تجاذب شرس على جثة الماغوط

05-04-2006

تجاذب شرس على جثة الماغوط

بدأ التنافس الشرس على تجاذب جثة الكاتب الكبير محمد الماغوط بعد ساعات قليلة من وفاته، ففي حين ركز الإعلام الرسمي السوري على حجم العناية والاهتمام الكبيرين بالراحل الكبير من قبل الدولة ورجالاتها، وغلّب الخبر الرسمي مناسبات تكريم الكاتب على أعماله، وكان إعلام المعارضة (الالكتروني غالباً) يجذب الجثة باتجاهه عبر تغليب الاهمال الرسمي له على إبداعه، لدرجة أن أحد مواقع المعارضة تحدث عن الاهمال الرسمي قبل أن يذكر خبر الوفاة.

وركزت بعض وسائل الإعلام على فكرة ذكرها أحد أقرباء الفقيد وهي أنه اعتاد في الأشهر الستة الأخيرة من حياته على سماع تسجيلات للقرآن الكريم، فيما ركز أحد المواقع اليسارية على عنوان أولي (لم يصدر) لكتابه سياف الزهور، وهو العنوان الذي جاء بديلاً لعنوان مقترح تم تبديله بالاتفاق مع الناشر مراعاة للرقابات العربية، وبدا الموقع خبره هكذا: (رحل صاحب ـ شرق عدن غرب الله ـ)

وفي حين استخدمت وسائل الإعلام الرسمية مفردات مثل: فقيد الأمة العربية، قيمة وطنية وفكرية، استخدمت مواقع المعارضة تعابير معاكسة تماماً.

فقد قال وزير الإعلام السوري الدكتور بلال: ان نتاج الماغوط الابداعي المتنوع في الصحافة والمسرح والشعر والسينما عكس صورة الواقع العربي بكل صدق وعمق وانتماء بهدف الوصول الى مستقبل عربي مشرق.‏ حسب وكالة الانباء الرسمية.

وفي خبر لـ "أخبار الشرق الموقع الالكتروني المعارض والمحسوب على حركة الأخوان المسلمين" عن رحيل الشاعر والأديب الكبير محمد الماغوط جاء: "بعد صراع طويل مع المرض، وبعد عقود من الإهمال الرسمي الواضح الذي لم ينفه منحه وساماً من جانب الرئيس السوري بشار الأسد، توفي الشاعر والأديب السوري الكبير محمد الماغوط، عن عمر ناهز الثانية والسبعين عاماً".
ولا نعلم كيف يكون شاعر كبير مثل الماغوط قد أهمل رسمياً لعقود طويلة، وهو الذي كاد أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي لم يغادر سوريا بعد عودته من لبنان بداية السبعينات، حيث لاقت مسرحياته وأفلامه الساخرة والناقدة رواجاً منقطع النظير، كما لم تغب مقاطعها عن شاشة التلفزيون السوري  "الرسمي"، لغاية اليوم، كما كتب في  الصحف الرسمية "تشرين" وملحق "لثورة الثقافي" وانقطع لفترة، وعاد منذ أكثر من سنتين لكتابة مقال أسبوعي لجريدة تشرين. ثم وناهيك عن كل ذلك، صرح في حوار أجراه معه أحمد علي الزين، أن رئاسة الجمهورية خصته براتب شهري، كما أقيمت له العديد من احتفالات التكريم في دمشق وفي بلدته السلمية، عدا منحه وسام الاستحقاق السوري. فإذا لم يكن كل هذا يندرج ضمن إطار الاهتمام الرسمي، فماذا يكون ؟
(الجمل) من جانبها لا تدافع عن الموقف الرسمي، ليس لشيء وإنما لأن هناك جحافل من المتطوعين للدفاع عنه، وهم أولى منها بذلك، وإنما هو دفاع عن المهنية، وعن شاعر نعرفه عن كثب وصديق عزيز وفقدانه يؤلمنا بقدر ما يؤلمنا استغلال هذه المناسبة الحزينة لبث دعاية سياسية. ففي حين يذكر الخبر أن الماغوط سجن عام 1955 في سجن المزة لانتمائه للحزب القومي السوري، لم يذكر أنه سجن أيضاً في لبنان عام 1962 بالتهمة ذاتها، قبل عودته إلى دمشق بداية السبعينيات، وعندما قدم مسرحية "ضيعة تشرين" ومن ثم "غربة" والنجاح الذي لاقته المسرحيتان، كان للرئيس الراحل حافظ الأسد موقفاً شهيراً، حيث وجه بضرورة الاهتمام بالفن لأن مسرحية جيدة أفضل من دبابة  في المعركة، ومن حينها كان هناك اهتمام خاص بدريد لحام والماغوط، رغم مواقف الأخير التي اتسمت بالاستقلالية والجرأة وعدم المحاباة.
الماغوط لم يكن يوماً وحيداً ، سوى في أيام عزلته التي فرضها على نفسه حين مر في حالة اكتئاب نفسي، رفض خلالها التعاطي مع المحيط الخارجي، إلا أن منزله كان محجاً للأصدقاء والمثقفين والصحافيين، كما لم تمر مناسبة أو حالة مرض إلا وكان يزوره إما وزير الإعلام أو وزير الثقافة . حتى إن المثقفين راحوا يتندرون بالقول إن الوزيرين نعّموا الطريق إلى بيت الماغوط، وكأنه لم يعد هناك مثقفون غيره.
وإن شم القارئ رائحة دعاية سياسية في هذه الحقائق، فقد أجبرتنا لا موضوعية "أخبار الشرق" إلى هذا المقام، لنقول إن السوريين يستحقون معارضة نزيهة وموضوعية، وليس من المقبول أو المعقول أن تأتي المعارضة نسخة مشوهة عن إعلامنا الرسمي الذي طالع أرواحنا بقلة مهنيته.


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...