الجنرال عون ظاهرة جديدة في السياسة اللبنانية

28-06-2006

الجنرال عون ظاهرة جديدة في السياسة اللبنانية

يكاد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب ميشال عون، يكون نسيج وحده في الطبقة السياسية اللبنانية، إن لجهة زخم حركته واندفاعه في عالم السياسة وهي التي جعلته دوماً صاحب الطروحات الجديدة وحركة الاعتراض الحيوية، التي تعرف دوماً كيف تجد مسوغات اعتراضها وتحولها الى فعل مميز، وإن من حيث حجم طموحه المفرط، وهو الذي جعله يسعى ليتمدد خارج إطار طائفته وحدود منطقته، خلافاً لما آل إليه زعماء السياسة وقادة الرأي في لبنان.

وعليه لم يكن غريباً ان يصير هذا القيادي الطالع من صف العسكر سلوكاً وتفكيراً، مرحباً به في دمشق، وهو الذي بنى بالأصل كل “مجده” السياسي على مناصبة سوريا العداء، وعلى تسنم الدعوة الى خروجها عسكرياً من لبنان، كما لم يكن غريباً، من قبل أن ينسج هذا الضابط السابق، تفاهماً مع “حزب الله” في ذروة عزلة هذا الحزب المحاصر بالقرار الدولي الرقم ،1559 وهو (اي عون) الذي ينسب الى نفسه “شرف” الريادة وقصب السبق لإصدار هذا القرار عن أعلى هيئة دولية، ويدعو أخيراً لتفهم هواجس الحزب على سلاح المقاومة وإعطاء هذا السلاح فرصة أكبر قبل تسريحه.

عموماً، كان عون منذ صعود نجمه خارج كل الحسابات السياسية التقليدية في لبنان، يحمل أحلام الضباط الكبار الحالمين بتكرار تجربة سلفه في قيادة الجيش الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب صاحب “السمعة العطرة” والسيرة الحسنة في تاريخ كل الرؤساء اللبنانيين، كونه أول من أرسى دعائم الدولة ومؤسساتها في لبنان قبل أن تتمكن طبقة “أكلة الجبنة” (كما كان يسميهم) من اقصائه وتهميشه.

ويحمل أيضاً في تاريخه تجربة عسكرية وسياسية مرة في مواجهة سوريا والجميع، أفضت الى الحاق الهزيمة العسكرية به، وبالتالي نفيه الى فرنسا لنحو 15 عاماً، ولكنه محى ذكراها بتجربة سياسية مشرقة بعد عودته من منفاه، إذ استطاع أن يتحول الى “تسونامي” سياسية، اجتاحت في طريقها كل القوى السياسية المسيحية التي ناصبته العداء ليصبح مع مرشحيه لمجلس النواب الممثل الأكبر للمناطق ذات الغالبية المسيحية.

ورغم ذلك فإن خصومه من قوى 14 آذار/ مارس، أقصوه عن التمثل في الحكومة، ثم أعلنوا جهاراً أنهم ضد وصوله الى قصر بعبدا ليحقق حلمه بالرئاسة الأولى فكان ذلك احدى خطاياهم الكبرى، كونهم حولوه الى معارض شرس، ودفعوه الى ان يمد جسور العلاقة مع “حزب الله” وقنوات التواصل مع كل القوى والشخصيات المحسوبة على سوريا، لدرجه صار فيها المحور والقطب لحركتها التي تجددت في الآونة الأخيرة لتضحى هجوماً شرساً على حكم الأكثرية.

بمعنى آخر صار عون نقطة استعصاء، في المشهد السياسي اللبناني، ولم ينجح رهان خصومه، الذين بادروا الى مد يد العون والدعم لمنافسه المسيحي الأكبر قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في ان يستخدموا سلاح الوقت والتشهير ليفضوا جمهوره من حوله، وبجردونه من شعبيته الواسعة، تماماً كما لم ينجحوا في اعادة الاعتبار لمشروع “القوات” في الشارع المسيحي، كون هذا المشروع بات يرتبط بالذهن المسيحي خصوصاً، واللبناني عموماً، بمرحلة الحرب الأهلية، حيث كانت “القوات” رمز مشروع السطوة والهيمنة والاستئثار بدل الدولة.

 ومع ذلك فرهان خصومه في قوى 14 آذار/ مارس، يتجدد الآن على تجفيف منابع شعبيته المسيحية، خصوصاً بعدما أعلن انحيازه الى جانب مقام الرئاسة الأولى المعزولة دولياً، والتي رفضت منظمة الفرنكوفونية دعوة شاغلها (لحود) الى قمتها في بوخارست.

عون، في التحليل السياسي، يخوض منذ وصوله الى لبنان قبل عام ونيف، معركة على جبهتين: الأول الاعتراف به كزعيم مسيحي أقوى، وهو ما يواجه اعتراضاً ضمنياً من المرجعية الروحية المسيحية التي لم تمحضه بركتها كاملة لذا فهو يرفع في الآونة الأخيرة عالياً شعار الاعتدال عن اي اخلال في السلطة والادارة، يهمش المسيحيين ودورهم، فكانت مواقفه اللافتة في التضامن مع الرئاسة الأولى في معركتها المفتوحة مع فرنسا، وفي اعتراضه على ما اسماه “هيمنة” الحزب الحاكم والطائفة الحاكمة على مقاليد الأمور، ولا سيما في نطاق الأجهزة الأمنية تحت ذريعة أنه يعاد بنتائجها على أسس تضمن هيمنة فريق معين عليها.

والثانية العمل على تقديم “نموذج” جديد في عالم السياسة اللبنانية، عنوانه نظافة الكف ومحاربة الفساد عبر محاسبة سارقي المال العام في لبنان، بمفعول رجعي. وهو يدرك ان هذا الطرح، يأنفه أركان لقاء 14 آذار/ مارس الحاكم، كون قسم من المنضوين تحت هذا اللقاء، محاصرين بشبهة الضلوع في دوامة الفساد، والسرقة الذي وسم مرحلة ما صار يعرف ب”الحقبة السورية” و”بعصر الهيمنة”.

وحسب المعلومات المتوافرة في بيروت، فإن عون يجعل هذا الأمرالشعار الأساسي لمواجهة خصومه السياسيين، لأن بحوزته ملفات دقيقة عن الاهدار والفساد والمشاركين فيها، وصلت إليه من رموز معارضة للوضع الحالي.

 

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...