رسالة الإسلام : صوت التقريب

03-08-2006

رسالة الإسلام : صوت التقريب

إن الدين الإسلامي دين واضح الأصول ، بيّن المعالم لا تعقيد فيه ولا غموض  ولا حرج ولا إعنات ، أنزله الله على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وضلالة من الناس ، واختلاف بالهوى وتنازع وتطاحن بالقوى فهدى الناس في العقيدة إلى كلمة سواء هي كلمة الله التي بعث بها كل رسول ، وأنزل بها كل كتاب ، وبين شريعــة الحكمة  والرحمة والإصلاح .

   وأساس الدين هو القرآن الكريم والسنة المطهرة ، بهما تقررت عقائده وأصوله ومنهما استنبطت قواعده وأحكامه ، واليهما يرجع المسلمون في كل شأن من شؤون دينهم ودنياهم .

   تلقى المسلمون الأولون هذا الدين كما أنزله الله ، والتفوا حوله يعتقدون عقيدته ويدرسون شريعته ، ويمضون على سنته وطريقته ، فما كان من نص ظاهر واضح في دلالته ، قاطع في معناه ، اجتمعوا عليه ، ونزلوا على حكمة متوافقين ، وما كان محل نظر وتأمل أعملوا فيه في عقولهم واجتهدوا فيه بقدر وسعهم في دائرة الأصول التشريعية ، والمقاصد التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله . فإذا شجر بينهم خلاف عالجوه بالحجة والإقناع  ، ولم يتجاوزوا به د ائرة العلم والبحث ولم يسمحوا له ـ مهما تباعدت وجهات النظر فيه ـ أن يقطع ما بينهم من الأواصر أو يفسد ما أصلحه الله من القلوب ، بل كـانوا يتبادلون الثقة والمحبة والاحترام ، وربما سأل بعضهم بعضاً عن دليله أو مدركه على ما يقول ، فإذا لقنه واستراح إليه سارع إلى إعلان قبوله و الرضى عنه غير مستكبر على الحق ، ولا متعنت في الخطاب .

   هكذا كان شأن الأمة الإسلامية في أولها ثم عدت عليا بعد ذلك عواد جعلتها تتفرق فرقاً وتقسم طوائف وشيعاً وابتدأت هذه الانقسامات بأواخر عهد الراشدين  ثم ما زالت السياسة والحرب الأهلية تغذيها وتنفخ في نارها حتى تمخضت البلاد الإسلامية عن فرق شتى ، وتشعبت كل فرقة إلى شعب وكان هذا هو الأساس الأول لما عاناه وما يزال يعانية المسلمون إلى الآن ، من تفرق وتنازع وتقاطع وتدا بر .

   وقد كانت المساجد والمجامع والمجالس أندية رأي ونقاش وجدل ، ذهبوا فيها مع الحرية الفكرية والنشاط العقلي إلى مدى بعيد جعلهم يخوضون حتى فيما  نهوا عن الخوض فيه من البحوث العقيمة ، والمسائل التي لا تتصل بها فوائد علمية ، وساعد على اتساع دائرة هذا الجدل امتزاج الثقافات المختلفة والعلوم الجديدة التي جاءتهم من  الأمم الأخرى حين دخل

الناس في دين الله أفواجاً من كل جنس ولون حاملـين معهم قضايا تفكيرهم وأســـــاليب منطقهم وجدالهم .

   ولم تقف الخلافات والآراء عند دائرة المعارف الفكرية الكلامية ، بل شملت الفقه والأحكام التشريعية المستنبطة ، غير أنها لم تكن في هذه الناحية الأخيرة عنيفة ولا مشتطة ، وإنما كانت تجري في هدوء وسكينة ووقار ،  لا يسيطر عليها إلا العلم والحجة والبرهان ، وذلك في عهد الأئمة المجتهدين ، ومن بعدهم من تلاميذهم الذين أشربوا مبادئهم ، وساروا على سنتهم ، فلم نعرف أن أحداً منهم رمى غيره بالخروج على الشريعة ، أو المروق من الدين لخلاف بينه وبينه ، ولم نعرف أحداُ زعم لنفسه أنه هو وحده صاحب الرأي المقدس في  الشريعة ، أو فكر في حمل الناس على ما يراه ، بل كلهم ورد عنه ما يدل على أنه مجتهد قد أتى بما وسعه أن يأتي به ، ويحتمل أن يكون مصيباً وأن يكون مخطئاً ، وأن العمدة في ذلك كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وما ارتضاه المسلمون من قواعد الشريعة وأصولها العامة ، وها هو ذا مالك رضي الله عنه يصرف  أبا جعفر المنصور عما همّ به من حمل الناس على " الموطأ " ذاكراً له أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في الأمصار ، وعند كل منهم علم ، وليس من الرأي أ، يحــمل الناس على كــتاب ما إلا  كتاب الله .

   هكذا كانت ريح الفقه تجري في رخاء ، ولذلك نما وزكا ، وأينعت ثمراته ، ودنت قطوفه ،  ووفىّ أعظم التوفيه بحاجات المسلمين أ/ة ودولة وأفراداً ، وحفظ به التاريخ أعظم تراث فكري في الأحكام التشريعية والمبادئ الإصلاحية التي تقوم معليها الأمم .

   ولذلك أيضا استطاع الفقه الإسلامي أن يقف على عالي الرأس عزيزاً كريماً فلم يغزه يومئذ فقه فارسي ولا فقه روماني ولا فقه يوناني ، على كثرة ما دخل بلاد المسلمين من علوم هذه الأمم وثقافاتهم ، وعلى ما عهد في المسلمين من ترحيب بالنافع من هذه العلوم والثقافات ، وتلقيه بسماحة وحسن قبول .

   ثم جاءت بعد ذلك طبقات من المقلدين والمتعصبين للمذاهب كلّت هممهم عن حمل ما كان يحمله سلفهم من العلم والنظر ، وصادف ذلك عهود الضعف السياسي وانقسام الأمة الإسلامية إلى دويلات صغيرة لا تربطها رابطه ، ولا تجمعها جامعة ، ومن شأن الضعف السياسي ـ إذا أصيبت به أمة ـ أن يخيل إلى أبنائها أنهم اقل من سواهم قوة ، وعلماً ، وتفكيراً ، وأن تركد معه ريح العلم ويفتر نشاط العلماء .

   بهذا وبغيره تأثر أكثر المشتغلين بالفقه ، فحكموا على أنفسهم وعلى جميع أهل العلم في زمانهم بأنهم ليسوا أهلاً للنظر والاستنباط ، ولا لفهم كتاب الله وسنة رسوله ، ومن ثم حكموا بإغلاق باب الاجتهاد ، وترتب على ذلك أن وقف الفقه وجمد ، وأن تعصب كل منهم لأري إمام وزعم أ،ه الحق وأن ماسوا ه باطل ، وأسرفوا في ذلك إسرافاً بعيداً حتى من كان منهم لا يصلي وراء إمام يخالفه في مذهبه ومن لا يزوج ابنته لفلان ، أو يتردد في أكل ذبيحة من فلان ، أو في قبول قضاء فلان ، لمجرد أنه يخالفه في المذهب ، ثم حصروا الأئمة الذين أوجبوا إتباعهم في عدد معين ، وهكذا ضاق أفق الأتباع والأشـياع عما اتسع

له أفق المتبوعين ، وضاقت بهم دائرة الفقه الإسلامي ، وركدت ريحه ، وصّح نباته ، وقلت ثمراته ، وكان من آثار ذلك أن خرج كثير من البلاد الإسلامية عن هذا الفقه عامة ، والتمسوا فقهاً آخر في هذه القوانين الوضعية يحكمون به ، ويجعلونه نظامهم في القضاء والشرائع والمعاملات ، التمسوا فقهاً لم يتقيد بهذه القيود الطارئة ، ولم يحد هذه الحدود المصنوعة ، ومن ثم رأيا القذى في العيون ، والشجى في الحلوق حين رأينا أمم الإسلام تحكم في بلادها بغير فقه الإسلام ومنهاج الإسلام 
   ولكنا قد استطعنا في عهدنا الحاضر ـ ونرجو أن يكون ذلك أولى الخطا في سبيل العودة إلى مجدنا الفقهي التشريعي ـ استطعنا أن نتخلص إلى حد بعيد من آثار هذه العصبيات التي تنكرها الشريعة ، ولا يعرفها الأئمة المجتهدون أنفسهم وأن يسير بعضنا مع بعض على وفاق فلم نعد نسمع خلافاً يؤدي إلى تضارب أو تقاذف أو تراشق بالتهم بين حنفي وشافعي مثلاً ،  وها هو ذا الأزهر الشريف أكبر جامعة إسلامية يدرس فيه فقه الإسلامية الأربعة ، ونرجو الا يكون هناك ما يمنع من دراسة غيرها من مذاهب المسلمين إذا تهيأت له أسباب هذه الدراسة ، وان كلية الشريعة لندرس في العهد الحاضر إلى جانب الدراسات المذهبية دراسات فقهية ، مقارنة لا تتقيد فيها المذاهب الأربعة ، ومما يبشر بالخير أن الاساتذه والطلاب يتلقون هذه الدراسات بإقبال وشغف ، وبروح من السماحة ، ورفض العصبية المذهبية غير ناظرين إلا إلى الدليل ولا باحثين إلا عن الحق .

   إذن فقد انتهت هذه المشكلة أو كادت ، ولم يعد لها خطرها ، ولا ضررها ، ولعلنا نشهد في القريب العاجل إن شاء الله مذاهب إسلامية أخرى يدرس فقهها في الأزهر الشريف كما يدرس فقه الم1اهب الأربعة ، ويومئذ يحق لنا أن نستوفي جهات الفخر برجوع الفقه الإسلامية إلى مجده الأول يوم كانت الآراء المحتكة ، والحجج المتقابلة ، والأدلة ، ووجهات النظر هي مادته وغذاءه وعمدته في التنوير الفكري والوصول إلى الحق ، لا قول فلان ولا رأي فلان .

   إننا لنستبشر خيراً بهذا ، وقد قارنه في نفس العهد إحساس المسلمين بأنه لا ينبغي أن يحكموا بغير شريعتهم ، وتلك هي الصيحات ترتفع عالية من كل جانب ينادي بها المشتغلون بالفقه الإسلامية والمشتغلون بغيره من رجالا لقانتون والقضاء والتشريع أن عودوا إلى فقهكم فانه عونان مجدكم وعزكم ، وقد اعترف بقيمة هذا الفقه وعظيم صلاحيته مؤتمر دول عقد في مدينة لاهاي سنة 1937 م ، حضره ممثلون للأزهر الشريف والحكومة المصرية ، وما كان هذا كله ـ علم الله ـ إلا لأننا نبذنا التعصب فتجلى لنا ما في شريعتنا وفقهنا من روعة وجلال ، ومن قدرة على مسايرة أرقى أنواع الحضارات والمدنيات . هذا هو تاريخ الخلاف في الفقه والتشريع ، بدأ خلافاً علمياً مذهبياً ، فكان بركة وفتحاً مبيناً ، ثم تطور إلى عصبية مذهبية عمياء ، فكان جموداً وركوداً ، وكان سبباً في انسلاخ كثير من الشعوب الإسلامية من تشريعها ، ثم أخذ يعود إلى هدوئه وسنته الأولى ، فاستروحنا منه
روح النهضة والتجدد ، وابتدأنا نلتفت إليه ، ونستعز به ، وننادي بأنه فكرتنا ومنهاجنا في الحياة .

   هكذا كان شأن الفقه ، فإذا كان شأننا في غير هذه الدائرة ؟ ماذا كان شأننا في المعارف الفكرية والقضايا التي آثارها الخلاف الطائفي والكلامي ؟

   لقد بكرت هذه الخلافات على المسلمين منذ أول  الأمر كما قلنا ، وكانت عنيفة حادة ، وكانت في نفس الوقت متلونة بألوان مختلفة تبعاً لما كان يمدها من السياسة والأهواء ، ولما كان يغذيها من الثقافات المختلفة ، وظلت هكذا تتزايد وتقوى وتتسع آفاقها  ويتفاقم شرها ، حتى أصبح المسلمون فرثا شتى وطوائف مبعثرة ، بل أصبحت الأمة الواحدة متشعبة إلى فرق ، والفرقة الواحدة متشعبة إلى شعب ، وكأنهم متقاطعون متدابرون ، ينظر بعضهم إلى بعض كأنهم أرباب أديان مختلفة ، فلا تعاون ولا تزواج ولا تبادل للأفكار ، كل طائفة عاكفة على ما عندها ، متعصبة له ، نافرة عما سواه تعتقد أنها على الحق ، وان ســـواها علــــــــى الباطل ، وإذا تقاربت منها طائفتان أو أكثر في بلاد واحدة احتك بعضها ببعض وهاج بعضها على بعض وكثيراً ما أفضى ذلك إلى سفك الدماء وتخريب البيوت ، وعداوات الأسر والطوائف مما نشهده بأعيننا ، ونسمعه بآذاننا في الحين بعد الحين .

   وساعد على ذلك المستعمرون الذين يهمهم أن تتقطع أسباب المودة ، وعوامل الائتلاف بين المسلمين ليسودوا عليهم في بلادهم ، وليكونوا هم قبلة المختلفين ، والحكم الأعلى بين المتنازعين ، وهكذا طاوع المسلمون هذه الأساليب الاستعمارية الماكرة فزادوا من حدة الخلاف بينهم ، وتراموا بالكفر والفسوق والزندقة والخروج على الدين ، وأمثال تلك الاتهامات الطائشة التي أرثت بينهم العداوة والبغضاء ، وزرعت في قلوبهم الحقد والضغينة وسوء الظن ، وبذلك ساعدوا على أنفسهم ، ومكّنوا لأعدائهم من رقابهم وأوصالهم .

   حدث هذا كله ، وما زال يحدث ، مع أن هذه الخلافات عند كثير من طوائف المسلمين وفرقهم لا ترجع إلى أصول الدين ، ولا تمس العقائد التي أوجب الله الإيمان بها ، والتي بعد الخروج عنها خروجاً عن الدين . ومن الممكن ـ إذا وجدت هذه الفرق من يقرب بينها ، ويدرس أسباب خلافاتها ـ أنتعرض هذه الخلافات عرضاً هادئاً ، دون تأثيرات خارجية ولا تعصبية ، فيتبين الحق فيا ، ويزول كثير من أسباب الجفوة والقطيعة بين أربـــاب الدين الواحد ، و النبي الواحد ، والكتاب الواحد .

من الممكن أن يتقارب المسلمون فيعلموا أن هناك فرقاً بين العقيدة التي يجب الإيمــــــــان
بها وبين  المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أن تمس العقيدة ، ويومئذ يهون الآمر فنجمع على ما نجمع عليه وإذا اختلفنا لم يكن خلافاً إلا كما يختلف أهل المذاهب الفقهية دون خصام ولا اتهام ، ودون توجس واسترابه وسوء ظن ، مما يجعلنا متقاطعين في معاملاتنا ، ومصاهراتنا ، وثقافاتنا .

   يومئذ يعود المسلمون كما كانوا أمة واحدة دينها الإسلام ، وكتابها القرآن ، ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام ، تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتتقبل  الكلام فيما وراء ذلك على أنه آراء يدلي كل بما يراه منها ، دون أن تسئ إلى وحدة المسلمين  أو تكون عاملا من عوامل فرقتهم وضعفهم .

   كان هذا ممكناً  وما يزال ممكناً ، ولا سيما بعد أن اتسع نطاق العقول ، وانتشر لواء العلم خفاقاً ، وأحس المسلمون بضرر ما هم عليه من التفرق والتطاحن ،وبأن هذه الخلافات قد احتسبت خلافات متصلة بأصل الدين وأساس العقيدة ،واتخذت لذلك علامة عند أعداء الإسلام على أن هذا الدين لا يستطيع النهوض بأمة تريد أن تنهض وأن تتخذ لها مكانة بين الأمم .

   لقد كان من نتائج هذا الاضطراب في الأفكار والمعارف الدينية ، وتكفير كل طائفة للأخرى أو اعتدادها بآرائها على أنها هي الحق وما سواها هو الباطل ، وأن من خرج على شئ مقدس ومرق أو تزندق أو تطرف . كان من آثار ذلك مثل ماكان من آثار الركود الفقهي حين خرجت الأمة الإسلامية عن فقها إلى ماسواه ، ذلك أن كثيراً من الشباب يخرجون على هذا التراث الفكري عامة ، ويجنبون أنفسهم مشقاته وأهواله ويبتعدون عن أخطائه ومن الفقه


ومغبة البحث فيه حذراً أن يضلوا في مجاهله ، أو يصيبهم رشاش من التكفير أو التفسيق ، فنراهم يتجاوزون هذه الثقافات الفكرية الإسلامية ، غير مميزين بين غثها وسمينها إلى غذاء على آخر لأرواحهم وعقولهم في المعارف الفكرية الأجنبية ، يتلقفونها من علماء الغرب ومفكريه ومستشرقيه والمأخوذين به ، ويعتقدونها هي العلم الصحيح ، والغذاء المفيد ، والآراء الصالحة للحياة .

   ولقد رأينا هذه النزعة الخطيرة تستولي على شبابنا وكثير من مفكرينا ، وتتغلغل في أعماق نفوسهم ، وتسيطر على أفكارهم وعقولهم ، وتعمل عملها دون أن يشعروا أو تشعر الأمة بما لها من إيحاءات خفية ، وضرر يسري كالسم الزعاف في أناه ومثابرة حتى يهلك أو يقارب ، ومن شأن هؤلاء أن يهون عليهم تاريخهم ، وتصغر في أعينهم ثقافتهم ، بل أن
يصبح دينهم غير عزيز عليهم ، ولا أثير لديهم ، وربما مقتوه ، وفروا منه ، وتباهوا بأنهم علوا عنه ، وارتفعوا بأنفسهم عن مستواه .

   هذه بعض أخطار التفرق الذي مني به المسلمون ، أضعفتهم وأطعمت فيهم أعدائهم ، بل سلطت عليهم هؤلاء الأعداء يسومونهم الخسف والذل وسوء العذاب وهونت من شــأن ثقافاتهم ، وجعلت العزة والسلطان لغيرهم ، وإنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .

   من الممكن أن نتلافى  هذة الأخطار ، وأن يجنب المسلمون شرها وضررها إذا تعاونت القلوب وتآزرت الجهود ، ونسيت العصبيات ، ورجعنا جميعاً إلى الحق ننشده مخلصين .

   إن حوالي أربعمائة مليون من المسلمين منبثين في بلاد الله شرقاً وغرباً ، لم يؤتوا من قلة ، ولم يؤتوا من فقر في عقولهم ، أو في بلادهم ، أو في استعدادهم ، أو في ثرواتهم الطبيعية ، ولقد شهد التاريخ كيف كانوا أقل من ذلك عدداً ، وأقل من ذلك مالاً وثروة وخصباً ، ومع ذلك سادوا وشادوا ، ولفتوا إلى علومهم وأفكارهم ومدنيتهم أهل الزمان ! .

   فالمسألة إذن ترجع إلى هذا التفرق والتقاطع ، إلى هذا الفقر الطارئ على النفوس والهمم والعزائم ، وقد انتبه إلى ذلك كثير من أهل العلم والفكر من المسلمين في عهود مختلفة ، وكانت صيحاتهم تنبعث في الحي بعد الحين ، عالية طوراً وطوراً خافتة ، ينادون أمتهم أن تنتبه إلى هذا المرض الخطير ، وألا قضي عليك القضاء الأخير .

   ولكن هذا كله ـ مع شديد الأسف ـ لم يتجاوز حدود الأمل الذي يساور النفوس ، أو القول الذي تجري به الألسنة والشفاه ، ولم تتخذ خطوات عملية مثمرة لتنفيذه حتى كاد الناس ييأسون من شفاء هذه  الأمة ، ويتوجسون أن يدركها بسبب هذا الداء الوبيل موت نهائي بعد أن ألحت عليها العلة حتى أضعفتها وبرتها !.

   ولكن الله ـ جلت حكمته ـ أرحمن من أن يترك الأمة المحمدية لهذا المصير الفاجع ، وهي خير أ/ة أخرجت للناس ، نعم أنها أساءت إلى نفسها ، وخرجت عن دائرة دينها ، وغيرت وبدلت وأعرضت ، إلا أنها ما تزال أمة القرآن ، وأمة خير الأنبياء عليهم الســــــلام ، وإن

القرآن الذي أنقذ المسلمين وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، وجمع بينهم ، وألف بيــــن  قلوبهم ، وقد كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها ، وجعلهم سادة العالم وقادته ، لهو جدير بأن ينقذهم مرة أخرى ، وبأن يرفعهم من وهدة خلافاتهم وتطاحنهم ، وقد أنبأنا الصادق  الأمين عليه الصلاة والسلام بأنه ما تزال طائفة أو طوائف من أمته على الحق لا يضرهم من خرج عنهم إلى يوم القيامة ، وأن الله يبعث في الحين بعد الحين إلى هذه الأمة من يجددها ويسددها ويهديها بفضله إلى سواء السبيل . 
   لعلنا نلمح نور هذا الفجر المنتظر يشع على العالم الإسلامي ، لعلنا ننتظر هذا التجديد الموعود به في هذا العصر الذي تنبه فيه الغافلون ، واستيقظ النائمون ، لعلنا نلتمس أن تبزغ هذه الشمس في مصر والعالم الإسلامي بعد أن طال احتجابها عن المسلمين .

   نقول ذلك ونحن نقدم جماعتنا هذه ، جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي رزح تحت أثقال التفرق أجيالاً بعد أجيال ، وقروناً تطاول عليها الأمد ، فنبشر المسلمين بعهد جديد نرجو أن يكون بدءاً لانقشاع سحب الخلاف من جوهم ، ونرجو أن تكون الخطوات فيه إلى هذا الغرض الشريف سريعة موفقة إن شاء الله .

   وقد ألفت هذه الجماعة في مصر حاضرة الإسلام ، وملتقى أفكار المسلمين ، ونهضاتهم ، ومشرق شمس الأزهر الشريف ، تلك الجامعة العلمية الإسلامية التي تهوى إليها أفئدة من الناس في مشارق الأرض ومغاربها ، على أن تكون لها فيما بعد فروع في شتى البلاد ، ومختلف البقاع ، وتسير على نهجها ، وتخدم فكرتها ، وتعاون على جمع كلمة المسلمين بكل ما تستطيع من أنواع المعاونة .

   وإننا ـ حين نعلن في العالم الإسلامي نبأ تأليف هذه الجماعة ذات الغرض الأسمى ـ لنرجو من كل مسلم أن يتقبلها بقبول حسن ، وأن يضم جهده إلى جهود أعضائها ، وأن يبث فكرتها ويعمل على تحقيق غايتها ، نرجو ذلك من كل أمة وطائفة وجماعة وفرد ، ونرجوه من كل من يؤمن بالقرآن ، ويعتقد برسالة محمد عليه الصلاة والسلام ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .

   على بركة الله إذن تتقدم هذه الجماعة إلى العالم الإسلامي ، وتعلن بادئ الأمر أنها ذات أغراض دينية اجتماعية فقط ، كما جاء في قانونها الأساسي ، ذلك القانون الذي اتفق عليه أعضاؤها المؤسسون ، وهو العهد بيننا وبين المسلمين ، في ظل الإسلام ، وتحت راية القرآن ،

من مختارات الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...