اقتصاد الليل في دمشق: رزق الشهوات والحاجات

15-03-2006

اقتصاد الليل في دمشق: رزق الشهوات والحاجات

سائقو تاكسي يبيعون الفياغرا للزبائن ثم يوصلونهم لأماكن استخدامها

الليل كما يقول العامة (ستّار العيوب) وعمالة الليل تدفعهم إلى غريزة البحث عن أرزاقهم وتختلف هنا الطرق والسبل في تحصيله.
يتقاذفهم الليل على الطرقات أحياناً أو في الزوايا أو في أقبية وشقق أعدت في النهاية لجمع المال الذي يسد أفواهاً كثيرة في أغلب الأحيان أو يرضي طموحات لدى فئة قليلة.
ودمشق قلما تلمس فارقاً بين حركة الليل والنهار، ليلها كنهارها ومليء بالقصص والحكايات.
بعض سائقي الليل يبيعون الفياغرا للركاب
حي البرامكة والذي يعتبر قلب دمشق أو متوسطها، وجوه اعتادها من طريقه يمر بالرامكة، ينتشر على الأرصفة المحيطة بالكراجات أو قرب وكالة سانا أصحاب البسطات وعربات الدواليب الأربعة، يجرون أرزاقهم من أماكن بعيدة إلى سوق اعتبروه وحدهم مع قناعات غريبة عن التجارة في بدائيتها، يطاردون أرزاقهم وتطاردهم شرطة محافظة دمشق، أما الواقفون الذين يحملون أوراق اليانصيب وبعض الهدايا المهربة و(الجرابات) فهم في تنقل حسب حركة الازدحام...
ليلاً بعد التاسعة وفي المناسبات بشكل أكبر يفترشون الطريق.. من باعة الموز والتفاح والحلويات السريعة (فطاير) وباعة الموالح وعلب السردين والطون وبسطات طويلة للملابس والأحذية...
ـ أبو محمد قال لي: أنا موظف في وزارة عتيدة (لن أقول لك اسمها) لي في الخدمة /25/سنة راتبي /11000/ ل.س عندي ست أولاد وابنتان قبل أن أعمل في هذا السوق منذ /5/ سنوات كان راتبي لا يسد الرمق أستدين بعد ثلاثة أيام من بداية الشهر... الآن مستورة، ربحي اليوم بين /200 ـ 300/ ل.س.
ـ أبو خالد يقف على ظهر (البيك آب) منادياً على تفاح الزبداني، أخذته جانباً قال لي: بيني وبينك نحن ثلاثة أخوة شركاء في السيارة والرزق هذا هو عملنا، نشتري التفاح من أماكن كثيرة وكما ترى (أكوام، أكوام) بضاعتنا للفقير فكل الناس التي تستخدم خطوط هذا (الكراج) من ذوي الدخل المحدود أو مَن لا دخل لهم إذا عملنا أكلنا وإذا قعدنا لا نأكل... عائلات مصروفها كبير يا أستاذ والأوضاع الاقتصادية من سيء لأسوأ كل شي غالي.
ـ أبو سمير يبيع الحلويات (مفرق) أي بالقطعة، مجموعة من (صدور) الفطاير مع (القطر) يقول: عندي محل في منطقة شعبية، حركة البيع قليلة، لذلك أقف هنا، قطعة فطاير على الماشي وصاحب (عيلة) يشتري عشر قطع من مبدأ أن الأولاد يأكلون الحلويات وهذه (رفاهية الفقراء) البيع هنا أفضل من المحل.
* قاسيون صيفاً وشتاءً، حركة مستمرة، من يمر به أو من يستريح وقتاً قليلاً، أو البعض يعتبرونه ملجأً وستاراً للقاءاتهم العاطفية، هكذا يصبح سوقاً، باعة الدخان الأجنبي، والشاي والقهوة والزهورات.
ـ (م.ح) موظف يعمل بائع دخان أجنبي: ربحي اليومي بين /400 ـ 500/ ل.س راتبي لا يكفيني، التزاماتي العائلية كثيرة، عائلة مؤلفة من /ولدين/ ووالدتي ومع ذلك راتبي الذي  يصل إلى /10000/ ل.س لا يكفي حتى /الخامس من الشهر/ وهذا العمل يحمل خطورة كبيرة، مطاردات ومصادرات ومع ذلك الرزق يحتاج إلى بعض المجازفة.
ـ وليد (شاب في العشرينات) يقول: أنا أبيع الشاي والزهورات كما ترى على دراجة هوائية، هذه (الشغلة) أفضل من /100/ وظيفة، أبدأ عملي من الساعة السابعة مساءً وحتى الفجر، مهنتي لا تحتاج إلا إلى (السكر، علبة شاي، قهوة، ماء ساخن) وهنا السعر أكثر من بقية الأماكن والمنطقة سياحية ربحي حوالي /1500/ ل.س باليوم.
* المزة (اتستراد المتحلق الجنوبي) ينتشر بائعوا وبائعات الخبز بمسافات متقاربة، بعضهم يعمل ليلاً نهاراً وبعضهم يستلم عن زوجته التي تعمل في النهار وهو يتابع عملها ليلاً... الملفت للنظر أن بعض الفتيات ممن لا يتجاوزن (الخامسة عشر) يعملن حتى أوقات متأخرة من الليل لهن زبائن محدودون، أحد سائقي التكسي قال لي: أنا لا آخذ الخبز إلا من هذه البنت الصغيرة التي تضع خماراً لا يظهر سوى عيونها... لها عينان جميلتان.
ـ أم سعيد تقول: أصل في الساعة العاشرة صباحاً أبتاع الخبز من الفرن الآلي، نتشاجر ونصطدم مع الزبائن وأصحاب الفرن.. سعر الربطة /8/ أرغفة /20/ ل.س، أربح في الربطة /5/ ليرات، أعمل هنا منذ أربع سنوات، أولادي متزوجون وكل منهم استقل في منزله مع زوجته وأولاده كلهم موظفون ورواتبهم لا تكفي حتى بيوتهم... وبعض الأحيان يستدينون مني، (عيشة صعبة يا ابني).
ـ خديجة (خمسة عشر عاماً) كانت تبيع الخبز في الساعة الثامنة سألتها لماذا تعملين يا خديجة حتى في هذا الوقت المتأخر؟ أجابت مشيرة إلى سيدة خمسينية تبعد عنها حوالي /100/ متر: أمي معي وأنا أساعدها، ماذا نستطيع أن نعمل لنعيش أنا وهي هذا واقعنا ويجب أن نتأقلم معه.
* شريحة واسعة تعتاش ليلاً من أعمال تبدو غير أخلاقية، سائقو التكسي العمومي هم محركو الليل الطويل، بعضهم يعتمد على الطلبات العادية، وبعضهم يختص بطلبات معينة.
ـ يوسف.أ سائق تكسي عمومي يقف أمام الفنادق والملاهي الليلية يقول: موسمنا الحقيقي في الصيف ولكن في الشتاء لا يخلو من الزبائن الدسمين.. السهارى والفنانات.. لدي الآن زبون آخذه من بيته إلى الملهى /500/ ليرة في الذهاب وأخرى في الإياب وفي فترة سهرته أعمل على الطلبات العادية.
ـ أبو يزن موظف في إحدى الوزارات: لديَّ طلب مع فنانات (نوريات) من حي تشرين إلى كازينو سومر على طريق التل بـ/300/ ل.س وهؤلاء الفنانات لهن بين (3 ـ 4) نمرات والنمرة (وصلة غناء أو رقص) يعني ليلة عملي بـ(1000 ـ 1200 ل.س) ولكن هذا النمط من العمل لا يخلو من الخطر والمشاكل... فهذه الفئة من الفنانات لهن علاقات شائكة مما يؤدي إلى صراعات بين زبائنهن تصل أحياناً إلى القتل، معلومة يا أستاذ لا يخبرك بها أحد: هل تعرف أن بعض سائقي التكسي يبيعون حبوب فياغرا للزبائن وبعضهم يعمل كقواد.
ـ ظاهرة جديدة حدثني عنها أحد السائقين أن بعض أصحاب السيارات الخاصة يؤجرون سياراتهم لمكاتب التاكسي مقابل مبالغ جيدة تصل إلى /30/ ألفاً في الشهر ويقوم أصحاب المكاتب بتأجيرها إلى مراهقين أو زبائن ليل مقابل مبالغ من /2000 ـ 2500/ ل.س في الليلة الواحدة.
* تخرج (سمر.ط) من بيتها في منطقة (دمر) متجهة إلى المشفى الذي تعمل به تقول: عندما يكون دوامي مساءً أي من العاشرة حتى الصباح لا أصدق كيف أصل إلى المشفى، عيون الناس تأكلني، فتاة في العشرين من عمرها تخرج في وقتٍ تعتبره الأغلبية متأخراً ومشبوهاً وهم لا يعرفون أنني أعمل في أنبل مهنة وأكثرها إنسانية، فالليل ليس فقط لبنات الهوى أو الفانيات.
* (حسنة.ص) عمرها (20) سنة: منذ كان عمري /15/ عاماً، وأنا أعمل في الكازينوهات (منطقة الغوطة، معربة، مع بعض أقاربي (نَوَرْ) حتى ساعات متأخرة من الليل مقابل/1000 ـ 1500/ ل.س ولكننا لا نعمل في الدعارة، ممكن أن نستغل زبوناً سورياً أو خليجياً، أحياناً يقل الشغل (العمل) ولكن ماذا نصنع ليس لدينا إلا هذه الطريقة في الحياة.
* أم صالحة (55) سنة تقول: لدي ابنتان تعملان في الرقص الليلي في أحد النوادي الليلية بريف دمشق، أحجز طاولة لي وأبقى بانتظارهما حتى نهاية الوصلة، نأخذ الحساب ثم نذهب إلى البيت، نحن لا نعمل في الدعارة والحمد لله.
* وهذا حال بعض الرجال أيضاً ممن يأتون بنسائهم إلى الكازينو لنفس الغاية ولكن العمل هذه الأيام قليل بسبب قدوم راقصات من دول أجنبية وعربية وبتن يتنافسن في العمل.
* فاتن (22) عاماً تعمل خبيرة مساج وهذه هي الواجهة للعمل في الدعارة هذا ما رواه أحد الذين اتصلوا بها لنفس الغرض عندما كان يعاني آلاماً حادة في رقبته ولكن القصة تطورت إلى الدعارة، وهذا جزء من أساليب التغطية للأعمال اللاأخلاقية.
* المال أمام أسباب السقوط في الغواية (أم صطيف) كما يتحدث عنها الجيران في منطقة من ضواحي دمشق وهي عاهرة بلغت سناً متقدماً، ولم تعد مرغوبة أصبحت تدلل على ابنتها ذات الخمسة عشر ربيعاً تأخذ بيدها إلى البيوت حيث الظلمة بداية طريق الرذيلة.
* قبل شروق شمس دمشق ومن أطرافها الفقيرة يتسلل بعض الأطفال والمراهقين إلى حاويات وسط المدينة وشوارعها الراقية ينبشونها بحثاً عما يمكن أن يباع (من علب كولا... بلاستيك أو زجاج، ألمنيوم، ملابس، أحذية) وقد يكون في جانب الحاوية ما يؤكل، هذا بالإضافة إلى عمال التنظيفات الذين يمارسون نفس الهواية إلى جانب عملهم، فالليل لكل الناس وكل رزقه حسب طاقاته.
* بالرغم من أن (ستار العيوب) هو امتداد لاقتصاد النهار ويميزه حضور الخطأ ومخالفة أنظمة النهار، إلا أنه امتداد له ناسُه وطقسه ودوافعه، البعض يخلع ملابس النهار ويستتر بملابس الليل، وتصالح الحاجة مع كل قواسم هذا التوهان الليلي تلبية لشهوات تأتي بالأرزاق لمن يقدمها والحاجة تدفع هذه الحشود المتناقضة إلى الحركة التي تصل ليل دمشق بنهاره.


عن مجلة المال
عبد الرزاق دياب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...