أولاد الطلاق يميلون إلى الكراهية

29-06-2006

أولاد الطلاق يميلون إلى الكراهية

والدان مطلّقان. آفة عصرية أو ربما موضة تكاد تتعمم على نسبة كبيرة من العائلات الغربية كما بدأت تغزو العائلات الشرقية في المدن الكبرى. فالطلاق لم يعد عيباً، بل بات تطوراً «طبيعياً» في علاقة زوجين يقود بهما تدهورها إلى الانفصال النهائي... من دون ان يكون لوجود الأولاد أي ثقل في قرار الطرفين. فالوالدان يدركان ان لطلاقهما تأثيراً كبيراً في ولدهما، لكنهما سيفاجآن حتماً بدورهما الإيجابي أو السلبي على الطريقة التي يعيش فيها ولدهما هذا الانفصال.

يلعب الوالدان دوراً إيجابياً أو سلبياً في طريقة تعامل ابنهما او ابنتهما مع طلاقهما، نظراً الى وجود نقاط اساسية عدة تتحكم بهذا الدور. فالمطلوب منهما، كل على حدة، ان يكونا على اتم الاستعداد للاستماع الى الولد في اي وقت من النهار او الليل، كي يشعر ان مكانته محفوظة في حياة الوالدين مهما تقلبت الظروف.

كما تجب مصارحة الولد وإخباره عن سبب الانفصال بكلمات يفهمها ويستوعبها. ومن الافضل ان يكونا معاً، لتتطابق الرواية كلياً، بحيث يتم التأكيد له مراراً، من الطرفين، ان الطلاق ليس ذنبه ابداً وانه مرغوب به لدى الطرفين. كما يجب الاتفاق بينهما على نظام حياته: توقيت موعد النوم وعدد السهرات الاسبوعية ونوعية الافلام والاصدقاء، وغيرها... فلا يسمح واحد منهما بما يمنعه الآخر.

وينصح علماء النفس بعدم استعمال الولد كمرسال بين الطرفين بعد الطلاق: فلا تقول له الام مثلاً: قل لوالدك انه تأخر في دفع قسط المدرسة او النفقة العائلية. كما لا يتم انتقاد الطرف الآخر امامه لأنه سيشعر ان عليه ان يأخذ موقفاً قسرياً من الموضوع.

ولا يتم ايضاً التجسس على حياة الطرف الآخر بواسطته. فلا استجواب من طريق امضائه عطلة الاسبوع مع الوالد او الوالدة، بل تكفي عبارة: «امضيت وقتاً ممتعاً؟ جيد».

اما استعمال الولد كسلاح بين الطرفين فيلحق الاذى المباشر به، أكان ظاهره ايجابياً عبر اغراقه بالهدايا لـ «شراء» حبه، ام سلبياً للانتقام من الآخر. كما يشكل حينها سلاحاً ذيا حدّين: فإما يتحول كرة مسمومة يتقذافها الطرفان اللذان سيدفعان به الى اتخاذ موقف مع احدهما ضد الآخر، وإما يختار الطرف الثاني الانسحاب من المعركة حفاظاً على الولد الذي سيعتبر حينها انه غير مرغوب به.

ويجب اخيراً الحفاظ على طفولة الولد او مراهقته. فلا يتم تحويله راشداً يستمع الى اسرار احد الوالدين... حتى لو كان ناضجاً فكرياً اكثر من عمره. ويجب تنفيذ الوعود التي تعطى له، وان يتم تفسير سبب النكث بها وعدم الوفاء بها.

من سيئات الطلاق انه يعرض الولد الى زلزال في حياته اليومية العادية، ما يحقق مخاوفه الدفينة بأن حياته ستتزعزع بفعل انفصال والديه. وهو يترجم مخاوفه تصرفاً عدوانياً وتراجعاً ملموساً في علاماته المدرسية.

فتأثير الطلاق يكون على المديين القصير والطويل. في المدى الاول، قد يشعر الولد بالارتياح حيال هذا الوضع خصوصاً اذا كانت الحياة مع الوالدين في الفترة الاخيرة جحيماً لا يطاق من المشاكل والصراخ. الا ان الحزن قد يليه كما الشعور بالذنب والانطواء على النفس، والغضب والتمرد على الواقع.

اما في المدى الطويل فيكون الانهيار العصبي في المرصاد كما المشاكل المسلكية واللجوء الى الكحول او المخدرات او غيرها، لأن الولد يتماثل لا شعورياً مع احد والديه حتماً: الوالد اذا كان ذكراً والام اذا كانت انثى.

ويأتي الروتين اليومي هنا ليشكل الملجأ الاساسي للولد الذي يجد فيه شيئاً من الاطمئنان حيال الماضي عبر العيش في «ظروف» يعرفها مسبقاً.

من هنا وجوب الحفاظ على الايقاع الحياتي نفسه قدر الامكان: المدرسة نفسها والاصدقاء أنفسهم، كما متابعة النشاطات الرياضية او الثقافية نفسها.

يشكل الغضب الشعور الاول الذي ينتاب الولد فور اطلاعه على سوء العلاقة بين والديه. وهو شعور قد يتفجر الى العلن او يبقى دفيناً في اعماق نفسه ليترجم تصرفات داخلية مدمرة، سواء تعلقت بالانهيار العصبي او تعاطي المخدرات او التحوّل الى الجنوح المسلكي.

من هنا وجوب التعامل مع هذا الشعور الطبيعي في شكل عقلاني وذكي يجعل الولد ينفّس عن حنقه وغضبه ويستبدله بسلوك هادئ ومتفهم لوضعه او على الاقل ، متعقّل.

ويجب الا يتردد الوالدان، او احدهما، في التوجه الى اختصاصي اذا شعرا انهما لا يستطيعان التعامل مع الوضع، وذلك حفاظاً على سلامة ولدهما.

ويطرح الاختصاصيون في هذا الشأن ثلاثة اسئلة على الوالدين قبل اللجوء الى المساعدة الخارجية: هل تستطيع الاستماع الى ولدك يقول لك انه غاضب منك او انه يكرهك من دون اللجوء الى الدفاع عن النفس؟ هل تستطيع الاستماع الى ولدك يقول لك انه يكره والده او والدته، من دون القفز لموافقته الرأي فوراً؟ هل تستطيع الاستماع الى ولدك يعترف بأن حياته مزرية من دون الشروع فوراً بمحاولة معالجتها؟

فإذا أجاب بنعم على هذه الاسئلة، يمكن معالجة الوضع من دون اللجوء الى طبيب نفسي او مرشد اجتماعي... والا فالمساعدة الاختصاصية واجبة.

من جهة ثانية، يبدو القلق الشعور الثاني الملازم للغضب عند الاولاد الذين يتصارعون مع هذا الشعور بالعمق: قلق من الاحساس بتخلي أحد الوالدين عنهم، قلق من تبديل الظروف الحياتية، حرج بين الاصدقاء من الطلاق، الشعور بالذنب، قلق من ظروف الانفصال ومن مشاكل مستقبلية غامضة قد تطرأ وتجعل الوضع الراهن اسوأ مما هو عليه.

وقد يترجم هذا القلق عوارض صحية خارجية، مثل الغثيان والاسهال والصداع والدوار او قد تتبدل شخصية الولد ليصبح مزعجاً ويعتمد «النقّ» كوسيلة يومية للحصول على ما يريد. من هنا اهمية الاستماع اليه للتخلص من مخاوفه، مهما كررها، لا بل يجب تشجيعه على التعبير عنها بوضوح ليتمكن من التغلب عليها.

فالولد يشعر بأنه محاصر بكل التبديلات الطارئة على حياته والتي تقض مضجعه كيفما تصرف. لذا، يجب ان يشعر بالاطمئنان حيالها من دون ان يدفع الامر احد الوالدين الى الكذب. فلا يتم التأكيد مثلاً ان الوالد سيعود الى المنزل يوماً ما، بل يجب اقناعه بأن «الماما ستبقى الى جانبه مهما حصل».

وتبقى الصراحة والاستعداد الى الاستماع الى الولد، شرطين اساسيين لـ «نجاح» الطلاق بين الوالدين، خصوصاً ان هذا الاخير قد لا يكون ضرورياً في سبعين في المئة من حالات الطلاق، كما كشفت دراسة اميركية عام 1997. كما ان 12 في المئة فقط من المطلقين يستطيعون التوصل الى علاقة متوازنة مع الطرف الآخر بعد الطلاق الذي يثير احياناً كثيرة مشاكل اكبر من الزواج بين الوالدين. فثلثا حالات الطلاق تبقي على علاقة متفجرة بين الوالدين... خمسة اعوام بعد تنفيذ الطلاق،( كما قالت الدراسة نفسها) ويدفع ثمنها حتماً الاولاد.

يختلف اهتمام المراهق عن اهتمام الولد حيال طلاق والديه مع الحفاظ على الخطوط العامة في الشعور الذي ينتابه. فهو اساساً في عمر يجعله يركز على نفسه دون غيره من أفراد العائلة، لذا قد تنحصر مخاوفه وقلقه بشخصه فقط. فهو يبدأ أولاً بالشك في مؤسسة الزواج فيقول فوراً إنه لن يتزوج ابداً في المستقبل، خوفاً من أن يفشل زواجه العتيد كما حصل لزواج والديه.

كما يشعر المراهق بالقلـــق الفوري حيال وضعه المادي، فهو يصبـــــو الى شــراء ملابس او اجهـــزة الكترونية جديدة او القيام بمشاريع رياضية وشبابية اضافية.

وقد يلجأ المراهق الى محاكمة والديه على حد سواء، مصدراً أحكامه العرفية على كل منهما من دون اي تردد او خجل. الا ان ذلك لا يعني تحوله راشداً بالقوة. فابن الخامسة عشرة لا يتحول فجأة «رجل البيت» بالنسبة الى والدته واشقائه لمجرد ان والده غادر المنزل... حتى لو بدا مستعداً للقيام بهذا الدور. كما ان المراهقة لا يمكنها ان تحل محل والدتها.

ومن ردود الفعل الطبيعية المراهقة على الطلاق هو بقاء المراهق وقتاً اطول مع اصدقائه على حساب الوقت الذي يمضيه في البيت. ويقول علماء النفس ان ذلك هو رد فعل طبيعي وضروري لتوازن المراهق ومواجهته وضعه الجديد... شرط ان تتم مراقبة نوعية الوقت الذي يمضيه خارج البيت وهوية أصدقائه.

 

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...