أول مدينة في العالم خالية من الكربون

11-06-2008

أول مدينة في العالم خالية من الكربون

قبل أشهر قليلة مضت انطلقت في إمارة «أبو ظبي» كبرى الإمارات العربية المتحدة الأعمال الإنشائية لمدينة «مصدر» التي ستكون بعد الانتهاء من إنشائها خلال ثماني سنوات من الآن من أنظف وأكثر مدن العالم تطوراً بتكلفة تقديرية تصل إلى 22 مليار دولار وذلك بعد أن وضع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد دبي حجر الأساس لهذا لمشروع العملاق. 
 تتخذ مدينة «مصدر» موقعها بالقرب من مطار أبو ظبي الدولي وتحتل مساحة ستة كيلومترات مربعة ويتوقع لها أن تحتضن 1500 شركة و50 ألف نسمة لتصبح بذلك مقراً لكبرى الشركات العالمية ولأبرز الخبراء في مجال الطاقة المستدامة والبديلة.
كما وستكون «مصدر» أول مدينة في العالم خالية من الكربون والنفايات والسيارات حيث تعتمد في حركة النقل والمواصلات فيها على مترو حديث يتوقف كل 200 متر. وتعمل إمارة أبو ظبي على مشروع تطوير مدينة «مصدر» الأنظف بيئياً في العالم بالتعاون مع «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» حيث سيتم توليد الكهرباء فيها بوساطة ألواح شمسية كهروضوئية على حين سيجري تبريدها باستخدام الطاقة الشمسية المركزية. وأما المياه فسيتم توفيرها بوساطة محطة تحلية تعمل بالطاقة الشمسية على أن يتم ري الحدائق التي تقع ضمن نطاق المدينة والمحاصيل التي ستزرع خارجها بالمياه العادمة بعد معالجتها في محطة خاصة تابعة للمدينة، وتمثل المدينة المبتكرة استثماراً متعدد الأوجه في مجال استكشاف وتطوير مصادر طاقة المستقبل والحلول التقنية النظيفة وإنتاجها على المستوى التجاري. ومن أولى النتائج البارزة التي ستتحقق هي أن تكون أبو ظبي واحدة من أكثر منتجي النفط في العالم (أي الطاقة التقليدية) مع صداقة تامة للبيئة.
وفضلاً عن البعد الإيكولوجي يحتوي قرار بناء هذه المدينة على بعد إستراتيجي مهم حيث تريد أبو ظبي تنويع مصادر دخلها وهو ما يعترف به سلطان أحمد الجابر مدير شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل الذي يقول: «نحن نفكر في المستقبل وطموحنا هو أن نستمر في لعب دورنا كواحد من أكبر مصدري الطاقة في العالم ولكن هذه المرة بالطاقات المتجددة».

- هناك الكثير من الأهداف الطموحة وراء مشروع «مصدر» الذي يريد منفذوه له أن يصبح أكثر مدن العالم خضرة وأكثرها تقدماً من حيث القدرة على البقاء، كما ويستهدف المشروع بالتعاون مع الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية الحصول على مصدر دائم للغذاء والمواد الخام والماء، كما يخطط المشروع لأن يكون متماشياً مع التصميم المعماري المحلي قريباً إلى البيئة البرية على أن يتيح الصحة والسعادة لقاطنيه، والمثير في الأمر هو أن المشروع سيوفر أجوراً وظروف عمل عادلة لجميع العاملين بمن فيهم من يشاركون في عملية التشييد. وترى أبو ظبي في مشروع «مصدر» عامل تنويع في اعتمادها على النفط وكذلك الحفاظ على أهميتها كمصدر مهم للطاقة.
وفي بلد يعتبر سكانه من أكبر ملوثي العالم يأمل خبراء ونشطاء البيئة في أن تكون مثل هذه الأفكار الشجاعة المعتمدة على عنصر الديمومة محل اقتناص واقتباس من بقية مدن البلاد.
يذكر أن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة قال في العام الماضي 2007 في تقرير له إن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الإمارات العربية المتحدة بلغت 34.1 طناً لكل فرد عام 2004، ويعتبر ذلك ثالث أعلى مستوى عالمي بعد قطر والكويت على حين لا يتعدى في الولايات المتحدة الأميركية 6.20 أطنان للفرد.
وكان ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد قال عند الإعلان عن المشروع أن الإمارة ستنشئ أكبر محطة في العالم لتوليد الطاقة الهيدروجينية بقدرة إنتاجية تناهز الـ500 ميغاوات.
ويقول سلطان الجابر مدير شركة مصدر التي تشرف على المبادرة: إن الطلب العالمي من الطاقات المتجددة يزيد باستمرار على حين أصبحت ظاهرة التغير المناخي حقيقة ومصدر قلق متزايد وحان الوقت للتفكير في المستقبل، ويضيف: إن «قدراتنا على التعامل مع هذا الواقع سيضمن الاستمرارية لريادة أبو ظبي في مجال الطاقة على المستوى العالمي وكذلك لنمونا وتقدمنا».

- ستسعى مدينة «مصدر» إلى استقطاب الكفاءات وتشجيع التعاون بين الخبراء في قطاعات عديدة تشمل الطاقة المتجددة والمواصلات المستدامة، وإدارة النفايات والمحافظة على المياه ومعالجة المياه العادمة والإنشاءات والمباني الخضراء والمواد الصناعية الصديقة للبيئة والتدوير والتنوع الإحيائي والتغير المناخي وتمويل المشروعات الخضراء.
وستحرص المدينة على استثمار مزايا التقنيات المستدامة مثل الألواح الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة إلى أقصى حد ممكن من خلال أسلوب متكامل للتخطيط والتصميم.
وبحسب طموح القائمين على المشروع فإن مدينة «مصدر» ستحقق وفراً تتجاوز قيمته مليار دولار من النفط على مدى 25 عاماً بحسب الأسعار السائدة حالياً للنفط والغاز، كما ستوفر ما يزيد على 70 ألف فرصة عمل وتسهم بأكثر من 2% سنوياً من إجمالي الناتج المحلي السنوي لإمارة أبو ظبي.
ويتوقع القائمون على المشروع أيضاً أن تشهد المدينة الفريدة من نوعها عالمياً مستويات غير مسبوقة في انخفاض الطلب على العديد من الاحتياجات بما في ذلك الطاقة والمياه ومكبات النفايات.
- وبحسب الشروحات التي وزعت على وسائل الإعلام خلال الفترة التي تلت انطلاق المشروع فإن المدينة ستحقق انخفاضاً بنسبة 75% في احتياجات الطاقة الكهربائية وستحتاج «مصدر» إلى نحو 200 ميغاواط من الطاقة النظيفة مقابل أكثر من 800 ميغاواط بالنسبة لمدينة تقليدية بنفس الحجم.
كما سيتم انخفاض استهلاك المياه بأكثر من النصف حيث ستحتاج المدينة إلى نحو 8000 متر مكعب من مياه التحلية يومياً مقارنة بأكثر من 20000 متر مكعب يومياً بالنسبة لمدينة تقليدية إضافة إلى انعدام الحاجة إلى مكبات النفايات حيث تحتاج مدينة تقليدية بهذا الحجم إلى مكبات مساحتها ملايين الأمتار المربعة على حين أن مدينة «مصدر» لن تحتاج عملياً إلى مكبات.

- وقد أفضت الدراسات الهندسية لمدينة «مصدر» إلى تخصيص 30% من مساحة المدينة للسكن، و24% لمنطقة الأعمال والأبحاث و13% للمشروعات التجارية بما فيها الصناعات الخفيفة و6% لـ«معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا»، و19% للخدمات والمواصلات، و8% للفعاليات المدنية والثقافية.
كما سيتم تطوير مدينة «مصدر» على سبع مراحل تتمثل الخطوة الأولى في بناء «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» أول مؤسسة أكاديمية متخصصة في دراسات الطاقة المتجددة والمستدامة على مستوى العالم. ويجري تطوير معهد «مصدر» المزمع افتتاحه في عام 2009 بالتعاون مع معهد «ماساتشوسيتش للتكنولوجيا» وسيركز هذا المعهد بمن فيه من أساتذة وطلاب على تطوير الجيل التالي من الحلول التقنية في مجال الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
وتعتبر مدينة «مصدر» أحد أبرز مشاريع برنامج «الحياة على كوكب واحد» «One Planet Living»وهي المبادرة نفسها التي أطلقها الصندوق العالمي لصون البيئة، ويهدف البرنامج إلى إثبات أنه بالإمكان الارتقاء بجودة حياة البشر والحفاظ على سلامة الطبيعة في آن معاً.
ويسعى شركاء البرنامج مثل مدينة «مصدر» إلى وضع مبادئ للتنمية المستدامة قيد التطبيق وقد استطاعت مدينة «مصدر» أن تتفوق على تلك المبادئ.
تعتبر الاستدامة من العناصر التي أثارت موجة من النقاشات بين مخططي المدن والمهتمين بقضايا البيئة والتغير المناخي ولعل هذه الأسباب الأبرز لدى حكومة أبو ظبي نحو الاستفادة منه كمصدر لإيجاد نوع جديد من المدن المعتمدة على الطاقة النظيفة ومقدمة لجيل جديد من الاستثمارات في مجال الطاقة.

حسان هاشم

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...