عن الفقراء و المجازر

07-11-2009

عن الفقراء و المجازر

يحاول الإعلام الذي يعبر عن القوى السائدة أن يجعل من محاكمة كارادزيتش تبدو و كأنها مركز الممارسة السياسية في العالم , لكن تواقت هذه المحاكمة مع إطلاق سراح نائبته السابقة و شريكته في المجازر التي قتل فيها الآلاف أكثر من مجرد مصادفة . لا يدل هذا إلا على السهولة التي يمكن فيها للقتلة أن ينجو بفعلتهم أكثر مما يعني أنه قد أصبح من الممنوع قتل البشر البسطاء هكذا دون عقاب . في كل مكان وصل جنون الموت إلى حد المجزرة , ترسل السلطة في باكستان و اليمن دباباتها و طائراتها لتقصف أي منزل و أية بقعة تراها "خارجة عليها" بكل ما فيها من بشر , و يرد من يسمي أنفسهم الجهاديون بقصف البشر أيضا و لو كنتيجة ثانوية لقصف مؤسسات السلطة التي تعتبر السجون و آلات الموت تلك من أهمها , المستوى الجنوني الذي وصلته الحرب على الإرهاب أو الحرب المقدسة ضد الصليبيين يذكر بالحربين العالميتين أو تلك الحروب المجازر التي يصبح فيها القتل ممارسة يومية جماعية و معمدة بالمقدس , الوطني تارة و الديني تارة , في الحقيقة يمكن استخدام أي مقدس كوقود لهذه المجازر . الموت المجاني قد يكون حقيقة محلية في صعدة أو بيشاور , لكن هناك حقيقة جرت عولمتها في كل مكان , و هي أنه اليوم لا يوجد مكان آمن للفقراء على هذه الأرض . في الحقيقة ما حققته العولمة هو ملاحقة الفقراء و محاصرتهم و الإمعان في إفقارهم , فالسياسات النيو ليبرالية لم تذهب دون أن تذهب ببيوت ملايين الأمريكان و مدخراتهم , في ضربتها الأخيرة , على ما يبدو , لكن السياسات النيو ليبرالية لم تفعل إلا أنها فاقمت المشكلة إلى حدود غير مسبوقة . و لأن الليبرالية تعبر عن عبادة القوة و المال فإنها لا تعتقد أن ملايين الأمريكان أو الأوروبيين الذين فقدوا بيوتهم و وظائفهم يستحقون المساعدة , بينما تضخ تريليونات الدولارات و ما شابه في خزائن الشركات التي دمرت حياة الملايين "في مقابل" بعض الحد من سطوتها المطلقة على حياة الناس و نهبها المنفلت , هكذا يعاقب النظام الشركات الفاسدة على فسادها و يكافئ الناس على سذاجتهم . أما تلك الحقيقة المعولمة فهي أنه لا يوجد اليوم أي مكان آمن يمكن للفقراء أن يلجئوا إليه هربا من العوز و الحاجة . حتى الهروب إلى أوروبا أو الخليج لا يعني أكثر من أن الحياة على الهامش هناك هي أفضل بما لا يقاس من الحياة على الهامش في بلادهم الأصلية , فعلى الأقل يمكن هناك استبعاد الجوع الفعلي أما تهديدات العنصريين أو المعاملة السيئة , التي تصل في بعض الأحيان إلى درجة العبودية الحقيقية , فهي تصبح جزءا عاديا من الحياة اليومية , جزءا من المعاناة اليومية , التي تقابل الكفاح اليومي في سبيل لقمة الخبز في بلده حيث حولت الخصخصة النيو ليبرالية غالبية حصة الناس من الدخل الوطني , أي من إنتاجهم , إلى جيوب أقارب و أصدقاء الديكتاتور الحاكم . لا يجب التسرع باتهام النيو ليبراليين بأنهم هم من يخرب هذه الأرض , كل ما فعلوه هو أنهم قد فاقموا على طريقتهم الخاصة التدمير المنتظم الذي مارسته الطبقات السائدة على الدوام لحياة الناس البسطاء , أنهم قد بالغوا بنهب إنتاج الناس لصالح الأقلية التي تدعي أحقية ملكيتها لكل شيء في هذا العالم أنتجته الطبيعة أو أنتجه البشر نفسهم الذين يستغلونهم , يشبه هذا "التغيير" ما جرى مؤخرا في مصر , فقبل عدة سنوات شب حريق في إحدى القطارات المتوجهة إلى الصعيد ليحترق الكثير من الفقراء في عربات ذلك القطار , استقال الوزير المسؤول يومها أو "أقيل" , قبل أيام ماتت دفعة جديدة من الفقراء في تصادم قطارين في العياط , مرة أخرى استقال الوزير الجديد أو "أقيل".

مازن كم الماز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...