حديث عن إجهاض آمن في المؤتمر العالمي لصحة النساء

05-11-2007

حديث عن إجهاض آمن في المؤتمر العالمي لصحة النساء

دار شريط سينمائي على مدار الساعات التي عقد خلالها المؤتمر العالمي لصحة النساء الإنجابية في الجناح المخصص للسينما في مركز المؤتمرات في لندن (إكسيل)، ناقلاً الى المنظمين والمشاركين من مؤسسات أهلية عالمية وعلى مستوى الدول وموفدي الحكومات والذين قارب مجموعهم 1500 شخص، روايات حقيقية عن نساء قضين أثناء الحمل والولادة. كانت الكاميرا تصور طرقاً رملية ووعرة وبلا نهاية، على نساء في الصومال وأفغانستان ومثلهن في دول نامية أخرى في القارة الأفريقية وآسيا السير عليها لساعات وهن في حال المخاض، للوصول الى مركز طبي يساعدهن على الولادة.

لم تكن هؤلاء النساء هن الراويات لمعاناتهن مع صعوبات الإنجاب في عالم يفقد كل عام اكثر من نصف مليون امرأة لهذا السبب، بل كانت أصوات أزواج وشقيقات يستعيدون مآسي تدخل عالم النسيان لمجرد أن بطلاتها نساء.

تدخل الكاميرا أروقة مبنى يشبه كل شيء إلا المستشفى وتلتقط صور نساء مستلقيات على الأرض يتأوهن من أوجاع المخاض، وثمة امرأة تركض بينهن وتصرخ طالبة قفازات طبية ما يوحي بأنها قابلة، فترد عليها امرأة أخرى بأن القفازات نفدت، فتطلب شفرة معقمة لقطع حبل سرة ما زال يربط وليداً بأحشاء أمه فيأتي الجواب أن لا يوجد إلا واحدة استخدمناها قبل قليل، وتدور الكاميرا مرة أخرى على النساء المستلقيات، فتسجل أجساداً هامدة وأخرى تنتفض ومواليد يلفون ببقايا أقمشة، بعضهم ما زال على قيد الحياة وآخرون توفوا مع أمهاتهم.

ان تموت امرأة كل دقيقة في العالم أثناء الولادة، أي ما يعادل عشرة ملايين امرأة في كل جيل، إحصاء صدم العالم المتحضر في مطلع الألفية الثالثة، وتنادى مرة أخرى للبحث عن حلول لإنقاذ نساء معظمهن يعشن في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بعدما تجاهلت كل اتفاقات حقوق الإنسان والمرأة حق النساء في الصحة الإنجابية، وصار أحد أهم أهداف التنمية في الألفية التي وضعت لتحقيقها قبل حلول العام 2015، تحسين الصحة الإنجابية وخفض نسبة الوفيات نتيجة ذلك.

في مؤتمر لندن اختلطت الحسابات ما بين الإنساني والاقتصادي لإقناع الدول المانحة بأهمية الاستثمار في النساء للمردود الكبير على المجتمعات ككل. لكن في المؤتمر نفسه استعاد المنظمون والمشاركون خيارات استخدموها سابقاً لتحقيق الهدف نفسه وفشلت، وبدا في نقاشات جلسات المؤتمر التي امتدت ثلاثة أيام ان الهوة بين ما يطرحه العالم المانح وبين ما يعانيه العالم الضحية ما زالت كبيرة بل تزداد اتساعاً، على رغم كل الأموال المجندة لهذه الغاية.

كان المنظمون خليطاً من منظمات دولية (صندوق الأمم المتحدة للسكان، البنك الدولي، صندوق الأمم المتحدة للأطفال «يونيسيف»، ومنظمة الصحة العالمية)، وأخرى تتخذ من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولاً أوروبية أخرى مقار لها (المنظمة العالمية للرعاية الأسرية، الشراكة من اجل صحة النساء والمواليد والأطفال، دائرة التنمية العالمية في بريطانيا، الفيديرالية العالمية من أجل التنظيم الأسري، أنقذوا الأطفال، الى جانب هيئات تابعة لدوائر حكومية في بريطانيا والنروج وألمانيا والسويد) وكان حضور المنظمات غير التابعة للأمم المتحدة طاغياً بقدراته المالية والبشرية على ما غيره، ما أوحى بأن ثمة إرادة سياسية بالمعالجة الجدية.

كل الذين تعاقبوا على الكلام في الجلسات الرئيسة والجلسات المتخصصة وهي بالعشرات، رددوا الحاجة الى «التحرك الآن» بعدما عرفت الأسباب التي تؤدي الى موت النساء الحوامل واللواتي في المخاض، وتكرر الكلام عن حاجة المرأة لـ «تكون سيدة قرارها» في ما يتعلق بصحتها الإنجابية.

قال طبيب جاء من الهند ان عدد النساء اللواتي توفين في بلاده نتيجة الإجهاض غير الآمن في عام واحد يعادل عدد ضحايا «تسونامي» قبل ثلاث سنوات، وتمنى ان تجد ابنته إذا احتاجت الى الإجهاض في السنوات المقبلة من يقوم بالأمر في شكل سليم وآمن، وقالت خبيرة أخرى في مجال الصحة الإنجابية ان السياسات يضعها الرجال وهم لا يموتون نتيجة الإجهاض علماً أن غالبية النساء على الكرة الأرضية اضطررن الى الإجهاض مرة على الأقل في حياتهن، وقال خبير آخر: «اننا نعيش في عالم تطغى فيه الإيحاءات الجنسية على ما عداها ونصر على تجاهل الأمر وانعكاساته على صحة النساء»، وشدد خبير في حقوق الإنسان على ان تشريع الإجهاض لا يعني أبداً استسهال اللجوء إليه.

المتحدثون من الدول النامية والذين يعملون ميدانياً في هذا المجال ركزوا في مداخلاتهم على عامل الفقر وعدم تخصيص الحكومات في هذه الدول جزءاً كبيراً من موازناتهم للنساء والأطفال، وتحدث آخرون عن استغلال قضايا العنف ضد النساء في اجندات سياسية مثلما حصل في أفغانستان مثلاً إذ تحولت الحملات من اجل نصرة النساء الى حرب ضد تنظيم «القاعدة»، وشكا آخرون من كثافة الحملات التي نظمت مثلاً من اجل التوعية على مرض «الإيدز» لكن الحملات لم تتحول الى تحرك فعلي ضاغط على السياسيين والحكومات. وتحدث ناشط آخر عن ندرة الواقيات الذكرية للرجال المصابين بالإيدز او الذين يريدون تجنب الإصابة في الدول الأفريقية الفقيرة، مشيراً الى جل ما يقدم كمساعدة لهؤلاء لا يتعدى ثلاثة واقيات في السنة!

وطالبت ناشطة في مؤسسة اميركية بالتركيز على الإرادة السياسية وضرورة مساواة قضية الوفيات عند النساء الحوامل بقضية العنف ضد المرأة، سائلة:» كيف يسمح العالم المتحضر لنفسه بأن يترك امرأة تنزف حتى الموت لمجرد انها تلد؟»، لكنها اعتبرت ان المسألة ليست «عيادات جيدة او مجرد اشراك الناس في هذه القضية، انها قضية السماح للنساء بالوصول الى طرق تنظيم الحمل والحصول على الرعاية الطبية الصحيحة».

ناشط جاء من الصين قال ان خبرته مع ممارسة الضغط على حكومة بلاده لوضع حد لانتشار مرض «الإيدز» تجعله يعتقد بأن الحاجة للإعلام أساسية لإيصال أفكارنا الى الجمهور، في حين ركزت ممثلة حكومية جاءت من المكسيك على ان التغيير يفترض الدخول الى الحكومات لتعديل اجنداتها السياسية لتصبح معالجة قضية الوفيات بسبب الحمل والولادة أولوية.

وسألت إعلامية أميركية أدارت الجلسة ما قبل الختامية عن سبب عدم وضع هيلاري كلينتون مثلاً قضية الوفيات بسبب الحمل والولادة على برنامجها الترشيحي للرئاسة الأميركية، وسألت خبيرة أخرى عن مسؤولية المال في التغيير وسألت: «هل نضعه في الأماكن التي تعاني من البيروقراطية أم نعطيه الى الجمعيات غير الحكومية التي بدورها قد تدخل دائرة البيروقراطية؟».

وتواصلت الأسئلة والنقاشات وتراوحت بين تقوية النساء لتقرير مصيرهن وبين اختراق المنظمات التي تعمل في هذا الإطار للنسيج الاجتماعي للدول الممانعة لإحداث التغيير من خلال تحفيز الناس للحصول على الخدمات التي يستحقونها، لكن كانت ثمة عودة دائمة الى سبل تقوية النساء في بلدان كثيرة يتعرضن فيها في الحد الأدنى الى التعنيف اللفظي؟»، وأجمع المشاركون على أهمية تعليم النساء حتى يكون لهن دور مختلف عن أدوار أمهاتهن، ولم تنس ناشطات أميركيات الحديث عن دور شبكة «انترنت» في نشر التوعية وتشكيل القوة الضاغطة، لكن آخرين استدركوا بأن النساء في أفريقيا لا يعرفون ما هي الانترنت، وطرح آخرون الحاجة الى أصوات نساء يتكلمن عن مشكلتهن أمام الرأي العام لكن المشكلة الأساسية ان النساء اللواتي توفين أثناء الولادة لا أصوات لهن».

في قاعة مغلقة خصصت لمناقشات ممثلي الحكومات، بقي الكلام الذي امتد عشر ساعات على مدى يومين، بعيداً من الإعلام، والمشاركون الذين بلغ عددهم المئة مثلوا 32 دولة من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا تعاني نسبة مرتفعة في عدد وفيات نسائها، وعربياً تمثلت اليمن والسودان.

وإذا كانت المؤتمر أقلع بإعلان بريطاني بمنح صندوق الأمم المتحدة للسكان مبلغ مئة مليون جنيه استرليني خلال السنوات الخمس المقبلة للمســـاعدة في «منع الحمل غير المرغوب به وجعل الطفولة اكثر أمناً في أفريقيا وآسيا»، فان ختامه كان إعلاناً نروجياً عن مساعدة بقيمة بليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لتمويل آليات الولادات الأكثر أمناً.

وجدد الوزراء المشاركون تعهدهم بالاستثمار في صحة النساء والأطفال. وشدد بيانهم على إحداث إصلاحات قانونية لمصلحة جعل النساء اكثر قدرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتهن الإنجابية، وأشار الى استراتيجيات مطلوبة على المستوى السياسي لتوفير الخدمات الصحية للتخطيط الأسري والإنجابي ومنع حصول الحمل غير المرغوب فيه أو غير الآمن وخفض الحمل لدى المراهقات.

في أروقة المؤتمر كانت ثمة حركة معترضة على المواضيع التي ركز عليها المنظمون، فكتب مشاركون فيه يمثلون منظمات غير حكومية أميركية وأوروبية بعضها ذات طابع ديني (كاثوليكية) وأخرى تعنى بحقوق الإنسان والمرأة والعائلة وبينها رابطة أميركية لأطباء الأمراض النسائية والحمل والولادة، رسالة اعتراض وجهوها الى رئيسة المنظمة العلمية للعناية الأسرية جيل شيفيلد والى نائب الأمين العام للأمم المتحدة الدكتورة اشا روز ميجيرو التي شاركت في المؤتمر وأخرى الى رئيسة شرف «مراقبة الحقوق» ماري روبنسون، أعربوا فيها عن خيبة أملهم لفشل المؤتمر في مقاربة الغايات التي حددها الهدف الخامس للتنمية الألفية وهو خفض الوفيات الناجمة عن الأمومة، واعتبروا ان المؤتمر كان يفترض ان يركز على أسباب تعقيدات الحمل والولادة ومنع حصولها وتجنبها والتوصل الى حلول فاعلة إلا أن أجندة المؤتمر انشغلت بموضوع الإجهاض غير الآمن وممارسته، وتم تجاهل الحاجة الى الكوادر البشرية التي تعنى بصحة النساء والأطفال (من أصل 98 جلسة خصصت 35 منها للإجهاض و6 جلسات عن الولادات الآمنة، وجلسة واحدة عن التعقيدات الطارئة أثناء الولادة ولم تتناول جلسة واحدة موضوع الناسور وهو أحد أسباب ارتفاع الوفيات بين النساء الأفريقيات)، ولاحظ المعترضون على المؤتمر انه يضم بين منظميه أصحاب مصالح مالية في تشريع الإجهاض ما يعني وجود أجندة خفية للمؤتمر لنشر الإجهاض في العالم النامي، وتجاهل مشكلات ليس اقلها عدم توافر مياه نظيفة للنساء ومواد غذائية كافية وعناية صحية قبل الولادة وبعدها وتأمين النقليات لهن الى المركز الطبية.

القيمون على الحركة الاعتراضية الذين تحدثت إليهم «الحياة» اعتبروا انهم لا يتحركون من دافع ديني وليسوا ضد تمكين المرأة من اتخاذ قراراتها بنفسها، ولكنهم رأوا في المقابل ان ليس ثمة دراسات تشرح للمرأة عواقب الإجهاض الفيزيولوجية والنفسية عليها، مشيرين في الوقت نفسه الى ان مشاركة وفد من الكونغرس الأميركي في المؤتمر مرده ان ثمة مؤتمراً مخصصاً للإجهاض يعقد في العاصمة البريطانية في الأسبوع الذي يلي اختتام هذا المؤتمر وهم مدعون إليه.

ناجية الحصري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...