الدروس الخصوصية: ظاهرة تؤرق السوريين.. لكنها تسعد المدرسين

28-04-2009

الدروس الخصوصية: ظاهرة تؤرق السوريين.. لكنها تسعد المدرسين

مع اقتراب موعد امتحانات الشهادات العامة (التعليم الأساسي والثانوية العلمية والأدبية)، التي تكون عادة لمدة عشرين يوما خلال شهر(حزيران) من كل عام، تستنفر العائلات السورية، وبالأخص، العائلات التي لديها أولاد يتقدمون للشهادتين، لا سيما للشهادة الثانوية، كونها تشكل المدخل الحقيقي لمستقبلهم. فإن حقق الطالب المترشح علامات جيدة سيدخل الجامعة، أما إذا كان معدله دون ذلك فمكانه معهد متوسط.
لذا يسعى السوريون الحريصون على تأمين مستقبل جامعي لأولادهم إلى تأمين كل مستلزمات تحقيق «الحلم» الجامعي، ولعل الأهم في هذا المجال.. الدروس الخصوصية.

فهي أصبحت منذ أكثر من ربع قرن «ظاهرة عامة» غير محصورة في العاصمة السورية دمشق، بل تنتشر في مختلف المدن، كبيرها وصغيرها، وتمتد حتى إلى الأرياف. كما أنها تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى عبء مادي مكلف يثقل كاهل الأسرة السورية، بجانب أنها تؤرق المسؤولين التربويين والمعنيين في وزارة التربية السورية باعتبارها ظاهرة غير صحيحة وغير صحية.. ولو كانت تسعد المدرسين الذين يحسنون بفضلها دخولهم ومستوى معيشتهم. وعلى الرغم من قرارات الترغيب التي صدرت قبل أربع سنوات، ومنها منح المدرسين في مدارس الدولة علاوة مالية على رواتبهم ميزتهم عن غيرهم من موظفي القطاع العام وصلت لـ7 %، وطبيعة عملهم (بما فيها إجازات الصيف) ومضاعفة أجور الساعات الإضافية التي يكلفون بها في المدارس، وعلى الرغم من التلويح بمعاقبة المدرسين الذين يواصلون إعطاء الدروس الخصوصية في منازل أهالي الطلاب أو في منازلهم..فإن هذه الظاهرة لم تختف، بل على العكس، تتسع وتتجذر، وتصل إلى أقصاها في مثل هذه الأيام قبل موعد انطلاق الامتحانات العامة.

الجهات التربوية السورية سعت أخيرا إلى عقد ندوات ومحاضرات توعوية للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، والاستفادة من الدورات التربوية للتنبيه من مخاطر تفشيها. وكان بين الأوراق العلمية المهمة في هذا الشأن، ورقة قدمها قبل شهرين في دورة للموجهين التربويين والاختصاصيين أقيمت في (شباط) بدمشق، الأستاذان في كلية التربية بجامعة دمشق المثنى خضور ومحمد الكود، اللذان اعتبرا أن تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية هو إهدار لأخلاق مهنة التعليم من جميع الوجوه، وأن العلاقة السامية بين الطالب والمعلم لا يجوز أن تتدهور إلى حد أن يستأجر الطالب المعلم ويشتري وقته ويوظفه عنده ويدفع له الثمن. ويؤكد الأكاديميان خضور والكود في ورقتهما المشتركة على أن هذه العلاقة تتنافى تماما مع مكانة المعلم واحترامه وتتعارض مع الأهداف التربوية لعمله. من ناحية ثانية، يشير عدد من المتابعين والمهتمين بظاهرة الدروس الخصوصية وبعض أهالي الطلاب إلى أنه لا توجد ضوابط لهذه الظاهرة من الناحية المادية. فكل مدرس يحدد أجر ساعة الدرس الخصوصي كما يريد، وحسب شهرته وسط الطلاب وفي المجتمع، وحسب الدعاية التي يروجها له بعض معارفه.. ولذلك يتهافت الأهلون على مدرس ما أكثر من غيره، ويحجزون دورهم لديه قبل عدة أشهر لإعطاء ابنهم دروسا خصوصية في مادته، وقد يعتذر لكثرة ما لديه من طلاب. وأحيانا يرفع أجر الدرس الواحد على مزاجه. أيضا ثمة تفاوت لأجور الدروس الخصوصية بين المدن، ففي حين يتقاضى المدرس المشهور جدا في دمشق أجر الساعة الخصوصية الواحدة ألف ليرة سورية (حوالي 20 دولارا أميركيا) ويزيدها للضعفين قبل يوم امتحان المادة الدراسية، فإن المدرس الخصوصي في المدن السورية الأخرى يقبلون بأقل من ذلك، حيث يأخذون ما بين 400 ـ 500 ليرة أجر الساعة الواحدة. والطريف هنا أن معظم مدرسي الساعات الخصوصيين متفقون على وقت الدرس تماما، حيث يضعون أمامهم الساعة وينهون الدرس الخصوصي فورا عندما تشير عقارب الساعة إلى انتهاء الدقائق الستين، ليكملوا في الموعد التالي، بالاتفاق مع الطالب، تتمة موضوع الدرس.

كذلك تحولت ظاهرة الدروس الخصوصية لدى بعض العائلات السورية إلى نوع من «الترف» ومجال لاستعراض المظاهر البراقة، فالعديد من الأسر الميسورة والثرية تتباهى بأنها تعاقدت مع المدرس الشهير «فلان الفلاني» لإعطاء ابنهم دروسا خصوصية في المادة التي يدرسها على الرغم من أن ابنهم قد لا يكون بحاجة لدروس خصوصية.. ولكن اسم «فلان الفلاني» يكرس مكانتهم كأسر ثرية لها أهمية اجتماعية مع الأصدقاء والجوار، تماما كما يفعلون مع شراء الأشياء الثمينة المميزة واقتناء السيارات الفاخرة. ثم أنه انتشرت خلال السنوات الخمس الأخيرة ظاهرة اتفاق مدرس المادة مع الطالب وأهله منذ بداية العام الدراسي، بأن يعطي منهاج المادة كاملا للطالب على مدار العام حتى موعد الامتحان، ومن دون تحديد عدد الدروس مقابل مبلغ مالي مقطوع يصل مثلا لخمسين ألف ليرة أو أكثر حسب شهرة المدرس والمادة التي يدرسها وحسب المدينة. أحد المتابعين قال لنا إنه «ليس كل المدرسين يستطيعون الحصول على فرصة دائمة في إعطاء الدروس الخصوصية، فهي عادة محصورة بالمواد الأساسية في الشهادة الثانوية العلمي، كالرياضيات والفيزياء واللغة العربية واللغة الإنجليزية. وحاليا، وبعد قرار التربية بجعل اللغة الفرنسية مادة أجنبية ثانية ملزمة في مناهج المدارس السورية، أصبح مدرسوها مطلوبين أيضا من قبل الأهالي للدروس الخصوصية». ثم يضيف: «هناك مدرسون كثر لا يطلبهم أحد لإعطاء دروس خصوصية، ولذلك تجدهم يضعون إعلانات بأرقام هواتفهم والمواد التي يدرسونها ويحددون أجورا رخيصة نسبيا قياسا بالمدرسين الشهيرين، ويضعون هذه الإعلانات المأجورة في صحف العاصمة والمحافظات المتخصصة بالإعلانات التجارية، والتي توزع بالآلاف مجانا كل أسبوع على القراء، أو تشاهد إعلاناتهم ملصقة على مواقف حافلات النقل الداخلي أو على الجدران، خاصة قرب المدارس، ليشاهدها الطلاب ويتصلون معهم ويأخذوا لديهم دروسا خصوصية، ومع ذلك ـ يردف المتابع ـ قد لا يحققون حلمهم، فشهرة المدرس والغيرة بين الطلاب تفرض على أهاليهم التعاقد مع المدرسين المعروفين لا المغمورين الذين يعلنون عن خدماتهم في جرائد الإعلانات وعلى الجدران!..»

هشام عدرة

المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...