انعكاسات الحرب اللبنانية على المؤسسة الدينية المصرية

11-09-2006

انعكاسات الحرب اللبنانية على المؤسسة الدينية المصرية

في الوقت الذي يشكو فيه الكثير داخل لبنان من أن تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان لم يتم التعاطي معها بالكثير من الجدية اللازمة، وأن استحقاقات ما بعد الحرب ما زالت تخضع لسجالات سياسية بعيدة كل البعد عن تقدير حجم التغيير الهائل الذي يمكن أن يكون قد تمخض عن الحرب، ثمة تساؤلات مهمة بدأت تأخذ طريقها إلى النقاش العام في مصر.
وربما ما كان لهذه الطروحات أن تظهر في بلد غير مصر معروف بتسامحه الديني والمذهبي الى الحدود القصوى، ما يعطي زخما قويا لنقاشات مهمة، كتلك التي أثارتها الحرب الإسرائيلية، لأن تجد مجالا على صفحات الصحف ونقاشات المثقفين، من دون أن تتلون بالعصبية المذهبية أو حتى أن يكون لها أي طابع مذهبي على الإطلاق.
كانت المقدمة لازمة لأن النقاش، وإن بقي نخبويا، يدور في مصر الآن حول ما وصفه البعض بفشل المؤسسة السنية في تقديم نموذج سياسي قوي يمكنه أن يقود العالم العربي والإسلامي.
ويأتي هذا التقييم في ضوء النموذج الذي قدمه حزب الله خلال حرب ال33 يوما، وهو الأمر الذي دفع ببعض المثقفين، ومنهم الكاتب الليبرالي سلامة أحمد سلامة، غير المحسوب على أي من التيارات السياسية في مصر، لأن يقول إن أحد أهم نتائج الحرب بروز الشيعية السياسية، ممثلة في حزب الله،  كمذهب سياسي  يتجاوز لبنان، وتتطلع إليه الأنظار لقيادة العالم العربي والإسلامي.
وبرغم أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نفى في حواره مع السفير  أن يكون هناك أي طموح للحزب لأن يكون قائدا للعالم العربي والإسلامي، فإن نفرا من المثقفين المصريين، وعلى رأسهم سلامة، يرون في ما حققته الحرب غير ذلك. ويذهب سلامة للقول إن أحد مبررات البروز القوي للشيعية السياسية كنموذج سياسي هو إمكانية أن تكون  بديلا   عن قرون طويلة ل  السيطرة السنية العقيمة على السياسة والفقه والفكر، أفلست خلالها من القدرة على الإبداع والتجديد والدفاع عن حقوقها أمام الهيمنة الاستعمارية والفكرية الآتية من الغرب  .
ويدعم سلامة وجهة نظر أخرى قدمها الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي، الذي أشار، في مقال نشره في صحيفة  المصري اليوم  ، إلى  التدهور الذي أصاب المؤسسات الدينية السنية في مصر  . وقارن الشوبكي بين السيد نصر الله وإمام الأزهر، موضحا أن  الفارق بين الرجلين لا يكمن فقط في العلم والقدرات الشخصية، إنما أساسا في امتلاك الأول لمصداقية كبيرة وسط الجماهير العربية ذات الغالبية السنية في حين أن الثاني عجز عن اكتساب ثقة المواطن العادي في مصر  .
ويعتبر الشوبكي أن أي مقارنة سريعة بين حال علماء الشيعة وأحوال علماء السنة ستكشف أن  استنارة جانب كبير منهم، مقارنة بجمود علماء السنة، واضحة لا غموض فيها، كما أن استكانتهم إلى وضعهم كموظفين يحصلون على رواتبهم من الدولة وينتظرون العلاوة كل حين، والتي تتطلب ألا يُغضبوا أولي الأمر، انعكست على فتاويهم الواقعة خارج العصر والعقل، أو أخرى صارخة من أجل أن تدغدغ مشاعر الجماهير، وهذا على عكس العلماء الشيعة الذين عرفوا تاريخيا استقلالا نسبيا عن الدولة والنظم القائمة، وقدم كثير منهم اجتهادات مستنيرة وعصرية  .
وتعكس تلك الكتابات حيوية على أن النقاشات، على الأقل في مصر، قد تجاوزت النظرة التقسيمية المذهبية الضيقة ما بين سنة وشيعة، وهي تعيد التذكير بالنقد الذي طالما طال المؤسسة الدينية في مصر، السنية بطبيعة الحال، لجهة كون جل وظيفتها قد تقلصت خلال العقود الخمسة الماضية في تقديم الغطاء الشرعي والديني لما يعتبره كثيرون حكما جائرا وفاسدا.
وهي ربما أتت أيضا على خلفية نقاشات حادة تسعى إلى تعميق هوة الانقسام المذهبي، وردا غير مباشر من قبل المثقفين على بعض رجال المؤسسة الدينية السنية في مصر والعالم العربي الذين يعانون من رهاب الشيعة كما وصفه أحد المثقفين. إلا أن أهميتها ربما تكمن في كونها تفتح الباب أمام نقاش مهم حول ما آلت إليه المؤسسة الدينية إجمالا، وأي نموذج سياسي نريد.

اميمة عبد اللطيف

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...