الحكومة الإلكترونية الواعدة .. من و بماذا تعد

03-07-2006

الحكومة الإلكترونية الواعدة .. من و بماذا تعد

الجمل ـ طرطوس ـ حسان عمر القالش : والأمن ما  الذي سيحل به؟  بدو يضل آدمي – من آدم وليس من الطيبة – أو رح يصير الكتروني؟بهذه الكلمات علّق فراس منهيا كلامه بغمزة مبالغ فيها من عينه اليمين وكأنه هتك المحظور بتهكّمه.الموضوع هو خبر, اخذ طابع الدعاية أو "البشرى" بأننا مقبلون في سوريا على اعتماد ما يسمى بـ"الحكومة الالكترونية",.أي تماما كإمارة دبي؟ تسأل شذى وتضيف بلغة التوبيخ :وماذا سيحصل بموظفي الدولة؟ هل هناك من يجهل أننا أساسا نعاني من فائض من الموظفين الرسميين؟فما بالك بالاستغناء عن معظمهم؟ ومعلوم أن نتيجة الفائض الذي حدثتنا عنه شذى هو محاولة الدولة ما أمكن الحد من البطالة واستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجي الجامعات.
الكثير استغرب الحديث عن "حكومة الكترونية" في هذا الوقت والمرحلة وكأننا نعيش في غمرة ترف اجتماعي معيشي ورفاهية سياسية داخلية وخارجية, وكأن الفساد شاغل هم السوريين ومالئ ثرثرتهم قد اختفى وشفينا منه بمثل البساطة التي نعمل فيها عملية format لحواسيبنا. وكأن التطوير والإصلاح قد حلاّ نعيما مقيما بين ثنايا وزاراتنا ومديرياتنا وأفرعنا.
يقول أحمد وبطريقة كلامه اللامبالية والتي يحاول من خلالها إخفاء رغبته بالتوسع في الحديث : لماذا لا يعدلون القوانين أولا ؟ قوانين كثيرة من عهود التركي والفرنساوي . . ويقتحم مهند تعليق صديقه ليبني عليه : وماذا عن النظام المروري و "قانون السير", ألا تعلم أنه اذا تعثر أحد المشاة في الشارع واصطدم بسيارتك المركونة بسلام بجانب بيتك واستدعى ذلك نقله إلى المستشفى أنك في هذه الحالة ستحاسب على أنك مذنب أو "جاني" – بالمصطلح القانوني – وعلى الأغلب ستوقفك الشرطة في النظارة وعلى الأكيد أن مستقبلك سيكون في علم الغيب! ورهنا بتطورات الأمور و "الظهر" الذي يسندك..
 ويسترسل مهندا في محاضرته : لماذا لا نتعلم من دول الخليج مثلا و نعمل على أتمتة النظام المروري فيتم تسجيل المخالفات بأنواعها آليا عن طريق الكاميرات الحديثة, والتي ليست كتلك التي يضعها الشباب في سيارة الدورية ومن ثم يحفظ مكانها "الشوفيرية" وتراهم "يعلمون" لبعضهم من هواتفهم النقالة اذا مااكتشف أحدهم كاميرا جديدة أو كمين جديد.
المتتبع للصفحة الاقتصادية في ثالوث صحافتنا الرسمية والملاحق الاقتصادية للصحافة العربية, يلاحظ خلال السنة والنيّف الماضيين أن كما هائلا من ملايين الدولارات دخل البلاد على شكل شركات استثمارية (بنوك ,مصارف إسلامية,شركات تأمين..), ومازال المزيد في الطريق على شكل مشاريع استثمارية أغلبها "عقاري", حيث وقعّت شركات ومؤسسات عدّة كمجموعة "اعمار" الإماراتية ومثيلاتها عقود مشاريع أبراج ومجمعات سكنية من الطراز الحديث.
ويبقى المواطن العادي يتساءل أين أنا من هذا كله؟ فأغلب مواطنيننا ليسوا من عملاء البنوك وحتى ان هم أرادوا الاستفادة من قروضها فالدولة لم تسمح لهم بعد بإعطاء القروض. . تلك القروض الميسّرة التي نقرأ عنها ونشاهد إعلاناتها في الفضائيات.
في دردشة لنا مع تاجر دمشقي عريق فضّل عدم ذكر اسمه,سألناه اذا كان من هذه المشاريع فائدة, فأجاب بالإيجاب, ولم يفدنا توضيحنا بأننا نقصد المواطن العادي الفقير حيث أصرّ على وجود فائدة..وكان أن لحق اصراره هذا بكلمة "لكن" – وأيّ خوف منها – قال: لكن على المدى الطويل.
وكان ردّنا أن المثل الشعبي الذي يمشي عليه المواطن المعتر (المستور) هو : طعميني اليوم وجوّعني بكرة! ما الذي يجب فعله الآن ولم يصار الى التفكير فيه؟
وانسابت كلمات التاجر الفذ والدمشقي المحنك وأعطانا درسا  معتبرا في اقتصاد الدول النامية:
ان هذه الطفرة في شكل الاقتصاد الحديث هي "قطار" يسير أو "طاحش" ولابد أن يمر بنا فلا مجال لتجنّبه, أي أننا مجبرين على الولوج فيه , فعلينا أن نقوم بخطوات رديفة تؤدي إلى "نشـل" أو رفع بقية طبقات المجتمع من بيئتها الاقتصادية السائدة القديمة لندخلها إلى هذا الاقتصاد الجديد وبالتالي تغنم مع الآخرين من مغانمه وتشملها فوائده إلى حد ما.
وأعطانا بعض التصورات لهذه الخطوات: على المصارف الإسلامية أن تحـلّ كيسها (تفتحه) وتبدأ بسياسات القروض الميسّـرة.كذلك الأمر بالنسبة الى البنوك الكلاسيكية, ولا مصلحة لنا هنا باعطاء القروض الشخصية كما تفعل الدولة, فهذا النوع من القروض هو كـ"الكورتيزون" ونكون بذلك قد كفرنا بالمثال القائل: الحاجة أم الاختراع, وطمرنا ما يسمى بـ"الطموح" وبالتالي نخلق أجيالا من العجزة المستهلكين الذين سيكلفون الدولة "خيرات الله مصاري".
وأضاف أخيرا أن على تلك الشركات العملاقة العابرة للقارات والأوطان التي دخلت البلاد أن تعمل مثلا على انشاء مؤسسة مالية أو صندوق مالي يمنح قروضا "معفيّة" أو بفوائد رمزية لمن يحتاجها من المواطنين.
في جلسة شبابيّة تحلّقنا فيها حول أقداح "المتّة" أخذ الجمع يتحدث عن فرص العمل ويقترح مشاريع ربحيّة صغيرة (كشراء بيك آب سكودا ومن ثم تأجيرها, أو تاكسي والعمل عليها. .) غابت عنها أي علاقة بمفاهيم العمل أو التجارة أو المستقبل, وعزا أكثرهم السبب – بعد أن شدّد على عدم ذكر أسمائهم -  الى "الاحتكار" و"الواسطة" فأي مشروع جيد وله أساسات عملية في البلاد يلجأ صاحبه أو التاجر الذي سيموّله الى التحالف مع شخصية نافذة من أهل السلطة ما صار بمثابة "عرف" خاص بالاقتصاد السوري وأدى أيضا الى تحول تلك الشخصيات النافذة بحد ذاتها الى "طبقة التجار" سواء بأسمائهم الصريحة أو بأسماء أولادهم التي تدل عليهم.
وأكمل : أما اذا ما أراد أحد الخريجين الشباب "التعبانين على أنفسهم" التقدم الى وظيفة في الشركات الجديدة والتي تدعي العمل بنظام الشركات العالمية فلا ينال مبتغاه هذا الا بـ"الواسطة".
تشعّب الموضوع بين هذه السطور, والأكيد أنه يحتاج الى أضعافها للحديث حديثا علميا أكاديميا عنه ودراسته, ولعلّنا لسنا من أهل الاختصاص لكن أهل مكّة أدرى بشعابها.
ولا يغيب عن البال في هذه المناسبة وهذا الموضوع الحديث عن مدينتنا "طرطوس" حيث أشار كثيرون الى أن أهم تجار المحافظة والبلاد انما يستوردون مايستوردوه عن طريق المرفأ بالاعتماد على "رخص" أو "سجلات تجارية" لأناس من البسطاء من معارفهم أو موظفيهم ما يحقن في دمائهم الجرأة على "تطنيش" الضرائب المفروضة عليهم وعدم دفعها, والأرقام وصلت الى ملايين تخسرها الدولة بسببهم.
يبقى ان نسأل كما حلى للبعض أن يهذر ويسخر: هل صحيح أنه اذا طلبنا من كمبيوتر من كمبيوترات الحكومة الالكترونية العتيدة حل مشكلة واحدة مما أسلفنا أنه سـ"يفقع" وينفجر! وهل صحيح مايقوله السيد الدردري من أن (السوق السورية واعدة جدا)؟ و لمن؟


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...