النفط في أسبوع

06-08-2006

النفط في أسبوع

برز بشكل لافت في الأسبوع الماضي، في خضم الأنباء عن العدوان الاسرائيلي على لبنان والصراع الدموي في العراق، خبر النفط في كلا البلدين.

ففي لبنان، وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الحرب والحصار الجوي والبحري والبري، تصدّر خبر إمدادات المنتوجات البترولية الأنباء الاقتصادية في البلاد. فمن دون إمدادات جديدة من الفيول اويل والديزل والبنزين تتوقف الحياة العامة للناس نتيجة توقف الماء والكهرباء والمواصلات والعمل.

وعند بدء الحرب، في 12 تموز (يوليو) الماضي، صدرت تصريحات رسمية ونقابية وصناعية تطمئن الرأي العام مفادها أن هناك منتوجات بترولية كافية لمدة شهر. وبالفعل، استطاع السكان خارج منطقة القصف والحرب من استهلاك الوقود في شكل طبيعي تقريباً.

فالازدحام في المواصلات انتقل من بيروت الى المدن الجبلية نظراً لانتقال كثير إليها، وانخفض معدل استهلاك البنزين بسبب القضاء على الموسم السياحي الذي كان في أوج ازدهاره. كما ان انقطاع الكهرباء لساعات معينة يومياً هو شيء طبيعي في لبنان، كما هو في دول عربية أخرى، تعوضه المولدات المنتشرة في أنحاء البلاد، ناهيك عن إقفال مئات المصانع والمكاتب بسبب الحرب ومن ثم انخفاض الاستهلاك عموماً، ما خفف الضغط على شبكة الكهرباء العامة.

لكن فجأة، ومع بداية الأسبوع الماضي، بدأ التهافت على محطات البنزين، صاحبه انقطاع أطول من المعتاد للتيار الكهربائي. وبدأ المواطن يخزن كميات إضافية من البنزين، ويعمل على إبقاء السيارات والمولدات الخاصة معبأة بالوقود بشكل مستمر، مع مخزون إضافي تحسباً للأسوأ.

وعلى رغم استمرار التطمينات الرسمية والصناعية والنقابية عن توفر كميات كافية، بقي الكلام في العموميات من دون أي تفاصيل أو بإعلان أرقام متباينة. ولا ندري كيف يكون الأمر مطمئناً، مع مرور ثلاثة أسابيع، هذا إذا أخذنا في الاعتبار التصريحات في بداية الحرب بأن مخزون الوقود يكفي لشهر كامل، وأن بعض الخزانات الثانوية قد قصفت، وأن كميات من الوقود متوافرة في خزانات يصعب استعمالها احترازاً من القصف الجوي الإسرائيلي.

فإلى ان تصل الإمدادات الجديدة من طريق البحر، وبوساطة من الأمم المتحدة أو دول أجنبية مع إسرائيل، التي وضعت شروطاً قاسية وباهظة التكاليف على أصحاب الناقلات، سيستمر العد العكسي لهذه المأساة التي تضاف إلى المآسي الأخرى التي يعانيها الشعب اللبناني. والحقيقة، كما قال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لإذاعة «بي بي سي» الخميس الماضي، هناك من الوقود ما يكفي لأسبوع واحد فقط.

أما في العراق، فإلى جانب الوضع المعتاد من شح البنزين وانقطاع الكهرباء لأكثر من ثلاثة أعوام، صدرت عن وزير النفط حسين الشهرستاني تصريحات غريبة الأسبوع الماضي. فقد صرح أنه، نتيجة لزيارته الأخيرة الى واشنطن التي رافق فيها رئيس الوزراء نوري المالكي، واجتمع خلالها مع الشركات النفطية، فإن هذه الشركات أبدت استعدادها للعمل في العراق على رغم الوضع الأمني. وأضاف أن بغداد مستعدة للتفاوض والتعاقد مع الشركات المهتمة حتى قبل ان يوافق البرلمان على قانون النفط الذي ينظّم استثمارات الشركات الأجنبية البترولية.

طبعاً لا حاجة إلى الإشارة هنا إلى تردي الوضع الأمني في البلاد. ودوّن ذلك رسمياً الأسبوع الماضي كلُّ من السفير البريطاني قبيل انتهاء مدة عمله والقائد الأميركي جون أبي رزق في شهادته أمام الكونغرس، وحذرا فيها من دون أي لبسٍ أو غموض أن العراق في طريقه الى حرب أهلية طائفية، وليس نحو الديموقراطية. هذا ناهيك عن أخبار الفلتان الأمني في البصرة، مقر الصناعة النفطية للبلاد، من قصف بالصواريخ على القنصلية البريطانية، والمطار، وأعمال النهب والسرقة على الطرق العامة.

وعلى رغم الآمال التي يعقدها الخبراء العراقيون في تطوير الصناعة النفطية واستغلال هذه الثروة الطبيعية بأقصى طاقة متاحة، لا يمكن تصور دعوة مسؤول عراقي الشركات الدولية الى الاستثمار في البلاد، على رغم حجم الاحتياط المتوافر، في غياب سياسة نفطية شفافة أو قانون هيدروكربوني صادق عليه البرلمان، وفي ظل التدهور الأمني والاحتمال الوارد جداً في قتل أو خطف الموظفين والعمال الأجانب، كما يحصل يومياً للعراقيين. ونشك أن تلبي شركة نفطية أجنبية كبرى دعوة الوزير، على رغم الاغراءات المالية، في ظل هذه الظروف القاتمة. فهم أدرى بما يحصل على الأرض ولهم أنظمة وقواعد أمنية لحماية موظفيهم ومصالحهم من الصعب خرقها.

لكن الخوف هو أن تقوم بعض الشركات المغمورة في انتهاز الفرصة، والتفاوض والتوقيع على عقدٍ مغرٍ، ومن ثم تعتكف عن العمل بحجة الوضع الأمني. وهذا أسوأ ما يمكن أن يحصل للعراق. فهو بالضبط ما حصل عندما وقّع النظام السابق مع شركة «لوك أويل» الروسية على عقد تطوير حقل غرب القرنة العملاق من أجل كسر الحصار، ولكن لم تفِ الشركة بعقدها. إلا أنها تطالب بحقها في الحقل وبهذا تمنع أي شركة أخرى من تطويره ومن ثم تضيّع الفرصة أمام العراق في استغلاله في المستقبل المنظور.

إن الأولوية في العراق ليست الهرولة نحو الشركات الأجنبية. فهي ستستثمر في الصناعة النفطية العراقية في الوقت المناسب، وهذا الوقت يحين عندما يحل الوفاق الوطني بين أبناء الشعب العراقي وفي ظل استتباب الأمن، وليس قبل ذلك.

وليد خدوري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...