سرافيس دمشق تحيدعن الدولةالعلمانيةوتمضي على خط«الصراط المستقيم»!

26-11-2008

سرافيس دمشق تحيدعن الدولةالعلمانيةوتمضي على خط«الصراط المستقيم»!

السرفيس حجرة استماع. يتسع لأربعة عشر راكباً، وصغير لدرجة لا تستطيع معها الشرود بسمعك. هو أحد أغراض القدر، تدخله وتسلم نفسك. سيد السرفيس سائقه. إذا كان مزاجه رائقاً، يضبط الراديو على موجة إذاعية هادئة نسبياً، بحسب ذوقه الموسيقي. ويتدرج الخيار بين فيروز وأغاني الطرب الساحلي. هذه الوسيلة هي مملكة صاحبها، وهو الآمر الناهي ضمن حدودها. ليست وسيلة نقل عامة، إذاً. وقد يجد الركاب أنفسهم، ذات صباح، مشروع فرقة دبكة. وأحياناً، هم مقاتلون على جبهة حرب، أو »أخوة« يتشاكون في برنامج »أخي المواطن، سيدي المسؤول« الصباحي الأزلي.
يستطيع سائق السرفيس أن يتوقف ويجبر راكباً على الترجل، ويمكنه أن يلمّ أربعة ركاب إضافيين، يقرفصون في جوار الباب. قد تشير له، فيتوقف. تتفقد المقاعد بنظرة متفحصة، تتأكد من أن المقعد الأخير يحوي ثلاثة ركاب. تكتشف بعد أقل من ١٥ ثانية أنه لا يحوي مكاناً شاغراً، فتستغرب لماذا توقف أصلاً. عندها، يكون السائق قد ضاق ببلادتك، فيقلّع متأففاً من تكبرك بعدما تكرّم عليك بمشوار القرفصاء. نيته سليمة، هو لا يريدك أن تنتظر وقتاً أطول.
هذا سيناريو يحدث يومياً في دمشــق، وبشــكل كارثي في ساعة انصراف الموظفين. صار معتاداً، وقد يجد الكثيرون في التندّر عليه مزاحاً ثقيلاً. صار واقعاً يمكن التأسيس عليه، بدءاً من طقوس إيصال الأجرة للسائق وإرجاع الباقي، عبر اللكز التتابعي من راكب إلى آخر، وصولاً إلى الانحناء المقدس في النزول والصعود، والإفساح لزميل كي يجلس، بحركة أتوماتيكية تركّب قطع »البازل« في مشهد ينصهر. إنه الانحشار وتدابيره. وقبل ذلك كله، وفي أثنائه، هناك القوافل المبعثرة على جنبات الطريق تنتظر، إنها التلويحات اليائسة للأجساد المتعبة. وهو التدافع للفوز بالمقاعد الشاغرة، بين موقف وآخر. سباق العشرة أمتار الذي يحل بين إيحاء السرفيس بالتوقف وبين توقفه الفعلي، سباق يخوضه المنتظرون على المواقف ملتصقين أو متشبثين بالباب. هذا واقع قد يجد المتأمل فيه خصوبة مدهشة للفن! ويتساءل أين هم مصممو الرقص المعاصر، السوريون، من لوحاته.
ولأن السرفيس مملكة معاصرة ومصغرة، فهي تجد تصاريفها الخاصة في مماشاة العصر.
منذ أكثر من سنة، غيرت سرافيس كثيرة خط سيرها، وهو أمر يخالف عليه قانون السير، ويتجنبه ويخشاه عادة السائقون. صارت سرافيس كثيرة تعمل على خط »الصراط المستقيم«. والآن، يجد ركاب السرفيس أنفسهم مشاريع مؤمـــنين صالحين، فموجة المد الديني ضربت. صباحاً، مساءً، في الظهيرة أو في السهرة، بتَّ الهدف السهل للدعاة الجدد. حجرة الاستماع صارت أشبه بـ»حلقة الذكر«. هناك داعية أشهر من غيره، يقلده آخرون. خطبه، التي تبثها قنوات وإذاعات في أيام رمضان، أو الأعياد، صارت موضة دارجة في محال بيع التسجيلات الدينية التي ارتفع سهمها.
يناقش الداعية الشيخ كافة تفاصيل الحياة الدنيا والآخرة. عند سؤال المولعين به، من السائقين حصراً، يخبرونك عن حديثه القريب إليهم والمنحاز إلى لغتهم البسيطة. يقولون ذلك دائماً مستخدمين ضمير الغائب: »الناس ليسوا مثل بعضهم، وهناك شريحة كبيرة ثقافتهم بسيطة، وإذا تحدثت إليهم بفصاحة الخطباء، لن يفهموا ولن يسمعوا«. المهم أن الداعية لديه برنامج عمل حافل. يجد في كل شيء موضوعاً للحديث والنصح. حتى لو لم يستثمر أياً من »القضايا الساخنة«، يستطيع لفظ آخر أنفاسه وهو لا يزال على رأس مهنته، وشرطك أنه يبقى مفعماً بالمعاصرة. من شؤون الدين التكتيكية إلى تلك الاستراتيجية، له رأيه.
آخر مرة سمعته، مجبراً في السرفيس، كان يتحدث عن المؤمن القوي. وللأمانة، فإن له أسلوباً شيقاً، إذ يجد عنواناً جذاباً ويكمل بمجادلة يكتنفها التهكم والسخرية، وتهدأ لهجته وترزن عندما يبدأ تصويباته. يتحدث بالفصحى، وينتقل إلى العامية وقتما يريد طرح مثال عن أمور شائعة يجدها مغلوطة. يسخر من شيوع ارتباط شدة الإيمان بوهن الجسد، ولأن المؤمن القوي أحب إلى الله، كما يقول، فالأفضل أن يبني المؤمن جسده ويقويه بالرياضة وكمال الجسد. وكلما كان أقوى، كلما أحبه الله أكثر. ولمَ لا يصير لكل جامع صالة رياضية ملحقة به؟! لكن، ماذا بالنسبة إلى المؤمنة القوية؟ كيف تحل حكاية القوة معها؟ لم يتطرق الداعية لهذا الشرك.
ينتشر هذا الحديث، أو هذه الموضة، في خطوط سرافيس أكثر من غيرها. وبات يمكن، بالاستناد عليه، وعلى طبيعة انتشاره، تمييز المناطق المحافظة. يمكن تسمية خطوط محددة تختص بالعمل على خط »الصراط المستقيم«، وسائقوها ليسوا أقل من دعاة. لم يعد السائق يتحرج من مفاتحتك بالحديث حول طريقة لباسك أو تسريحة شعرك، طوله وقصره. ويمكنه أن يفبرك من تعليق راكب آخر، أو من حادثة ما في الطريق، سياقاً لأدعيته. هو الصورة المتلفزة للحديث الذي يبثه مذياع سرفيسه. مهما كان السؤال وقحاً، يطرحه باستئذانك ومن دون انتظار موافقتك، وبابتسامة تعلو ملامح يعتصرها لتبدو متسامحة. يسألك، ومهما أمعنت في ضبط النفس، وأعطيت جواباً مانعاً لأي استطرادات، ففي رأسه حديث يريد قوله. في رأسه مهمة، ورضى لا يتحقق إلا بنصحك ليشبه مثله الأعلى. وإن جادلته، يسمع ويقول إنه يتفهمك، لكنه لا يحيد عن إنهاء حديثه بدعاء »الله يهديك«، بغض النظر عن ديانتك أو إلحادك.
هو، بطريقة دبلوماسية معاصرة، ينصّب نفسه حكماً ويقول لك إنك »ضالّ«.
لا مجال للهرب من شرك »الدعاة«. وفي سيارات الأجرة، الأمر أعتى، مع امتياز أن السائق ينفرد بك ليكيــل النصــائح. لكن يبقى في السرفيس حيز للمناورة والابتعـاد إلى المــقاعد الخلفية. مناورة السائق، وليس الداعية الذي لا مجال لتفادي سماعه. ولمَ لا تسمعه؟ أليس معاصراً، وحديثه يشبه الحديث اليومي؟ أليس متسامحاً، فهو يسمع قبل أن يطلق حكمه المبتوت به سلفاً!
مشروعك في مكان آخر، فلتبني مؤسسة الدين مشروعها بعيداً عنك! ألست في دولة علمانية؟ لكن لا. الداعية، وتلاميذه، هم النسخة المعاصرة من قضية قديمة. ويفيده الانفراد بك وملاحقتك أينما ذهبت، إذا لم يكن لهدايتك، فعلى الأقل لتذكيرك بأنه موجود، وبقوة. فهو جزء من مشروع وحيد، ومناورة جديدة على الصراط المستقيم.

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

التعليقات

كإنك بقلبي ... لك حيوتي إتّي! بس يعني، وحرصاً على اكتمال الموضوع، في شغلة مهمة نقصتا أخ وسيم .. واللي هي يا صديقي ظاهرة "إنو لما بتجي شي بنت بدها تطلع وما بكون في مكان فاضي إلا جنب السائق" .. يا حزين على هالمشهد شو رائع! بلحظة خاطفة وبأسرع من لمح العين .. بيفتل عمك أبو الحروف (السائق) وبيسفقك هديك الجملة .. تبع إنو "شي شب يجي لعندي!" .. طبعاً بكون لهالجملة كمالة بسرّو .. "يا خروات". بس، للأمانة يعني، بتوقع هي الشغلة بتندرج تحت نفس الإطار .. "الصراط المستقيم"، لإنو أبو الحروف ما بدو ياها تطلع جنبو تحسباً لشي زلة يد (باعتبار خربوط بكون لاطيلو). أو ممكن تندرج تحت إطار آخر .. "العيب" .. لإنو هي "مرة" وما بيصير تطلع المرة من قدام! (راجع باب الحارة - جميع الأجزاء). هلأ بدك تسمع شو بينحكا عالمخلوقة، في الفناء الخلفي من السيرفيس، إذا "الله غضب عليها" وقررت إنو "لأ يا عمي بدي اطلع من قدام" ... يا رجل إي شو بتصير بنت تافهة، بلا أخلاق، بلا تربية ... لك وحتى ممكن تصير "موطة" بس مو من غير شر ها (دير بالك).

أعتقد أن الدين والتمسك بالإيمان مرتبط بشكل كبير بالحالة المادية... أي غالباً كشماعة وملبياً لأمنياتهم في أحيان أُخرى التي لا تستطيع المادة تأمينها لهم........ ولأن أغلب سائقي السرافيس (ليسوا من الطبقة البرجوازية)... فلا بديل لهم عن الدين والهداية التي يكسبون ثوابها أضعافاً مضاعفة ...

طيب ... فهمنا ياعمي انكون كافرين بهالدين وما لكون سآلين.. بس ليش كل هالزعل والتعصيب.. على علمي انكون بتعبدو الديمقراطية عبادة.... يعني لحتى توضح الفكرة خلينا نفترض أنو اللي عم ينتقد بعض الممارسات هنن من "الطرف" الآخر - جماعة الدين يعني - وأنو واحد من هالجماعة طلع بشي سرفيس شي يوم برمضان وسمع "الأخ" الشوفير مشغل شي موسيقى شبابية من تبع هاليومين " واللي بتترك تأثير عندو مشابه لتأثير الدعاة الجدد عند صاحبنا كاتب المقال" وفكر هالزلمة ينتقد أو يعترض أو حتى يتأفف .. ياترى شو بتكون نظرتكون انتو جماعة الحداثة والانفتاح الو ؟ مو - على الأغلب مشان مانظلمكون- بتعبرو متخلف ومعقد وبدو يفرض رأيو وقناعاتو عالكل.. مشكلتكون ياشباب مو مع الدين ولا مع المتدينين .. مشكلتكون مع حالكون .. مالكون عرفانين شو بدكون بالزبط..بتقولو بدنا المجتمع المنفتح والمتحرر وأنتو مالكون مستعدين تدفعو ضريبتو ولا مقتنعين بالأساس أنو رح ينفع معنا خاصة وأنتو شايفين أنو مانفع مع غيرنا.. خليكون حياديين شوي اذا بدكم حدا يصدقكم

يا أخ "عاقل" لسنا ضد أي حرية من الحريات ... بس السائق لما بدو يسمع على قدو ... منكون مزعوجين لما بيكون السائق بدو يسمع ويسمّع غيرو بالإجباري... سواء دين أو أغاني...

يعني أنا كتير بنزعج برمضان لما بشوف حدا صايم وحدا تاني عم ياكل قدامو .. صحيح الي مو صايم مو مجبر بمراعاة شعور للصايم .. بس بحسها كتير حلوة منو لما بيقدر مشاعرو وما بياكل قدامو .. يعني زوق منو.. وبالنهاية الدين مو بالإجباري بيصير

ليش مين قال أنو سوريا دولة علمانية؟؟؟؟؟!!!!!!!!

سورية علمانية والدستور علماني وفيك تراجع الدستور وفيك بتراجع تصريح السيد مفتي الجمهورية كما ان الاغاني بصوت عالي ضجيج فالادعية بصوت عالي ضجيج ايضا وحتى قراءة القران ولذلك ياسيدي الموضوع ذوق عام وبحاجة الى نضج وثقافة

المشكلة ليست هنا( يعني الله يهدي الجميع)و لكن ما يثير الإستغرب أن هذا السائق الذي يستمع لهذه المحاضرات ليل نهار وعندما تعطيه الأجرة يحاول( يطنش )عالفراطة و سائق التكسي الذي يستمع للقرآن الكريم ليل نهار بدو ياخد عشر ليرات زيادة غصب عنك ( طبعاً إذا شغل العداد أصلاً) و يحلف بالعظيم كذباً أنو ( ما بتوفي) يعني كيف بدي صدق أنو هدا البني آدم (حتى يثبت العكس) عميسمع عن جد و هو بكل ممارساته يخالف ما يسمع بل يعمل ضدها ، الموضوع مباهاة و تظاهر و رياء

إذا كنا نتكلم عن الداعية نفسه، فهو قادر على تغيير الحقائق ولي أعناقها حتى تشير إلى ما يريد إثباته زوراً وبهتاناً. سمعته مرة مكرهة وهو يتحدث عن الزواج، فقال أن من يتزوج إمرأة لجمالها أذله الله، ومن يتزوجها لمالها أفقره الله، ومن يتزوجها لحسبها زاده الله خسة، ومن يتزوجها لدينها تربت يداه. بالله عليكم، كيف يسمح لنفسه بتزوير الحديث على هذا الشكل؟ كيف يسمح لنفسه بتقويل الرسول الكريم (ص) ما لم يقل؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟ لم أشعر وأنا أستمع إليه إلا بالسم الذي ينفثه في عقول ضعاف العقول من المستمعين إليه ليزيدهم تخلفاً على تخلف. والطامة الكبرى أن من يجرؤ على أن يعترض قد ينعت بالكفر وكأنه عارض الرسول نفسه الذي كان يسمح لصحابته بمعارضته.

نعم إنها البقية الباقية مما بعتد به ولكن يجب عدم التقليل من أهميته العظمى في أن هذا النظام "العلماني" على علاته هو الحاضن الأساسي للاستقرار والذي يلجم كل الطائفيين والمتعصبين المدعين الدينيين والذي صراحة هم احد فروع الصهيونية بكشل أو بآخر. نجح الأمر في يوغسلافيا وفي العراق ودخلت فلك الصهيونية وشاهدنا ما حدث. اذا كان هناك حاجة للدفاع عن شيئ بهذه الأهمية وهو العلمانية فأولاً وليس آخراً يجب فهم أهميته وهنا يكمن ضرورة نشر الوعي من قبل الدولة "العلمانية" لهذه القضية الحيوية التي ربما سيكون لها الفضل في حماية البقية الباقية مما يعتد به. ودمتم.

يا جماعة، أحياناً بحسدون بتونس على علمانيتون ( مع إنون زودوها ببعض الشغلات ) بس الفكرة، إنو ما نسمح لحدا يمارس إرهابو الفكري على غيو أنا بقرف حياتي لما بنزل كل يوم من بيتي، لأن لازم من صباحيات ربي اسمع هالأكل الهوا اللي عم ينحكا على الإذاعة أو من الشريط، يعني كلك على بعضك رجل دين ( كبرت ولا صغرت ) شو فهمك بعلوم الفضاء ( ووالله سمعتو لصاحبنا نفسو اللي عم تحكو عنو عم يحكي عن المجرات ) يا جماعة الغرب ما تقدم غير لأنو حط الكنيسة على الرف ( طبعاص هلا الاسلاميين بنطو وبقولو الاسلام هوي الحل ) لا سلطة الجامع والشيخ عنا صارت أضرب من سلطة الكنيسة والبابا إيام القرون الوسطى يرحم أبوكم .... إذا الجنو ما بتنفات إلا بتبويس إيديك، ولك عمي بايعكون اياها ******* أنا مو بحاجتكون لإحكي مع الله ، الله ما بدو وسيط، وقت البدي بقعد وبحكي معو وبحس حالي قريب منو بلا تعقيدات وطقوس كانو السلف الصالح يعملوها ، أصلا ما شي دمرنا غار تقليد السلف الصالح الله يحميكي يا سوريا من شر الإسلامويين الجدد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...