عصام المحايري يكتب عن الإسلام والعلمانية (2-3)

31-08-2006

عصام المحايري يكتب عن الإسلام والعلمانية (2-3)

الجمل - خاص:

5 - دعاة الدولة الدينية الإسلامية قسمان تقليدي وتحديثي:
- فئة أولى ترفض كل ما يتصل بحضارة الغرب وأنظمة حياته السياسية والاجتماعية بدافع الوازع الديني الذي يأبى إلاّ الاعتصام بالإسلام، في الشكل والكيفية التي حملتها إلينا أخبار التاريخ وبطون الكتب، بما في ذلك الخلافة الملازمة لنظام الحكم الإسلامي، عندهم باعتبارها واجبة الوجوب شرعاً أو عقلاً. هذه الفئة هي الأضعف شأناً وتأثيراً في التيارات الدينية المعاصرة وإن تكن طروحاتها تستهوي عاطفة المسلمين وتفيد الفئة الثانية من تأثيرها العاطفي على عامة المسلمين استفادة كبيرة.
- فئة ثانية يمكن تسميتها دعاة التحديث في الدولة الدينية الإسلامية وهي تجد سندها الكبير في طروحات الإمام الشيخ محمد عبده وموقفه الانتقائي وعنها عبر القيادي الأخواني الذي أوردنا بعضاً من أفكاره في دفاعه عن إسلامية الدولة.
(انطباع) المطلوب، بالنسبة إلى هؤلاء، هو أن تأخذ الدولة بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يقدمه الإسلام باعتبار أن (النظام الديني شأن خاص بالمسلمين وحدهم وليس بالجماعة كلها)، ويرون أن في ذلك تحقيقاً لإرادة الأغلبية، وفقاً للأنظمة الديمقراطية، ما دامت الأغلبية مسلمة ومن حقها أن تأخذ بالنظام الذي تراه.
ومع ذلك فإن النظام السياسي للدولة، حين شارك في صياغته هؤلاء وأقروه، لم يخرج عن البنى الدستورية في الأنظمة الدستورية الوضعية المعمول بها في الدول الغربية (العلمانية).
وقد أوضحنا أن تفسير ذلك يعود إلى أنهم يميزون بين الشورى التي هي واجب وبين كيفيتها، بين العدل وطرق العدل وآيتهم في ذلك كما جاء على لسان الأستاذ الإمام محمد عبده، أنه ليس من (أن توافق الدولة الإسلامية، في واجب الشورى، الأمم التي أخذت هذا الواجب عنا وأنشأت له نظاماً مخصوصاً، متى رأيناه في الموفقة نفعاً ووجدنا منها فائدة تعود على الأمة والدين باعتبار أن كل شكل من الأشكال نراه مجلبة للعدل وجب علينا أن نتخذه، ذلك أن إمارات العدل، إذا ظهرت، بأي طريق كان، فذلك شرع الله ودينه).
أما بالنسبة للنظام الاقتصادي والاجتماعي، فإن موقف هؤلاء لا يختلف في هذا الموضوع، عن مواقفهم من النظام السياسي المجيز موافقة الأمم الأخرى فيه على قاعدة النفع والفائدة بالنسبة إلى الأمة والدين.
6 - البعد الإسلامي في الدستور السوري تاريخياً:
حين أقر دستور الجمهورية السورية عام 1950، كانت قد نشبت معركة لاهبة حول النص على أن دين الدولة الإسلام، انتهت بالنص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
وفي أعقاب ذلك نص الدستور في أحكامه الانتقالية، وبناء على طلب دعاة الدولة الدينية الإسلامية (الأخوان وغيرهم) على تشكيل لجنة خاصة تسمى بلجنة القوانين العامة مهمتها إعادة النظر في التشريعات النافذة، لجعلها متوافقة مع الدستور وبالتالي مع الفقه الإسلامي.
وكانت صدرت، قبيل ذلك، قوانين الجزاء المدنية والعسكرية والقانون المدني وقوانين العمل والتجارة وغير ذلك وكلها تشريعات أثارت الأوساط الدينية إذ تم استبدال أحكام المجلة بها فأنيط بلجنة القوانين العامة، النظر بهذه التشريعات وكشف ما هو مخالف للفقه الإسلامي فيها.
وتشكلت لجنة القوانين العامة وضمت عدداً من دعاة الدولة الدينية الإسلامية والنظام التشريعي الإسلامي من نواب ومن غير النواب من أساتذة الفقه والقانون في الجامعة السورية كما ضمت عدداً من النواب يمثلون مختلف التيارات السياسية في المجلس النيابي.
وعقدت اللجنة الاجتماعات المتواصلة على امتداد عام بكامله، تدارست وقلبت النظر في كل هذه التشريعات ولم تستطع أن تتقدم من المجلس النيابي بنتيجة واضحة محددة فكان أن قرّر المجلس النيابي على ضوء النتائج اعتبار مهمة اللجنة منتهية وأن ليس في التشريعات ما يتعارض مع الفقه الإسلامي.
كان هذا في الجمهورية السورية وإذا أضفنا أن الدول التي ينص دستورها أيضاً على ما يسمى بالنظام الإسلامي (دين الدولة أو غير ذلك) هي أيضاً تطبق القانون المدني المستمد من قانون نابليون وقوانين الجزاء وغيرها دون أن يغير النص على إسلامية النظام من واقع تنفيذ هذه القوانين الوضعية (الغربية الطابع) أمكننا أن نستدل أن دعاة النظام الإسلامي، لم يجدوا ضيراً من القبول (بأخذ الأنظمة القانونية المخصصة حين وجدوا في الموافقة عليها نفعاً وفائدة تعود على الأمة والدين وأن إمارات العدل، إذا ظهرت، بأي طريق كان، فذاك شرع الله ودينه).
معنى كل هذا، وعلى ضوء التوافق الواقعي والعملي لدعاة الدولة الدينية الإسلامية مع الأنظمة الدستورية والتشريعية المنسوجة على غرار التشريعات الغربية وأنظمتها، فإن النص على إسلامية الدولة أي الدولة الإسلامية أو ما هو في معناها إنما ينشدون منه أثراً واحداً وحيداً، هو تحقيق التجاوب مع مشاعر عامة المسلمين التي تؤمن بالإسلام، ديناً ودولة، والتي يعز عليها إسقاط شمول الإسلام للدولة، كي لا يحسب أنها فرطت بحق دينها، وبحقها كأغلبية في أن تأخذ بالنظام الذي تراه).
ترى إذا كان مفهوماً من عامة المسلمين أن يكون تعلقها بدينها وفهمها للإسلام، ديناً ودولة، يكفي فيه عندهم الإعلان بأن دولتهم إسلامية فكيف يمكن فهم أولئك الذين يغذون في عامة المسلمين هذا التعلق والتمسك بالنص على دينية الدولة باسم (أن أنظمة الإسلام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي خير ما عرفه العصر الحديث وباسم (أن من حق الأغلبية، طبقاً للأنظمة الديمقراطية، أن تأخذ بالنظام الذي تراه). فلا تبدو مقهورة الحقوق، مثلومة الإرادة، دون وجه حق، ثم عند الممارسة نجدهم يأخذون بالنظام السياسي الوافد، دون تعديد (إسلامي) يذكر، ويرتضون بالتشريعات الناظمة للعلاقات الاجتماعية المستمدة من القوانين الغربية الوضعية في إطار (أن الكيفية، كيفية التحقيق، يمكن الأخذ فيها عن الأمم الأخرى، متى رأينا في هذه الموافقة نفعاً ووجدنا منها فائدة تعود على الأمة والدين..؟) هل يغيب عنهم، (انطباع) الأنظمة، كل الأنظمة هي الوسائل والأدوات، أو هي كما يعبرون هم، ليست سوى الكيفية، كيفية تحقيق المثل والموجبات الدينية والإنسانية العليا وهي هذه المثل والموجبات التي لعب الدين دوره الرئيسي في شحن النفوس والعقول بها).
وهل إذا لم ينص على إسلامية الدولة، يصار إلى صياغة الأنظمة على غير قاعدة النفع والفائدة للأمة أو (للدين) في المثل والتطلعات التي يدعو إليها.
وماذا تكون عملية التفاعل مع الغير وعملية كشف النفع والفائدة وتحديدهما، (انطباع) لم يكن مرجعها إعمال العقل الإنساني، على هدى تعاليم القرآن الإنسانية والوجدانية، في تدبير الأصلح والأصح في التشريع للناس والنهوض بالمجتمع والإنسان.
ونأتي إلى بدعة ديمقراطية الأكثرية الدينية التي باسمها وتحت شعارها تتم الدعوة للدولة الدينية الإسلامية.
7 - وقفة مع الديمقراطية:
الديمقراطية، دون أن نغوص في أبحاثها الدستورية أو المضامين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتوازع مذاهبها، تعني، في أبسط مفاهيمها التلازم بين سيادة الإرادة الشعبية وحرية الإرادة الشعبية ومصلحة الإرادة الشعبية بحيث جاء القول الجامع المانع في تعريفها: هي حكم الشعب، بالشعب وللشعب.
إنها تقوم على الإرادة الشعبية منطلقاً وحرية ومصلحة وهي في قيامها على مبدأ سيادة الإرادة الشعبية وحريتها ومصلحتها تدرك أن الإرادة الشعبية ليست شأناً جامداً ساكناً منفصلاً بل إرادة حية متوثبة تتفاعل مع معطيات الحياة في تنامي قيمها ونمو حركتها ومصالحها وحاجاتها، الإرادة الشعبية هي فعل الثقافة المادية والروحية والفكرية والمناقبية في المجتمع. من خلال حركة نموها الذاتي ومن خلال فعل تشابكها مع مصلحة الحياة في المجتمع والعالم، كل ذلك في إطار نظام من المؤسسات.
وإذا كانت الإرادة الشعبية لا تتقيد في الديمقراطية إلا بذاتها، فإن كل ما يتجه إلى الحجر على حريتها في التفاعل مع الحياة ومع مصلحتها في الحياة يسجل اعتداء على سيادتها وخروجاً على حريتها وانتهاكاً لمصلحتها.
ثم إذا كانت الديمقراطية أشكالاً من الديمقراطيات إلا أنه لا ديمقراطية خارج نظام من المؤسسات تتوزع السلطات والصلاحيات، وفي إطار كل منها تنصاع الأقلية لقرار الأغلبية حسبما ينص على ذلك النظام الذاتي في كل مؤسسة.
لا تختزل أو تشوه الديمقراطية بأنها خضوع الأقلية لحكم الأكثرية وإنما هي نظام من المؤسسات التي يمارس كل منها سلطته وصلاحياته من ضمن قرارات الأكثرية في كل منها حسبما يحدد ذلك النظام الذاتي لكل مؤسسة من مؤسساتها.
لذلك لا يمكن التحدث عن الديمقراطية بمعزل عن نظامها ونظام مؤسساتها. من داخل نظامها تكون الديمقراطية وتتشكل الأكثرية التي لها التقرير.
أما المعتقدات الدينية فليست هي الفيصل الذي يحدد الأكثرية والأقلية في أي مؤسسة من مؤسسات الديمقراطية وليس نظاماً ديمقراطياً (النظام) الذي ينيط بدائرة النفوس وسجلاتها أن تكون هي جهاز الديمقراطية في التعبير عن الإرادة الشعبية والحرية الشعبية والمصلحة الشعبية.
وكأني بمن يريد أن يستبدل دوائر النفوس والإحصاء بمؤسسات السياسة والحكم والتشريع الديمقراطية، يتوهم دوائر النفوس مؤسسة تشريع أو جمعية تأسيسية لسن دستور المجتمع، فضلاً عن ضلاله الخطير في توهم المجتمع تراكماً عددياً لمجموعات من الأفراد واعتباره أن ما هو مدون على الهوية، هو بديل ديمقراطي عن حق الإنسان في الرأي والقرار أو تصويت ديمقراطي على القانون والدستور أو تفويض ديمقراطي في التشريع والحكم.
حين تغدو دوائر النفوس هي مرجعنا في التعبير عن سيادة المجتمع وحرية المجتمع ومصلحة المجتمع تنتفي الحاجة إلى مؤسسات تشريع وقوانين انتخاب واقتراع وتنبت مؤسسات أخرى ويغدو طبيعياً عندها أن يتخذ الصراع (الديمقراطي) وجهة الأكثريات والأقليات الدينية ولا يعود، من ثم، من حقنا أن نفاجأ (بديمقراطية) الفتن الدينية والحزبيات الدينية ولا أن نفاجأ (بديمقراطية التشريعات والأوامر) بالذبح والسحل والتهجير على الهوية الطائفية باسم أكثرية دائرة النفوس في المنطقة والإقليم والحي.
في الديمقراطية من حق كل اتجاه أن ينشط لتوجيه الأكثرية في الشعب باتجاه تطلعاته ونظامه وحلوله، ليكسب، في إطار مؤسسات الحكم الديمقراطية، أغلبية القرار، أما أن يرفع إحصاءات النفوس بديلاً عن النضال الديمقراطي الشعبي، فمؤشر إلى عقلية ونهج أنتجا، في تاريخ البشرية، محاكم التفتيش ومذابح الاضطهاد الديني باسم الأكثرية المؤمنة. وينتجان، على صعيدنا نحن، أقبح ما عرفه تاريخنا الحضاري من أحقاد ومذابح وفتن دينية وطائفية وأحط الإفرازات والطروحات الفكرية المهدمة لوحدتنا الاجتماعية الإنسانية.
يبقى أن دعاة الدولة الدينية الإسلامية، في دعواهم لتطبيق نظام الإسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي أخذهم، عند التطبيق، بالكيفية التي نجد فيها النفع والفائدة للأمة، استثنوا أحكام الأحوال الشخصية وحدها من تطبيق مبدأ اتباع إمارات العدل، إذ أظهرت، بأي طريق كان، وكأنما أحكام الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وإرث ونسب وكل ما يتصل بالحياة الأسروية هي كالعبادات سواء بسواء وكأنما أركان الإسلام الخمسة تقرن هي الأخرى بركن سادس هو أحكام الأحوال الشخصية وحدها دون سائر الأحكام.
لقد رأينا كيف أن هذه الأحكام ليس عليها اتفاق فقهي عام، ورأينا علامة كبيراً كالأستاذ الشيخ عبد الله العلايلي يرى أن الزواج المختلط بين مسلم وكتابية كما بين كتابي ومسلمة، يجيزه القرآن الكريم وقد استدل على ذلك من آية المائدة، كما أن ليس من نص قرآني آخر يمكن الاستدلال به على العكس.
ورأينا أن الأستاذ العلايلي يسخر ممن يتوهمون أن العقد الزواجي في الإسلام هو عقد ديني فيقول أنه عقد مدني بكل معناه وكلنا نعرف كم هو ميسر عقد الزواج في الإسلام (شاهداك زوجاك).
وإذا أضفنا ما أخذ رجال الفكر الإسلامي يطرحونه فيما يتعلق بفرائض الموارث وكل ما يتصل بشؤون الأحكام الشخصية، من موقف ثوري يأخذه بقاعدة تبدل الأحكام بتبدل الأزمان، وبقاعدة (دفع الضرر أولى من جلب المنفعة) وبقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) مع دراسة التبدل والتطور الذي طرأ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية العامة وما نشأ عنه من أطوار والتزامات ومواضعات أسروية ومعاشية جديدة، كان لنا أن نتساءل ما إذا كان موقف التحديثيين من دعاة الدولة الدينية الإسلامية، في الشحن ضد القانون المدني للزواج، مع أن عقد الزواج الإسلامي هو مدني بكل معنى الكلمة، وفي إخراج أحكام الأحوال الشخصية في شؤون الطلاق والميراث من الخضوع للمبدأ الفقهي الرائع فيما يتصل بأنه حيث تكون المصلحة وحيث تكون إمارات العدل فذاك شرع الله ودينه، إذا لم يكن كل ذلك هو لتجميد الأوضاع الشخصية للمسلمين فيكون لهم مبرر حركاتهم السياسية المستظلة للدولة الدينية الإسلامية ويكون لهم في ذلك ما يدعم نشاطهم السياسي باستغلال عاطفة عامة المسلمين الدينية وتعبئتها لصالح أغراضهم السياسية.


عصام المحايري
رئيس المكتب السياسي في دمشق
للحزب السوري القومي الاجتماعي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...