الهجوم على الاسلام

20-06-2006

الهجوم على الاسلام

لماذا يحتاج الصدق إلى إثبات، بينما الكذب يفرض نفسه على الناس بسطوته و فجأته، فإذا الكاذب يوزع على الصادقين افتراءاته و افتئاتاته؟ و إنك لتعجب كيف ترى الصادقين مضطرين إلى الدفاع عن صدقهم، بينما الكذابون يهاجمون؟ لماذا ينبغي على المجتمعات أن تمر بمعاناة طويلة يُصَدَّقُ فيها الكذبُ و يُكَذَّبُ بها الصدقُ إلى أن يأتي الوقت الذي تتكشف فيه الحقيقة مرة، وهي أن الناس سرعان ما ينجرون إلى كذب الكاذبين و يعرضون عن صدق الصادقين؟ لماذا هذا الاستخفاف بالعقول هو الغالب من الأحداث والأحاديث؟
لقد سجلت الآية أدناه  من سورة الذاريات ظاهرة تاريخية تتكرر بحق كل رسول يأمر قومه بالصدق فيلصق به الملأ المترفون المستكبرون من قومه كل التهم التي هي من صناعة الكذب من أجل صد الناس عن الصدق و الحق.  هذه الظاهرة هل هي  مؤامرة أم شراكة في الطغيان ؟ يُغَلِّبُ القرآن الحالة الثانية لأنها هي  الجوهر و الأولى هي الصورة :
 "أ تواصوا به، بل هم قوم طاغون" [الذاريات : 51/53]
تتضمن الآية سؤالا يأتي جوابه في صيغة استدراك ربما يُفْهَمُ لأول وهلة على أنه نفي لحال التواصي، أي التآمر بلغتنا اليوم. ولكن دراسة الآية بمقارنتها مع سياقات قرآنية مشابهة تثبت واقع المؤامرة تدفعنا إلى فهم الاستدراك "بل هم" على أنه إلحاح على غلبة حال الطغيان (أي تجاوز الحد) في الكذب و التكذيب (أي مخالفة الواقع) والافتراء (قلب الوقائع رأسا على عقب) حيث نرى في الآية التي سبقت آيتنا المذكورة أعلاه تُقَرِّرُ صورة الظاهرة قبل تقرير جوهرها :
 "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" [الذاريات : 51/52]
  لا نقصد  من هذه المقدمة العامة سوى ربط ما نعيشه من أحداث بسننها السارية الجارية في الأقوام و الأيام و التي قد تتبدل في المظهر دون تبدل في المخبر، فالحملة على الإسلام والمسلمين و الإساءات المعتمدة المتعمدة التي وصلت إلى حد الإساءة إلى شخص الرسول عدوانا و سفها وابتذالا و إذلالا ليست بدعا في تاريخ الكذب و المكذبين و الافتراء و المفترين، وإنما هي قانون حاكم ناجم عن طغيان النفس البشرية أفرادا و أمما حين يريد الله استبدال من علا و أسرف و تجبر و تكبر من الملأ المترفين المستكبرين فيبدل أمنهم خوفا، أي خوف، و لكن ممن؟ من المستضعفين الذين يريد الله أن يمن عليهم فيجعلهم الأئمة و يجعلهم الوارثين، ونعني بهم هنا المسلمين الذين يتواصى بهم الطغاة في الشرق و الغرب، و يتظاهرون عليهم بالإثم و العدوان. و أي إثم وأي عدوان هما في ضراوة و شقاوة ما يوجه ضد المسلمين من حملات إعلامية وحربية.
 لقد أصبحت منطقتنا مركز العالم في أحداثه وأحاديثه، وتكفي مشاهدة الفضائيات في صدر نشراتها و صحف العالم في أعلى صفحاتها الأولى لمعرفة كم هو العالم مشغول بإرهاب المسلمين، وكأنه لا توجد في الأرض مشاكل سوى هذا الإرهاب- العُصاب المسيطر على رؤوس الطغاة الحامية ممن يستمرون و يستمرئون استعباد واستبعاد الشعوب
 حري بنا إذ نعانب ما  نعاني منه أن نتنبه إلى كلمات تتكرر في القرآن و لا  نعيرها أدنى اهتمام، مع أنها معيار في فهم رجس هذا العالم الظالم أهله بحق المسلمين. يلفت النظر تكرار استهزاء الملأ المستكبرين المترفين من الأقوام برسلهم و سخريتهم بهم و بمن تبعهم. و ربما يكفي في هذه العجالة التوقف عند آية تكررت مرتين بنفس الصيغة و جملة وردت في خواتيم عدد من الآيات تكررت ست مرات في القرآن :

 "وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ"
[الأنعام : 10 والأنبياء : 41]

"… وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ"هود8 و النحل34 و الزمر48 و غافر83 و الجاثية33 و الأحقاف26
يفهم من هذا التأكيد على اطراد هذه الظاهرة أن هلاك الملأ المستكبرين من الأقوام كان من أسبابه استهزاؤهم و سخريتهم من رسلهم و الرسالات التي أرسلت معهم. وبكلمة واحدة يمكن القول بأن الاستهزاء حال من كَُتِبَ عليه الهلاك، وأن الاستهزاء لا يضر بالمستهْزَأِ بهم و  إنما بالمستهزئين. لماذا يحصل هذا؟ لأن المستهزئين مصابون بغرور من يحسب أنه هو الأقوى و الأبقى، تماما كما قال فرعون للسحرة حين آمنوا قبل أن يأخذوا منه الإذن بالإيمان :
"قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى" [طه : 20/71]
إنه حال كل من يريد إكراه الناس على الاستعباد و الاستبعاد. و لعل من المهم هنا التنبيه بأن السخرية و الاستهزاء والعلو و الإسراف و الاستخفاف والإسفاف، كل ذلك يرافقه بل يلازمه الظلم والعدوان و البطش و التعذيب. أ ليس هذا حال الأحزاب اليوم الذين يسمون أنفسهم بالحلفاء في عدوانهم على البلاد و العباد والمقدسات. و تدل كلمة الأحزاب في القرآن في آن معا على تألبهم و تكالبهم على الأنبياء و أتباعهم في البداية وعلى هزيمتهم و هلاكهم في النهاية. يكفينا في هذا الصدد ذكر آيات من سورة ص ورد فيها اسم ستة أقوام أهلكهم الله بسبب استكبارهم في الأرض كانوا يحسبون أن لهم المال و لهم الملك ولكن ماذا كانت نتيجة تكذيبهم هنا و استهزائهم هنالك و عدوانهم و ظلمهم ؟ الهزيمة والهلاك :
"أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؟ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ. جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ، أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ" [ص : 38/9-13]
هل فهمنا الآن مدى عمومية الطغيان بكل تجلياته التي استعرضنا بعضها سريعا؟ هل أدركنا مدى خطله و خطره على أهله؟ هل تبين لنا أن التآمر ما هو إلا صورة للطغيان الذي هو  الأصل و الجوهر؟ لذلك كان لابد من النظر إلى الإساءة المستمرة إلى المسلمين، و إلى رسولنا الكريم، بأبي هو و أمي،  على أنها أمارات و علامات بل آيات ضعف و زوال و هلاك للمستهزئين. لابد من النظر إلى كل ذلك نظرا ينطلق من قراءة نواميس الله الجارية السارية في الناس دون تخلف أو تأخير.
لا ننفي وجود المؤامرة، وكيف يكمن نفيها وهي ماثلة للعيان صباح و مساءَ وسائلِ الإعلام الغربية و الشرقية التي تحولت إلى وسائل إيهام و إبهام و لبس و سلب للحقائق والوقائع ؟ و لكن حتى في هذه الحال التي غالبا ما يطلق عليها القرآن وصف المكر فإن النتيجة واحدة تتمثل في بطلان و خسران مكر الماكرين حيث لا يحيق المكر، على شدته، إلا بأهله :
1-لله المكر جميعا :
"وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ" [الرعد : 13/42]
2- و الله خير الماكرين :
"وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" [آل عمران : 3/54]
3- عاقبة المكر التدمير:
"وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ"[النمل : /50-51]
4- الماكر إنما يمكر بنفسه :
"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ " [الأنعام : 6/123]
5- ومع ذلك فهدف المكر إزالة الجبال في شدته :
"وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ" [إبراهيم : 14/46]
6- رغم هذه الشدة فإن بنيان المكر إلى الانهيار :
"قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ" [النحل : 16/26]
7- قانون المكر أنه يحيق بأهله هذه سنة الأولين و الآخرين :
"اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً " [فاطر : 35/43]

8- لذلك أمر رسول الله وكل المؤمنين بعده إلا يقلقوا و لا يخافوا مكر الماكرين :
" وَلاَ تَكُ/ تكن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ " [النحل : 16/127 والنمل : /70]
لنطبق هذه السنة على حال المسلمين في بداية القرن الواحد والعشرين فماذا نلاحظ ؟ أن 11 أيلول تاريخ يخص أمريكا و الغرب عموما و لا يخص العالم، بمعنى أنه لن يكون تاريخا للعالم، و  حتى بالنسبة للغرب فهو لا يعني أكثر من تحول حضارة الغرب من دور تعمير العالم الذي كان لها مساهمة كبرى فيه  إلى دور تدمير هذا العالم .
فيما يخصنا فإن لنا ثلاثة تواريخ مفصلية لن نكون بعدها كما كنا قبلها  :
1- الإساءة إلى الرسول كان من جرائها ولادة الرأي العام العربي و الإسلامي الذي كان على الدوام غائبا مغيبا، وهذا حدث كبير ما تزال إرهاصاته تتوالى إلى أن يصبح واقعا لا يمكن المماحكة فيه.
انتصار حماس الذي ينبئ عن تحول جماهير الأمة إلى مرجعيتها الإسلامية بعد غفلة و نسيان طويلين لها، وهذا أيضا حدث كبير ستتوالى مفاعيله الإيجابية إلى يقتنع العالم بأن الإسلام هو سلام و سلامة العالم أجمع من مسلمين و غير مسلمين.
كلمة السيد الرئيس الدكتور بسار الأسد في مؤتمر الأحزاب العربية التي لم تكن تاريخية و حسب بل تاريخا يؤذن بانتهاء حقبة القطيعة بين ما يسمى اصطلاحا بالعلمانيين  والإسلاميين من حيث أعلن في السيد الرئيس ضرورة الاتفاق والإجماع على مرجعية الإسلام و العروبة, على أنها مرجعية واحدة. و أهمية هذا الحدث تتأتى من كونه يسجل لأول مرة منذ أكثر من قرن توحيد مرجعيتهم العليا بعد أن تعددت و تباعدت فيهم مرجعيات متنافرة متناحرة.
هذه أحداث كبرى وقعت في أقل من سنة واحدة في منطقتنا التي أصبحت قلب العالم و التي تتسارع فيها الأحداث فتحسب بالأيام و الشهور بينما تحسب في أماكن أخرى من العالم بالسنين و العقود. كل هذا لا يمكننا فهمه إلا بقانون المكر بحيث صار مكر الأعداء بالأمة يعمل على إحيائها بينما هم يسعون إلى إفنائها.


      محمد نبيل الخياط

الجمل


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...