لماذا الجمل بما حمل ، ولماذا صفحة عقائد؟

13-06-2006

لماذا الجمل بما حمل ، ولماذا صفحة عقائد؟

     إذا أردنا أن نجيب إجابة مغايرة للإجابة التي أبدعها الأخ نبيل صالح وفق أسلوبه الساخر المعهود فلا بد من أن نتناول الموضوع تناولاً أكثر جدية حتى نلقي مزيداً من الضوء على الموضوع من وجهة نظرنا التي قد يشاطرنا بها بعضهم وقد يخالفنا بها كثيرون... ولنبدأ أولاً بإضاءة مساحة ما... حول الجمل... تمهيداً للإجابة على التساؤلين السابقين.
    ( الجمال: حيوانات ضخمة الجثة مرتفعة القوام، موطنها الصحارى الحارة. تتميز بتحمل شروطها البيئية القاسية، والصبر على نقص الغذاء والماء، وتستفيد من أغذية رديئة الصنف لا يستطيع غيرها من الكائنات الإفادة منها. ويتبع جنس الجمل نوعان هما: الجمال وحيدة السنام ويسمونها الجمال العربية والجمال ثنائية السنام ويسمونها (العوامل). وقد نشأت الجمال في أمريكا الشمالية قبل نحو 40 مليون سنة، وانتشرت منها إلى أمريكا الجنوبية وآسيا قبل نحو مليون سنة، قبل أن تختفي نهائياً من المناطق التي نشأت فيها.
     يبلغ تعداد الجمال في العالم نحو (18) مليون رأس، أغلبها (نحو 16.5 مليون) من الجمال وحيدة السنام وتمتلك الدول العربية ثروة كبيرة منها تقدر بنحو ثلثي تعدادها العالمي معظمها في الصومال والسودان وموريتانية، ولكن أعدادها تناقصت في العقود الأخيرة من القرن الماضي في عدد من الدول العربية مثل سورية والسعودية والعراق والجزائر وليبية، ويعود ذلك إلى أسباب عدة منها تناقص استخدامها وسيلة ركوب ونقل، حتى في المناطق الصعبة، وإلى نزوح عدد كبير من مربيها إلى المعمورة - ويحتمل أن يؤدي استمرار ذلك إلى فقدان هذا النوع الهام، ففي سورية مثلاً لا يتجاوز عدد الجمال اليوم بضعة آلاف، وتُستورد أعداد منها لسد حاجة السوق المحلية من منتجاتها )....    (1) .
    إن هذه المعلومات المقتضبة عن الجمل تحرضنا على تساؤلات لا حصر لها، منها ما هو طريف ومنها ما ماله مغزى لعله لا يفوت القارئ اللماح.. من هذه التساؤلات العديدة مثلاً :
1ـ هل ثمة صلة بين جريدة الجمل وبين كون الجمل حيواناً ضخم القوام، مرتفع الهامة يشرف برأسه على كل ما حوله بكل عزة وكبرياء، ويبصر من الواقع حوله أكثر مما يتسنى لغيره من الأحياء، كما أن طول رقبته يوفر له إمكانية أن يحول رأسه في كل الاتجاهات بكل سهولة ويسر وهذا مالا يتاح لمعظم الحيوانات.
2ـ إن الجمل عظيم الصبر على نقص الإمدادات من الغذاء والماء، وهو يتناول من الأغذية مالا تستسيغه الأحياء الأخرى، فيحسن الاستفادة منها ويخزن منها ما يستعيد مضغه عند الحاجة ليكون أكثر قابلية للهضم ويستعين به على الظروف الطارئة إن لم يتوفر له الغذاء والماء.
فهل هناك صلة ما بين كل ذلك وبين صبر جريدة الجمل على كل ما يحيط بها من ظروف وما يتوفر لها من إمكانيات تبقى دون ما يلزم للقيام  بالأعباء الملقاة على عاتقها.
3ـ إن معظم الجمال في العالم موجودة في المنطقة العربية وهي في تناقص مستمرعربياً فهل ثمة صلة بين تناقص الصبر في مجتمعاتنا وتناقص أعداد الجمال عربياً وهي المشهورة بالصبر وعظم التحمل ؟.
4ـ هل من مغزى ما لتوظيف الجمل عصرياً بما يحمله من بعد تراثي غني في التاريخ العربي وفي المجتمع البدوي بحيث يُتوّج عنواناً لأحدث وسيلة إعلامية وأسرع طرائق التواصل في عالمنا المعاصر وهو المعروف بالسير الوئيد والخطوات الثابتة؟.
    كل هذه التساؤلات وغيرها نضعها بين يدي زوار الموقع الأعزاء، للتعرف على مدى غنى إجاباتهم عليها، إضافة لما قد يبدعونه من تساؤلات جديدة سوف تستدعي إجاباتٍ أخرى.
    وإسهاماُ منا في تقديم مادة حول ( الجمل ) تصلح أساساً جيداً لتوليد تساؤلات ذات مغزى تثري هذا البحث نضع بين يدي المتابع لهذا الموقع نبذاً مما يتصل بالجمل في شتى المجالات:
1ـ في القرآن الكريم:
{إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتّحُ لهم أبوابُ السماء ولا يدخلون الجنة حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين}     (سورة الأعراف 7/40).
2ـ وفي إنجيل متى:    (أحد الأناجيل الأربعة)
(إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيٌّ ملكوت الله)       (متى 19).
3ـ وفي الصحاح في اللغة والعلوم:
    الجملُ من الإبل وهو زوج الناقة. والجامِلُ: القطيع من الإبل مع رُعاته وأربابه. قال الشاعر: / لهم جاملٌ ما يهدأ الليلَ سامرُه/. ونقول: استجمل البعير: أي صار جملاً، وإنما يسمى جملاً إذا أربع. والجمّالةُ: أصحاب الجمال، مثل الخيّالة: أصحاب الخيل. ويقال ناقةٌ جُماليةٌ: تُشَبَّهُ بالفحل من الإبل في عِظَمِ الخلق.
4ـ وفي الأمثال الشعبية:
- ثلاثة ما بتنخفى الحب والحبل والركب على الجمل.
- يلي بدو يعمل جمّال بدو يعلي باب بيته.
- أحقد من جمل.
5ـ من الصفات الإيجابية للجمل:
    كان في الماضي وسيلة نقل: (وصول وتواصل) عبر الصحراء القاحلة ويحمل سمة تراثية عربية بامتياز ويرمز إلى البداوة العربية وقد كان يقدَّم مهراً من الرجل للمرأة التي يرغب بالزواج منها كما كانت النوق العربية من أبرز عطايا الملوك والخلفاء. وخاصة النوق العتاق.
ويتصف الجمل بالحنين إلى وطنه فقد قال الشاعر (النابغة الشيباني) :
قلبي يَئِبُّ إليها من تذكُّرِها  كما يَئِبُّ إلى أوطانه الجملُ
إلا أن الشاعر (ابن أبي حصينة) : وصف الإبل بأنها من غلاظ الأكباد :
يبكي علينا ولا نبكي على أحدٍ لنحن أغلظُ أكباداً من الإِبِلِ


5ـ من الصفات السلبية للجمل:
    الجمل يرمز للماضي وقد كان له دور بالغ الأهمية في النقل والغذاء إلا أن دوره في الحاضر غدا محدود الأهمية خاصة في السفر والتنقل.
 كما أنه يسير ولا يطير ولا يسبح في الماء فساحة نشاطه محدودة بالبر فقط وسيره بطيء إذا قورن بالخيول العربية الأصيلة.
كما أنه مشهور بالحقد حتى غدا مضرب المثل القائل: ( أحقد من جمل ).
    أما لماذا علينا أن نأخذ ( الجمل بما حمل ) فإنه يحق لكل منا أن يفسر رجماً بالغيب لماذا اختار الأخ نبيل صالح هذه العبارة شعاراً لجريدته ... ودون أن يشفع تفسيره هذا بأدلة ما لأن الأمر مفتوح على الأبعاد الثلاثة المنفتحة على الجهات الستة إضافة إلى بعد ( أينشتاين ) وهو ( الزمن ) المعروف بالبعد الرابع حيث البعد التراثي للجمل، والضارب في أعماق التاريخ، يمكن تجاوز كل تراكماته الزمنية لابتداع توظيف حداثي له ابتداءً من شكله في شعار الموقع المتسم بالحداثة وانتهاءً بمضامينه المعاصرة التي تنافي ما وقر في ذاكرتنا من صفات ألفناها يتصف بها الجمل.
    من يعرف جيداً الأخ نبيل يمكنه أن يقلص احتمالات التفسير إلى أضيق بكثير مما هو متاح لمن لا يعرفه... وليس له أن يراوح طويلاً عند الإجابة على تساؤل ( لماذا الجمل ؟) والتي اجترحها الأخ نبيل  بأسلوبه الساخر المعهود ونشرت في 6/6/2006 لأن ذلك سيفتح أمامه آفاقاً أخرى لتفسير: ( لماذا الجمل بما حمل ؟ )... أرى من زاويتي أنها لا تتعدى أن تكون ضرباً من التوهم دون أدنى حسم للأمر لأنني أضع في اعتباري دوماً أنني قد أكون مجانباً للصواب فيما أراه صواباً، والحوار مع الآخر هم الذي يُجلّي الموضوع، ويقرب القضية من دائرة الحسم.
    الجمل حيوان تراثي بامتياز وإذا كان قد تم اعتماد شكل حداثي لصورة الجمل في شعار ( الجمل بما حمل ) الذي يتوج كل صفحة من صفحات هذه الجريدة الفريدة، فإن ذلك بغرض إضفاء سمة المعاصرة على هذا الجمل الرائع وإضفاء ما يذكيه في ذاكرتنا اسم الجمل من انطباعات تراثية قد يرى كثيرون أن علينا ألا نكون أسرى لها، وأن ننعتق من آثار الماضي لنعيش الحاضر بحضور فاعل ومؤثر، ونرسم معالم مستقبل أفضل لنا وللإنسانية جمعاء.
    ولعل تساؤلاً إضافياً يفرض نفسه: ترى هل يُقصد بذلك الفصل بين الانطباع الذي يحدثه لفظ أو صورة الجمل لدى كل منا وبين سمة المعاصرة التي تنتهجها هذه الجريدة الإلكترونية ؟ وهل تكتنز دعوة مبطنة لنا لإدارة ظهورنا للماضي بكل ما فيه أو لنريد تشكيله بالصورة الحداثية التي توافق عصرنا... لعل من المجدي فلسفة هذه المسألة في قابل الأيام وقد نؤصل لها بحوار مسبق مع الأخ نبيل إمعاناً في مقاربة نوياه التي لا يعلم بها إلا الله...
    أما اعتماده التعبير الدارج شعبياً ( الجمل بما حمل ) فأظنه يقصد  ـ والله أعلم ـ   أن على من يدخل موقع جريدة الجمل الزاخر بالتنوع والتعدد في الاتجاهات والأفكار والآراء أن يأخذ كل ما تحمله له هذه الجريدة تماماً كما يقال بالتعبير الشعبي الدارج ( خذ الجمل بما حمل ).
    بقي أن نتصدى لتساؤل مشروع لماذا أدرج صفحة عقائد في ( الجمل بما حمل ) ؟ ... والإجابة من زاويتنا تكمن في أن منهجنا الثابت في باب عقائد مرتكز على إتاحة المجال لكل إنسان في هذا المجتمع أن يعبر عن أفكاره وآرائه ومعتقداته بكل احترام لكل من لا يوافقه عليها ودون أدنى تعصب لمن يشاطرها الاقتناع بها، ليتم فيما بعد استدعاء مشاركات كل من يرغب بالمساهمة وإدارة حوار بنّاء  ومثمر يؤدي في النهاية لأن يتعرف كل منا على كل ألوان الطيف الاعتقادي والفكري والثقافي في مجتمعنا، وبذلك ينتفي جهلنا بكل من نعتبره آخراً بالنسبة لنا ممن يستظل معنا سماء هذا الوطن، وبانتفاء الجهل بالآخر ينتفي تلقائياً التعصب تجاهه ... حيث يصبح متاحاً لكل منا تحديد ما هو موضع موافقة واتفاق معه لنعززه ونركز عليه وننطلق منه معاً، ولنحدد طرائق وآليات وأساليب الحوار والتعامل فيما هو موضع مفارقة واختلاف وبذلك نشكل في مجتمعنا حالة حوار بنّاء، وحالة تواصل مثمر وأخيراً حالة بناء حقيقية متميزة في مجتمعنا لطالما تَشوّقَ كثير من المعتدلين المخلصين لتحقيقها، لأنها وحدها بوابة الأمل التي نلجُ منها لنذلل الكثير من العقبات التي تواجهنا ونزيل العديد  من المعوقات التي تحول دون تقدمنا ولنتصدى لمختلف التحديات التي تُحْدق بنا .


محمد صفوح مرتضى   

 

 


(1) المعلومات عن الجمل مقتبسة بتصرف من دراسة مطولة لأسامة عارف العوا.


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...