مهرجان روتردام العالمي للشعر

03-07-2006

مهرجان روتردام العالمي للشعر

انتهى مهرجان الشعر العالمي في دورته السابعة والثلاثين في مدينة روتردام وقد خصصت هذه السنة للاحتفاء بالشعر الأفريقي الحديث بمشاركة عدد كبير من شعراء العالم وعلى رأسهم الحائز جائزة نوبل للآداب الشاعر الايرلندي شيموس هيني وسط غياب لافت للشعراء العرب.

حينما قرأت في دليل المهرجان اسم الشاعرة حبيبة بدرون ظننت للوهلة الأولى انها شاعرة فلسطينية. قلت لعلي أخطأت ولكن تبين في ما بعد انها شاعرة من جنوب أفريقيا ومن أصول هندية صينية وتحمل هذا الاسم لأنها مسلمة. حاولت ان استفهم من أحد منظمي المهرجان عن سبب غياب الشعر العربي في الدورتين الأخيرتين، فكان جوابه غامضاً واكتفى بالقول انه لا يعرف شيئاً عن هذا الأمر، لكنه أضاف: ان مسؤول المهرجان تغير منذ سنتين هما اللتان غاب عنهما الشعراء العرب.

في المقابل حضر شعراء من اسبانيا والسويد وايسلاند والصين وإيران وأميركا وفرنسا والبرتغال وليتوانيا وروسيا وكرواتيا والدنمارك، اضافة الى ثمانية شعراء من القارة السوداء وعشرة من المضيفين ليكون عدد المشاركين ثلاثين شاعراً غطوا ايام المهرجان السبعة شعراً وترجمة وندوات وحوارات تركزت كلها على الشعر الأفريقي.

بدأ حفل الافتتاح بموسيقى فرقة «دي نازاتن» وتلتها ندوة مهمة عن الشعر الأفريقي الحديث قدمها الشاعر الأوغندي تابان لو لايونغ تحدث فيها عن هموم افريقيا المعاصرة والموضوعات الشعرية التي يحفل بها الخطاب الشعري الأفريقي الذي ما زال يخيم عليه ظل الرجل الأبيض الإنكليزي والفرنسي والبرتغالي. واشار الى ان الجديد في شعر هذه القارة هو استعادة الصوت. فأفريقيا الآن تسمع صوتها الخاص سواء كان هذا الصوت باللغات المحلية او باللغات الاستعمارية.

البروفسورة الهولندية مونيكا سخيبر الخبيرة بالفن الأفريقي بدأت محاضرتها بقصة مؤثرة للغاية وهي تصف معاناتها عن عملية نشر مؤلفاتها بالانكليزية عن الفن الأفريقي: «كنت جالسة في داكار في احد المطاعم أتناول الغداء فاقترب مني أحد المطربين الشعبيين وسألني عن اسمي فقلت له مونيكا فقام على الفور بنظم قصيدة مديح جميلة جداً انطلاقاً من اسمي». ثم تطرقت الى همومها مع ناشرها اللندني الذي اتصلت به لتخبره انها مشغولة بكتاب جديد عن الشعر الأفريقي فكان رد فعله مؤذياً «لا... لا... افريقيا لا... انها مستبعدة». كثيراً ما نسمع مثل ردود الأفعال هذه عندما يتعلق الأمر بأفريقيا، لكن المهرجان أعاد الاعتبار الى افريقيا والى فنها وشعرها المغيب منذ سنوات طويلة.

في اليوم التالي بدأت الجلسات الشعرية وافتتحها الشاعر الهولندي هانس فرهاخن قارئاً عدداً من قصائده القديمة والجديدة. وكانت هناك شاشة كبيرة تظهر الترجمة الى الانكليزية لكي يطلع عليها الضيوف المشاركون في المهرجان. عقب ذلك قرأت الشاعرة الجنوب افريقية حبيبة بدرون بعض القصائد بالانكليزية. والطريف في الأمر ان لغة جنوب افريقيا قريبة جداً من اللغة الهولندية، ذلك ان خمسة وستين في المئة من السكان البيض في جنوب افريقيا هم من الهولنديين. وتلى حبيبة بدرون شاعر من ايسلاند وقرأ بلغة غريبة لم تكن انكليزية ولا فرنسية، والترجمة التي ظهرت على الشاشة الكبيرة كانت سريعة للغاية فلم نستطع ان نفهم من شعره الكثير.

على هامش المهرجان كان هناك الكثير من الفعاليات والندوات التي غالباً ما تسبق جلسات الشعر. وكان المسرح حاضراً مع طلبة معهد الفنون المسرحية لمدينة آرنم الذين كانوا يقودون الجمهور الى المقاعد الارضية ويقرأون لهم قصائد عن السفر والحب والغياب، صبايا وشبان بملابس سود يتحركون بهدوء ويتكلمون بهدوء ويقرأون بشغف قصائد أحبوها وحفظوها عن ظهر قلب.

محبو جوزيف برودسكي خصصواً له جلسة واحتفوا بغيابه العاشر ... وتحدثوا عنه وعن شعره وعن منفاه وقرأوا من شعره وعرضوا فيلماً قصيراً يظهر فيه وهو يقرأ شعراً امام حشد كبير من محبي الشعر. كان الناس في المهرجان شعراء ومستمعين ومنظمين يستخدمون كل الوسائل من اجل ان يجعلوا الشعر في ايامه هذه ساطعاً وبهياً وقريباً، ولذلك اعدوا معرضاً يضم كل كتب الشعراء المشاركين بكل لغاتهم. وكُتُبِ الشعراء الغائبين والراحلين كانت حاضرة ايضاً تذكر بإنجازاتهم الجميلة التي لا تغيب.

على هامش المهرجان ايضاً كان هناك مهرجان صغير ومسابقة لشعراء القصيدة المغناة على طريقة «الريب» الممسرحة وحضر شعراء متخصصون في هذا الفن الجديد من بلدان مختلفة. يحصل كل شاعر على ثلاث دقائق ليقدم عمله الشعري مستعيناً بصوته ولغته وقوة أدائه اضافة الى جودة قصيدته لكي يحظى بحب الجمهور الذي بدأت أعداده تتزايد في متابعة هذا الشكل الفني.

منظمو المهرجان كانوا يعرفون جيداً اهمية ضيوفهم الشعراء، لذلك خصصوا اليوم الأخير لثلاثة شعراء مهمين هم الحائز جائزة نوبل شيموس هيني والاسبانية ايسلا كوريرو والهولندي روبرت انكر. قرأ انكر المحسوب على جيل الستينات قصائد اقرب الى القصة القصيرة التي تشبه قصيدة النثر الفرنسية. ما يميز هذا الشاعر انه يؤنسن الأشياء ويمنحها الحياة من خلال محاورتها واعطائها قيمة وحيزاً للوجود. وقصيدته «حذاء» التي قرأها في النهاية افضل مثال على ذلك.

الاسبانية ايسلا كوريرو «صوت اسبانيا البري» كما يطلق عليها الاسبان شاعرة من طراز خاص، ظهرت موهبتها بعد رحيل الديكتانور فرانكو. ولدت عام 1957 وذات يوم من سنة 1994 قرأت بحضور ملك وملكة اسبانيا قصيدتها الشهيرة «الفرج الأزرق» وأعلنت نهاية حقبة التردد والتزمت الكاثوليكي. قرأت ايسلا قصائد غاضبة وحزينة لأنها كانت تعرف الألم الإنساني عن قرب، فقد عملت ممرضة مدة عشر سنوات وهناك في المستشفى كانت ترى الألم يتفجر في عيون مرضاها الفقراء.

قبل نهاية المهرجان كنت اقتنيت كتاباً يضم قصائد جميع الشعراء المشاركين وكانت هناك قصيدة لشيموس هيني اعجبتني للغاية فقمت بترجمتها وقررت ان اقرأها له بالعربية. قرأ هيني قصائد كثيرة وكانت هذه القصيدة بين التي قرأها واختتم المهرجان من دون ان استطيع رؤيته وقررت ان اعود الى البيت. خارج المسرح الملكي الذي اقيم فيه المهرجان وجدته واقفاً ينتظر سيارة اجرة التي ستقله الى الفندق... قلت له: «يا سيد هيني هل تسمح بدقيقة من فضلك؟»، فقال: «تفضل. سمعت قصيدتك «أناهوريش 1944» وترجمتها البارحة، هناك قصة وراء ترجمة هذه القصيدة... كنت في العام الماضي في العراق ورأيت الجنود الأميركيين - كما يحدث - في قصيدتك بدباباتهم وسياراتهم المصفحة يهاجمون القرى العراقية... اريد ان اقرأ لك القصيدة بالعربية اذا احببت؟». فقال ان ذلك يسعدني. بعد ان انتهيت من القراءة صمت للحظة وهو يتأمل وجهي. قال: «كان ذلك قبل ستين سنة، ومضى».

 

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...