كراجات بولمان سياحي أم مكب للنفايات ؟

05-07-2006

كراجات بولمان سياحي أم مكب للنفايات ؟

الجمل: حين قررت الجهات المعنية إنشاء مجمع لانطلاق باصات شركات نقل القطاع الخاص إلى حرستا خارج دمشق، كان ذلك حلاً آنيا لتخفيف الخسائر ، بعد أن استهدف تفجير باص تابع لشركة نحاس تورزعام 1997ذهب ضحيته العشرات في منطقة مكتظة بالناس ، لقربها من جامعة دمشق وسوق الحلبوني ، يوم إجازة رأس السنة الميلادية، ولتفادي مخاطر التجمعات الكثيفة في ظروف إقليمية ودولية متوترة ، تم التفكير باتجاه نقل مراكز انطلاق  باصات القطاع الخاص إلى خارج المدينة، بعيداً عن مراكز الحركة ، وهي فكرة سليمة 100 % لولا أنها انقلبت إلى الضد مما يراد منها عندما تم تجميع كل الشركات في مكان واحد ،  والذي هو كراج انطلاق البولمان في حرستا.
في البداية كانت مكاتب الشركات على غاية من التنظيم والنظافة، لكنها سرعان ما تحولت الى ما يشبه كراجات الهوب هوب جراء الصراع على تخاطف الزبون بمجرد وصوله الى الباب، وتكاد تنقرض عادة الحجز المسبق ، لصالح توفير الوقت والمال والحجز الفوري ، كما فقدت أهميتها الامتيازات التي تقدمها الشركات لكسب الزبون الالتزام بالمواعيد ، والحرص على النظافة المقاعد وراحة المسافر وتقديم وجبة وعصائر  وأفلام فيديو منتقاة ،  لصالح غلبة تخاطف الزبون عبر توظيف شباب وشيشة ، يقومون بالاستيلاء على الركاب بمجرد نزولهم عند باب الكراج ، ولم يوفر أصحاب الشركات في تنافسهم الشرس  استغلال المرأة للعمل كوشيشة ، ما جعل أدوات التنافس تنحط بدل أن ترتقي ، وتحول الكراج بعد سنوات قليلة إلى بؤرة صراع على الرزق، كل شيء فيها معرض للانتهاك عدا قذارة المكان، الذي من المفترض أن يكون الأكثر نظافة وراحة وآمان ، فهو ليس فقط لأهالي البلد المتنقلين في المحافظات بل هو أيضا للزوار والسياح، ومن المفترض إن يكون محطة الانطلاق واحة حقيقية فيها كافة مستلزمات السفر والسياحة، لا كما وصفته زينة الطالبة الجامعية التي تضطر للمرور في كراج الباصات مرتين على الأقل كل اسبوع من دمشق الي حلب، فهي تقول  مجر أن تطأ قدمي ارض الكراج اشعر بالغثيان وكأني دخلت مرحاضا قذرا ، فرائحة غاز الميتان لا تدع مجالاً للتنفس، فألوذ بأقرب بولمان بحثاً عن نسمة هواء نظيفة، عدا التدافع وقلة الأدب والكلمات النابية الطائرة في كل الأرجاء.
لكن لجوءها الى البولمان لن يكون أرحم بكثير إذا كانت مسافرة بعد ظهر يوم الخميس وغالبية الراكبين من العسكر الذاهبين في اجازة ، حيث تختلط روائح العرق والأقدام بأبخرة تتصاعد من مقاعد مهترئة وتأبى الشركات إصلاحها أو الإنفاق عليها طالما أنها لن تقدم وتؤخر في جلب الزبون ، حيث البطاقة الأرخص عامل الجذب الوحيد.
بعدما ودعت الشركات الخاصة مكاتبها الأنيقة في أرقى أحياء دمشق ، انخرطت في عالم الكراجات كما يرسمه مزاج الشارع الشعبي ، لا كما ترسمه صناعة السياحة، وكراج البولمان الذي يحوي حوالي 46 مكتبا ، إيجار الواحد منها يبلغ 300 الف ليرة سنوياً ، تذهب إلى محافظة دمشق أي بمعدل  14,3060 مليونا عدا رسم الخدمات  ورسم الطابع ... إلخ  وبالمقابل لا شيء يلحظ فيما تقدمه المحافظة بما يخص الرقابة والنظافة،  وقد تقدمت مجموعة من الشركات التي لها مكاتب هناك بطلب وزير الإدارة المحلية عام 2003 تطالب بحق استثماراتها  الضخمة في مجال النقل أن يكون لها مركزاً حضارياً يوازي أو يضاهي مراكز الانطلاق في الدول المجاورة.  انطلاقا من أن قانون الاستثمار أعطى كل الحق للشركات في بناء مراكزها أينما تشاء بترخيص من المحافظة، وتقول الشركات في الطلب الذي حصلت الجمل على نسخة منه :( إلا أن تجمع الشركات الذي جاء عام 1997 والتوزيع غير العادل ليوجد ظاهرة لم نكن نعرفها وهي "الوشيشة" ).
إن أخطاء المحافظة في بناء هذا المركز تشكل عبئاً على الشركات والشرطة والمواطن، وتقترح الشركات على وزارة الإدارة المحلية واللجنة الأمنية  دراسة طلبها بالسماح بتوزيع مكاتب الشركات على طرفي الدائري الشمالي  والدائري الجنوبي خارج مركز المدينة ، على أن تبني كل شركة في الموقع الذي تختاره  كما تراه مناسباً وليكون مركزاً لانطلاق باصاتها، لأن ذلك من وجهة نظر الشركات  سيجعل المنافسة ترتقي بأداء الشركات لتقدم كل منها الأفضل دون الحاجة للوشيشة وللأساليب الرخيصة ، هذا ناهيك عن أن تجميع الشركات في مكان واحد  يعد خطأً أمنياً .
إلا أن تلك المطالب طويت في أدراج النسيان ولم تلق أي استجابة، بل استمر الوضع في الكراجات على نحو أسوأ من السابق ، حيث تتعيش الشرطة والمحافظة على قمع المخالفات ، ويتمادى المخالفون بتجاوز القانون للتحصيل لقمة العيش ، وما بين هذا وذاك واقع الكراجات يزداد انحطاطا كما هو كل شيء من حولنا .


                                                                    الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...