تبادل السفارات بين سورية ولبنان: المقدمات والنتائج (1)

15-10-2008

تبادل السفارات بين سورية ولبنان: المقدمات والنتائج (1)

الجمل: تم اليوم الأربعاء التوقيع في دمشق رسمياُ على البيان السوري – اللبناني المشترك بإعلان بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهو أمر بلا شك سيترتب عليه انتقال العلاقات السورية – اللبنانية إلى مرحلة جديدة تتميز بخصوصيتها وتداعياتها المختلفة الأبعاد والتأثيرات.
* خلفيات البيان السوري – اللبناني المشترك:
ظلت سوريا منذ فجر التاريخ بلداً واحداً يضم شعباً واحداً وبرغم ذلك فقد أقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية على فصل لبنان عن سوريا في العام 1943م هذا وطوال فترة الـ65 عاماً التي أعقبت فصل لبنان اعتمد السوريون واللبنانيون سياسة علاقات وروابط البيت الواحد.
لم تسع سوريا إلى افتتاح سفارة لها في لبنان ولم يسعى اللبنانيون إلى فتح سفارة لهم في وطنهم الأم سوريا، وسعى الطرفان إلى تطوير وتنسيق الروابط السورية – اللبنانية بالتوقيع على معاهدة الأخوة والتعاون المشترك في 22 أيار 1991م التي نصت على تشكيل المجلس الأعلى السوري – اللبناني ليكون بمثابة الكيان المؤسسي لترقية وتطوير العلاقات والروابط لجهة الحفاظ على تماسك "البيت الواحد".
أثرت الخلافات والصراعات اللبنانية على إدراك بعض الأطراف اللبنانية إزاء منظور استراتيجية "البيت الواحد" وتزايدت الرغبة في القضاء على هذا المنظور في أوساط بعض النخب السياسية اللبنانية الوثيقة الصلة بالغرب وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية المعادية لسوريا، وفرنسا التي اقترفت مخطط فصل لبنان عن الوطن الأم سوريا.
ظلت فكرة إقامة علاقات دبلوماسية تظهر بشكل خافت ومتفاوت كلما حمل بعض الساسة اللبنانيين حقائبهم وذهبوا إلى العواصم الغربية وعلى وجه الخصوص أروقة باريس وواشنطن. وبعد اغتيال رفيق الحريري وما رافقه من اضطرابات وجدت قوى 14 آذار الحليفة للغرب والمعادية لسوريا الفرصة سانحة لتسويق جملة من الأجندة والبنود المتعلقة بالعلاقات والروابط الخاصة السورية – اللبنانية.
وبرزت إلى السطح أفكار مثل ترسيم الحدود السورية – اللبنانية، إقامة العلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية وتبادل السفارات.. وما شابه ذلك من الأفكار والشعارات الأخرى التي ترافقت مع خروج القوات السورية من لبنان وجرائم اغتيال العمال السوريين في لبنان وما شابه ذلك.
* العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات على خط دمشق – بيروت: المعنى والدلالة؟
لم يطالب أي سوري على مدى 65 عاماً بإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات بين أطراف البيت الواحد السوري – اللبناني، والآن وبفضل جهود بعض الزعماء والساسة اللبنانيين وحدهم فقد تم الإعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات على خط بيروت – دمشق، وهو الأمر الذي حاولت سوريا والسوريون تفاديه خوفاً وتجنباً من إدخال العلاقات السورية – اللبنانية في نفق معاهدة فينا للعلاقات الدبلوماسية ودروبها الشائكة وتعقيداتها الهيكلية والوظيفية التي قد يؤدي الالتزام بتطبيقها حرفياً إلى الكثير من الممارسات البروتوكولية التي لا تليق بأهل البيت الواحد.
بدءاً من اليوم، يمكن القول أن العلاقات السورية – اللبنانية قد دخلت بالفعل أو بالأحرى أدخلتها قوى 14 آذار اللبنانية ضمن غطاء معاهدة فينا للعلاقات الدبلوماسية. وتقول المعلومات بأن معاهدة فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية قد تم توقيعها في 18 نيسان 1961م حيث تم اعتمادها كمعاهدة رسمية دولية بواسطة مؤتمر الأمم المتحدة المتعلق بالعلاقات والمعاملات والإعفاءات والحصانات الذي انعقد في العاصمة النمساوية بتاريخ 2 آذار واستمر حتى يوم 14 نيسان 1961م.
ولن تكون علاقات البيت الواحد السوري – اللبناني قد دخلت في نفق معاهدة فينا وحسب وإنما كذلك في دهاليز البروتوكولات والملاحق والمذكرات التفسيرية وغير ذلك من الاتفاقيات الأخرى التي تفرعت من معاهدة فينا وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر منها:
• اتفاقية فيينا للعلاقات والتمثيل القنصلي 1963م.
• اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969م.
• اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية 1986م.
• اتفاقيات فيينا المتعلقة بقائمة إدراج المعاهدات والاتفاقيات الأخرى.
جاء الرئيس اللبناني الجديد ميشال سليمان إلى دمشق طالباً إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، واستجابت دمشق لطلبه، وبعده مباشرة جاء إلى دمشق وزير الخارجية اللبنانية على رأس وفد رسمي في مهمة وصفها بنفسه بأنها "لإجراء محادثات تتركز على آلية التبادل الدبلوماسي بين البلدين الشقيقين وعرض تفاصيل هذه المسألة وآلية تنفيذها.."، واستجابت دمشق كذلك لطلبه.
* ما معنى علاقات دبلوماسية سورية – لبنانية؟
بعد أن دخلت علاقات البيت الواحد –أو ادخلها بعض الزعماء اللبنانيون- في نفق التمثيل الدبلوماسي سنحاول القراءة في جدران هذا النفق طالما أن مسار العلاقات الدبلوماسية على خط دمشق – بيروت سيكون مقيداُ بجدران هذا النفق بدلاً عن الهواء الطلق وما أقسى من أن ينتقل أفراد الأسرة من البيت الكبير إلى الشقة الصغيرة. ومن المعروف أن العلاقات الدبلوماسية ترتبط بتوجهات السياسة الخارجية وعلى هذه الخلفية فإن العلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية سترتبط في مرحلة "النفق" بتوجهات السياسة الخارجية السورية إزاء لبنان والسياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا.
لجهة المعنى والدلالة والعلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية سيترتب عليه القيام بعملية بالـ"تأسيس" والـ"تأصيل" الشاملة وذلك على أساس اعتبارات منظومة القيم الدبلوماسية التي أرستها وأكدت عليها المواثيق الدولية، ومن أبرز المتطلبات الجديدة الحاجة لوضع تعريف لهذه العلاقة باعتبارها تتضمن التصرفات الرسمية التي يقوم بها صانعوا القرار في دمشق وبيروت أو ممثليهم لجهة القيام بالسلوك السياسي المطلوب بواسطة كل طرف إزاء الآخر وهو سلوك يقوم على أساس اعتبارات:
• الإدراك المتبادل وإدراك كل طرف لنفسه ووزنه وحجمه الحقيقي.
• المصالح المتبادلة ومصالح كل طرف وفقاً للمنافع والمزايا النسبية التي يمكن الحصول عليها.
على أساس اعتبارات، البنود والنصوص الواردة في معاهدة فيينا وبروتوكولاتها النوعية فإن العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات على خط دمشق – بيروت ستدفع جميعها باتجاه الخيار الذي حاولت دمشق جاهدة لتجنبه في علاقاتها مع بيروت وذلك خوفاً من التداعيات والتأثيرات السالبة على الشقيق الأصغر بيروت وهو خيار اللجوء لبرامج العمل التي يختارها المسؤولون الرسميون على النحو الذي لن تستطيع بعد الآن لا دمشق ولا بيروت تجنبه وهو التعامل على أساس الأبعاد الآتية:
• البعد الواحدي في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة مثل تطبيق مبدأ الرد والمعاملة بالمثل والتأكيد على قاعدة توازن الدور والمكانة المتعارف عليها في أدبيات الخطاب الدبلوماسي وسلوكياته.
• البعد الرسمي في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في اقتصار التوجهات الدبلوماسية بما يقوم بصياغته والتعبير عنه المسؤولون الرسميون حصراً.
• البعد العلني في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في أن تكون برامج العمل المتبادل مقصودة في ذاتها وقابلة للملاحظة.
• البعد الاختياري في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في عنصر الاختيار والرغبة أولاً وقبل كل شيء طالما أن الذين يقومون برسم الأجندة والبنود الدبلوماسية قد قاموا بذلك طوعاً واختياراً.
• البعد الهدفي في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في ضرورة التقيد بثنائية تعبئة الموارد المادية والقيمية لجهة مقابلة الأهداف المحددة على المدى الصغير والوسيط والطويل الأجل.
• الطابع الخارجي في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في ضرورة أن تسعى دبلوماسية كل طرف باتجاه تحقيق الأهداف يعلى الجانب الآخر.
• الطابع البرنامجي في التوجهات الدبلوماسية المتبادلة ويتمثل في ضرورة أن يتصرف الأداء الدبلوماسي باتجاه تنفيذ أجندة برنامج العمل المحدد سلفاً بواسطة دوائر صنع واتخاذ القرار.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...