هل لديك حبيبة أخونها

02-07-2006

هل لديك حبيبة أخونها

ما لي أيّها الوطن الشبيه بالسياط، لا أشعر بالألم ولا بهدير المواعظ، فقط أحمل جروحي كما يحمل الحطاب أعواد الغاف على ظهره، ثم يلقي بها تحت الموقد، ما لي كلما رفت بجانبي نجمة لمعت في داخلي أنثى بعينين مزهرتين، ووسادة من التوت، وأصابع من القمح، وكلما شاهدت نهدا لامست جرحا، وكنت كمن سالت في داخله كؤوس من الدمع والرمل.
يا لي، يا لسلة القبل البعيدة تلك، في الحقول التي ليست لي، يا لهذه الجروح المعلقة على الوتد.
أنا يا إلهي لا أفتح الجرح إلا لماما، لم يعد هناك متسع لهدب أو قبله.
أنا خائف يا إلهي وخفيف، قد يطأني ثدي أو تنهار عليَّ شفتان قرمزيتان، أو تغرر بي إمرأة عند النبع.
وحدي أطل على الشرفات المتكسرة على محيط الرغبة، حيث يكبر "طفل الحزن" خلف النافذة، وقلبي معلّق كالمفتاح على أهداب امرأة لا أعرفها، أي حزن شربته عيناي، أي طائر حطّ على زهرة الروح، أي مسافة تناسلت تحت أقدامي، أي مشي وأي ممشى.
إنّ لي دمعة كدمعة المطلقة، وقلبا حرا كقلب الراعي وشفاها معطلة و...
كيف أجمع كل هذه الشظايا المتناثرة كبرادة الحديد، وأنا ليس لديَّ قلب كالمغناطيس، ولا عصا كعصا النبي.
الدمع على أشده يا إلهي والعيون قناديل العشاق، وأنا هنا، هل لديك ما يستحقه واحد مثلي؟!!
هل لديك حبيبة أخونها،
ثدي أسجد له،
طائر يلعب على عنقي،
صحراء أهيم فيها كالجمل الشريد،
رمانة أفجرها في حضني،
حبل أنشر عليه رغوة الخطايا،
وردة أضعها تحت حذائي ثم أبكي عليها،
فواصل أستريح عليها كما يستريح البدوي من وجع الترحال،
مسمار أدقه على رأسي،
سفينة أتيه فيها.
هل لديك يا إلهي متسع لأصرخ، حفرة بحجم الرحم لأنام، ذؤابة كذؤابة العصفور لأطير.
أنا يا إلهي ليس لديَّ غير هذا القلب الشبيه بالإسفنج
وأنت ليس لديك غير هذه المقادير الشبيهة بالاسطرلاب.

•••

عصافير الليل والكأس

اغنية لمحمد الماغوط

عندي لك رصيف ونهد، هيئّ شفتيك المكتنزتين بالدخان، هيّئ منقارك الشبيه بالخطاف، أيها الطائر، المرمى ليس بعيدا هذه المرة، ليس هناك بهلوانات ولا أطفال، عسكر ولا أحذية، فقط ستجد الحانة المعلقة على الشارع كالتميمة، وامرأة "بحجم الإصبع" تسيل على الكأس، وموسيقى حزينة كناي الراعي.
دلّ قلبك لتتلقفه عصافير اللذة، سيمر عليك حاملو الأختام والإضبارات - أولئك المشاؤون- برؤوس منكسة كالأعلام، بينما تنفث أنت دخانك على صدر المراهقة النائمة على كفك وتلوّح لهم بأصابع قدميك.
أيها الليلي الماهر، يا سيد الظلام، هذا المجس العجيب لفراشات الكلام، هذه الأمتار الطويلة من الألم، هذا الحزن المدوي، لن توقفه الأرقام المتطايرة من الآلات الحاسبة.
تمضي بقدميك الموزعتين بين الحقول المزهرة بالأثداء الطينية، والاسمنت النافر باللذة، حيث الأقدام الملتهبة كالمسامير المحماة، تنغرس كالإبر على الرأس وسط هذا الضجيج المعتم والرعشة المصطنعة للأرداف على الحافلات، تسيل أنت على المقاعد، وتنكسر كما ينكسر الظل من النافذة.
أيها الطالع من بين الأكتاف كأسنان الوردة، هل آلمتك القصائد وهي تتفتح على شفتيك، وتحلق ضاربة بجناحيها فوق المدائن والمداخن الملتهبة للذاكرة، هل آلمتك وهي تسيل كما يسيل الدم من تحت الأظافر وهي تئن تحت المخدة، وهي تلتقط الخبز من بين ركام الأحذية، وتهذي عن "عيون النساء في باب توما"، عن الدموع النافرة كالبراكين، عن "المبادئ السائلة على أرائك التاكسي"، عن الأحلام المخبأة في جيوب العسكر، عن العواصم الجائعة و"الياقات اللزجة،" والجروح التي تكنس مع أعقاب السجائر، عن الجداول والغدران التي تئن تحت قبضة الاسمنت.
إذاً فلتحترق أيها الكهل المراوغ، والكلمات تصطك بين أسنانك التي تفيض بالأثداء، ولتنزف مواويلك على الأرصفة، وحبرك الجارح كالنسر فوق ناطحات السحاب، ولتغنِّ كما أنت وسط الدخان والشتائم التي تسيل كمياه المجاري تحت الأحذية، فلا شيء أبدا يجبرك على شيء.
"ما دام هناك تبغ وثقاب وشوارع".

 

 

علي الصوافي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...