من منكم لا يعرف أبو العز عاشق الطالبات الشهير

29-06-2006

من منكم لا يعرف أبو العز عاشق الطالبات الشهير

العنوان هو للراحل ممدوح عدوان وليس القصد هو الدفاع عن شريحة المجانين التي تجوب شوارع مدننا وقرانا, وحتى هذه اللحظة حسب ما يقوله الأصدقاء وجيراني وأبنائي لا أنضوي تحت هذا العنوان,

فقد تعودنا أن ندافع عمن يشبهنا, إنما شد انتباهي كثرة المنضمين إلى كوكبة المجانين أو من لديهم أعراض المرض فقد كثر الذين يحدثون أنفسهم, وزادت عبارة (شيء يجنن) تداولاً بين الناس, وبعضهم يتمنى أن يكون كذلك.‏

بالقرب من حديقة السبكي الشهيرة بدمشق, أحدهم بلباس أنيق, يقفز خطوتين إلى الأمام, ويعود خطوة إلى الوراء وملامح جامدة, ترتسم على وجهه, وفي حارتنا عندما ينقطع الدواء عن الأستاذ (عائد) الذي درس أغلب أبناء جيلنا يعتلي أقرب منزل ويبدأ بالصياح وتوجيه الملاحظات على المارة كأنهم تلاميذ, ويخطب بهم ساعات عن (كاسترو) والامبريالية, والعبودية, إلى أن يشفق عليه أقاربه ويأخذونه إلى (ابن سينا) ثم يعود بعد أسبوعين هاشاً باشاً يوزع الابتسامات ويقطع شوارع البلدة بسيجارته (إيبلا) ويتحدث عن (سقراط) ومدينة أفلاطون التي صنعها ويسكنها المجانين.‏

قبل خمسة عشر عاماً كان (أبو العز) في ريعان شبابه يوزع النكات في الباص الذي يحمل طلاب كلية الآداب, من تحت جسر الرئيس إلى المزة, ويقف أمام كلية الآداب,ناصحاً صبايا الجامعة بأن لا يصدقوا كذب الشباب, وبالعكس عندما يكون جمهوره منهم.‏

أما (سعيد) الذي لايعرف أحد سبب جنونه المفاجئ في امتحان مادة الفيزياء في الثانوية العامة, مازال يحمل نفس الكتاب منذ عشرين عاماً ويتجه نحو الجبل القريب من بلدته كما كانت عادته أيام الدراسة, ويختفي لعدة أيام دون طعام أو شراب ثم يظهر فجأة.‏

أما (ناصيف) الذي يسكن حفرة مهجورة, يدخل المدينة يدور على محلاتها, عنقود عنب من هذا المحل,(قرن) موز من الآخر ورغيف خبز من مطعم الفلافل, قبل سنوات ألقت الشرطة القبض عليه بتهمة قتل فتاة صغيرة لأنها نعتته بالمجنون, ثم أطلق سراحه.‏

لم يختلف مجانين اليوم في سلوكهم وتوهانهم عن المجانين الذي قرأناهم, في تاريخنا, فأكبر العاشقين وأشهرهم هو قيس بن الملوح مجنون ليلى, وتمنى كل عشاق العرب بعده أن يكونوا على شاكلته... بل إن أغلبهم جنوا بسبب امرأة أبت أن تكون لهم, ولكن زماننا أفرد مساحات وأسباباً جديدة للجنون, من سقوط أحلامنا القومية في الوحدة والتحرير وانقسام ما كان مقسماً, إلى انهيار الشعارات الكبيرة التي رضعناها مع حليب أمهاتنا, إلى كل القتل الذي يحل بشوارع العواصم العربية, ليلاً نهاراً, حتى اللهاث المرير وراء رغيف الخبز, وفواتير الهاتف والكهرباء, وانتظار مسابقات التعيين, والتعليم المفتوح كفرصة لإيجاد مستقبل لم تؤمنه جامعات الدولة, ومراجعات دوائر الدولة وإلصاق طوابعها باللعاب في صيف حار, و زعيق الغناء الشعبي في السرافيس.‏

تغيرت أسباب الجنون وتعددت: لم تعد المرأة والحب العذري وخيانة الأصدقاء هي كل ما يفقد العربي عقله, وبتنا اليوم نسمع عبارات مثل ( طاير عقله من الفرح) وهو سبب جديد, وتغير أيضاً موقعه المفترض في الناس فيقال :(عقله بكفه) ولكن ألستم معي في أن المثقف الذي يقول ما لا يفعل مجنون, وأن الذي يحدثك في قصيدته عن العفة والشرف ويمارس في مقاهي الثقافة العهر أليس مجنوناً, أليس جنوناً التناقض بين ما نعلن وما نسر نحن الذين ندعي العقلانية ألا نقول عند بلوغ ذروة الضيق (هنيئاً للمجنون) عندما يصبح الجنون أمنية العاقل! يصبح من حقنا أن ندافع عن الجنون.‏

 

عبد الرزاق دياب

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...