محاسن ومساوئ الصحافة الإلكترونية السورية

15-06-2009

محاسن ومساوئ الصحافة الإلكترونية السورية

نبيل صالح:  بدايةً أرغب بإعفائي من استخدام مصطلحات عالم الإنترنيت المعربة بدءاً بمصطلح «الشابكة» وانتهاءً بمصطلح «المحتوى الرقمي» بسبب عدم قدرتها على المطابقة بين الدال والمدلول في حده الأدنى المطلوب تماماً مثل تسمية «الجامعة الافتراضية» لأن المعرفة لا يمكنها أن تكون افتراضية إلا إذا كان العقل العربي افتراضياً وغير موجود.
سأتناول في مداخلتي هذه بعض إيجابيات وسلبيات الصحافة الإلكترونية السورية على الصعيد الإعلامي والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ومدى مساهمتها في رفد شبكة الإنترنيت بما هو جيد وما هو غير جيد.
فخلال عمرها القصير، أثبتت الصحافة الإلكترونية السورية أنها أفضل تمرين عملي على الممارسة الديمقراطية عبر نوافذ التصويت ونظام تعليقات القرّاء وآرائهم حول المواد المنشورة على صفحات هذه الصحف، والتي وفرت للمواطن السوري متنفساً وفرصة لإثبات حضوره على الساحة الوطنية والدولية بعد طول إهمال من المؤسسات الرسمية وخططها الخمسية التي تستند إلى آراء الخبراء وتوجيهات المدراء دونما الرجوع إلى الناس الذين هم بالأصل هدف هذه الخطط وغايتها.. فقد انتقلت الصحافة الإلكترونية السورية بـ"الديمقراطية الشعبية" من مرحلة الشعارات إلى مرحلة التدريب والاكتشاف والممارسة المباشرة في النقاش الدائر حول مصير الوطن والمواطنين، وهذا أمرٌ حسنٌ بالنسبة للمستقبل فيما لو زادت المؤسسات الرسمية من اهتمامها بما يتم تداوله ومناقشته في صحافة الإنترنيت بحيث تحفز كافة شرائح المجتمع وتياراته على المشاركة في بناء أسس ديمقراطية صحيحة.
نضيف إلى محاسن الصحافة الإلكترونية السورية فضل ترويج وتسويق سورية خارج حدودها الإقليمية بعد نصف قرن على فشل إعلامنا الورقي من عبور الحدود نحو القارئ العربي على الرغم من توجهاتها العروبية الصادقة منذ الاستقلال.. وعندما نقول ترويج سورية فإنما نعني تقديمها بالشكل الذي يراها فيه الجيل السوري الجديد، بصورة مختلفة عن بنية خطاب الإعلام الورقي الذي مازالت تحكمه بنية خطاب الآباء والأجداد، ويكفي أن نشير مثلاً إلى دورها المميز في تواصل المغتربين السوريين مع الوطن الأم أكثر مما فعلت وزارة المغتربين بكامل ميزانيتها وموظفيها..
أما على الصعيد الاقتصادي فقد انتقلت الصحافة الإلكترونية السورية من مرحلة مديح إيجابيات القطاع العام التي تخصصت بها الصحافة الورقية إلى إضاءة نشاط وحيوية القطاع الخاص ومناقشة حسناته وسيئاته وآراء مستثمريه وأفكارهم ورؤاهم حول مستقبل القطاع الخاص وأهمية تحريره من الوصاية الحكومية المباشرة عليه، كما عززت روح المنافسة بين التجار والصناعيين والمقاولين وأثارت انتباههم إلى أهمية دورها في تسويق أعمالهم ومصالحهم فراحوا يقبلون عليها بإعلاناتهم نظراً لعدم وقوع هذه الصحف تحت سيطرة المؤسسة العربية للإعلان التي تقتطع لصالحها 25% من قيمة الإعلانات المنشورة في وسائل الإعلام السورية المطبوعة والمرئية، ذلك أن صحف الإنترنيت السورية غير خاضعة لنظام الترخيص بحكم كون شبكة الإنترنيت جزء من فضاء عالمي لا يقع ضمن حدود أراضي الجمهورية العربية السورية وقوانينها السارية..
أيضاً نلاحظ أن صحافة الإنترنيت أعطت زخماً قوياً للحراك السياسي السوري وأوجدت له فرصة للغناء خارج الكونشرتو الرسمي، فأقبلت الأحزاب والجماعات والقوميات على هذه الصحف التي وسعت النقاش فيما بينها كون كل طرف راح يسعى إلى تحسين بنية خطابه بالتوازي مع الطرف الآخر المنافس أو المعادي، مع اتفاق الجميع على وحدة الوطن السوري واحترام مكوناته الدينية والقومية.
وإذا ذهبنا باتجاه الصحافة الإلكترونية الثقافية نلاحظ عجزها عن تسويق الثقافة الوطنية إلى الآن لأسباب عديدة أهمها ضعف الجدوى الاقتصادية وقلة الاهتمام الشعبي بالصحافة الثقافية الإلكترونية التي ظلت أسيرة آلية إنتاج الصحافة المطبوعة وبنية خطابها الكلاسيكي، وعلى حد علمي لا يوجد سوى جريدة ثقافية إلكترونية يومية واحدة يغلب عليها التوجه الفني والتاريخي أكثر من الجانب البحثي والأدبي كما أن أخبارها أسيرة نشاطات العاصمة دمشق، وهي خاسرة على الأغلب.
على الصعيد الاجتماعي يمكن القول أن الصحافة الإلكترونية قد وسعت معرفة السوريين ببعضهم ومدت بصيرتهم بين البادية والريف والمدينة وصار بإمكانهم رؤية بعض ما يجري خارج العاصمة، حيث تمكن المواطن السوري من التعرف أكثر على الخلفيات الإثنية والدينية التي تجمعه مع الآخر الذي كان يجهله تاريخياً وروحياً، فقد كانت المعلومات متوفرة حول مذهب وقومية ولغة وحزب واحد فقط فصار يرى الحياة السورية بعين ونصف بعد أن كان يراها بعين واحدة، وبتنا نعرف أنه يوجد على خارطة سورية اللغوية 15 لغة حيّة ولغة واحدة ميّتة، وأن متكلمي هذه اللغات يشكلون مجمل حراك المجتمع السوري.
وفي المحصلة تبدو الصحافة الإلكترونية السورية أشبه ببيت عربي كبير تقطنه عائلات عديدة مختلفة الأصول والأفكار والأهواء والاتجاهات، وجميعها تتشارك مطبخاً واحداً وكل واحد يطبخ طعامه الذي يناسبه، وبعضهم يطلب وجبات جاهزة من المطاعم الكبيرة ويدعي أنها من طبخه، ولكنهم جميعاً منذرون بالهدم في أية لحظة بحجة مخالفة قوانين البلدية، لذلك من الأفضل لأي صحيفة أن تتجنب ما أمكن مواجهات بلدوزرات المحافظة إذا أرادت البقاء.
هذا جزء من الجوانب الإيجابية للصحافة الإلكترونية السورية وأظنه كافياً لإقناعنا بأهمية دعم هذا القطاع ورعايته ليتجاوز نقاط ضعفه العديدة ومنها:
1- الارتجال وغياب الاستراتيجية الإعلامية التنويرية لدى غالبية مؤسسي الصحف الإلكترونية بالإضافة إلى عدم وجود كيان مؤسسي وخبراء استشاريين يدعمون تطورها.
2- التعصب القطري الذي يسم أغلب هذه الصحف، بدءاً من أسمائها والتي تبدأ أكثر من 60% منها باسم Syria وانتهاءً بضعف المحتوى العربي مقابل المحتوى السوري وكأن أصحاب هذه الصحف ما زالوا محكومين بالحدود الجغرافية ومؤسسة توزيع المطبوعات المحدودة؟!
3- ضعف المهنية وغياب الاختصاص لدي أغلب مدراء هذه الصحف.
4- التنوع وعدم التخصص لدى أغلب هذه الصحف حيث تقدم خليطاً من المواد أشبه بمحتوى كيس الشحادة التي تطعم أولادها بحسب ما تجود به الدوريات المطبوعة مع استثناء بعض الصحف الإلكترونية الاقتصادية والسياسية.
5- غلبة الأخبار المثيرة مقابل ضعف المحتوى المعرفي والتنويري.
6- الركاكة وضعف الصياغة وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية في المحتوى الإلكتروني.
7- عدم احترام حقوق المؤلف وقوانين النشر واستمرار القرصنة والسطو وغياب القوانين الناظمة والرادعة.
8- مخالفة الدستور في نظام التعليقات وسهولة الإساءة إلى سمعة الأفراد والجماعات.
9- عدم توخي الدقة والموضوعية وغلبة النزعات الشخصية.
10- غياب التنسيق وتبادل الخبرات بين الصحف الإلكترونية السورية وهي على الأغلب مشاريع فردية تشبه أصحابها في نقاط ضعفهم وقوتهم.
أخيراً أرى أن شبكة الإنترنيت باتت تشكل "العقل الكلي" للعالم، وهو عقل ناطق باللغات الأوروبية ولم يصبح بعد ناطقاً بالعربية لضعف المحتوى العربي فيه بسبب استمرار غالبية كتابنا ومفكرينا بالتعامل مع الورق، وبسبب استمرار شرطة الإنترنيت العربية في سياسة حجب المواقع أو فرض الوصاية على محتواها كما لو أنها مصدر للإرهاب وليس للمعرفة والتقدم، كما أن وزارات الثقافة والإعلام العربي مازالت غير مدركة لأهمية وجودها داخل ما دعوناه بالعقل الكلي للعالم وبالتالي مازلنا خارج "وحدة الوجود" التي بشر بها متصوفونا قبل زمن طويل دون أن يعرفوا حينها أن شبكة الإنترنيت هي ما سيحقق يوماً ما وحدة الوجود بين أطراف العالم الأربعة وأن أحفادهم لن يتمكنوا من الاندغام فيه بسبب شكهم وقلة عملهم وإيمانهم.. آملاً من هذا المؤتمر أن يطلق في ختامه ما هو أكثر من التوصيات والشروحات والتحيات، لأن حركة قطار المعرفة أسيرة قانون التسارع الذي سيزيد من صعوبة ركوبنا فيه كلما تأخرنا عنه.

 

مداخلة قدمت في المؤتمر الوطني الأول
لصناعة المحتوى الرقمي العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...