حرب الفتاوى

09-08-2006

حرب الفتاوى

لم يلبث لهيب الحرب الدائرة الآن على أرض لبنان الشقيق أن اشتعل إلا وبدأت حرب أخرى بين الشعوب العربية التى تشهد حالة من الغليان بفعل الجرائم اللا إنسانية التى ترتكبها إسرائيل بالمدنيين اللبنانيين الأبرياء العزل من السلاح. هذه الحرب لم تتخذ من البنادق والرشاشات أسلحة لها وإنما لجأت إلى سلاح أكثر فتكا وأكثر سرعة فى تحقيق أغراضه ألا وهو الدين.

فبمجرد بدء الحرب، بدأ موسم جديد من الفتاوى التى تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بعض هذه الفتاوى اعتمد على الخلط المتعمد بين الدين والمصالح السياسية، والبعض الآخر اعتمد على قناعات أصحابها الفكرية أكثر مما اعتمد على أسانيد شرعية. هذه الفتاوى أحدثت نوعا من الانقسام المبكر داخل الصف العربى والإسلامى الذى من المفترض أن يكون موحدا فى مثل هذه الظروف. أولى هذه الفتاوى كانت تلك التى أصدرتها هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر السعودية، والتى حرمت فيها تقديم الدعم إلى حزب الله اللبنانى فى حربه ضد العدو الصهيونى، لأنه حزب شيعى، وبالتالى لا تجوز مساندته. الأمر الذى رفضه علماء المسلمين بالإجماع المؤيدون والمناصرون لحزب الله والرافضون للتعصب المذهبى، الذى يثير الفرقة والفتن بين المسلمين فى وقت هم فى أمس الحاجة إلى الوحدة والتضامن.

كان رد مفتى الديار المصرية هو الأسرع، حيث أكد فى أكثر من حديث أنه: «إذا كان الدفاع عن الوطن إرهابا فإذن نحن جميعا إرهابيون». الفتوى اتهمها الكثيرون بأنها تخدم مصالح سياسية وليست مبنية على أسس فقهية سليمة. وفى مقدمة الذين تصدوا للهجوم على هذه الفتوى جماعة الإخوان المحظورة التى انتهزت الفرصة لتكسب فيها مزيدا من التأييد الشعبى، إذ سرعان ما نددت وهاجمت كل ما جاء فى الفتوى السعودية، ولا مانع من إظهار مساندتها وتأييدها القوى لحزب الله الذى يمثل المقاومة الإسلامية بلبنان. إلى جانب الفتوى السابقة ظهرت فتوى أخرى مثيرة للجدل أطلقها الداعية «د. صفوت حجازى» عبر إحدى القنوات الفضائية، وفقا لما نقلته إحدى الصحف، فإن هذه الفتوى تدعو لقتل كل يهودى إسرائيلى سواء داخل فلسطين أو خارجها، لأنه فى النهاية صهيونى. وفى اتصال هاتفى مع «د. صفوت حجازى» الموجود حاليا بمكة، أكد أن الفتوى صحيحة، ولكنه أجل الحديث عنها لحين عودته إلى أرض الوطن. الموسم شهد أيضا عودة نجم من نجوم الدعوة خفت بريقه خلال الشهور القليلة الماضية، ألا وهو الداعية الشاب «عمرو خالد» الذى لم يشأ أن ينتهى الموسم دون أن يؤكد تواجده واستمراريته خاصة بعد الصدام الذى حدث بينه وبين جمهوره بسبب خروجه على الإجماع الشعبى وذهابه إلى «الدنمارك» عقب أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو ما فسره الكثيرون حينها بأنه نوع من البحث عن الشهرة.

لقد دعا «عمرو خالد» من خلال بيان صحفى الجيوش العربية بالتحرك لنجدة لبنان الشقيق وهو الأمر الذى اعتبره البعض كلاما غير مسئول وغير مبنى على أسانيد منطقية. ناقشنا هذه الفتوى مع «د. عبدالمعطى بيومى» - عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية - والذى اعتبر الفتوى الصادرة عن هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر «السعودية» «هراء وكلاما فارغا»، لأنها وببساطة لم تستند إلى كلام شرعى سليم، وإنما استندت إلى أن «حزب الله» شيعة والشيعة مختلفون عن أهل السنة، وبالتالى لا تجوز مناصرتهم، وهو أمر غير صحيح لأن الشيعة مؤمنون ومسلمون خاصة أنهم فى جنوب لبنان من الإمامية الاثنا عشرية، ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالرغم من الاختلافات البسيطة بينهم وبين أهل السنة، إلا أن هذا لا يعنى أنهم غير مسلمين.

ويرى «د. عبدالمعطى بيومى» أن هناك أمرا آخر مهما يجعل من الفتوى السعودية هراء، أن حزب الله الذى يحارب فى جنوب لبنان يعانى من الظلم، ونصرة المظلوم واجبة فى الإسلام الذى يعلمنا أن العدل قيمة من القيم الإنسانية التى يجب أن يتحلى بها المسلمون. وفيما يتعلق بفتوى «د. صفوت حجازى» يقول «د. عبدالمعطى بيومى»: يبدو أن الأمر اختلط عليه، لأنه على الرغم من أن إسرائيل تقتل المدنيين، وهذا يعنى بالطبع جواز الرد عليهم بقتل المدنيين هناك، إلا أنه لا يعنى قتلهم خارج الدولة الصهيونية أو فى أى مكان خارج الدولة الباغية، لأن ذلك يعتبر قتلا خارج ميدان الحرب، كما أن هذا الشخص الذى نقتله قد يكون معترضا على ما تفعله إسرائيل بقتلها للمدنيين، والإسلام فى النهاية يحرم القتل بالظن.

وبالنسبة لبيان «عمرو خالد» يقول «د. عبدالمعطى بيومى»: يسمح لهؤلاء الناس بالدعوة فيظنون أنهم دعاة فيفتون بغير علم، خاصة أن المسألة التى يتحدث عنها «عمرو خالد» تحتاج لدراسة ولاستراتيجيات متكاملة.. وكم من تجارب حربية دخلتها الجيوش العربية وخرجت منها مهزومة لأنها لا تملك العتاد الذى تملكه إسرائيل ولأن أمريكا وهى الدولة المحاربة وليست إسرائيل تحرص على تسليح هذه الدولة الباغية بأحدث الأسلحة. التى لا تملكها الدول العربية كذلك فإن الجهاد الإسلامى الذى يمثله حزب الله والذى يتبع أسلوب الحروب غير التقليدية هو الحل الأنسب الآن وليست الحروب المنظمة.. وبشكل عام فإن هذه المعركة وإدارتها الكلام فيها ليس للدعاة أو للهواة حتى لا نجلب الهزيمة للجيوش العربية مثلما حدث فى الماضى وكفانا ما ذقناه من قبل من عار الهزيمة. أما د. آمنة نصير -العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- فتقول: فيما يتعلق بفتوى السعودية، فإن الرجل الذى أفتى مثل هذه الفتوى لا يعرف أبجديات علم العقيدة ولا يدرك مستوى ولا مسئولية السياسة كما أنه لم يحسن كمفتى، بتفريقه بين الشيعى والسنى، وهو تفريق لا أساس له فى العقيدة خاصة أن كليهما يعبد ربا واحدا ويقرأ قرآنا واحدا ويتجهان لرب واحد.

كما أننا لسنا فى مرحلة من الترف الإعلامى، لنسمع فيها مثل هذا الكلام، واختيار الكلام والمقولات المناسبة فى الوقت المناسب فراسة يجب أن توجد لدى كل من يتصدى للفتوى. وفيما يتعلق بفتوى د.صفوت حجازى تقول د.آمنة نصير : هذا شخص لا يمتلك فراسة لأن فراسة القول هذه قصة يجب أن يتعلمها كل من يتصدى للخطاب الدينى.. لكن «هل نمتلك هذا بالفعل»؟ إذا كان هناك من لديه القدرة على أن يفعل هذا «إيدى على كتفه».. أما د.سعاد صالح -عميد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية- فترى إن فتوى «عمرو خالد» كلام منطقى بل واجب علينا، فيجب فتح باب التطوع للجهاد ليس فقط على مستوى البلاد العربية بل الإسلامية أيضا، وهذا بالطبع بالإضافة إلى التطوع فى كافة المجالات الأخرى سواء كانت من خلال التبرع بأموال أو أدوية أو غير ذلك.. وتساءلت د.سعاد صالح: ما فائدة الجيوش العربية والأسلحة التى تشترى بملايين الدولارات.. هل يتم التحفظ عليها فى المخازن إلى أن تفقد قيمتها؟

فهناك فئة قليلة تحارب من أجل كرامة المسلمين لذا يجب نجدتها ونصرتها. بينما رفضت د. سعاد صالح فتوى د.صفوت حجازى لأن الذين يجوز قتالهم هم الذين يقاتلوننا ويكون القتال ردا على القتل بالمثل. استنادا إلى الآية الكريمة التى تطالبنا بقتال من يقاتلوننا فقط. أما النساء والأطفال والشيوخ الذين لا يقاتلوننا فضلا عن أنهم خارج بلاد الكفر التى تقاتلنا وبالتالى لايجب إطلاقا قتالهم بل الواجب صيانة دمائهم كواجب إنسانى. وبالنسبة لفتوى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر السعودية أكدت د.سعاد صالح رفضها التام لها شكلا وموضوعا لأنها لا تقوم على دليل شرعى فى السنة والقرآن بل على العكس تخالفهما، فهناك الآية التى تقول: «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».. وهذه الآية تفيد وحدة الأمة الإسلامية لاختلاف مذاهبها وانضوائها تحت مقولة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وهو الركن الأول من أركان الإسلام.. خاصة أن الاختلافات التى بين السُّنة والشيعة هى مجرد اختلافات فى فروع فقهية ولكنها لا تخرج الشيعة عن التطبيق لأركان الإسلام. وأكدت د.سعاد صالح أيضا على أن الصهاينة أعداء الإسلام والذين احتلوا أراضى المسلمين وسفكوا دماءهم وهتكوا أعراضهم هم الذين يستحقون قطع الموالاة والتعامل معهم.

المصدر:روز اليوسف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...