وصفة: كيف تصنع متطرفاً

24-06-2006

وصفة: كيف تصنع متطرفاً

«لكي تصنع متطرفاً, يكفي أن تخلق بيئة متذمرة, وأشخاصاً مستائين في البداية... ثم ترش عليهم قليلا من محلول الفقر وتعاملهم بدون احترام.
المتذمر شخص يرى امام عينيه رغيفه يكرج كدولاب الحظ باتجاه آخر ونحو شخص آخر. ويرى بأم عينيه أحداً ما من أقاربه أو ذويه يعتقل أو يقتل أو يهان.
يذهب الى الجامع وقد حرم, لسبب ما من الجامعة, فتمتلئ رئتاه بغبار المعارك المنتصرة تحت راية إسلام قديم وفاتح ومندفع. ويملأون وجدانه بتحريض لنصرة العراق, ودعاء لهلاك اليهود, واستسقاء لعطش الفلسطينيين, وابتهال لإزالة الاحتلال الأميركي.
يمشي في الطريق فتعترضه دورية اشتبهت بلحيته السوداء, في لحظة استنفار أمني يؤخذ كمشتبه فيه, وحتى يعرفوا ان كان إسلاميا جهاديا أم إسلام شعب عادي, أو ان اللحية علامة فنيّة ونزوعاً الى التميّز... يكون الفتى قد أضاف الى احتقانه حقداً, والى تذمره مبرراً.
بالطبع سبق كل ذلك رحلة الاشتراكية من مفهوم التوزيع العادل للثروة, الى التعميم الشامل للفقر. ومن طريقة للمساواة الى طريق للظلم. الشيء نفسه بالنسبة الى الحرية والقومية العربية:
«أنت حر كما نشاء نحن... في قيودك, نطوّلها ونقصرّها حسب الطوارئ» وأنت عربي من المحيط الى الخليج», ولكنك شيعي وسني ومسيحي وبربري وكردي وابن عائلة وفخذ وعشيرة... الى آخره: مَنْ يُنكر الآن أن السؤال الأول هو: من أي مذهب أنت, لا من أي وطن جئت؟!
... على الباب الخارجي للجامع ثمة زرقاوي ما. أو ابن قاعدة مزعوم يرتب للتذمر سريعاً وبندقية, وبطاقة ذهاب واحدة الى العراق, أو أي مكان ملتهب آخر. وعندما يُلقى القبض عليه ويعترف, تحت السياط, بأنه حَلُمَ بالجهاد, وبأن طريق الخلاص هو الجهاد, ولكنه لم يذهب الى أي مكان, ولم يجاهد بعد. لم يقتل ولم ينتظم في قواعد افغانستان أو بلاد الرافدين, أو الوهابية الجديدة. فقط فكّر وعرض عليه. عندئذ لا يطلق سراحه بل يدخل مدرسة التذمّر الجديدة... السجن, وهناك يلتقي بكل ما من شأنه أن يحوّله من «متذمر» الى «متطرف».
يلتقي هناك بقادة تطرف, بمعاوني ملائكة, ببائعي حشيش, وبسجانين يؤجرونه فراشاً, أو سريراً, أو يبيعونه علبة السردين بثمن السمكة, وبمن يرفسه كحيوان في مصيدة.
هناك يتعرف الى معنى ان يكون مجهولاً كشخص, معلوماً كإضبارة مدموغاً في التصنيف ضمن زمرة معينة. ملغي الخصوصية, وبالطبع يائس لا يعرف متى وكيف سيخرج.
يمنع السجن زيارة أهله, فيتخذ من المتنفذين في الجماعة أهلاً. يمنع السجن الكتاب والأوراق والأقلام.. فتغدو ثقافة المهجع إرشادا, ووعظاً, وتذمراً وجهادية وتديناً وتطرفاً. تذهب فردية الفرد, ويصبح منهم وفيهم وإليهم.
وذات يوم قد يخرج تائباً وشائباً ولكن القصة سوف تُروى, والعلامات الفارقة لن تُمحى. وجيلاً وراء جيل يتربى عدد, من هنا وهناك, على التكرار والتجربة وملء الفراغ.
لماذا السجن هكذا؟
لماذا ما قبل السجن هكذا؟ وما بعده أيضاً... في تكرار جهنمي لانجاز التوبة... ثم يحدث العكس تماماً؟
لأن عقلية «الأمن» بدل «الأمان» هي السائدة.
لأن نظرية «كل شخص مشبوه حتى يثبت العكس» هي القاعدة. لأن الثأر بدل المسامحة, والعقوبة بدل المكافأة, والحوافر بدل الحوافز - الفرق نقطة على الراء - هي عقلية التربية. والى أن يتبدل شيء من ذلك سيظل التطرف ولوداً, والسجون... عقيمة!!

 


عادل محمود
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...