مذيعات الفضائيات .. الجمال قبل الذكاء

09-04-2006

مذيعات الفضائيات .. الجمال قبل الذكاء

راجت في الفترة الأخيرة نكتة تقول إن فضائية عربية نشرت إعلانا عن طلب مذيعات جديدات جاء فيه 'الأخطاء النحوية لا تهم، المهم ألا توجد أخطاء في الجسد'. هذه النكتة الساخرة تشير إلى أن الجمال أصبح أهم مقومات العمل في الفضائيات، ولا تهم معايير أخرى مثل الثقافة والالمام باللغة وحسن الالقاء. لقد تحولت المذيعة من مقدمة للأخبار والتعليقات إلى أن تكون هي محور الأخبار والتعليقات.. ابتسم فأنت في زمن مذيعات الفضائيات.
لفترة طويلة ظلت نجمات السينما هن فتيات أحلام الشباب والرجال، مثل هند رستم وسعاد حسني وشادية وفاتن حمامة، لكن بعد غيابهن عن الشاشة، لم تنجح واحدة من نجمات السينما الجديدات في أخذ مكان أي منهن أو في لفت انتباهنا، نشاهد عشرات منهن، لكن بعد انتهاء الفيلم ننسى تفاصيل الفيلم وملامحهن.
وفي زمن سطوة الفيديو كليب ظهرت روبي وهيفاء ونانسي، ونجحت بعضهن في رفع درجة حرارة الغرفة قليلا، لكن يبدو الأمر مثل فقاعة المياه الغازية سرعان ما تخبو.
ما الجديد إذن؟
الجديد أن المراهقين والشباب والرجال غيروا وجهتهم صوب مذيعات الفضائيات، وصدق أو لا تصدق أصبحت هؤلاء المذيعات هن فتيات الأحلام.
لزمن طويل وضعت المذيعة في إطار لا يمكنها تجاوزه، سيدة وقورة محتشمة ترتدي نظارة طبية، ليست أنيقة دائما، لها صوت أجش يرهب الرجال، ويشير بوضوح إلى قوة شخصيتها وقوة شخصية الشاشة التي تنتمي إليها. كانت أهم مقومات المذيعة الناجحة في ذلك الوقت أشياء غير الجمال الفاتن.. الصوت الساحر ربما، الشخصية القوية أحيانا، الثقافة دائما.
لكن في زمن طالت فيه رياح التغيير كل شيء، كان لابد من تجاوز هذه الصورة التقليدية، فطرح السؤال نفسه: ما الذي يمنع أن تجمع المذيعة بين المواصفات التقليدية وبين جمال الشكل الآسر إلى حد الفتنة، الذي يقف على بعد خطوة واحدة من الإغراء؟
أبو سياف وجمال المذيعة
أصبحت الفضائيات العربية تنتقي مذيعات تصلح كل منهن للفوز بالمركز الأول في أي مسابقة للجمال، لكن الغريب أن هؤلاء الفاتنات يظهرن على الشاشة لينقلن لنا آخر أخبار الحروب والكوارث والزلازل وآخر أخبار القاعدة والزرقاوي وأبو سياف. عبقري من خلق هذا التوازن الرائع في نشرات الأخبار، يقولون إن التناقض أكثر ما يلفت الانتباه، ألا يكفي هذا التناقض الصارخ بين مذيعة فاتنة تقرأ عليك خبر سقوط طائرة ركاب ومقتل جميع ركابها ليرفع من شعبية هذه المذيعة وشاشاتها، ثم ثمة تناقض آخر لا يقل غرابة. يقولون إن السياسة والهم يقصفان العمر فما بالنا بهؤلاء المذيعات اللواتي يغصن في أخبار الدماء والحروب والكوارث على مدار الساعة لكنهن يزددن جمالا كل يوم، هل نشكر الظروف أم النيولوك؟
ألقاب وعبارات غزل
من يلقي نظرة على مواقع الإنترنت التي تجذب الشباب والمراهقين سيكتشف أن ثمة ثقافة جديدة تتشكل بينهم وتنتشر في غرف الدردشة ومواقع الشاتنج، هي 'ثقافة المذيعات'، هذه الثقافة تشير إلى أي مدى أصبحت مذيعات الفضائيات ينلن من الاهتمام وعبارات الغزل، كيف ظهرت المذيعة بالأمس وماذا كانت ترتدي، ما رأيك في طلتها، ابتسامتها كتير مهضومة، تسريحة شعرها تجنن، ما أبرع جراح التجميل الذي أجرى لها عملية تصغير الأنف.. ناهيك عن تبادل الشباب على هذه المواقع آخر صور المذيعات ومقابلاتهن في وسائل الإعلام ومواعيد برامجهن، بل ويتبادلون البلوتوث الخاص بمقتطفات مذيعاتهن المفضلات.
في أحد مواقع الإنترنت لا تفاجأ عندما تجد استطلاعا للرأي عن أجمل مذيعة عربية أو ملكة جمال المذيعات العربيات، ربما سيدهشك كم أسماء المذيعات وعبارات الغزل الخارجة من القلب إعجابا بهن ولوعة، كما ستدهشك أكثر تلك الألقاب التي يطلقها الشباب على المذيعات: الليدي حليمة بولند، فاتنة قناة الجزيرة جومانا نمور، ومارلين مونرو العربية سهير القيسي، ويضيف شاب ملاحظة (سهير ولدت في يوم ميلاد مونرو 31 مايو نفسه)، ورزان مغربي شقية إم بي سي، وزينة يازجي أحلى ما رأت عيني، ولونة الشبل يا عيني، إيمان بنورة قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الرقاد، منى الشاذلي دريم فعلا، سهير مرتضي تسلم ها النظرة وها الجسم المتناسق، ماريا معلوف فخر الصناعة اللبنانية ، هيلدا خليفة أش يسوى ستار أكاديمي من دونك.
جورج قرداحي معجب
إن الأمر لا يختلف كثيرا بين شاب يعبر بطريقته عن إعجابه بمذيعة جميلة وبين إعلامي شهير مثل جورج قرداحي الذي سجل إعجابه في تعليق وسط تعليقات الشباب على المذيعة العراقية سهير القيسي وصفها جورج قائلا: 'ودرة حورية من حديقة العربية'، بينما قال شاب: 'والله ما كنت أطيق نشرات الأخبار، ومن يوم ما ظهرت سهير على شاشة العربية وأنا مجنون نشرات أخبار'.
المذيعات المحجبات لهن أيضا نصيب من الأنصار والإعجاب أيضا، وعلى رأسهن خديجة بن قنة مذيعة قناة الجزيرة، وبسمة وهبة التي انتقلت من قناة اقرأ إلى قناة دبي.

التوازن بين الجمال والثقافة
سألت د. سمير حسين رئيس قسم الإعلام بجامعة الكويت: هل إعجاب الشباب والمراهقين بالمذيعات يشكل ظاهرة إيجابية أم هو مجرد إعجاب بالشكل على حساب المضمون؟
فرد قائلا:
لا شك أن عددا من الفضائيات العربية يلتزم بالقاعدة الذهبية للإعلام وهي التوازن بين الشكل والمضمون، فالجمال مطلوب لكن يجب ألا يطغى على الأداء لكي لا يشتت انتباه المشاهد ولا يؤثر في مصداقية القناة، ففي بعض الفضائيات الإخبارية مثل الجزيرة والعربية والحرة مذيعات يجمعن بين الاثنين المضمون والجمال. يجب أن تتمتع المذيعة بثقافة عالية وخلفية معلوماتية عن الموضوعات التي تقدمها وعن الضيوف الذين تحاورهم عبر الأقمار الصناعية وتفاصيل الخبر الذي تقرأه لكي لا تصبح مجرد قارئة نشرة فقط.
أما الاقتصار على الجمال فقط فغير مقبول ولا يكفي لنجاح أي قناة، وهو للأسف القاسم المشترك في القنوات غير الإخبارية، خاصة القنوات ذات الصبغة التجارية وقنوات الأغاني التي يعتمد تحقيقها للربح على جذب أكبر عدد من الشباب والمراهقين، وتلقي أكبر كم من الاتصالات الهاتفية. هذه القنوات تعتمد من أجل تحقيق هذا الربح على شكل المذيعة فقط وهي تتعامل مع المذيعة كمجرد وجه جميل ومثير ومغر للشباب والمراهقين، وهذا مرفوض لأن هذا لا يدخل في نطاق الإعلام، فالإعلام رسالة وتربية وثقافة وقيم ونشر معلومات صحيحة وتكوين رأي عام مستنير، وهذا لا يتأتى من مثل هذه البرامج والقنوات.
والخطير أن القنوات التي تتسلح بمذيعة جميلة لجذب المشاهد تجعل المشاهدين، والغالبية العظمى منهم من المراهقين والشباب، ينصرفون عن البرامج الجادة والهادفة إلى البرامج التافهة والسطحية، ويركزون على شكل المذيعة وتفاصيل جمالها وماكياجها.
المطلوب وجود توازن بين الشكل والمضمون، لا نقول أن تكون المذيعة مثقفة وغير جميلة ، فلتكن جميلة لكن بشروط تؤكد هذا التوازن لكي يكون تأثيرها إيجابيا على من يشاهدها.

الجميلة والمراهق
يرى د. علي عسكر الاستشاري النفسي والاجتماعي في ظاهرة إعجاب الشباب والمراهقين بالمذيعات الجميلات انعكاسا لتأثير الفضائيات الجامح على الحالة النفسية للمشاهد فيقول:
ربما من أكثر ما يؤثر في إنسان العصر الحالي هو الفضائيات، حيث أصبح التلفزيون يأخذ من وقتنا الكثير. وإذا كانت صناعة النجم تتم في السابق في السينما أو عالم الغناء، فأنا أعتقد أنه يتم حاليا ما يمكن أن نطلق عليه صناعة النجمة المذيعة. وبالطبع الجمال يكون أول أو أهم عناصر هذه الصناعة، لأنه بمثابة الغلاف الجاذب لعين المشاهد، فأول ما يطالعه المشاهد هو شكل المذيعة، ومن ثم تأتي مرحلة متابعة ما تقدمه.
ليس غريبا إذن أن تصبح المذيعات بمثابة فتيات أحلام الشباب والرجال أو المرأة النموذج، حيث أصبح كل رجل أو شاب يتخذ من مذيعة ما نموذجا للجمال الذي يتمناه في فتاة أحلامه، ومن هنا لا نستغرب أن نقرأ أن هناك مجنون المذيعة الفلانية كما كان قديما هناك مجنون سعاد حسني مثلا.
لهذا التأثير الطاغي للمذيعات جانبان أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فإذا كانت المذيعة تمتلك العقل والثقافة بجانب الجمال، يمكن أن يكون تأثيرها إيجابيا على الشباب والمراهقين، بحيث تصبح عامل جذب لكل ما هو جيد وهادف على الشاشة، وفي المقابل لو كانت هذه المذيعة مجرد وجه جميل ومثير فهي تجذب هؤلاء الشباب والمراهقين إلى الاتجاه المضاد الذي يهتم بالشكل والجمال فقط

 

 محمد حنفي

المصدر : القبس الكويتية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...