سياسة بوش أكسبت أميركا ملامح «الدول المارقة»

01-04-2006

سياسة بوش أكسبت أميركا ملامح «الدول المارقة»

غسان سلامة يكتب عن علاقة الولايات المتحدة بالعالم  :

لقد وجدت أميركا نفسها وحيدة على رأس نظام عالمي، وبدا لوهلة كأن الأميركيين عاجزون عن اقناع أنفسهم بهذا الانتصار، فسارعوا إلى معالجة الوضع الاستثنائي بإعادة صياغة النظام العالمي وفق مصالحهم وأهوائهم وقيمهم، حتى بدت أميركا وكأنها تعاني من عصاب غريب، وبدا العالم كأنه يعاني من داء اسمه أميركا، فقد بات عاجزاً عن أن يعيش بدونها، وقاصراً عن أن يتحرك ضدها.
يقول غسان سلامة: «إذا ما أصيبت أميركا بنزلة برد أصيب العالم بأسره بالصداع. فتعابير وجه حاكم المصرف الفيدرالي الاميركي ومفرداته تقرر أسعار البورصة، ومبادرات مندوب اميركا في مجلس الأمن تحسم قراراته، والقوات الأميركية تحتل أفغانستان والعراق على الرغم من ممانعة أكثرية العالم، وجورج بوش يفصل بشكل مانوي بين معسكر الخير ومعسكر الشر حتى تحول الحلفاء إلى أتباع والممانعون إلى أعداء».
نتج نفوذ اميركا عن انتصارها في الحرب الباردة، وأصبح ملموساً في كل القطاعات حتى أصبحت مفردات الأمركة تجليات لدخول العصر، فمطعم المأكولات السريعة «ماكدونالد» انتشر في كل أنحاء العالم ليفرض الذوق الأميركي عليه، وأدخلت اللغات الوطنية آلاف المفردات في يومياتها ترطن بها لتثبت التحاقها «الحضاري». وافتتحت الجامعات الأميركية فروعاً لها في معظم عواصم العالم لنشر الثقافة الأميركية. وأصبح عشرات الملايين من سكان الأرض يحلمون بأن يصبحوا مواطنين أميركيين ليقينهم بأنها بلد الفرص والحرية والإبداع والحراك الاجتماعي الذي يتجاوز الفروقات التقليدية.
ويرى المؤلف أن منطق القوة قاد أميركا إلى الهوس، وأصابها بنرجسية وانبهار مرضي بعظمتها، حتى أصبحت على قناعة بأن الآلهة اختارتها لتلعب قائد العالم وموجهه، وإنها مكلفة برسالة سماوية أسبغتها عليها قدرة إلهية خارقة لتنير البشرية وتفرض الديمقراطية وتعولم العالم وتخرجه من تخلفه. فتصرفت كمهووس انقاد لقوته بدل أن يتحكم بها، ولم يتساءل عن هول آثارها على الآخرين، ودون أن يتبصر أوان اللجوء إليها وكيفية تحريكها، مما أثار الذعر في العالم والقلق، خصوصاً ان اميركا وظفت هذه القوة لمصلحتها الذاتية على حساب معاهدات وقعتها سابقاً، ومنظمات دولية ساهمت بإنشائها بالذات، وقانون دولي شاركت في صياغته، ومبادئ تجارية عملت طويلاً على فرضها على العالم.
لقد عانت الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن المنصرم من الشعور بالانحدار والتقهقر. فالسوفيات وسعوا نفوذهم العالمي حتى وصلوا إلى حديقة واشنطن الخلفية، والأوروبيون شعروا بالتحرر من وصايتها، واليابان سبقتهم في الإبداعات التكنولوجية. وتساءل الأميركيون يومها عن السبل في وقف الانحدار، لأن المجمل الكلي لمصالح وموجبات أميركا هو اليوم أكبر بكثير من قدرتها على الدفاع عنها جميعاً، وأنهم لأول مرة في تاريخهم لا يعرفون إذا كان الجيل القادم سيكون أفضل وضعا من الحالي بعد أن تخطت اليابان أميركا تدريجياً ولكن بصورة حاسمة. وأصبح المفكرون يعملون على كيفية الحؤول دون تحول الولايات المتحدة إلى بلد من العالم الثالث.
أخرجت حرب الكويت (1991) الولايات المتحدة من ذلك الشعور بالانهيار، وافتتحت المرحلة الثانية التي امتدت عقد التسعينات، ودعّم انتصار العولمة من إيمان انتصار أميركا بقيمها. فلم يؤد انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق إلى إزاحة العوائق الخارجية فقط، بل أيضاً إلى إزالة التردد من داخلنا. سيكون النظام العالمي الوحيد الممكن أميركياً هكذا كتب جيمس كورث الأستاذ اللامع في عام 1991.
منذ ذاك الوقت أصبحت أميركا «الأمة الضرورية» كما قالت اولبرايت، وبما أنها أعلى هامة من الآخرين فمن الطبيعي أن ترى أبعد منهم. فكانت البداية أن عمد الأميركيون إلى استدعاء تضرع الآخرين لاستخدام قوتهم العسكرية في البلقان فيما الداخل الأميركي يفتش عن تسلية في قضية سمبسون أو قضية مونيكا ليوينسكي، فلم يكن الأميركيون يستمتعون بنهاية التاريخ، وإنما بعطلة من التاريخ، فقد انتجت هذه الانتصارات لامبالاة حقيقية تجاه مصير الأمة.
ذهل الأميركيون من هول صدمة 11/9/2001 المفاجئة فأسرعوا ليثبتوا للعالم ولأنفسهم كثافة نيرانهم. أسقطوا عشقهم للحريات الفردية، وأوجسوا خيفة من العولمة، وأخذوا يتغنون بوحدانيتهم، وأسقطوا القانون الدولي، وأداروا ظهرهم للرأي العام الخارجي. فشعور العالم بالخوف عليهم بعد 11/9 تحول إلى خوف منهم، من عنجهية خطابهم، وتفردهم، وغموض نواياهم.
لكن ما ثبت لاحقاً أن هجمات 11/9 لم تكن سبباً بل ذريعة، مفاجأة هبطت من السماء لاعتماد خيارات استراتيجية كانوا يضمرونها، فالعراق منذ سنوات على مرمى النار الأميركية وهذه الذريعة ستتيح لهم الهجوم. واستراتيجية الحرب الوقائية ستمنع ظهور وانتشار قوى جديدة. فالحادي عشر من سبتمبر (ايلول) لن يدخل التاريخ بسبب ما حدث ذلك اليوم بل بما نتج عنه من دعم شعبي لمشروع الرئيس الطموح المعد قبل حدوث الهجمات.
بسرعة ظهرت ملامح الداء الأميركي: قوة كاملة لكنها أقل عملية في السياسة. فالداء الأكبر الذي تواجهه ليس الإرهاب بقدر ما هو الوسيلة التي تعتمدها لمحاربته. فسياسة بوش أكسبت أميركا ملامح ما تسميه هي نفسها الدول المارقة. فسياسة التعمية والتلاعب بالصحافة وتزوير الحقائق، وتراجع الديمقراطية وكبح الحريات واحتقار القانون الدولي هي سياسة هيمنة جديدة تتولد منها نتائج خطيرة، والأخطر انها خارج إطار التفحص النقدي لأن الكثيرين لا يجرؤون على نقد رئيس يملك هذه الشعبية.
أما على صعيد المنطقة العربية، فقد شن المحافظون الجدد حملة تشويه منهجي ضد من يسمونهم «المستعربين»، أي أولئك الديبلوماسيين الأميركيين الذين أرسوا دعائم معرفة دقيقة بالإسلام والمسلمين، فهُمشوا واستبعدوا من مراكز القرار في الوقت الذي تخوض فيه أميركا مغامرات متنوعة عبر العالم الإسلامي، لقد أصاب المرض الجامعات حيث أصبحت أقسام العلوم السياسية تعتبر الدراسات الاقليمية أمراً تجاوزه الزمن. وتصدير الديمقراطية بقوة السلاح فرض على أميركا أن تذهب وحيدة لقتال الوحش، وكلما غامرت في مناطق سبق غزوها بقوى أمبراطورية تحولت هي إلى الوحش.
وإذا كانت أميركا غير مرتاحة لبقاء عدد من الأنظمة في مكانها، فقد توصلت من خلال التمويل والدعم المتعدد الأشكال إلى زعزعة استقرار أنظمة منتمية إلى الحرب الباردة في صربيا وجورجيا وأوكرانيا. وهناك إجراءات مماثلة يتم تحضيرها في العالم الإسلامي. ففي ربيع 2005 وبمناسبة الذكرى الستين لنزول الحلفاء في النورماندي صدر أول بيان أميركي فرنسي عن لبنان وتوصلت باريس وواشنطن إلى تبنيهما للقرار 1559 الداعي من بين أشياء أخرى إلى انسحاب القوات السورية من لبنان. وجاء التمديد للرئيس لحود واغتيال الرئيس الحريري ليزيدا من تصلب واشنطن واستعجالها في انسحاب القوات السورية وإدراج لبنان ضمن الصورة الاقليمية لنشر الديمقراطية.
إن الترابط بين التدخل العسكري والدمرقطة، كما جاء في الكتاب، يطرح إشكاليات ويصدم الرأي العام ويربط الديمقراطية بالتضحية بجزء من السيادة، ولا يقل إيلاماً عن الكلفة الباهظة من حياة البشر التي ترافق هذه التحولات. فلكي تقوم الديمقراطية يجب ان تكون هناك دولة وها هي دولة الصومال سقطت من تلقاء ذاتها وها هو العراق سقط بالقوة.
وما انتجته حرب أفغانستان ضد الاحتلال السوفياتي من «جهاديين» توزعوا لاحقاً على بلدان كثيرة لن يكون إلاّ نزراً مما ستنتجه حرب العراق ضد الولايات المتحدة من «جهاديين» متطرفين سيشغلون المنطقة لأجيال، وفي العالم الإسلامي بصورة أخص.
دولي/ جديد الجمل
إمام مسجد عراقي يطالب بطرد السفير الأمريكي في خطبة الجمعة
طالب إمام مسجد من التيار الصدري حسين الأسدي خلال خطبة الجمعة في حسينية المصطفى، حيث قتل 17 شخصا الأسبوع الماضي بطرد السفير الأميركي.
ودعا إلى عدم دخول الجيش الأميركي منطقة الرصافة التي تشكل الجانب الشرقي من بغداد لأنها أصبحت خاضعة لسيطرة القوات العراقية. ودعا الأسدي أمام مئات المصلين في الحسينية الكائنة في حي أور شمال شرق بغداد الحكومة العراقية إلى طرد السفير الأميركي زلماي خليل زاد وإطلاق سراح المعتقلين من طلاب الحوزة الذين نجوا من مجزرة الحسينية وأوقفتهم القوات المشتركة. وكان قد قتل 17 شخصا في حادث اقتحام حسينية المصطفى الأسبوع الماضي من قبل قوات عراقية خاصة تساندها قوات أميركية. وطالب الأسدي في صلاة مشتركة للسنة والشيعة بعدم دخول القوات الأميركية إلى مناطق الرصافة التي أصبحت اليوم خاضعة لسيطرة القوات العراقية. وأكد مصدر في وزارة الدفاع العراقية ان حوالى 70% من منطقة الرصافة التي تشكل الجزء الأكبر من بغداد بات تحت سيطرة قوات الأمن العراقية. وكان قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جون أبي زيد أكد الثلاثاء لوكالة الأنباء الفرنسية في عمان أن نصف بغداد تقريبا بات تحت سيطرة القوات العراقية لا تحت سيطرة القوات متعددة الجنسيات. وفي مرقد الإمام موسى الكاظم في منطقة الكاظمية شمال بغداد، أكد خطيب الجمعة طلال الساعدي تحميل الأميركيين مسؤولية قتل المصلين في حسينية المصطفى. وفيما يتعلق برفض ترشيح إبراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء، قال الساعدي من حق الائتلاف إن يرشح من يريد والرفض جاء من خارج الحدود وعلى لسان القوات الأميركية المحتلة.

 

 

 سمير شمص / الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...