الدانمارك تعيد إعمار ما هدمته الرسوم الكاريكاتورية

04-09-2006

الدانمارك تعيد إعمار ما هدمته الرسوم الكاريكاتورية

ماذا تفعل لارا بلدي هنا في كوبنهاغن؟ تستوقف المار في إحدى ساحات العاصمة الدنماركية صورة على واجهة أحد المتاحف العتيقة: صبايا في ثوب الزفاف يحملن باقة من الورود ويتسمرن في الصورة شاردات. في الأسفل نقرأ: “ما تصدقوش يا بنات أنّ الزواج راحة”. هذه الصورة الطريفة هي نفسها التي عُرضت ضمن مهرجان “أشكال وألوان” قبل أشهر في بيروت. حينها، لم تكن الحرب خطرت بعد على بال بيروت، وكانت لارا هنا أيضاً.
في مكان ليس ببعيد عن ساحة هوبيروبلاس، هناك صورة أخرى لصبية تأخذ حمام شمس على الشاطئ. إنها مستلقية في لباس البحر، تعتمر كوفية فلسطينية تقيها من ضربة شمس. تبدو هذه السيدة الشابة (العربية؟) مستغرقة في قراءة “هاري بوتر”.
بعيداً عن سوء التفاهم
هذه الصور لم تكن سوى نماذج تسللت إلى ساحات كوبنهاغن العتيقة من معرض “نظرات عربية” الذي شارك فيه 18 فناناً فوتوغرافياً عربياً بينهم عشر نساء: لارا بلدي ومها مأمون من مصر، داليا الخميسي ونديم أصفر من لبنان، أنس الشيخ من البحرين، جنان العاني من العراق، ياسمينة بوزيان وهشام بن أحد من المغرب وفنانون آخرون حاولوا عبر أعمالهم الفوتوغرافية تقديم صورة خاصة ومركبة للعالم العربي.
هذا العالم الذي يتلقى الدنماركيون أخباره الساخنة يومياً عبر نشرات الأخبار، يبدو مختلفاً في معرض “نظرات عربية”. المعرض يحتفي بالحياة اليومية لبشر يعيشون هم أيضاً، على رغم الحروب والديكتاتوريات، حياة يومية خاصة بهم كأفراد. يحلمون بالحرية ويستمتعون بهوامشها، يؤمنون بالفرح والحب والحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً. كانت الصور تراوح بين الوثائقي والتعبيري. بين الملتقط لتفاصيل من حياة الناس الحميمة والراصد لطقوس بعض المجموعات الإثنية التي تعيش في البلاد العربية. هناك محاولة ــ لا نعرف نسبة نجاحها ــ لاكتشاف بعض الملامح الحقيقية للحضارة العربية بعيداً عن مطبات سوء التفاهم والتشوية “الكاريكاتوري”. الا أنّ معرض “نظرات عربية” ليس سوى غيض من فيض. فالدنمارك كلها تعيش هذا الصيف على إيقاع مهرجان “صور من الشرق الوسط” الذي ينظمه المركز الدنماركي للثقافة والتعاون، ويقدم خلاله أكثر من 1400 عمل فني وأدبي بمشاركة حوالى 500 كاتب وفنان من الشرق الأوسط: ناتاشا أطلس من مصر، الشاب مامي من الجزائر، كاميليا جبران من فلسطين، الحنجرة الأمازيغية شريفة من المغرب، ليلى حداد من تونس، ريم البنا من فلسطين، فتحي سلامة ومجموعة شرقيات من مصر، المسرح الوطني الفلسطيني، مسرح العرائس اللبناني، فرقة التراث الشعبي الإماراتية. إلى هذا برمجة سينمائية متنوعة مكّنت الجمهور الدنماركي من متابعة باقة من الأفلام العربية بدءاً بـ“الرسالة” فيلم الراحل مصطفى العقاد وانتهاء بـ... “عمارة يعقوبيان”. أفلام أخرى متنوعة عُرضت: “حومة باب الواد” لمرزاق علواش، “الجنة الآن” لهاني أبو أسعد، “باب المقام” لمحمد ملص، “راديكل كلوزر” لأكرم زعتري، “انتظار” لرشيد مشهراوي، و“أبواب الجنة” للمغربيين سهيل وعماد نوري.
“جسر” أدبي
البرنامج الأدبي للمهرجان جاء حافلاً هو الآخر. قراءات في عدد من المدن الدنماركية لحشد من الأدباء العرب، وأدباء من الشرق الأوسط الكبير من مختلف الأجيال. ولعلّ الحدث الأدبي الأهم هو الأونطولوجيا التي صدرت في ثمانية آلاف نسخة تحت عنوان “الجسر: صور أدبية من الشرق الأوسط”، وضمت مختارات شعرية وقصصية لعدد من الأدباء المشاركين في اللقاءات: مريد البرغوثي، علاء الأسواني، صنع الله إبراهيم، إلياس خوري، نبيل سليمان، سامر أبو هواش، ميرال الطحاوي، فريد رمضان... إضافة إلى أدباء من تركيا وإيران. هذه الأونطولوجيا أثارت حفيظة اللوبي الصهيوني الناشط في مجالات الثقافة والاعلام في الدانمارك، إذ احتج بعضهم على عدم إدراج إسرائيل في أول أونطولوجيا دنماركية خاصة بالشرق الأوسط. لكن المؤكد أن المنظمين كانوا قد حددوا أهدافهم بدقة: إن التواصل مع الثقافة العربية الإسلامية يبقى أهم مقاصد المهرجان، وكان من الصعب القيام بأي خطوة أو مبادرة من شأنها التشويش على هذا المقصد.
كثيرون حتى من الجانب العربي مارسوا نصيبهم من التشويش على المهرجان، عندما اعتبروه مجرد محاولة لتطويق تداعيات أزمة الكاريكاتور. ويتناسى هؤلاء أن المؤسسات الثقافية العريقة لا تبني سياساتها الثقافية على ردود أفعال. والمعروف أن المهرجان الذي افتتحه الأمير الدنماركي في حفل ضخم أقيم على أكبر شواطئ كوبنهاغن، اتُّخذ قرار تنظيمه حتى قبل 11 أيلول 2001. أما التحضيرات العملية فانطلقت عام 2004، أي قبل أزمة الرسوم وتفاعلاتها الصاخبة عربياً واسلامياً وعالمياً. لكن لا شك في أن تلك الهزة العنيفة دفعت جهات ثقافية دنماركية الى استلحاق برنامج “صور من الشرق الأوسط” بندوة هنا أو هناك على هامش التظاهرة... ولا شك أيضاً في أن الضجّة التي أثارتها “فضيحة الكاريكاتور” أعطت الحدث وقعاً أكبر في الاعلام وعلى مستوى الرأي العام في الدنمارك.
وكان البرلمان الدنماركي قد أكد دعمه للمهرجان، عندما صوّت لتخصيص موازنة مهمة لتمويل أنشطة هذه التظاهرة الضخمة التي توزعت فعالياتها على تسع مدن دنماركية، إضافة إلى مدينة هلسينبورغ السويدية، وهذه الفعاليات التي ستتواصل حتى الـ20 من شهر أيلول الجاري.

ياسين عدنان

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...