عزمي بشارة في جلسة خاصة

13-09-2006

عزمي بشارة في جلسة خاصة

الجمل ـ سعاد جروس: كانت صحيفة معاريف تشن حملة تحريض شرسة على وفد عرب الـ 48 الذي يزور سوريا ، ووزير الداخلية الإسرائيلي يطالب بالتحقيق مع أعضاء الوفد النواب في الكنيست عزمي بشار وجمال زحالقة وواصل طه، حين كان عزمي بشارة يستقبل ضيوفه في فندق وسط دمشق، ويرتب جدول الزيارات والمواعيد والمحاضرات واللقاءات ، فظهر اليوم الأثنين محاضرته على مدرج جامعة دمشق ، والثلاثاء سيزور حلب، و بعد ظهر الأحد تسجيل حوار مع التلفزيون السوري، وما بين موعد وآخر سلسلة لقاءات فيها من الحفاوة والتقدير بقدر ما فيها من الإعجاب بشخصيات تأتي في زمن العروبة الحالك من عمق الأرض المحتلة حاملة وهجها العروبي النقي، لقد جاء مع زملاءه العرب في الكنيست للتضامن مع سوريا ومع شعبها متحدياً القانون الصادر 2001 والقاضي بمنع النواب العرب من زيارة "دولة عدو" .

تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان وقضايا أخرى كانت محور جلسة حوار بين ضيف سوريا الدكتور عزمي بشارة ومجموعة من المثقفين والإعلاميين السوريين،  جمعتهم رغبة متبادلة بسماع الرأي الآخر، إلا أن الغلبة كانت للتوجس السوري واللهفة لمعرفة ما يقال عن سوريا في إسرائيل. وكلما انتهى من الإجابة عن سؤال جاء السؤال التالي في سباق مع الزمن الذي مهما كان طويلا لن يكفي للمرور عاجل على قضايا الساعة.

لا يخفي عزمي بشارة تخوفه من مؤامرة كبرى ما زالت تحاك على سوريا، خاصة وقد توضحت المحاور في المنطقة بعد الحرب الأخيرة على لبنان، وبات المحور العربي "حاداً وخطيراً " ضد سوريا. فقد فهمنا من حديثه أن إسرائيل تستشعر تحضير سوريا لشيء ما ضدها، ولذا قد تفكر بتوجيه ضربة استباقية كي تتجاوز أزمتها الداخلية وتستعيد هيبتها. إلا أن ما يثني إسرائيل عن عزمها، هو مدى جاهزية سوريا لهذه الحرب، فإذا كانت قوية فإن هذا قد يمنع إسرائيل من الإقدام على الحرب والعكس صحيح، مشيراً إلى أهمية النتائج التي خرجت بها إسرائيل بعد حربها على لبنان كعامل ردع قوي، فليس لديها عمق إنساني يتحمل حرباً طويلة، إذ لا يتحمل الإسرائيليون الموت في دولة خلقت ليحيا الإسرائيليون فيها، وجغرافياً  تعتمد إسرائيل في حربها على نقل المعركة إلى ارض العدو ، والحرب الخاطفة واستعمال قوة النار، وهذه العقيدة إذا ضربت يضطرب كل شي في إسرائيل.
ونبه إلى أن العنوان الرئيسي لإسرائيل الآن هو سوريا؛ فهناك اعتقاد داخل إسرائيل أن سوريا لم تكن ممراً بل مصدراً لغالبية سلاح حزب الله، كما يوجد احتجاج لدى إسرائيل على بيع روسيا السلاح لسوريا. وعما إذا كان هناك تحضير لضرب سوريا كجزء من سيناريو أكبر يستهدف إيران ؟ رأى بشارة أن سوريا عنوان رئيسي لإسرائيل وإيران عنوان رئيسي لأمريكا، إلا أن إسرائيل تخشى إذا تم توجيه ضربة لإيران أن يمطرها حزب الله بالصواريخ، كما أن الحرب ضد إيران من شأنها خلق مشاكل  في أفغانستان والعراق والخليج ولبنان، وبجميع الاحتمالات أي خطوة إسرائيلية سواء باتجاه الحرب أو السلام لاشك أنها ستتم بالتنسيق مع أمريكا. وفضل بشارة مناقشة الوضع في لبنان وسوريا بافتراض أن سيناريو أمريكا ـ إيران سيتم بشكل تدريجي ، وأبدى قلقاً حيال الحراسة الدولية للمعابر اللبنانية وبالأخص المطار والموانيء، من جانب نوع الأسلحة التي تدخلها القوات الدولية ، فهي أشبه ما تكون بأسلحة تدخل لا سلاح حفظ سلام، كما أن الأسطول الذي يمنع عبور شيء ما الذي يمنعه من تمرير شيء آخر ؟؟
وفيما يتعلق بالأصوات التي ارتفعت في إسرائيل تطالب بالعودة إلى عملية السلام، قال بشارة أن صوت المنادين بالحرب أكثر علواً، ولا حديث جدي عن السلام بعد الحرب، وذكر بشارة بالفرصة الكبيرة التي ضيعها رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود باراك، وقال: "أن شيئاً تاريخياً كبيراً كان يحدث حين قرأ بارك في الطائرة استطلاع رأي جعله يعطل عملية السلام"، لقد ارتكب خطأ بذلك، فالزعماء والقادة الكبار لا يقرؤون استطلاعات الرأي ولا يتأثرون بها لأنهم هم من يصنع الرأي العام، بعد ذلك صار لدى الإسرائيليين شوق لانتخاب قيادات تاريخية فتم  انتخاب شارون. الآن إسرائيل تعيش أزمة قيادات جدية.   
وحول الأسئلة المطروحة في إسرائيل بعد الحرب على لبنان قال: غالبية الأسئلة المطروحة هي يمينية الطابع تلك التي تطرح عادة بعد الهزائم وتتعلق بضعف القيادة  ضعف الجيش وإدخال الإعلام في الجيش ومراقبة الضباط وتقييد حركتهم ... إلخ من أسئلة تقنية، فيما يخفت الحديث عن السلام  فلا جدية في العودة إلى عملية السلام.
 الحديث مع مناضل وسياسي عربي أصيل كعزمي بشارة وعلى تماس يومي و مباشر مع الدولة العبرية له مصداقية خاصة، وتأثير كبير يمثل دافعاً لفهم المزيد عن الداخل الفلسطيني والإسرائيلي، وكيف عاش العرب وخاصة عرب الـ 48 أجواء الحرب ، حين كانت صواريخ المقاومة تصيبهم أحياناً كثيرة قبل أن تصيب أهدافها الإسرائيلية ؟ يضحك الدكتور عزمي بشارة وشر البلية ما يضحك : يقول كان عرب الـ48 يتصرفون وكأنهم غير معنيين بالصواريخ التي تسقط فوقهم ،فالمقصود بهذه الصواريخ الإسرائيليين وليس العرب، فلم يختبئوا عندما يسمعون صوت الإنذار. إلا أن حزناً عميقاً داهم صوته وهو يقول أن حزب التجمع فقد 19 شاباًَ في هذه الحرب، وكان علينا مواجهة موقف حرج أثناء الجنازات، فرغم أن الأمهات لم يصدر عنهن أي رد فعل حيالنا، لكنها نظرة عتب كنا نشعر بها لأننا مع الجانب الذي أصابت صواريخه أبنائهن. وقد حاولت إسرائيل استغلال الحرب لإثارة النعرات الطائفية بين العرب إلا أنها لم تنجح بذلك. لكن هذا لا ينفي التأثير الايجابي لصمود المقاومة على تيارنا القومي، الذي شهد جموداً بعض الشيء نتيجة الهجوم الحاد عليه والذي لم يتوقف منذ عام 2001  واتهامنا بأننا ندفع عرب الداخل باتجاه الانتفاضة. وقد نجحت إسرائيل بتجميد المشروع الكبير الذي كنا نعد له،إلا أن حزب الله رفع رأسنا وأعطانا شحنة معنويات عالية وافتخار بالهوية.
أما المعلومات التي قالت أن العرب استاءوا من مناشدة السيد حسن نصر الله لعرب الـ48 بالخروج من حيفا كي لا تصيبهم صواريخ المقاومة ، لأنها ذكرتهم بما جرى أيام النكبة. أكد بشارة أن هذا عار عن الصحة. وقد روج لهذا الكلام ي الإعلام جهة سياسية معينة ، وتم دحضها في الإعلام من قبل آخرون.
بدا الإرهاق على محدثنا وهو يجيب وكأنه في مناظرة منهكة، وبات الاحتجاج ضرورياً لتغيير مسار الحديث بعدما نضحت مرارات كثيرة من الحديث عن الوضع اللبناني، والتحولات الحاصلة في المنطقة، والأهداف العربية للحرب على لبنان وعملية الفرز الحاصلة بعد الحرب وجيل القوميين المتقاعدين من النضال الذين قسمهم بشارة إلى فريقين الأول عاجز ويعوض عجزه بإضفاء قوة خارقة على المقاومة، وفريق ثان محبط ويحمل المسؤولية عن الهزائم للمقاومة... بعد كل هذا لا بد من صرخة احتجاج مخلوطة بضحكة ممازحة :
 احكوا لنا شي آخر كأني قاعد بجلسة استجواب.... معقول أن السوريين يتكلمون وكأن كل واحد فيهم قائد حرب!!
هرج ومرج خاطف  ساد الأجواء قبل أن تقلب الصفحة ليعود تدفق الأسئلة لكن من باب الأدب:
ماذا عن أخبارك بعيداً عن السياسة ؟
و بمحاولة عرضية للاسترخاء، يجيب بشارة كمن يتحدث عن أمنية صعبة وهو يعدد الأحمال التي يرفعها على ظهره: أخطط لترك العمل السياسي والتفرغ للكتابة الفكرية والأدبية، لدي شعور بتبذير الوقت، فالهم اليومي لحياة النائب المطلوب منه متابعة شؤون الناس اليومية، بالإضافة إلى هموم حزب لا تمويل له ولا "شحار"، وموقع الـ48  الذي صار العمل فيه تبرع، فالمسؤول عن تحريره ينفق عليه من جيبه.. . إلخ من هموم كثيرة تجعل من التفكير بكتابة رواية كلام فاضي .. اشعر بالإحباط وأحيانا بالعجز لأني لا أملك الوقت للكتابة الأدبية، فالشحنات الأدبية  تخرج في كتابتي السياسية، فكتابتي أثناء الحرب لم تكن سياسية بل أقرب للأدب، رواية الحاجز غالبيتها كتبت في الكنيست أثناء الجلسات، لذا جاءت أشبه بالشظايا...
يعني لا تفكر بكتابة رواية أخرى ؟ سئل . فأجاب أنه يحضر لرواية عن انقراض الطبقة الفلسطينية الوسطى المثقفة، وجيل التنوير العربي في الأربعينيات ممثلة بشخصية العم أبو صالح الذي التقى بالعرب من سوريا ولبنان و..إلخ في بيروت اثناء دراسته وقتل في الخليل وظل القاتل مجهولاًَ ، فلا يعرف من قتله اليهود أم العرب ، تماماً كجيل التنوير العربي الذي لم يعرف من قتله اليهود أم العرب!!

انشغاله يؤخر انجاز هذه الرواية التي يبحث لها عن وقت ربما لن يتوفر إلإ بعد مغادرته الكنسيت أي بعد نحو السنتين كما أخبرنا، إلا أن ذلك قد يجعله في مواجهة مع خصوم تعيقهم حصانته البرلمانية عن محاصرته، فمحاكمته ما تزال مستمرة، لكن عزمي بشارة لا يخشى من أي إجراء قانوني ضده  إذ ليس هناك مستمسك قانوني يدينه، وليس بوسع إسرائيل فعل شيء سوى منعه من دخول الانتخابات، وإذا ما كان لديه أي شعور بالقلق فهو من عملاء وجواسيس إسرائيل ومخابراتها الخفية، ويخشى تعرضه بواسطتهم لأذى خارج إسرائيل .. هكذا عاد الحديث أدراجه الى السياسة التي تبدو وكأنها قدر عزمي بشارة لا خياره، فقد نبت كالصبار في حلق إسرائيل مجبولاً بالحس القومي العروبي وليس بوسعه إلا أن يكون كذلك.

خضنا الجولة الأخيرة  من الجلسة في كواليس الأحداث مع معلومات تفصيلية، كانت الأكثر غنى وتشويقاً في حوار مفتوح استمر نحو الساعتين، كان لابد له من نهاية قسرية بعدما طال انتظار الإعلاميين لإجراء حوارات تلفزيونية وصحفية يترقبها خصومه في إسرائيل للبحث بين كلماتها عن صيد ثمين يدينه بعدما كسر الطوق وجاء إلى سوريا متحدياً، ومعلناً  تضامنه معها ومع لبنان الخارج من حرب مدمرة.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...