ثلاثة كتب لم تنشر لعبد الرحمن بدوي

27-06-2006

ثلاثة كتب لم تنشر لعبد الرحمن بدوي

عقب وفاة المفكر المصري عبد الرحمن بدوي عام ,2002 أعربت أسرته عن رغبتها في إهداء مكتبته الخاصة الموجودة بالقاهرة وباريس إلى مكتبة الاسكندرية لتكون ضمن قاعة المجموعات الخاصة بقسم الكتب النادرة بمركز المخطوطات، وقد اشتملت المكتبة على 12.599 كتابا من أمهات الكتب العربية والانكليزية والفرنسية بالاضافة الى 33 مخطوطة و19 ميكروفيلم وهي جماع ما كان محفوظا بمنزله بمصر ومقر إقامته بباريس، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية كان قسم الكتب النادرة بمركز المخطوطات يشتغل علي فحص وفهرسة وترميم وحفظ المكتبة فكان ان ظهرت كتب ثلاثة غير منشورة كان الراحل عبد الرحمن بدوي قد انتهى منها ولم يدفع بها إلى المطابع، كتابان منها عن مكتبة الاسكندرية ومتحف العلوم السكندري القديم وكلاهما بالفرنسية والكتاب الثالث ترجمة لتراجيديات يوريبيدس، وبهذه المناسبة أقام يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية محاضرة ومؤتمرا صحفيا أوضح خلاله أهمية هذه الكتب مؤكدا انها ستنشر قريبا بعد الاتفاق مع أسرة الراحل الكبير.
أولا تراجيديات يوريفيدس (يوريبيدس)
ترجمة الأعمال المسرحية الكاملة للشاعر اليوناني القديم يوريبيدس او (يوريفيدس) طبقا لقراءة بدوي، ويندرج هذا العمل كما أكد يوسف زيدان تحت واحد من مشروعات بدوي الكبرى التي تهدف الى تقديم اصول الثقافة الاوروبية الرفيعة قديمها وحديثها الى جمهور العربية بلغة ضافية رائقة، وقد قام بدوي بتقديم الترجمات الكاملة لتراجيديات كل من أسخولوس وسوفوكليس، وبظهور هذه الترجمة التي تقع أصولها في 33 كراسا يكون بدوي قد قدم أهم ثلاثة شعراء تراجيديين في اليونان القديمة: اسخولوس وسوفوكليس ويوريبيدس.
ومخطوطة الأعمال المترجمة كتبها د. بدوي كلها بخط يده وهي تشمل على مقدمة عامة للكتاب ثم ترجمة المسرحيات المنسوبة ليوريفيدس واحدة تلو الاخرى، وفي المقدمة العامة يقوم بدوي بالتعريف بالمؤلف وتطوره العقلي ومؤلفاته والمخطوطات اليونانية التي أمدتنا بالنص الأصلي ثم يناقش خصائص هذه المسرحيات والأفكار الرئيسية التي تصدر عنها وتروج لها، ثم موقف المؤلف من الفكر المعاصر له ومدى تأثيره على معاصريه والتالين له.
والنصوص المترجمة هي ثمانية عشر من أصل عشرين ليوريفيدس وهي حسب ترتيب الكراسات المخطوطة: الكيست، ميديا، هبوليت، الباخوسيات، هيلانة، الفينيقيات، إفيجينيا في توريكا، إفيجينينا في أوليس، إلكترا، أوريست، أندروماخية، هيكابه، جنون هرقل، الطرواديات، إيون، آل هرقل، القوقلوفس، هريسوس..
ويتبع بدوي في تقديمه لهذه الأعمال منهجا واحدا فهو قبل ان يشرع في الترجمة يقدم لشخصيات المسرحية ثم يعرض للأماكن التي تتم فيها أحداث العمل، ثم يقدم موجزا تاريخيا لتبيان الحبكة الدرامية للأسطورة التي يقوم عليها العمل، ثم يعرض بعد ذلك للأعمال الأدبية والفنية المستوحاة من العمل الرئيسي قديما وحديثا، ثم يطرح بعض ملاحظاته على النص قيمته الفنية وحبكته الدرامية.
وقد بدأ بدوي ترجمة تراجيديات يوريفيدس عام 1996 كما هو مدون في نهاية التصدير العام للكتاب ولا نعلم على وجه الدقة تاريخ انتهائه منها.
ثانيا مكتبة الاسكندرية القديمة
كتبه بدوي بالفرنسية عام 1986 ليقدمه الى اليونيسكو في مؤتمرها المنعقد ذلك العام، ومخطوطة الكتاب تقع في 55 صفحة وهي عبارة عن بحث تاريخي رجع فيه بدوي الى المؤرخين اليونان والرومان والعرب الذين كتبوا عن المكتبة القديمة، وقد بدأه بعرض موجز للمكتبات الاغريقية والهلنستية وفيه يذكر أقدمها.
وعن حريق مكتبة الاسكندرية يؤكد بدوي في كتابه: احترقت مكتبة الاسكندرية القديمة تماما عام 48 ق. م. أثناء الحصار البحري الذي فرضه قيصر على بومبي في الاسكندرية في سياق الحرب الأهلية الرومانية، وبعد ذلك التاريخ لعبت مكتبة السيرابيوم الدور الذي كان للمكتبة، واستمر ذلك حتى دمر المسيحيون سنة 324 ميلادية ما ظنوه رمزا للوثنية، فهدموا وأحراقوا السيرابيوم تماثيله وتعاليمه وكتبه، وأقاموا محله كنيسة، وعندما دخل عمرو بن العاص المدينة في القرن السابع الميلادي لم يكن هناك من المكتبة شيء يذكر.
ثالثا الموسيون
أنشأ بطليموس سوتر مكتبة الاسكندرية في نفس وقت إنشائه لمتحف الاسكندرية، بهذه العبارة يبدأ عبد الرحمن بدوي كتابه باللغة الفرنسية عن متحف الاسكندرية القديم المعروف باسم الموسيون او بيت ربات الفنون، مؤكدا ان الموسيون على الرغم من استقلاله التام عن المكتبة إلا انه كان يتعاون معها في خدمة العلم والعلماء في الاسكندرية القديمة، ويضيف د. بدوي ان الموسيون شبيه بمدارس جامعتي أكسفورد وكامبردج التي نعرفها اليوم، إذ كان يوفر المسكن والمأكل لأعضائه من العلماء الذين وصل عددهم في إحدى الفترات الى مئة عالم في مختلف التخصصات. وكان هؤلاء العلماء يعيشون على نفقة الدولة ويتم إعفاؤهم من كل الضرائب حتى يتفرغوا للأبحاث والعلوم، ولم يكن هناك اي الزام على اعضاء المتحف ان يقوموا بالتدريس او القاء محاضرات، بل لهم الخيرة بين التفرغ التام للبحث العلمي او نقل علومهم لتلاميذهم. ومن بين الاشياء اللافتة التي يوردها د. عبد الرحمن بدوي في كتابه ان المتحف كان يرأسه كاهن يعينه الملك، وكانت هذه اول مرة في التاريخ يرأس فيها أحد الكهنة مدرسة للفلاسفة. ويتساءل بدوي عن السبب وراء تنصيب كاهن على رأس أكاديمية للعلماء لا تشتغل إلا بالعلوم الدنيوية كالطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والفيزياء، ويستعين في فهم هذا الأمر بتفسير جول سيمون الذي يقول ان السبب في ذلك سياسي يتمثل في رغبة الملوك الذين أرادوا على الرغم من حماسهم لرعاية مشاهير العلماء والمفكرين ان يضعوا بعض الحدود لتلك الاستقلالية الفكرية للموسيون، خاصة ان مكتبة الاسكندرية القديمة كانت أكثر المؤسسات ليبرالية، كما ان الدين مهما ضعف كان يساعد على ان يجعل الشعب المصري المتدين بطبعه يتقبل فكرة وجود المتحف بينهم، خاصة ان اعتراف الكهنة بالملك وبما يصنعه يعد اعترافا أبديا بسلطته ويوفر له درجة أمان كبيرة، بينما الفلاسفة المشغولون دوما بفحص كل شيء والتفكير فيه يمثلون خطرا على الحاكم.

 

محمد الحمامصي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...