الآن في شطحة: 15 ألف مواطن تحت تهديد الديوكسين

11-09-2006

الآن في شطحة: 15 ألف مواطن تحت تهديد الديوكسين

« انتشار ظاهرة مرض السرطان بشكل كبير ضمن منطقة الغاب وخاصة ناحية شطحة.. وهذا السرطان ذو نوعين: سرطان يصيب الذكور ( 95% يصيب جهاز الهضم) ..

سرطان يصب الاناث( 95% يصيب الثدي).. هذا جزء من كتاب أعده رئيس بلدية ناحية شطحة في محافظة حماة بهدف رفعه للسيد المحافظ.. 
بعد اسبوع على اندلاع آخر حريق في غابات جبال اللاذقية المحيطة بسهل الغاب والذي امتدت نيرانه هذه المرة لتأكل مايقرب من ألفي دونم من سفوح هذه الجبال بكل ماتحويه من غابات كثيفة لأشجار الصنوبر والارز وغيرها... وهذا الرقم بحسب ما صرح به رسمياً بينما حسب ماذكره مختصون في الغابات والحراج ونشرته صحفنا أيضاً فإن المساحة هذه المرة تناهز الخمسة آلاف دونم. ‏

زرت المنطقة بعد فترة الاسبوع هذه ولم يكن في نيتي البحث في ذلك الجانب العقيم من الجدل حول:أسباب هذا الحريق، وأسباب حدوثه في هذه الليلة بالذات وعلاقة حادثة قتل حدثت أيام الحريق والمشتبه به الموقوف وماعلاقة تجار الفحم، وعلاقة الراغبين بوضع اليد على الاراضي، وعلاقة أصحاب العقود المؤقتة من عمال الاحراج، وتجهيزات الطوارئ والاطفاء،ومخافر الحراج..و.. الخ ‏

مع التنويه الى ان كل ماذكرته آنفاً، مستند الى وقائع مثبتة ومتكررة في معظم حوادث حرائق الغابات والاحراج في مناطق اللاذقية وحماة ومناطقهما السياحية التي لم يتردد بعض الكتاب بوصف بعض مناطقها الوارفة بالغابات بأنها من اجمل بقاع العالم قبل ان تحرق تماماً وتمسح عن الخارطة طبعاً كما حصل في محميتي البسيط وام الطيور. ‏

بالنسبة لي، جئت من دمشق الى هذه المنطقة حاملاً فرضية تحتاج للتأكيد، تحملت في سبيلها غمزاً من بعض سكان المنطقة:« الآن» جئتم بعد انتهاء الحريق .. وعلي الاعتراف انني ربما لم أستطع ان أشرح لبعض المحيطين بي، أنني أهدف للتقصي في ناحية ربما تفيدهم إثارتها بحيث تشمل كل الحرائق التي حدثت وتحدث ولا سيما ان أجوبة المسؤولين عن هذا الحريق وغيره لا تختلف من حريق لاخر ولامن محافظة لاخرى ولامن زمن لاخر. ويتضح ذلك جلياً حين نعود لما كتب عن هذه الحرائق منذ اكثر من خمسة عشر عاماً وحتى اليوم وهو ما قمنا به فعلاً. ‏

الجواب المتكرر يبدأ :« كل الدول التي فيها غابات تشهد حرائق متكررة» ثم يتوسع الحديث ليكرر« اتجاه الرياح ،وعي السكان. وعي عناصر المراقبة.. الخ» ولايفيدنا في كل مرة التذكير أن كل دول العالم التي تحدث فيها حرائق الغابات لاتشهدها اولاً بهذه الكثافة.. ثم إنها تتعلم في كل مرة من تجاربها لتسرع عملية السيطرة على« استعار الحرائق وامتدادها. ‏

نحاول هذه المرة تسليط الضوء على أمر محدد يتجاوز كل ماسبق ذكره من تساؤلات تقليدية تطرح مع كل حريق لتقابلها اجوبة اكثر تقليدية ولم تنفع حتى الان في الوقوف بجدية« ومسؤولية» على مايحصل لأنني وسأقولها بكل جرأة: عندما أعلم أن مساحة الغابات في محافظتي اللاذقية وحماة المنكوبتين سنوياً بحرائق الغابات التي هي أصلاً ـ اي الغابات ـ نعتبرها رئة سورية ـ في هاتين المحافظتين لاتشكل اكثر من( 5،2%) من المساحة الكلية للقطر رغم كل مشاريع التشجير والتحريج. 

عندما نعلم أن غاية ماتم الوصول اليه هو البدء في عام 2005 بافتتاح الحملة الوطنية الاعلامية لمكافحة حرائق« الغابات» والتي بدأ تطبيقها في اللاذقية اواخر ذلك العام بالتعاون مع منظمة الاغذية والزراعة ( الفاو) معتمدة على ما سمته التشارك ومن ثم نفترض ان تطبيقها عملياً بدأ اوائل هذا العام، ثم نقرأ تقريراً عن عدد الحرائق التي حدثت في اللاذقية خلال الستة أشهر الاولى من هذا العام في هذه المحافظة لنجدها، «50» حريقاً اي بمعدل تسعة حرائق كل شهر فإن هذه الحملة لاتحتاج لتعليق يزيد عن تصريح لمدير زراعة اللاذقية « لافائدة من النهج التشاركي حيث لم نلمس الجدوى التي تتلاءم والمشكلة». ‏

بعد أن استعد رئيس بلدية « شطحة» ليواجهني بالجواب الرسمي عن السؤال المتوقع حول أسباب الحريق والاجراءات المتخذة قلت له: سأحدثك بشيء آخر.. لدي تقرير رسمي من منظمة الصحة العالمية يقول: ان المنطقة التي تكثر فيها حرائق الغابات فإن غازاً يتضمن معدناً ثقيلاً يسمى الديوكسين (DIOXIN) ينتشر في اجوائها ثم يتسرب الى مياهها وطعامها ومزروعاتها ثم أضفت له: ولدي مايثبت ان الوكالة الدولية لأبحاث السرطانIARCاعتبرت الديوكسين عاملا مسرطناً بالتأكيد خاصة مع تأثيره التراكمي لسنوات تتراوح بين 3و10 سنوات. ‏

كما ذكرت له ما أفادني به المهندس أمير بخاري وهو الخبير البيئي المعروف، ان الديوكسين ينتقل في دورته من الجو الى السلسلة الغذائية اي الى الماء الى السمك الى النبات الى الدجاج الى البيض الى الانسان .. الخ مع محافظته على تركيبته كاملة. ‏

قلت له: بناءً عليه و بناء على ماتشهده هذه المنطقة من حرائق متكررة منذ عشرات السنين والتي زادت لتصل الى معدلات عالية خلال العام الواحد فضلاً عن تكرارها في أشهر معينة كل عام وذكرته بأن هذه المنطقة تحديداً شهدت هذا العام أكثر من حريق للغابة اخرها كان قبل شهرين او ثلاثة... كما أن الاراضي الزراعية في حماة شهدت وفقاً لتقرير منشور( 70 حريقاً في يوم واحد) . ‏

ابتسم رئيس البلدية وقال لي: يمكنك ان تتفضل لزيارتي في البلدية لأريك شيئاً. ‏

وهناك اكتشفت سبب ابتسامة رئيس البلدية الذي طبع من الكمبيوتر كتاباً كان قد اعده من قبل لتوجيهه للسيد محافظ حماة يذكر فيه ملاحظته التي استند فيها الى لقاءات مع الأطباء والأهالي والتي تشير الى ارتفاع حالات السرطان في هذه المنطقة بشكل كبير. ولم يخف رئيس البلدية انه كان متردداً في رفع الكتاب نظراً لاحتوائه على أسماء العديد من المواطنين المصابين بنوعي السرطان المذكورين اول موضوعنا؛ سرطان المعدة وسرطان الثدي، وذلك حرصاً على مشاعر اصحابها.. ‏

غير أن الحديث الذي جرى بيننا لاحقاً، اعتقد أنه شجعه ليتجاوز هذا الحرج وان يقوم بواجبه كمسؤول عن هذه المنطقة لتنبيه الجهات المعنية ولوبناء على ملاحظات متفرقة، وربما لن يكون مضطراً لذكر قائمة بأسماء المصابين لأنني تفهمت هذا الحرج عندما التقيت العديد من المصابين وذويهم ممن اعتذروا عن الظهور في الصور او بالاسماء الصريحة عن الحديث في هذا الموضوع. ‏

« شطحة» التي ذكر لي اهلها أن تسميتها جاءت من« تشطحها» على سفح هذا الجبل تضم أساساً ( شطحة وناعور شطحة) وعدد سكانها ـ بحسب رئيس البلدية ـ يزيد عن تسعة آلاف نسمة ويقترب من العشرة... ‏

هذه المنطقة التي اعتادت على حزم ماخف حمله وغلاثمنه مع كل هبة نار على الغابات المحيطة، كانت على موعد هذا العام مع « تسونامي» جديد أخلى بسببه اكثر من نصف سكانها بيوتهم والتجؤوا الى القرى المجاورة هرباً من النيران التي أتت على معظم بساتين الزيتون في الجانب المحاذي للجبل لتصل الى البيوت وتسبب اختناقات وحالات اسعافية اضطرت الجهات المسؤولة في حماة لنقلهم للعلاج المجاني في احد المشافي الخاصة ضمن احدى القرى المجاورة كما أن صيدلياً في هذه الناحية أفادنا أنه اعتاد على توفير أدوية معينة لعلاج التهاب القصبات خلال موسم الحرائق ‏

الذي أصبح بديلاً عن موسم الحصاد... كما أن الصيدلي يفيدنا أن الطلب على هذه الادوية يبدأ عادة أثناء الحرائق ويمتد بعدها لشهرين أو ثلاثة!! ‏ ‏

ذكرت للدكتور منذر العباس( طبيب المستوصف في شطحة) نتائج بحث قمت به بناء على المعطيات المتوفرة من سجلات مركز الطب النووي( البيروني حالياً) والذي درست فيه حالات السرطان في حماة وريفها خلال ستة أشهر بدءاً بأول العام الحالي، والتي أشارت بوضوح الى أن« شطحة» كانت تحتوي على نسبة تعتبر من أعلى الاصابات في حماة ومحيطها، ورغم أنني لا أزعم المنهجية العلمية الكاملة في البحث الا أنني أزعم ان ماوصلت اليه يعطي مؤشراً معتبراً الى حد مقبول. ‏

على كل حال: كان الدكتور العباس مؤيداً من حيث المبدأ لوجود تلك الظاهرة السرطانية اللافتة، بل انه أضاف، ان ملاحظته كطبيب في المستوصف وكجراح مختص في المنطقة تفيد أن الاصابات طالت حتى الصغار من الذكور والاناث ضارباً على ذلك بأمثلة عن إصابات بسرطان الثدي لدى فتيات يافعات. ‏

أما من حيث ربط الاصابات بعامل الديوكسين فقد ظل متردداً رغم تأييده الحاجة الى البحث الجدي في هذا العامل. ‏

من جانب آخر كانت فرضيتي تستند الى تقرير اصدرته منظمة السلام الاخضر الدولية ـ لدينا نسخة منها ـ يشير الى أمراض اخرى يسببها الديوكسين وعلى رأسها التشوهات الولادية والامراض العصبية.. ‏

وفي هذا الجانب أفادنا طبيب المستوصف أن ملاحظته نسبة التشوهات الولادية وخاصة مايسمى« شلل فريد رايخ» القاتل وقد كانت آخر المعلومات قبل عامين تؤكد اصابة أربعة أطفال في شطحة بهذا المرض الذي يصيب الاطفال ويلاحقهم بتشوهات وخلل عصبي يستمر حتى يفاعتهم ثم ينتهي بالموت في معظم الحالات. ‏

ورغم عدم توفر معلومات عن اصابات اخرى خلال العامين المنصرمين فإن الاصابات الاربع المذكورة كانت بحد ذاتها مؤشراً خطيراً كما يقول الدكتور منذر العباس ، لدرجة أن الموضوع أثير في مجلس الشعب ذات مرة وتشكلت لجنة كان محدثنا أحد أعضائها بحثت في أسباب المرض وخلفياته لكن ماتوصلت اليه كما يقول ان اسبابه « جينية ووراثية». ‏

من المؤسف وفقاً لما أفادنا به المهندس خالد قلالي مدير سلامة الغلاف الجوي في الهيئة العامة للبيئة انه لم تجر أية دراسة في سورية على الغازات الخطرة والمعادن الثقيلة الخطرة المتضمنة فيها، لكنني أعتبر كل ماذكرته سابقاً مؤشرات تستحق النهوض بهذا العمل رسمياً عبر لجنة مختصةولاسيما مع توفر معلومات عديدة ذكرها لنا الصيادلة والاطباء في المنطقة عن أمراض أخرى مرتبطة بالديوكسين وعلى رأسها« انتانات المعدة» المنتشرة بكثرة عند الاطفال. ‏

كما أفترض أن مثل هذا البحث يمكن ان يشمل قرى ومناطق اخرى في حماة واللاذقية مازالت تنام وتصحو على استنشاق هذا الغاز السام منذ عشرات السنين.. ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...