طلاب سوريون «يخجلون» من الابداع

23-10-2008

طلاب سوريون «يخجلون» من الابداع

كان يزن لا يزال طالباً في المرحلة الإعدادية عندما شهدت دقائق الامتحان الأخير القليلة، على إبداعه في تطوير طريقة جديدة لحل مسألة الرياضيات المطلوبة، طريقة بعيدة من الأسلوب التقليدي ومختزَلة جداً!

سارع الصبي بعد انتهاء الامتحان إلى إبلاغ مدرسيه وزملائه بالنتيجة التي حققها. رسم إبداعه على ورقة بيضاء صغيرة، وابتسامة النصر تكاد لا تفارق وجهه. «أذكر كيف كانت عينا أستاذ الرياضيات تتسعان، بينما أشرح له المعادلات المتلاحقة التي استخدمتها»، يروي يزن متذكراً بفخر واعتزاز. «قرأ طريقتي مرات، وفي كل مرة كانت دهشته تكبر. ثم صمت برهة، قبل أن يقول إن هذه الطريقة قد تكون منطقية، لكنها ليست ضمن المنهاج، وبالتالي، لا يمكن اعتبارها».

«ليست صحيحة؟!» صرخ الصبي الذكي خائباً، «ولكني توصلت إلى النتيجة المطلوبة...». ولم تنفع استجداءات يزن في تغيير سلّم التصحيح المحدد مسبقاً.خسر العلامات العشر الخاصة بهذه المسألة، وخسر معها حماسته للإبداع، بل وأصبح محط سخرية زملاء وزميلات كثر. ويضيف يزن باستهزاء: «لن أنسى كيف لامني أستاذي مستنكراً رغبتي في اختراع طريقة جديدة، بدل الطرق المعهودة في الكتاب، جاعلاً من حكايتي هذه تسلية لكثيرين من زملائي، طوال العام الدراسي. حتى أنهم أطلقوا عليّ لقب «أينشتاين العرب»«.

تابع يزن دراسته في الرياضيات نتيجة إصرار أهله الذين ثابروا على تشجيعه وتطوير قدراته. وبعد أن تخرج متفوقاً، نال منحة تقدمها جامعة أوروبية كبيرة للطلاب المبدعين. وهو اليوم على وشك نيل درجة الدكتوراه. ولا يفكر أبداً بالعودة إلى «هذا البلد الذي لا مكان فيه للمبدعين»، كما يقول.

حكاية يزن تشبه حكايات كثير من الطلاب الأذكياء الذين أجبروا على دفن بذرة إبداعهم، تحت وطأة النظام التعليمي الأحادي الجانب، الذي لا يترك مجالاً لحرية التفكير.

«البصم (الحفظ عن ظهر قلب) هو مفتاح النجاح»، يؤكد سامر، وهو طالب في المرحلة الثانوية، «لماذا أهدر وقتي في التفكير، طالما أني لن آخذ ولا علامة زيادة إذا فكرت. بالعكس يمكن أن تؤدي أفكاري العظيمة إلى تدهور علاماتي». وتعقب زميلته سمر: «سأترك الإبداع والاختراع لأصحابهما، للطلاب فئران الدراسة الذين يحتلون دائماً المقاعد الأولى في الصف، ويحرصون على أن لا يفوتوا كلمة من شرح الأستاذ. أنا حقاً أخجل أن أكون واحدة منهم. وحتى لو أمتلكت القدرة، لن أسمح لقدرتي بأن تجعلني محط سخرية صديقاتي. الكل ينظر إلى الطالب المتفوق على أنه غبي اجتماعياً. ثم أني لن أكسب من الدراسة الزائدة في النهاية، سوى نظّارات سميكة ومضحكة!».

والحق أن الفرق شاسع بين أولئك الشطار، أصحاب المقاعد الأولى، وبين الأطفال المبدعين، إذ أن التصنيف هنا ليس قابلاً للمقارنة، خصوصاً أن الطالب الأول والمتفوق في مدارسنا هو القادر على الحفظ أكثر، وعلى «نقش» إجابات الكتاب نفسها على ورقة الامتحان فيجمع بالتالي علامات كاملة.

«طلاب كثر كانوا مشاغبين في صفي، هم اليوم ناجحون جداً في حياتهم المهنية»، تؤكد إحدى مدرّسات المرحلة الثانوية: «انتهى الأمر بكثير من المتفوقين في السلك التعليمي. وهذا يدل على أننا نحرم الطلاب الأذكياء حقهم في التميز، من خلال معايير قاسية صارمة تعتمد على الحفظ ولو من دون فهم».

يوافق بعضهم هذا الرأي، بينما يجد مدرسون آخرون أن المشكلة ليست في النظام التعليمي وحسب، بل «في قلة الحوافز التي تدفع الطالب لتشغيل عقله، وتحثّه على التميز، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواد علمية، أصبحت بالية منسية»، كما يقول أستاذ في المرحلة الإعدادية، ليشير إلى النزعة العامة الجديدة نحو علوم الكومبيوتر والإنترنت، «في حين تُهمل الرياضيات وغيرها من العلوم. الوضع الاقتصادي هو السبب، وسوق العمل اليوم تتحكّم في خيارات الطلاب وتحد من إبداعهم».

وفي الواقع، تتناقص أعداد الطلاب في كليات العلوم والرياضيات في شكل لافت، بينما تتزايد في كليات الكومبيوتر والاقتصاد وغيرهما من الاختصاصات المطلوبة في السوق. ويبقى أصحاب الحالات الخاصة، مثل يزن، من الذين يختارون المخاطرة في الانتساب إلى اختصاصات علمية بحتة.

بيسان البني

المصدر: الحياة

التعليقات

يصدف ان يكون الطالب الجامعي مجتهداً و يصدف أن العلم يتطور كل يوم و يصدف ان المناهج لا تواكب التغييرات بنفس السرعة و يصدف ان هذا غير ضروري و يصدف أن تكون المعلومات الصحيحة اليوم مخالفة لمعلومات المنهج الدراسي او ان يكون الطبيب غافلاً. لذا يصدف ان يرسب الطالب لأنه يعرف أكثر قليلاً من اللازم. و في حالات أشد وطأة تكون المشكلة بعدم قدرة المدرس على صوغ سؤال علمي واضح. أو أن يقف الجميع امام حالات مرجعيتها في مناطق أخرى من المعرفة مثل ان تعرف ان الباء تدخل على المحذوف في الإستبدال. و بالتالي إن سألت هل يجوز استبدال البنسلين بالأنسولين لمرضى السكر فإن هذا يستوجب ان يعي الطالب ان المدرس يعي-بدوره- ان المادة التي تزاح هي الأنسولين و ان المادة التي تقترح هي البنسلين و بالتالي فالوصفة خطأ. او ان يغيب عن ذهن المدرس او الطالب ان نفي وصل قضيتين هو فصل نفييهما : أي ان نفي حقيقة من قبيل ذهبت مع والدي الى المرقص هو ليس /لم أذهب لا أنا و لا والدي الى الملهى و إنما / لم أذهب الى الملهى او أن والدي لم يذهب الى الملهى. أحياناً لا تكون الحياة سهلة.

أعتقد أن مسألة النجاح أو الفشل ترتبط بالقضاء والقدر. بالدرجة الأولى . أما الميولات والمواهب ، فهي بواعث نفسية ، يصعب استئصال ممكونتها . فكم من فاشل صار ناجحا ، وكم من ناجح أضحى فاشلا وكم من عاقلا أمسى مجنونا. ولهذه الاعتبارات ، فمسألة النجاح تظل نسبية لأن الانسان بطبعه غير كامل ، فالكمال لله ، وليس للفلاسة كما يعتبر البعض ، قد يكون الطالب نجحا في مجال وفاشلا في مجالات . ولهذا فليس هناك طالبا ناجحا كليا أو تلميذا فاشلا كليا ، والا فيمكننا تصنفه ضمن دائرة °الصم البكم اللذين لايعقلونًَ° كماأن الذكاء ولابداع درجات ، اذ أنه ليس هناك شخص أذكى من آخر ، فهناك من يكون أذكى في المجالات الاقتصادية والمالية ، فحين نجده غبي في ميادين علم النفس والفلسفة ، كما أن هنك بعض الأساتذة التعليم الاعدادي و الثانوي ، مع احتراماتي للبعض الأخر ، أنهم لايطبقون في حياتهم اليومية ما يملونه عن تلامذتهم, رغم أن بعض المواد الدراسية والشعب الجامعية قابلة للتطبيق أكثر منه الى النظري. لكن مسألة الابدع تظل مرتبطة بالمؤثرات الداخلية للفرد ، لأن ماهو داخلي أقوى مما هو خارجي ، ولهذا فان الطالب المبدع والفيلسوف والكاتب قد لايجد صعوبة في التأقلم مع مختلف الصعوبات ،لأنه بمجرد نفي الأحكام المسبقة و أقاول الأخرين سيتفوق بادن الله ويتحدى كل ما يعترض سبيله الدراسي والاجتماعي . لأنه من هذا المنطلق قد يتصالح مع الواقع ومع نفسه والأخارين,

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...