شباب طرطوس يلجأون للشيخ سعد

11-04-2006

شباب طرطوس يلجأون للشيخ سعد

الجمل ـ طرطوس - حسان عمر القالش : 
المراهقة وما بعدها، والدراسة والجامعة وما بعدها، وخدمة العلم وما يليها.. انتهت كلها. وها هو الشاب أمام  تحدي الاستقلالية، وعلى الطريقة الأمريكية on your own . وأول أبجديات هذه الطريقة هو الحصول على سكن مستقل، المسألة التي باتت من أساسيات المشاكل الاجتماعية في البلدان النامية.

والسوري كعادته، أخبر من عليها باختراق ثغرات القوانين والبيروقراطية، سواء الرسمية أو الاجتماعية، فمن قيض له وجود شقفة أرض على (تم ) الوادي في أطراف الضيعة أو من ساعده أهله بالتبرع بـ(سطح) البيت وتسليمه إياه على (العظم), كان حظه من السماء.
وتأتي بعد مجموعة المحظوظين تلك، مجموعة أقل حظاً، ممن يمكن القول بأن حظها ما بين السماء والأرض، وأنها أكثر حظاً من الطبقة السفلية التي لن نتحدث عنها (موقتاً) كي لا يتهمنا القارئ بالسوداوية، وتمثل هذه الطبقة السواد الأعظم من شباب طرطوس، وهي من أبناء الموظفين عموماً. يعتمد هؤلاء الشباب على المزايا القليلة التي منت بها الدولة على موظفيها كالحصول على قروض بضمانة الراتب.
 هذا ما اعتمده حسين، خريج كلية الهندسة في جامعة تشرين، حيث تقدم والده بطلب قرض من مصرف التسليف قيمته تقارب الـ150 ألف ليرة دون احتساب الفوائد التي يحسمها المصرف (الشكّاك) من المبلغ مباشرة, وتقدمت والدته بطلب الحصول على قرض سكني من المصرف العقاري بضمانة راتبها وكفالة موظفين اثنين كانوا يخبؤونهم لغدرات السكن.
 وحسين النشيط كان سباقاً على غيره من أبناء جيله الكسولين أو الوارثين، فسجل على شقة في مشروع السكن الشبابي في طرطوس - والذي لم يبدأ بعد بحفر أساساته - ودفع مبلغ70 ألف ليرة كدفعة أولى إلزامية بعد أن باع والده قطعة أرض في الضيعة، وما زال مستمراً وصامداً منذ سنتين في دفع2500 ليرة شهرياً لسكنه الشبابي الذي هدَّ شبابه كما يزعم!
«كلو على بعضو مو مستاهل, 80 متر مربع!!». ويشير بيده مقرباً السبابة والإبهام من بعضهما حدود الالتصاق, «يعني مساحتو متل مساحة غرفة نوم رفيقي الساكن بالشام!» ويضيف «..ياخيي صار في طبقية بالبلد».
ويعتبر حسين أن "شانصه قوي"، لأنه  تعين مؤخراً في إحدى الدوائر الرسمية في المحافظة، ومنبع الحظ كونه كان ممن شملهم المرسوم القاضي بأن الدولة غير ملزمة بتوظيف خريجي الهندسة, لكنها استثنت مؤخراً خريجي دورته ممن حصل على معدل 60% وما فوق.

وبالعودة إلى القوانين التي يتفنن السوري بالتكيف معها. نراها تتجسد في الواقع العمراني الجديد الآخذ بالتوسع والنمو في طرطوس.
 في منطقة (الشيخ سعد) الملاصقة لحدود المدينة، والتي كانت قبل سنوات مجرد ضيعة تقليدية كغيرها من الضياع, يقول (أبو بلال) أحد متعهدي البناء في المنطقة، ويضيف أن هناك إقبالاً محموماً على الاستثمار العقاري في الشيخ سعد، فـ(الطلب) يزداد في حين يحاول (العرض) تغطيته.

ومن الملاحظ أن غالبية المتوجهين الى تلك المنطقة والراغبين في الشراء والسكن فيها، هم من الشباب أقران حسين، وذلك لعوامل عدة: أحدها فرق الأسعار الكبير عن طرطوس المدينة، حيث وصل سعر المتر المربع في بعض المناطق 18 – 22 ألف ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه سعره في الشيخ سعد ال 8000 ليرة للمتر المربع. والعامل الآخر هو قرب المنطقة من المدينة وارتباطها بها بحركة مواصلات كثيفة. أما العامل  الأهم فهو سياسة متعهدي البناء في بيع الشقق!

يشرح لنا أبو بلال باختصار المحافظ على أسرار المهنة: بعد أن تنتقي شقتك و(تقعد على البازار) وتتفاوض مع المتعهد على سعر المتر، يتم الاتفاق على دفع مبلغ يوازي 10% تقريبا من سعر العقار، بحدود 100 – 150 الف ليرة كدفعة أولى، ثم الاتفاق على دفعات شهرية، يلتزم بها المشتري لحين انتهاء المتعهد من إتمام معاملة القيد العقاري للبناء (المحضر)، ويكون قد تقدم عنك بطلب قرض شراء سكن من المصرف العقاري، وبعد أن يضع كل ثقله البيروقراطي ليحصل لك على أعلى سقف للقرض. تنتهي عندها عملية الشراء (على باب البنك) كما هو متفق، حيث تدفع للمتعهد بقية ثمن الشقة الذي ستقبضه من المصرف. فيتنازل لك عنها، ويسلمك سند التمليك (الطابو الأخضر) المحتوي على اسمك والممهور بالتواقيع والأختام الرسمية النظامية.
المستغرب  والعصي على الفهم هو أن سعر المتر المربع للشقة الغربية يختلف عنه في الشرقية في نفس البناء والطابق. وهو ما حاول (دريد) صاحب المكتب العقاري الوحيد في الشيخ سعد عبثاً إفهامنا إياه. ويعطينا تفاصيل جديدة عن عملية الشراء, «أنا دائماً مع المشتري, فبعد أن أجول معه على الأبنية والمحاضر ليرى على أرض الواقع الشقق المعروضة، أعرض عليه مخططات شقق لأبنية قيد الإنجاز، إذا لمست منه تمهل وعدم استعجال أنصحه بالشراء على المخطط، لماذا؟ لأن سعر المتر قد يكون أدنى بنسبة قليلة عنه في الأبنية المنجزة، فيوفر مبلغاً لا بأس به من المال خصوصاً إذا كان يريد بيت يتآوى فيه».
ينتقي (قصي) طالب كلية الإعلام في السنة الأخيرة, شقة من المخطط بعد أن يسأل دريد عن سعر المتر المطلوب فيها، ويعده بالرجوع إليه بعد يومين حيث تكون الصورة اتضحت في ذهنه ودرس إمكانياته المادية؛ لكن دريد يمنعه من الذهاب ناصحاً إياه بدفع (عربون) للمتعهد! بذلك تكون قد حجزت البيت الذي انتقيته قبل أن (يطير) ويذهب لغيرك خلال هذين اليومين, والأهم أنك ستثبت بذلك سعر المتر الذي ستشتري على أساسه, فمعلومك أنه قد يزيد 200 ليرة خلال يومين.. لكن ما هو المبلغ الذي يتوجب دفعه كعربون وأحقق هذه المنافع؟
يجيب دريد بكل ثقة بعد أن (انجعص) وأسند ظهره وأرخى بدنه على كرسيه, «5000 ليرة تفي بالغرض»!!  
ويبقى القول أن أمثال (خينا) حسين و قصي كثيرون في محافظتنا وغيرها من المحافظات التي ينتمي غالبية الناس فيها الى الطبقة الوسطى – الدنيا, والآخذة بالذوبان والانحلال، مضيفة الأعداد العديدة لطبقة الفقراء، والغنى والأرباح العديدة لطبقة الأغنياء ومحدثي النعمة. فمن استطاع أن يكون في الموقع الوسط، لا يلحق بهؤلاء ولا هو من هؤلاء، كان بيته في رأس القلعة.

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...