ثقافة العداء للمهاجرين

16-08-2006

ثقافة العداء للمهاجرين

هذا الكتاب سهل الأسلوب خطير المضمون موجه بالأساس للشعب الأميركي، ولكنه في ذات الوقت يحتوي على أفكار ومعلومات عديدة وهامة تتعلق بالمهاجرين المسلمين والعرب بأميركا وموقف الأميركيين منهم.

وهو من تأليف ميشيل واكر وهي باحثة وصحفية أميركية متعاطفة مع المهاجرين، وهو صادر عن مطابع بابليك أفاريز وهي مطبعة أميركية تتميز بنشر كتب جادة سهلة الأسلوب تمس أهم القضايا المثارة لدى الرأي العام الأميركي من منظور متوازن بين اليسار واليمين.

وهذا يعني أن ما تنشره المطبعة من كتب يستحق المتابعة، خاصة وأن المطبعة لا تصدر سوى عدد محدود من الكتب الجديدة كل عام مقارنة بالمطابع الأميركية الكبرى.
خطورة مضمون الكتاب تكمن في أنه يثبت عبر صفحاته أن كثيرا من الأفكار الرئيسية المنتشرة لدى الأميركيين -بما في ذلك المثقفون منهم- عن الهجرة، هي أساطير كبرى خطيرة.

وعلى رأس هذه الأساطير الأسطورة القائلة إن موجات الهجرة الأوروبية إلى أميركا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانت أكثر قابلية للاندماج بالمجتمع الأميركي، مقارنة مع الهجرات الحالية بحكم الخلفية الأوروبية لمهاجري أوائل القرن العشرين.

وتذكر مؤلفة الكتاب بفصله الثاني، أن 63% من الإيطاليين الذين هاجروا إلى أميركا بالفترة ما بين عامي 1902 و1923 عادوا إلى بلادهم، إضافة إلى نسبة 46.5% من النمساويين، و48% من الفرنسيين، و46% من اليونانيين.

وتتحدث واكر بإسهاب في الفصول من الأول وحتى الثالث عن حياة المهاجرين الأوروبيين إلى أميركا أوائل القرن العشرين وكيف أنها لم تكن حياة سهلة بأي مقياس من المقاييس، وكيف تعرض هؤلاء المهاجرون لتمييز مستمر بحكم أنهم قادمون من بلاد جنوب وشرق ووسط أوروبا التي كان ينظر إليها في أميركا من قبل الطبقات الأميركية الإنجليزية والألمانية المسيطرة على أنها شعوب أقل ذكاء وكفاءة.

وهذه النظرة عبر عنها كبار القادة الأميركيين بما في ذلك رؤساء أميركا أنفسهم كوودرو ويلسون الذي ذكر في إحدى المناسبات "أن المهاجرين من جنوب إيطاليا والنمسا وبولندا هم أقل الطبقات البشرية لما يفتقرون إليه من ذكاء ومبادرة".

إضافة إلى التمييز، عانى هؤلاء المهاجرون من البعد عن بلادهم والشوق لشعوبهم وأوطانهم في ظل بعد المسافة وبطء وسائل الاتصال والمواصلات، لذا عاد 36% من المهاجرين الذين هاجروا إلى أميركا بين عامي 1901 و1920 إلى أوطانهم.

كما عمدت أعداد كبيرة من المهاجرين إلى البقاء في أميركا فترة قصيرة لجمع الثروة لكي يرسلوها لأوطانهم الأم.

ففي الفترة من 1900 إلى 1906 أرسل المهاجرون حوالات بريدية تقدر بحوالي 12.3 مليون دولار من نيويورك إلى أوطانهم الأم، وهي كمية هائلة من الأموال في ذلك الوقت.

في المقابل توضح المؤلفة بالفصل الثالث أن نسبة المهاجرين الذين عادوا إلى أوطانهم من بين المهاجرين الذين دخلوا أميركا بين عامي 1971 و1990 لم تتعد 23%، وهي نسبة أقل بـ 13% من مهاجري أوائل القرن العشرين.

أضف إلى ذلك أن مهاجري الفترة الحالية أعلى من حيث المستوى التعليمي وأكثر رغبة في الاندماج والتأقلم مع الحياة الأميركية بحكم قدرتهم على تعلم اللغة الإنجليزية، وقدرتهم على التواصل مع شعوبهم من خلال وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة مما يقلل شعورهم بالغربة.

الأسطورة الثانية التي يتحداها الكتاب هي القائلة إن الثقافة الأميركية هي في جذورها ثقافة أنجلو سكسونية، وهنا تقول المؤلفة ميشيل إن الأميركيين نسوا ما حدث خلال الحرب العالمية الأولي.

فأميركا تتذكر حاليا معاناة الأجانب كاليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ولكنهم نسوا معاناة الألمان خلال الحرب العالمية الأولى.

وتذكر المؤلفة في مقدمة الكتاب أن المطابع الألمانية بأميركا كانت أكثر عددا من نظيراتها الإنجليزية حتى الحرب العالمية الأولى.

وتقول بالفصل الثاني إن سبب تردد أميركا في دخول الحرب العالمية الأولى، هو مواطنوها الألمان الذين فضلوا الحياد حتى لا تحارب أميركا بلدهم الأم في مقابل الأميركان الإنجليز الذين طالبوا بدخول الحرب مساندة لبريطانيا.

وعندما مالت الكفة لصالح الأميركان الإنجليز كان ذلك نتيجة لدخول أميركا لمرحلة عرقية وإثنية جديدة شهدت تضييقا شديدا على حقوق أصحاب الأصول الألمانية –من مواطنين وأجانب– داخل أميركا، إذ انتشرت جرائم الكراهية التي يشنها الغوغاء والمتحيزون ضد الألمان.

ومنعت بعض الولايات الأميركية الألمان من التجمع ومن الحديث بلغة غير الإنجليزية، كما انتشرت الشائعات -بدعم من الحكومة الأميركية أحيانا لمواجهة الدعاية الألمانية- عن الألمان حتى ليدعي بعضها أن الألمان يحولون الجثث إلى صابون ويقتلون الأطفال الرضع.

ووصل الأمر إلى صدور قوانين تحد من حركة وحريات البالغين الألمان وتفرض تسجيل المئات منهم لدى السلطات الأميركية، وانتهى الأمر باعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني في معسكرات اعتقال تتفشى فيها الأوبئة والأمراض حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

وهنا تظهر إحدى أهم مزايا الكتاب الراهن، إذ تستخدم المؤلفة منهج المقارنة التاريخية لكشف معاناة المهاجرين إلى أميركا خلال الفترة الحالية من خلال مقارنتها بمعاناة المهاجرين أوائل القرن العشرين.

وتوضح واكر في أكثر من موضع من الكتاب التشابه في المرحلتين، خاصة على مستوى الظروف العالمية، ففي أوائل القرن العشرين –كما هو الحال حاليا– مر العالم بدرجة غير مسبوقة من درجات العولمة تمثلت في تغير أدوات الإنتاج وانتشار التصنيع في أميركا وهجرة الملايين إليها للعمل في اقتصادها العملاق في وقت مرت فيه أميركا بتغيرات اقتصادية واجتماعية ضخمة بسبب تغير نمط الإنتاج.

ولما طغت الدعاوى الثقافية على الحقائق الاقتصادية ورفض الأميركيون التعامل مع الحقائق والتحديات الاقتصادية والإنتاجية التي تواجههم، مفضلين الانخراط في دعاوى الفروق الثقافية والعرقية والتمييز ضد الأجانب، كان ذلك إيذانا بدخول أميركا والعالم مرحلة كساد ضخمة ومدمرة.

فلما أغلق الأميركيون أبوابهم أمام العمال والبضائع الأجنبية عاملتهم دول العالم بالمثل، مما قاد تدريجيا إلى الكساد الكبير الذي ضرب الاقتصاد الأميركي بشدة أواخر العشرينيات من القرن العشرين.

كما ساعدت العزلة الأميركية الدولية على صعود النازية والفاشية، والتحضير تدريجيا للحرب العالمية الثانية.

تتحدث المؤلفة باستفاضة بالفصل الرابع عن ثقافة العداء للمهاجرين التي انتشرت بأميركا خلال النصف الأول من القرن العشرين والتي قادت إلى اعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني خلال الحرب العالمية الأولى، وإلى اعتقال أكثر من مائة ألف ياباني خلال الحرب العالمية الثانية، وإلى إغلاق أبواب أميركا أمام المهاجرين للعمل واللاجئين هربا من الاضطهاد على حد سواء.

وتقول واكر إن هذه الثقافة ناقضت المعني الحقيقي لأميركا كفكرة، إذ أن أميركا كفكرة تقوم على مبدأ قدرة المجتمع الأميركي كمجتمع جديد على تمكين المهاجرين المشكلين لكل الأعراق ما عدا الهنود الحمر فيه، من العيش في مجتمع يحترم خصوصياتهم ويمكنهم من تحقيق ذاتهم واستغلال أفضل طاقاتهم في مجتمع حر.

وهنا تذكر المؤلفة عبارة محورية تكررها على مدى الكتاب في مواضع عديدة، وهي أن الأميركيين يجيدون الحديث عن قيمهم وفعل عكسها.

فالأميركيون يحرصون على النظر إلى أنفسهم على أنهم شعب مفتوح متسامح مرحب بالآخرين ويحترم الخصوصيات، ولكنهم في نفس الوقت –وخاصة في أوقات الأزمات– تتناقض تصرفاتهم مع تلك القيم تناقضا واضحا صريحا دون الانتباه لذلك.

وتقول ميشيل إن معاناة المهاجرين في فترة ما بين الحربين العالميتين وقبلهما كانت تجسيدا لذلك التناقض، إذ هاجم الأميركيون الفكرة الأميركية ذاتها عندما سعوا لأمركة المهاجرين وفرض الانصهار عليهم من خلال حركات ثقافية معادية للمهاجرين بشكل واضح وقوانين تأثرت بتلك الحركات.

وقد هاجمت تلك الحركات المنظمات العرقية والإثنية التي أنشأها المهاجرون لكي تساعدهم على تسريع الاندماج في المجتمع الأميركي بشكل يحمي خلفياتهم الثقافية، وكان المفترض أن هذه المنظمات هي تجسيد للفكرة الأميركية ذاتها ولكن الحركات المعادية للمهاجرين هاجمتها.

كما تم إغلاق الباب أمام الهجرة من خلال وضع سقف سنوي عليها، كما رفع شعار "الوحدة الوطنية" كمبدأ للاندماج بدلا من شعار "التسامح" الذي تقوم عليه الفكرة الأميركية.

كما تم التضييق على حقوق وحريات المهاجرين، وترك الحبل على الغارب للسلطات الحكومية للتجسس على المهاجرين وإحصائهم واعتقالهم.

طغيان الثقافة على الاقتصاد والسياسة
الأسطورة الثالثة التي تتحداها واكر تتكون من عدد كبير من الأفكار النمطية السلبية المنتشرة عن المهاجرين داخل المجتمع الأميركي، والمتعلقة بشكل أساسي بدورهم الاقتصادي داخل المجتمع.

ترى المؤلفة أن كثيرا من الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا حاليا ليست مبنية على حقائق علمية، ولكنها مبنية على انطباعات قائمة على دوافع ثقافية وموقف معاد من المهاجرين أكثر من اعتمادها على دراسات علمية رصينة ترصد أثر الهجرة على الاقتصاد والمجتمع الأميركيين.

ولإثبات كذب تلك النظريات تفرد ميشيل مساحات واسعة من الفصول من الخامس وحتى الحادي عشر من كتابها تذكر فيها، على سبيل المثال، أن الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا تتجاهل أن 50% من العاملين في مجالات البحث العلمي والتطوير في أميركا هم من المهاجرين.

كما تتجاهل أن ربع الأطباء والممرضين هم من المهاجرين، وأن 60% من أرباح صناعة تكنولوجيا المعلومات الأميركية هي من التجارة مع دول خارجية، وأن أميركا تجني أرباحا من اندماج الاقتصاد العالمي يقدرها البعض بحوالي تريليون دولار سنويا.

هذا إضافة إلى تجاهل القوة الشرائية للمهاجرين بالسوق الأميركي، وإلى أن وجود المهاجرين بأميركا يساعد الاقتصاد الأميركي على النمو ويوفر الكفاءات المطلوبة حتى لا يتم تصدير الوظائف خارج أميركا.

في المقابل ترى المؤلفة أن المهاجرين في أميركا يتعرضون اليوم لمثلث تحديات، يعيد للذاكرة أزمة المهاجرين أوائل القرن العشرين.

الضلع الأول لهذا المثلث هو بيروقراطية إدارة الهجرة الأميركية العقيمة التي تعاقب المهاجرين بأساليب مختلفة وتحمي رجال الأعمال، والضلع الثاني هو قوى العولمة التي تمثل تحديا للمواطن الأميركي وتهدد وظيفته إذا لم يطور نفسه وترسل 1.2 مليون مهاجر لأميركا سنويا.

أما الضلع الثالث فهو أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول التي أحيت مشاعر التمييز ضد المهاجرين بأميركا بصفة عامة، وضد المهاجرين المسلمين والعرب بصفة خاصة.

في مقابل ما سبق تنصح الكاتبة الأميركيين بالعودة إلى النقاش العقلاني حول قضية الهجرة، وتنادي بإصلاح سياسات الهجرة بشكل يحد قليلا من مستوياتها خاصة غير الشرعية منها، ويحترم الثقافة الأنجلو سكسونية كجوهر للهوية الأميركية، مع تجديد الثقة في العقيدة المدنية الأميركية التي تؤكد على الحرية وعلى احترام حقوق وخصوصيات الجماعات المكونة لأميركا.

علاء بيومي

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...