كامل الخطيب يتحدث عن حمير الشعر في طرطوس

02-07-2006

كامل الخطيب يتحدث عن حمير الشعر في طرطوس

 في رابع تجاربه الروائية« شرق الحواس جنوب المشاعر» يؤكد الاديب احمد كامل خطيب حرصه على كسر حاجز المألوف في الرواية أكثر من حرصه على تقديم نص روائي اشكالي يترك اثراً في نفس القارىء.
 فالمألوف هو ان تقرأ رواية ذات بداية ونهاية، وقصة مكتملة العناصر، لكننا مع رواية خطيب الجديدة نحن امام تهويمات روائية ينطبق عليها قوله في الصفحة 102 : « بنيتها هشة... سردها بلا أرجل وبلا قوائم.. لا معنى ولا عدم فيها...».
 مع هذا نجد الكاتب يشن هجوماً عنيفاً على الادباء وينعتهم بالاوصاف المجحفة احياناً، كأن يقول: على ذمة الراوي - وما أوسع ذمة الرواة والروائيين في هذه الايام- ان بعض (الحمير) في مملكة طرطوس أصبحت تكتب شعراً...ص96.
 وهنا يقفز من الروائيين الى الشعراء دون استهلال او تمهيد فقط ليطلق احكاماً عامة تطال الادباء على اختلاف ميولهم الادبية وقبل ان نغوص في عوالم الرواية ليسمح لنا الروائي بأن نسمي عمله محاولة ادبية لأنها لا تملك مقومات الرواية وخاصة القص المتخيل والسرد المنطقي رغم تأثره ببعض التجارب الروائية العالمية ومحاولة السير على خطها كأسلوب مخاطبة القارىء والتوقف معه في بعض المقاطع لإيهامه بأنه جزء من الحدث، يقول: «ربما كنت المعني... عليكم ان تسألوه بأسلوبكم ... انا سألته لكنه نفى ذلك امامي...» ص12 لكن هنا يخاطب القارىء بالجمع مع ان القارىء للرواية يفترض به أن يكون  فرداً واحداً.
 هذه التوقفات كثيراً ما نجدها في روايات ما شادو دي أسيس الذي يخاطب القارىء ويجعله شريكاً بالفعل الروائي وليس فقط متلقياً له.
 لكن كامل خطيب ..هنا يقدم افكاراً مبعثرة يعجز القارىء عن لملمتها ووضعها في سياق منطقي يخرج منها قصة او حدثاً ما يحمل الفعل الدرامي ويعزز مكانة الشخوص خلال السرد ، الذي يتناوب عليه الكاتب تارة وبطل الرواية تارة أخرى.
 من حيث الشكل يقسّم الكاتب نصه الى ثلاثة فصول وثلاثة مشاهد وفي كل فصل مشهد واحد ، وهذا التقسيم قل ان نعثر عليه سواء في المسرح او الرواية ، فقد جرت العادة تقسيم الفصل الى مشاهد، لكن عند كامل خطيب في الفصل الاول مشهد اول ، وفي الفصل الثاني مشهد ثانٍ، وفي الفصل الثالث مشهد ثالث، وبالتالي لا معنى لتقسيم النص الى فصول .
 هذا التقسيم المثير لايسري على الشكل وحده بل يتعداه الى المضمون، حيث يستقل كل مشهد او فصل في تهويماته الخاصة التي لا ترتبط بما يسبقها الا بتكرار الاسماء الثلاثة نفسها: جواد، ابراهيم ، محمد ، وجواد هو البطل فيها .
يتناول النص قضايا عديدة يستمدها من واقعه ويعكس من خلالها محيطه وهواجسه ولكن بشكل غير مترابط، فهو يتوقف عند قضية الغش في التجارة ، ويعرج على السرقات الادبية ، والى الديمقراطية الامريكية، وحصار بيروت في الثمانينيات ، وحال الطرب في الملاهي الليلية...ومن خلال هذه الحقائق يحاول خطيب استعراض موهبته في التلاعب بالالفاظ والكلمات ، اكثر منها طرح افكار وقضايا تشي بحالة ابداع، سواء اجاءت هذه الالفاظ في سياق منطقي مقبول ام لم تأتِ، المهم عنده زيادة عدد الصفحات، ففي الصفحة 95 تقرأ : زوجة الروائي المتخيل بقربه تسأله وهي غافية تماماً:
 - هل سيقصفون حزب الله ...؟! أمملكة عمريت في خطر؟
 كشخص عادي يجيبها:
 - في الجرائد أم في المجلات...ربما في الراديو او التلفزيون...
 على طريقة قصيدة تيتمت للتو صاحت:
 - في كل الاتجاهات...
 وفي الصفحة /10 / وعرف لاحقاً بلقب ثانٍ ابراهيم المية ... تعود تسمية المية الى الماء، واللحمة هي الأكلة الشعبية لأغنياء القوم...»
 ما هذا التفسير العظيم الذي يمن علينا الكاتب به ، إنه كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء.
 وفي منولوج درامي، الصفحة 100 تقرأ : عليك ان تنام مع الافكار... مع الاوهام والخيال ... مع قصيدة او مع شبه امرأة.
- شبه ظل ّ أم شبه امرأة؟!
 - أن تنام مع امرأة ما... امرأة مو... امرأة مي... امرأة لو... لي... مع ظل قصيدة في ليل حالك... لا قمر فيه ولا نجوم...».
 وفي الصفحة التي تليها : « الطقس شتاء...وسط المدينة والبرد... وفي طقس شتائي تصبب عرقاً... تذكرت آخر قصيدة كتبها الشاعر».
 يسقط النص في جملة متناقضات اعتقد ان اهمها كان توظيف الكاتب لأشعار الشاعر الروماني العظيم اوفيد باسو دون خلق الرابط بين اشعار الحب والهوى، ومضمون النص ، فالكاتب يقدم لمشاهده بمقاطع من شعر اوفيد، مع ان كلمة (حمار او حمير) على سبيل المثال تتكرر في كتاب عدد صفحاته لا تتجاوز 189 صفحة ، اكثر من اربعين مرة ، فكيف نربط هكذا نص مع شعر أوفيد...؟ مثل: « لاتخجلي ان تكحلي عينيك برماد الاثمد
 أو بزعفران ضفاف نهر كيدلوس
 احصيت الاصباغ التي تزكي فتنتك
 في كتاب صغير أضناني تصنيفه
 لوذي به...قد تعثرين بين طياته
 على ما يجلو شائبة جمالك
 إن فنوني لا تقصر في خدمتك
 اما من جانب اللغة كأحد أهم عناصر النص بنيوياً فقد زخر نص خطيب بدلالات هامة ضاع معظمها في ركاكة الصياغة، مما زاد في غموض الرواية واثر على مقولة الكاتب وافكاره.
 « الساموك بالاصل هو جذع شجرة توت عتيقة، واحياناً جذع سنديانة، انت تعرف ان الفرنسيين روجوا كثيراً لزراعة هذه الشجرة لتربية دودة القز- الحرير»
 المقصود بالشجرة هنا « شجرة التوت ، لكن ما يفهمه القارىء من الفقرة هو شجرة السنديان لأنه أنهى الجملة الاولى بـ سنديانة ص14.
 يكثر الكاتب من المفردات العامية دون مراعاة توظيفها لخدمة النص، والاشارة الى البيئة والمكان ورسم ملامح الشخصيات، كأن يقول مثلاً: «...الأم تسرح البقرات منذ ساعات الصباح الاولى» بدلاً من ان يقول الأم تسرح بالبقرات...
 الزمن عند الكاتب يتوزع في النص بشكل اعتباطي ولا يخضع لنظام معين وهذا يعود الى عدم ترابط السرد المشهدي في تجسيد الافعال الروائية، فتارة هو في اوخر الثمانينيات وتارة في الوقت الراهن وتارة في اوائل القرن الماضي، في توزع غير منتظم يربط بين مشهد وآخر.
« شرق الحواس جنوب المشاعر» رواية من المشهد السوري وقد تكون انموذجاً لما يتحفنا به الكثير من الكتّاب» .


آصف ابراهيم

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...