ضيف الله

29-08-2006

ضيف الله

ما كنتم ضيفنا. كنتم ضيف الله.
اوصى الرسول بولس اهل رومية، عظمى مدن ذلك الزمن الغابر، بأن يعكفوا على "ضيافة الغرباء". وقصده من ذلك ضيافة الفقراء الذين يجدون انفسهم مرميين في شوارع مدينة تتعالى عليهم وتنبذهم بكبريائها البارد كرخامها ومرمرها. هل هي مجرد صدفة ان بهاء القصور والقبور يكمن في الرخام؟
انتم الذين "وقعتم بين ايدي اللصوص". كنتم الغريب، فصرتم القريب، بل الاقرب. والقرابة، هنا، في هذا المقام، ليست "قرابة اللحم والدم". فنحن لسنا يهودا نقيم الاعتبار للنسل وحده. القرابة، عندنا، نحن خلان الناصري، صيرورة تحكمها "الرحمة". كل نازح، او مهجر، او مستضعف في الارض هو قريبي.
ليس لنا ان "نرضي انفسنا"، يقول بولس نفسه لأهل رومية، بل "فليرض كل واحد منا قريبه للخير، لأجل البنيان". يبقى ارضاؤنا لله بلا معنى وبلا جدوى ان لم نرض القريب، وبخاصة ذاك "الذي وقع بين ايدي اللصوص"، بل تحت وابل قاذفاتهم الفتاكة. الصلاة والصوم وكل عبادة تصبح باطلة ان لم يكن الانسان هو المكان الذي يعبد فيه الله. ان روح الله ساكن فيكم".
فأضحيتم القبلة والمحراب. حججنا اليكم كما الى العتاب المقدسة، الى قبر المسيح. صرتم انتم الارض المقدسة، بعد ان دنس المغتصبون الارض التي تتوق عيوننا وافئدتنا حتى نراها مطهرة، بعد زوال كربها. فالله لا يسكن في الحجارة، يفضل السكن في القلوب الدافئة.
"اعطني قلبك وكفى".
شكرا لكم، قرعتم بابنا، فلم نفتحه لكم. فتحناه لله. فهو من حل عندنا.
شكرا لكم، اعطيناكم سقفا، اي ترابا، فلم يبخل الله علينا وعليكم بروحه الفياضة الكريمة.
شكرا لكم، اعطيناكم من تراب هذه الدنيا، اي لا شيء، عدما. فقبلتم ذلك بتواضع المنسحقي القلب.
شكرا لكم، لأنكم علمتمونا ان "العيش المشترك" قد يصبح حقيقة ملموسة، لا مجرد اغنية هابطة، او مجرد "طبل يطن او صنج يرن".
عذرا منكم، اذا سمعتم احدا يوازي بين نزوحكم عن قراكم وتدمير منازلكم من جهة وبين استقباله اياكم من جهة اخرى. انها لمقارنة لا تجوز اخلاقيا.
عذرا منكم، اذا سمعتم احدا يتحدث عــن واجـب ما او عن فريضة ما دفعته الى ايوائكم. وهل بين الاخوة واجبات او فرائض؟ التلقائية والمجانية والمشاركة هي وحدها التي تحكم اللقاء بين الاخوة.
سكينة... بكت بناتي عندما غادرتنا. خلت دار الكنيسة من اطفال قالت ابنتي عن اسمائهم انها "صعبة" تسمع بها للمرة الاولى. سراج، علي، فاطمة، آية، محمد، مهدي... عدتم الى دياركم، وحقولكم، واماكن لهوكم. حزنا لحزنكم، وفرحنا لفرحكم. مبارك التمام شملكم. وخسئ "بنو قتلة الانبياء، اولاد الافاعي".

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...