرطقة وعليه، وكما سنرى يمكن الكشف في الصوفية التأثيرات المعتبرة فإنها نجسة ومدنسة ـ من الأفلاطونية المحدثة، والغنوصية والمانوية. وباتهامهم بالهرطقة، فإن بعض الصوفيين ـ مثل المصري ( ذي النون ) (م 245/859) والنوري م (295/907) ـ قد اتهموا أمام الخليفة. وإن المعلمين الكبار، الحلاج و السهروردي انتهيا باضطهادها وبقتلهما ( ف 277 و 280 ع )، الأمر الذي أكره الصوفيين لإيصال تجاربهم ومفاهيمهم لتلامذة موثوقين فقط وضمن نطاق ضيق من المريدين.
    ومع أن الحركة استمرت بالتصاعد، لأنها استجابت لإرضاء ( الغرائز الدينية للشعب، غرائز هي في قسم منها متجمدة بالتعليمات المجردة وغير الشخصية للأصوليين، والذين وجدوا عزاء لهم في التقريب الديني الأكثر شخصانية والهيجانية للصوفيين ) (29). وفي الواقع. وخارج التعليم التلقيني المساري المتحفظ به للتلامذة، فإن معلمي الصوفية شجعوا ( الأنغام الروحانية ) العامة فالأناشيد الدينية، والموسيقى الآلاتية ( ناي القصب صنوج، طبول ) والرقص المقدس، والترديد المستمر لاسم الله ( ذكر ) كانت تؤثر في الشعب أكثر من النخبة الروحية. وسنؤكد فيما بعد على رمزية ووظيفة الموسيقا والرقص المقدس ( ف 280 ع ). وإن الذكر يشابه صلاة المسيحيين الشرقيين التي تحددت بترداد مستمر لاسم الله أو يسوع (30).
    وكما سنرى ( ف 283 ع ) فإن تقنية الذكر ( كما هو في تطبيقات الهيزيشاست Hesychaste تقدم منذ بداية القرن الثاني عشر عملية مورفولوجية معقدة جداً ومدخلة            ( فيزولوجية صوفية ) وطريقة من نموذج يوجي ( أوضاع جسدية مميزة، وممارسة للشيق وظاهر صبغية، لونية وسمعية. إلخ... الأمر الذي يجعل من المسلم به وجود التأثيرات الهندية.
    وخلال مجرى الزمن، ومع بعض الاستثناءات، فإن الضغط الممارس من قبل العلماء قد زال نهائياً. وحتى الأكثر عداوة بين المضطهدين انتهوا إلى الاعتراف بالمساهمة الاستثنائية للصوفيين في الانتشار وفي التجديد الروحي للإسلام.

 

ميرسيا إلياد ـ ترجمة عبد الهادي عيسى    

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...