58 امرأة سورية تفارق الحياة بين كل 100 ألف ولادة

20-05-2009

58 امرأة سورية تفارق الحياة بين كل 100 ألف ولادة

يحدث أن تكون العائلة مجتمعة في انتظار الحدث السعيد وانضمام طفل جديد إلى العائلة، غير أن الموازين تنقلب، ويتحول الحدث غير الاعتيادي إلى قصة مأساوية عندما تفارق المرأة الحياة وهي تضع مولودها..
لم نسمع عنهن كثيراً، غير أنها حوادث تتكرر أكثر مما نتوقع، ومن كل /100/ ألف ولادة هناك /58/ امرأة تفارق الحياة  أثناء الولادة أو بعدها وفق الأرقام الوطنية.
الأرقام المـــؤلمة تتـــــركز في الــــريف في جيـــــوب لا تطالها الرعاية الصحية، ولا تزال التقـــــاليد والعادات فيها تستخف بما يسمى رعـــــاية الأم قـــبل وأثنـــاء الولادة، وتصــــرّ على أن تنجب الأمهات اليافعات على يد «الداية» المعروفة في المنطقة على غرار الجدات كطقس عائلي متوارث.
القصة المأساوية للأمهات السوريات، هو العنوان العريض الذي اختاره تقرير حالة السكان في سورية لينبّه إلى الخطر الذي تشكله هذه الظاهرة، التي لم تنل حقها من الدراسة، فعلى الرغم من أن الأرقام الوطنية تشير إلى /58/ وفاة لكل /100/ ألف ولادة حية، فإن تقرير منظمة الصحة العالمية يرفعها إلى /160/ وفاة لكل /100/ ألف ولادة، وهي نسبة مرتفعة ومقلقة ومثيرة للأسى، وتتركز في بعض المحافظات كالرقة وريف دمشق، حيث تبلغ وفيات الأمهات نتيجة الحمل والولادة ضعفي ما هو عليه الحال في دمشق واللاذقية وطرطوس، و90٪ من هذه الوفيات ينتمي إلى نوع الوفيات القابلة للتشخيص والتدبير مسبقاً، وبالتالي الوقاية منها وتجنبها فيما لو كانت الرعاية الصحية وخدماتها في أثناء الحمل متوفرة وجيدة.
ويواجه تقرير حالة السكان المجتمع السوري بسؤال خطير وصاعق: لماذا لم تستطع سورية الوصول إلى الحدّ من نسبة وفيات الأمهات، بينما تحقق إنجازات مرئية على أصعدة أخرى؟!.. ولماذا ما تزال مرتبة سورية على مستوى وفيات الأمهات لعام 2006 في المرتبة /11/ في قائمة ترتيب الدول العربية بعد مجموعة دول الخليج العربي وفلسطين وعمان والسعودية وليبيا، وفي المرتبة الثالثة عشر من أصل /20/ دولة عربية وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2007؟!.
أسئلة تستحق منا وقفة لإعادة النظر بحساباتنا وفعالية مراكزنا الصحية المنتشرة في أقاصي الريف.. فماذا تقول وزارة الصحة عن هذه الأرقام، وكيف تفسر هذه الأرقام المرتفعة، على الرغم من تحسن المؤشرات الصحية الأخرى؟!.
الدكتور خالد البرادعي، مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة يعتبر أن الرقم الصحيح هو /58/ وفاة لكل /100/ ألف ولادة، لأننا نأخذ بالاعتبار فقط الوفيات التي حدثت بسبب الحمل والولادة وما بعد الولادة، وليس لأية حوادث طارئة أخرى، وعلى الرغم من أنه يوافقنا الرأي بأن النسبة مرتفعة مقارنة مع دول الجوار، لكنه يرى أن هذا الأمر له علاقة بالتقاليد والثقافة والتعليم، فحتى لو وفرنا أحدث التجهيزات وزدنا  أعداد الكوادر والمراكز الصحية إذا لم ترافقها جهود لتوعية الناس بضرورة مراجعة هذه المراكز والاعتماد عليها بدل اللجوء إلى «الدايات»، لا نكون قد فعلنا شيئاً، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة، والتوجه الآن نحو تحسين بيئة المركز الصحي ابتداء من الاستقبال والنظافة، وتوفر التجهيزات ووجود الكادر الطبي، بحيث يخرج متلقّي الخدمة راضٍ عن الخدمة المقدمة له، ونبني الثقة بين المواطن والمركز الصحي فيكثر تردده عليه، وتتحسن الخدمات الصحية عموماً، وتتحسن المؤشرات الصحية.. وبالعودة إلى موضوع وفيات الأمهات، عندما تلتزم الأم بأربع زيارات على الأقل للمركز الصحي بفترة الحمل، والمباعدة بين الحمول، والإرضاع الوالدي، وإعطاء الفيتامين A بعد الولادة، ستنخفض بالتأكيد معدلات وفيات الأطفال والأمهات.
ويشير الدكتور البرادعي إلى أن المركز الصحي له دوره داخل المركز  وخارجه، فإضافة إلى الخدمات الطبية والمخبرية التي يقدمها، هناك دور خارج المركز لتقديم التوعية الصحية للناس وتثقيفهم، ونقل الرسائل الصحية، ومعرفة المشاكل الصحية السائدة، ومحاولة البحث عن أسباب عزوف البعض عن زيارة المراكز الصحية لتداركها. نحاول عن طريق الزائرات المنزليات ومندوبات الأحياء والمتطوعين، أن نعرف كل هذه الأشياء لنحلّ المشاكل إن وُجدت، ونزيل عوائق تردد الناس على المركز الصحي، ونتصل لذلك مع قادة المجتمع المحلي: رئيس البلدية -المختار.
وحول توزع المراكز الصحية في المناطق النائية، وفيما إذا كانت تكفي لتغطية جميع القاطنين، يوضح الدكتور البرادعي أن جميع المراكز الصحية متوزعة وفق الخارطة الصحية، بحيث تغطي معظم مناطق القطر بما فيها البعيدة والنائية، ووفق معيار منظمة الصحة العالمية تتوضع المراكز الصحية قرب التجمعات السكنية بما لا يزيد عن 15 دقيقة سير.. وهناك فرق جوالة وعيادات متنقلة تغطي المناطق النائية ذات الكثافة السكانية القليلة، أو التي يصعب الوصول إليها، والمعيار الذي وضعناه مركز صحي لكل /10/ آلاف مواطن في الريف، ومركز لكل /20/ ألف مواطن في المدينة، لكن هناك سوء توزيع فقد تكون هناك منطقة فيها 4 أو 5 مراكز، ومنطقة شاسعة فيها مركزان.. وينوّه الدكتور البرادعي إلى أن المشكلة ليست في توفر المراكز الصحية، وإنما بتوفر الكادر العامل في هذه المراكز، فليس لدينا كوادر صحية من المنطقة نفسها تغطي احتياجات هذه المناطق، صحيح أن توفر البنية التحتية ضروري، لكن تأهيل الكادر ورفع الوعي الصحي ورفع مستوى التعليم أكثر أهمية، ولا بد أن يحتل الأولوية.
الدكتورة ريم دهمان، مديرة الصحة الإنجابية في وزارة الصحة، ترى أن المشكلة تكمن في الأماكن مترامية الأطراف التي تحتاج إلى خدمات صحية بمتناول الناس، لكن من الصعب تخديمهم بمركز أو بمشفى لأن الكثافة السكانية قليلة، فكيف يمكن تغطيتهم وهم يتوزعون في أماكن ريفية متناثرة، ولا يزال الناس في المناطق الريفية يلجؤون إلى أشخاص غير مدربين، على الرغم من قربهم من المراكز الصحية، لكنهم لأسباب مادية واجتماعية يفضلون التعامل مع «الدايات» بدل الكوادر الصحية المدربة، خاصة أن «الدايات» الجديدات أصبحن يهتممن بالدعاية لعملهن، لأنه أصبح مصدر رزق بالنسبة لهن، مستغلات هذه العادات الاجتماعية المتأصلة والتي من الصعب أن تتغير؟!.
وفيما إذا كانت وزارة الصحة تنوي القيام بحملة لجذب قاطني المناطق الريفية البعيدة إلى مراكزها الصحية، تشير إلى أن أية حملة في هذا المجال يُفترض أن تكون من شقين:
الأول: يتناول رفع وعي الناس بالعمل مع شركاء آخرين (وزارة الإعلام - الاتحاد النسائي - جمعيات أهلية)، لتكون أكثر تأثيراً على المجتمع المحلي. أما الشق الثاني: فيتعلق بتوفير الخدمات الصحية، وهنا لدينا مشكلة في عدم توفر كوادر صحية كافية، ورغبة هذه الكوادر بالعمل في أماكن التجمعات السكنية والمدن، وليسوا من أهالي تلك المناطق الذين لا يهتمون بالتحصيل العلمي ليتمكنوا من دخول المجال الصحي، ومعظم هذه المناطق لا تصلها المواصلات، وتعيش ظروفاً معيشية صعبة، وليس هناك وسيلة لتحفيز الكوادر الصحية التي تأتي من محافظات أخرى للعمل فيها.. فالتعويضات المادية لا تراعي الظروف المعيشية الصعبة، التي سيعانيها من سيخدم في هذه المراكز، فهم يأخذون الراتب والتعويضات ذاتها سواء عملوا في مركز صحي على بعد أمتار من منازلهم، أو في المناطق الريفية النائية.. ونرى أن الحل الوحيد يكمن في تشجيع أهالي تلك المناطق على إكمال تحصيلهم العلمي والدخول في المجال الصحي، أو أن تقدم حوافز مشجعة للكوادر الصحية التي ستخدم هذه المناطق، وتوفر لها الرعاية الصحية بما يتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة.

 

سهام طلب
المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...