ثقافة النحافة هوس على حساب الصحة

24-09-2006

ثقافة النحافة هوس على حساب الصحة

كانت مجتمعاتنا الشرقية وإلى عهد قريب تنظر إلى السمنة على أنها إحدى علامات الجمال، وعلى أنها سمة من سمات الثراء. غير أنه منذ عقود عدة بدأت الاتهامات الطبية توجه الى البدانة، وسيطرت أحلام النحافة على العقول. ولم تكن الأخطار الصحية للسمنة هي السبب الرئيسي لهذا الولع بالنحافة، بل كان الجري وراء الموضة ومحاولة تقليد عارضات الأزياء وأهل الفن، إذ أصبحت النحافة دليلا على الرشاقة والجمال وانهمك الكثير من الناس بمظهرهم إلى حد الهوس. بدأت موضة النحافة منذ فترة الخمسينات عندما تألقت الممثلة أودري هيبورن بأدوارها على الشاشة، ورسّخت صورة المرأة النحيفة الضعيفة التي تمنح الرجل الاحساس بالقوة والرغبة في حمايتها. ثم حلت فترة الستينات لتضيف عارضات الازياء بعداً جديداً إلى مفهوم الاناقة التي ارتبطت بقوام المرأة النحيفة. وهكذا تحركت مقاييس الجمال نحو نحافة أكثر ارتبطت بتحول مهم في وضع المرأة في المجتمع من كونها أماً تكتسب أهميتها ومكانتها من أمومتها، ومن كونها ايضاً زوجة تكتسب حب زوجها بصلاحها، إلى كونها موضوعاً مثيراً باحثاً عن الإعجاب أكثر من بحثه عن سعادة الأبناء الصغار وسعادة الزوج المغيار!
وارتبط تحرر المرأة من "قيود" الأسرة بتحكمها في جسدها، وارتبط هذا كله بالنحافة التي صارت عنواناً للتحرر. ولا شك في أن الأميرة الراحلة ديانا هي أشهر من عانى من وسواس النحافة الذي كان يدفعها إلى الإفراط في تناول الطعام، ثم التخلص منه ولو بإجبار نفسها على التقيؤ. وللتغلب على ذلك كانت ديانا تستعين بمعالجة نفسانية.

منذ الثمانينات وأصابع الاتهام توجه نحو عارضات الازياء النحيفات على أساس انهن السبب في هوس المرأة عموما والمراهقات خصوصا بالرشاقة والنحافة، وفي ظهور امراض الانوركسيا والبوليميا وغيرها. وفي ما يعتبر نوعا من رد الاعتبار الى كل انثى لا تحمل مقاييس عارضات الازياء، قررت ادارة اسبوع مدريد للموضة استبعاد العارضات النحيلات جداً من العروض وابدالهن بعارضات ذوات قوام "طبيعي". فقد قرر مجلس مدينة مدريد، الراعي الرسمي لأسبوع الموضة، ألا يقل وزن عارضات الازياء اللواتي يبلغ طولهن 1.75 متراً عن 65 كيلوغراماً. واضافت الادارة التي رفضت ما يقرب من ثلثي العارضات، انها ستوفر اختصاصيي تغذية للتأكد من وزن العارضات وتقديم النصيحة الطبية لشديدات النحافة منهن. وحتما سيبدي الكثير من النساء حول العالم ارتياحاً لمثل هذا القرار. ففي عالم حيث اصبح مقاس 10 هو المقاس المنشود بين السيدات بسبب صور العارضات امثال كيت موس او الفنانات مثل كيرا نايتلي او فيكتوريا بيكام (التي قيل أخيرا انها ترتدي ملابس تصمم لمقاس سبع سنوات)، اصبحت المحلات تبيع المقاسات الصغيرة ولا تجد الكثيرات المقاس المناسب لهنّ. ولكن، لماذا يتم اختيار النحيفات؟ يقول مصمم الأزياء البريطاني بول سميث إن "الملابس تبدو ملائمة على فتاة نحيفة، وعندما نقدم عرضاً للأزياء لا تتاح الفرصة لتصميم ملابس تكون ملائمة لفتاة "عادية". لذا إن كنّ نحيلات يمكن أن نعمل على التصميم حتى يبدو شكله معقولاً".
وأوضح خبراء التغذية أن المرأة في العصر الحديث تتعرض لنوع من الإرهاب يعرف بـ"إرهاب النحافة" يدعوها الى ضرورة التخلي عن السمنة. وهذا النوع من التفكير يسيطر على فكر المرأة حتى وصل بها الأمر إلى إجراء جراحة "تدبيس" المعدة التي ثبت علمياً أنها ضارة بصحة من تقبل عليها من أجل التخلص من شبح السمنة. وعادة ما يبدأ الأمر بنوبة حمية، ثم يستمر رفض الأكل واختلال النظرة إلى الذات والجسم، إذ ترى الفتاة نفسها سمينة رغم كل ما يقال عن نحافتها الزائدة، وترغب في فقدان الكثير من الوزن. فكثير من الفتيات يرين في النحافة القدرة على السيطرة على حياتهن، ويشعرن بالثقة وهنّ نحيفات، وكذلك يشعرن بأنهنّ أكثر أماناً من السمينات، ويخفن كثيراً من السمنة الزائدة ويعتبرنها أكبر كارثة تحل بهن.

الحل الذي نحتاج اليه كي نتحرر من وباء النحافة هو حملة يشارك فيها جميع الاطباء، ووسائل الاعلام والهيئات المعنية، تهدف إلى مساعدة النساء على تقبل الاشكال المختلفة لأجسادهن بدلاً من تقويمهن على أساس شكل أجسادهن. حملة تهدف إلى إنماء جسم صحي لا هو نحيف ولا هو بدين. وقد حان الوقت لتأخذ المرأة العادية وحتى الممتلئة، حقها من الاهتمام. فالجمال ليس في النحافة الزائدة والهزال، بل في الصحة والرشاقة.


ميشال تويني القسّيس

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...