تداعيات محاضرة بابا الفاتيكان في جامعة ألمانية (2-7)

28-09-2006

تداعيات محاضرة بابا الفاتيكان في جامعة ألمانية (2-7)

الجمل-محمد صفوح مرتضى:  عطفاً على خطابنا السابق لقداسة البابا بنديكتوس السادس بابا الفاتيكان والذي تَسَنَّمَهُ نداءٌ لقداسته: [قداسة البابا...إياك أن تعتذر....وإياكَ إياكَ أن تَنَمَحَّل]
فقد كثُر التساؤل واللّغَطُ حول تعبير: [إياك أن تتمحل]، وحسماً للأمر نورد معنى التَمَحُّلُ حسب معجم (لسان العرب، لابن منظور) هو لفظ محايد في دلالاته، لا يحمل دلالةً إيجابية بالضرورة أو دلالية سلبية، فالمماحلة هي: (الموافقة والمجادلة والمناكرة والكيد والمكر والمماكرة والمقاواة والمعاداة والحيلة)، وسنورد تفصيل ذلك في الهامشِ خاتمة هذا المقال (1)، وذلك حسماً لتأويل غيرِ العارفين، ودرءاً لسوء فهم غير حميدي النوايا، وتلبيةً لتساؤل المُستعلمين حيث أننا نخاطب قداسته بكل احترام ومودة، رغم ما صدر عنه.!.لأن الإسلام بمرجعيته القرآنية النبوية يأمر كل مسلم بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن (2) ويقرر لكل المسلمين أن الذين قالوا إِنا نصارى، هم أقرب أهل الكتاب مودة للذين آمنوا....(3).
ولن نعتمد مطلقاً أسلوب التوفيقيين (المجاملين) من بعض مشايخ المسلمين وأتباعهم وبعض مثقفيهم المتمظهرين بالعمل على خطِّ (الحوار الإسلامي- المسيحي) ذهاباً وإياباً، والذين يواجهون رجال الدين المسيحي والمسيحيين بخطاب ودِّي معسول، يُقَدِّمون مثل هذه الآيات ذات التوجه الإيجابي المتعلقة (بالنصارى) - وفق المصطلح القرآني، والمسيحيون وفق المصطلح المسيحي- ويمارسون رذيلة تحريف الكَلِمِ عن مواضعه متوهمين أنهم يطبقون بأمانة.!..قاعدة: (لكل مقام مقال) حيث يتلونون في توجهاتهم ومواقفهم حسبما تقتضيه الظروف فيقومون عن سابق إصرار وترصد ببتر آياتٍ على طريقة: (ولا تقربوا الصلاة....دون أن يُكملوا الآية: وأنتم سكارى)، ويغضُّون الطَرْفَ ويُمسكون اللسان عن آياتٍ أخرى قد يَفْهَمُ منها غير المتدبِّر العالِمِ بالقرآن من المسلمين، وغير المدقق أو غير المنصف من متعصبي المسيحيين أنها تحمل توجهات سلبية تجاه أهل الكتاب عموماً والمسيحيين: (النصارى) خصوصاً، وسنُفرد لهذه الآيات وغيرها بحثاً مفصلاً مؤصلاً سبق أن أعددناه لباحثة مستشرقة إيطالية وباحث مستشرق ألماني إجابةً على تساؤل حول موقف القرآن الكريم من المسيحيين وأهل الكتاب، ضمن محاور رسالة دكتوراه لكل منهما، وسنورد هذا البحث موسعاً ومفصلاً في الحلقة الثالثة –القادمة- من تداعيات محاضرة قداسة البابا، وقد كان هذا البحث ثمرة تدبر شامل وعميق ودقيق لآيات القرآن الكريم بأكمله والمتصله بالموضوع مستفيدين بالتأكيد من جهود علماء أعلام سبقوا في بحث هذا الموضوع فوافَقْنا بعضَهم وخالفْنا آخرين واعتمدنا منهجاً علمياً مستمداً من القرآن الكريم ذاته، ومدعماً بسنة وسيرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث استوعبنا معظم تنوعات مناهج التفسير فهي يُكَمِّلُ بعضها بعضاً، مرتكزين أولاً على منهج تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسير القرآن بالمأثور النبوي الصحيح سنداً ومتناً، متحررين من أي استلاب إلى أي تفسير معيَّن أو مدرسة في التفسير بعينها أو مذهب فقهي أو اعتقادي من المذاهب الإسلامية المعروفة، مع الاستفادة منها جميعاً وركزنا على التفسير الموضوعي لآيات القرآن الكريم وتَحَررنا من كل الأساليب الخاطئة منهجيا،ً والتي وقع ضحيتهَا بعض المفسرين القدماء والمعاصرين، مثل:  بتر الآية عن تتمتها، أو فصلها عن الآيات التي قبلها أو التي بعدها، أو اقتطاع ِ جزء من وسط آيةٍ اقتطاعاً مُخِلاً، إضافة لعزلها عن بقية الآيات بالسورة معطلين دور السياق والسِباق، أو فصلها عن بقية الآيات في ذات السورة وعدم ربطها معها إضافة إلى عدم جمعها مع الآيات الأخرى المُتحِدَة معها بالموضوع في السور الأخرى من القرآن الكريم، أو ذات الصلة الثانوية بموضوعها.
إن القرآن وحدة ٌمتكاملةٌ منسجمة انسجاماً محكماً داخلياً وآياتُه يفسر بعضُها بعضاً، إذ أن كل تدبر أو تفسير للقرآن لا يراعي هذه الاحترازات الواجبة سيقع في خلل منهجي يؤدي إلى كثير من المفاهيم المغلوطة، والدلالات الفاسدة، والتحريفات المنكرة، والاستنطاقات الزائفة للآيات مما يُقحم في دلالات الآيات أفكاراً دخيلة ًعلى القرآن، تُقَدَّمُ في بعض التفاسير أو الدراسات القرآنية على أنها مستمدة ًبأمانة ودقة من القرآن ذاته، في حين أنها تصُادم آياتهِ المحكمات وتخالف جوهر الإسلام وصريح القرآن وصحيح السنة النبوية سنداً ومتناً، وتتنافى مع سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتجافي المقاصد القرآنية التي لا يختلف عليها المسلمون على تنوع أطيافهم المذهبية ومدارسهم، هذا إضافة إلى عدم تحقيق توازنها الخارجي عندما تتناقض مع حقائق خارجية ثابتة ليست موضع خلاف علمياً...
إن الاحتكام للآيات المُحكمات التي هي أمُّ الكتاب والمعتمدة قرآنياً مرجعاً لحسم كل خلاف في دلالات آياتٍ متشابهات هو الطريقة المثلى التي أرشدنا إليها القرآن الكريم لتدبر آياته (4) وعدم الوقوع في فخ الآيات، التي تبدو لبعض المتعاملين مع القرآن أنها متشابهات، حيث أن هذا التشابه المتوهم هو ناشئ عن خللٍ ما، مِنْ قِِبَلِ ِالمتعاملِ مع هذه الآيات، وليس كما يظن بعضهم – غفلةً وجهلاً - أن الله أراد أن تكون الآيات موضع خلاف بين المفسرين حتى تتعدد دلالاتها، ويتسع المجال للمسلم لينتقي  وفق نزعة الاستنساب المزاجية من هذه الدلالات ما يوافقه، أو ما يناسب زمنه وظروفه وحاجاته كلّما أتيح له أن يتعامل مع آية ما فإنه يكسوها الدلالة التي يراها مناسبة مع الزمن والظرف والموضات الفكرية الرائجة، وكلما أتيح له أو لغيره أن يتعامل مع نفس الآية يمكنه أن يُلبسها من الدلالات ما يشاء حسب رغبته واستنسابه دون أدنى جرح!... وهذا يؤدي إلى تحويل القرآن إلى مجرد وعاءٍ لفظي يملأُه كلُّ متعاملٍ معه حسب هواه وحسب توجهاته وحسب مقاصده الذاتية بالدلالات التي تخدم مصالِحَة، وهذا ما صرَّح به للأسف بعض (المبجلين.!..) ممن يُقدِّمون أنفسهَم رواداً لتفسيرٍ معاصرٍ للقرآنٍ فيرون أن دلالات آية ما، تتغير مع الزمن ويعتبرون ذلك حكمة إلهية..!.. وإعجازاً قرآنياً..!. مَنحت القرآن الكريم مرونةً بالغة مما لم يتسنَّ لغير نصوص القرآن!... رغم الكم الهائل من الآيات الصريحة التي تقرر أن القرآن هو كتاب مبين وأن آياته هي آياتٌ بينات (5).
إن هذا الاستطراد حول إشكالات التعامل مع الآيات القرآنية ضروري لنؤسس عليه تفنيدنا لمقولة البابا حول آية (لا إكراه في الدين) والتي أوردها قداستُه مبتورة عن تتمتها، وحصر فاعليتها في الفترة المكية، حيث كان الرسول مُستضعفاً - حسب زعمه - وعطَّلَها في الفترة المدنية، حين قويت شوكة المسلمين بعد الهجرة للمدينة، وأصبح الرسول ذي منعة وقوة، ففي زعم قداسته أن منشأ نفي الإكراه في الدين هو عجز الرسول عن ممارسة هذا الإكراه في فترةٍ كان فيها ضعيفاً مُستهْدَفاً في مكة، أما عندما قوي وأصبح له أنصار وأعوان، فلم يعد له أدنى حاجة لهذه الآية، لذا فقد لجأ إلى تعطيلها في المدينة، ليتاح له ممارسة الإكراه للآخرين لإدخالهم في الإسلام عنوةً وذلك بحدِّ السيف وقد حمَّل تبعة هذه الفكرة المناقضة لثوابت العقيدة الإسلامية إلى الخبراء والعارفين بهذا القرآن دون أن يحدد من هم؟!...
إننا سنطالب قداسته أولاً بالأدلة على ما ادعاه وفق النصوص القرآنية النبوية، ووفق سنَّة وسيرة الرسول الكريم منذ البعثة النبوية إلى الهجرة إلى فتح مكة إلى أن غادر النبي (ص) الحياة الدنيا للقاء ربه، لنُفَنِّد له هذه الأدلة منهجياً وعلمياً. ثم لنطرح له فيما بعد الرؤية القرآنية النبوية المؤصلة لحرية الإنسان في الاعتقاد وعدم جواز ممارسة أي نوع من الإكراه على أي إنسان كيما يتخلى عن عقيدته لإلزامه بالإسلام مُكرهاً - خاصةً إذا كان من أَهلِ الكتاب- وإلى حين يُقدِّم لنا قداستهُ الأدلة على دعواه هذه سنورد كامل الآية ليتم التدبر بها، وليتبدى لكل منصفٍ خطأ بتر الآية، والاستشهاد بها دون تتمتها، وسنُفَصِّل فيما بعد في هذا الموضوع عندما نتصدى لتفنيد ما أراد قداستُه أن يقدِّمه في محاضرته من أفكار لا أساس لها من الصحة حول الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالآية المتعلقة بالنبي عن الإكراه في الدين وردت في سورة البقرة بعد آية الكرسي مباشرة، وتمام الآية هو:
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(256) (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (257)     (البقرة 2/256-257)
إذاً لا بد من ربط مقدمة الآية بتتمتها أولاً ثم وضعها في سِياقِها وسِباقِها وربطها بما قبلها وما بعدها من آيات في نفس الصورة تم جمعها مع الآيات الأخرى المُتحِدَة معها بالموضوع -وهو (حرية الاعتقاد لكل إنسان وتحريم أي إكراه في الدين)- التي هي واردة في السور الأخرى، عندها يكون البحث موضوعياً متكاملاً مبرءاً من كل خلل أو مغالطة أو تحريف. ولا بد من إضاءة ضرورية تفيد المتأمل بهذه الآية، وهي أن الآيات التي وردت بعدها مباشرة تتصل بقصة النبي ابراهيم عليه السلام مع الذي حاجَّه في ربه حول ادعائِه أنه يحيي ويميت، كما الله يحيي ويميت فأجابه ابراهيم عليه السلام إجابة قاطعة فَبُهِتَ الذي كفر- راجع الآية.              (البقرة 2/258)
وسنتطرق تفصيلاً لهذا الموضوع في حلقة قادمة بإذن الله عندما نتصدى لتفنيد المزاعم التي اقتبسها قداسته والعارية عن أي دليل والمصادمة لكل الأدلة بكل ما يتعلق بالقرأن والنبي الكريم والإسلام.
خطابنا الآن بعد هذه المقدمة الضرورية موصول مع خطابنا السابق في الحلقة السابقة، والموجه إلى قداسة البابا حول التداعيات العديدة لمحاضرته أهونُها مطالبتُه الحثيثة بالاعتذار عما صدر عنه من إساءات للإسلام من قِبَلِ كثير من المسلمين مشايخَ ومثقفين وعوام، حيث طلبنا من البابا في الحلقة السابقة ألا يعتذر إلا بعد أن تتبين له فداحة الأخطاء التي وقع قداستُه ضحيتَها وبدافعٍ من احترامه للحق ووازع من ضميره لأن الاعتذار يجب أن ينبع من داخل الإنسان لا أن يُستجدى منه أو يُكرَه عليه ولا بد كيما يقتنع إنسان ما أنه قد أخطأ أن يَتَبيَّن أو يُبَيّنَ له هذا الخطأ وتقع مهمة بيان ذلك لقداسته على عاتق هؤلاء (المُبَجَّلين) الذين يُقدمون أنفُسَهم على أنهم علماء للمسلمين، إلا أن معظمهم للأسف طالب البابا. بالاعتذار قبل أن يُقيم عليه الحجة، ويبين له مواطن الخطأ الذي وقع به في محاضرته، بالرغم من أن كل (مُبَجَّلٍ) من هؤلاء على يقين من أن الله تعالى ذاتَه خالقَ الإنسان ومبدعَ الأكوان ومرسلَ الرسل كتب على نفسه ألا يحاسب إنساناً على عدم إيمانه بنبوة أي نبي أو برسالة أي من رسله إلا بعد أن تُقام عليه الحجة أنه قد وصله البلاغ المبين واستيقنه ثم جَحَدَهُ ظلماً وعلواً قال تعالى:
- (فلمّا جاءتهم آياتُنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبين (13) وجَحَدوا بها واستَيْقَنَتْهَا أنفسُهُم ظلماً وعُلُواً، فانظر كيف كان عاقبةُ المفسدين (14)  ).            (النمل 27/13-14)
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ...؟)           (النحل 16/35)
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ...)         (الشورى 42/48)
(...فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ...)               (الرعد 13/40)
إن هؤلاء (المُبَجَّلين) يخالفون التوجيه الإلهي في القرآن بكل وضوح عندما يطالبون قداستَه بالاعتذار قبل بيانهم له (الأخطاء التي وقع بها مدعمة بالأدلة والبراهين والحجج البالغة)...إنهم يتعاطون فقط مع النتائج بمعزل عن الأسباب ومع الأَعراضِ بمعزل عن مسببات هذه الأمراض، ومنشأ ذلك لديهم الحميّة الدينية والانفعال مع عدم توخي الحكمة في تعاملهم مع قداسته، وعدم اعتماد مبدأ مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والتي أمر الله بها في القرآن، إضافة إلى أن حالة التطرف والتعصب التي أدمنوها، قد حولتهم إلى مشايخ منفعلين غير فاعلين، يصيغُ الآخرون ردود أفعالهم ويوجهونها كما يشاؤون، طالما أنهم في حالة تحفزٍ دائم للانفعال العفوي اللاواعي متوهمين أنهم في ذلك يَذُبُّون عن الإسلام ويدافعون عن القرآن وينتصرون لرسول الرحمن، ومعظمهم للأسف يجد حرجاً بالغاً في أن يعتذر عندما يقع في أي خطأ، كبيراً كان أم صغيراً، ولم يُعهد عن معظمهم أنه راجع فتوى خاطئة صدرت عنه أو مقولةً فاسدة سوَّقها من على منبره، تُصادم حقائق القرآن وصحيح السنة سنداً ومتناً، وحكم العقل، إنما أثُر عنه فنونٌ من التَمَحُّلِ للتنصُلِ من أخطائه، وضروبٌ من التبرير ما أنزل الله بها من سلطان إلا أنَّه وبكل حماس وتصميم يطالب قداسة البابا باعتذارٍ صريح قبل أن يُبَيِّن له ما يُقنعه أنه خطأ أو يقيم عليه الحجة بأنه ارتكب ما يستدعي الاعتذار عنه –مفترضين ابتداءً حُسن النية لدى قداسته..! دون توفر مؤشرات عليها ـ ويبدو أن نزعة الإصرار على الخطأ بعد تَبيُّنِه، والتفننَ في التَمَحُّلِ والمكابرة للتهرب من إصلاح هذا الخطأ أو ابتداع المبررات لِتَسْويغهِ، لا تنحصر برجال الدين ومن كل دين أو مذهب، بل هي مرضٌ مستفحل ومنتشر في مختلف الأوساط الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والتعليمية (والأكاديمية) والاقتصادية وغيرها....وهذا الإشكال هو أحد الأسباب الرئيسية التي تُعيق التواصل الإنساني بين مختلف المجتمعات، وتحول دون تطورها وتفاعلها بشكل إيجابي بل توفر كل مسببات الصداع فيما بينها.
لقد طلبنا من قداسته بعد أن حرَّضناه على عدم الاستجابة لمن يطالبه بالاعتذار ألا يتمحل، وحذرنا مرتين من اعتماد التَمَحُّلِ ملاذاً وخلاصاً من المأزق الذي قاد قداستَه إليه ما أورده في محاضرته من إشكالات وسقطات، ومنه اقتباسٌ اختاره بل تصيده من (القرن الرابع عشر الميلادي - القرن السادس الهجري) من حوار أورد قداسته منه رأي الطرفِ الأول من الحوار، وهو الامبراطور البيزنطي (مانويل باليولوغوس الثاني) مع تغييب كامل لأقوال المحاور الآخر وهو مسلم فارسي، مجهول الاسم والدرجة العلمية إسلامياً، إضافة إلى عدم ذكر أي رد له على ما صدر من الامبراطور المذكور من أحكام متعسفة وخاطئة كلياً حول الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يُعقل ألا يَرُدَّ أيُّ مسلمٍ على هذا الهُراء الذي أتى به هذا الامبراطور البيزنطي؟!.. وقد اكتفى قداسته بعد إيراد ما تفوه به الامبراطور بالإشارة إلى المصدر الذي أورد من هذا الحوار وهو: المناظرة السابعة من كتاب (حوارات مع مسلم) الذي قدّمه ونشره في الستينات صديقنا الباحث المتميز في الإسلاميات- الأب الدكتور عادل تيودور خوري من جامعة مونستر الألمانية، وهو عالم لاهوت لبناني الأصل- ألماني الجنسية والإقامة ألقى محاضرة في كنيسة المقصور بدمشق منذ نحو عامين وقد شرفنا بزيارته مع الأب الرائع بولس فاضل راعي كنيسة جرمانا) وإننا نتابع بحوثه الهامة إسلامياً من موقعه المسيحي الكاثوليكي للتواصل معه بحوار حول بعض ملاحظاتنا وتساؤلاتنا المنهجية حول أبحاثه).
وبالرغم من اعتراف البابا في بيانه الصادر بتاريخ 20/9/2006 أن الاقتباس الذي اعتمده في محاضرته ينطوي على دلالة سلبية، إلا أنه لم يُشِر في المحاضرة إلى ذلك لا من قريب ولا من بعيد بالرغم من أهميته، ولم يُفَنِّد هذه السلبية التي صرَّح بها لاحقاً على ما تقضيه ضرورات البحث ولم يَتَبَنَّ موقفاً منها: مؤيداً أم مخالفاً أم متحفظاً، ولو فعل قداسته ذلك لما ترك الباب مشرعاً لإساءة فهمه من قِبَلِ المسلمين  الذين يُحَمّلهم قداستُه تبعة التداعيات التي نجمت عن كلماته بالرغم من الحكمة السائدة التي تؤكد على أن: (من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومَنَّ من أساء الظن به).
إن منهج كل باحث موضوعي هدفه الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة يقتضي منه أن يراعي هذه الأمور بالغة الأهمية، وألا ينطلق من توجهاتٍ مسبقةٍ غيرِ مدروسة بعناية، وغير مؤصلة أو غير مدعومة بالأدلة والبراهين، كما أنه يجب ألا تشوب دوافعَه أيةُ رواسب تعصبيه، أو ترتكز على أخطاء شائعة بالغة الحساسية تكون مدعاة لإثارة الفتن في المجتمع الإنساني، خاصة المجتمعات التي تضم مسلمين ومسيحيين متعايشين بمودة وسلام على مدى قرون كما في المنطقة العربية، ولولا الحكمة البالغة لبعض الحكومات والقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية خاصة في سورية ولبنان وفلسطين المحتلة ومصر خاصة لوقع ما لا يُحمد عقباه.
أما كان من الأجدى والأسلم لقداسته أن يكلِّف مختصين بالحوار الإسلامي ـ المسيحي في مؤسسات الفاتيكان، أو حتى الأب الدكتور تيودور خوري نفسه، لبذل الجهد اللازم للتحقق من مدى نصيب مثل هذه الأفكار الخطيرة والحساسة من الصحة أو البطلان، وذلك بالتعرف على رأي المختصين بالإسلاميات عليها، أو تفنيد علماء مسلمين لها، وتغليباً منا لحسن الظن سنتعامل مع ما صدر عن قداسته في محاضرته الإشكالية بأقصى قدرٍ من الحكمة تألفاً للقلوب وتسامحاً مع من هم بمنأى عن الحقيقة في هذا الموضوع، وذلك بغية فتح حوارٍ حقيقي على المحور (الإسلامي – المسيحي)، حوارٍ يتجاوز الحوارات السابقة العقيمة والاحتفالية والاستعراضية لغايات إعلامية في معظمها، لذا سوف نجترح متعمدين ومضطرين رذيلة التعسفِ في مخالفة الحكمة الشهيرة التي مفادها:
(إذا صلح الزمان وأهلهُ فإن سوء الظن بكل إنسان مدعاةٌ لظلم كثيرين، أما إذا فسد الزمان وأهلُه فإن حسن الظن بكل إنسان يجعلُ منا مُغَفَّلين).
لذا سنقتصر في هذه الحلقة من (تداعيات محاضرة قداسته) على الإشارة إلى بعض الإشكاليات المنهجية التي نَزعُم أنه لا يختلف حولها الباحثون على تنوع انتماءاتهم الدينية، وتوجهاتهم الفكرية، ومدارسهم البحثية، عسى أن يَعْزلَ قداستُه غزلاً آخر أكثر إيجابية، وأكثر صراحة على منوال جديد، وكنا نأمل أن يتبدى ذلك فيما طرحه في اجتماعه مع سفراء الدول الإسلامية والعربية في الفاتيكان الذي سيعقد اليوم 25/9/2006 بناءً على دعوة من قداسته إلا أنه للأسف خيب آمالنا واكتفى بالتمظهر باحترامه للإسلام وتأكيده على السير على مسيرة سلف البابا يوحنا بولس الثاني دون أن يرحم ما انهدم أو ينظّف المرج من آثار محاضرته السلبية متوهماً أن ذلك سيقنع عاقلاً من المسلمين أن يتعامل مع الحدث وتداعياته وكأنه لم يحدث قط...!، ولو أنه اهتَبَلَها فرصةً لتداركِ الأمر بمواجهة الإشكالات والتداعيات التي تسبب بها وكان في غنىً عنها ولو أنه لم يمعن في تجاهل أخطائه وطمسها بالإغراق بطروحات إيجابية حول الإسلام لكان مدعاة لاحترامه أكثر والثقة بتقواه وانصافه ومواجهة الإشكالات بكل صراحة ووضوح ما يجب أن يقال.
إننا سنطرح الإشكالات التي انطوت عليها محاضرة البابا بصيغة تساؤلات، ستبقى رهن إجابة قداسته- إن أَذِنَ وتواضع الحِبر الأعظم- لإجابة أمثالنا الذين عملوا أكثر من ربع قرن على التواصل والحوار بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين والمسلمين في الساحة الداخلية الإسلامية، وإنه من دواعي اعتزازنا أننا كنا من المشاركين مع عدد من المسلمين والمسيحيين العرب السوريين في الاستعدادات لزيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، عندما زار القطر العربي السوري زيارة رسمية بدعوة من السيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ (5-8 أيار/مايو عام 2001م) وقد أسهمنا بما أتيح لنا من إمكانات في ترتيبات استقباله والاحتفاء به، حيث شارك في ذلك مسلمون من مختلف ألوان الطيف الداخلي الإسلامي فكانت ظاهرة وطنية إيمانية ارتقت على كل الحواجز الدينية والطائفية المصطنعة كيما تُغَلِّب الانتماء الوطني العربي السوري على مختلف الانتماءات دون أي غَمْطٍ للإيمان الديني وأولوياته ودوره الإيجابي في المجتمع تحت مظلة الولاء الوطني، مؤكدين على ضرورة أن يُرَدَّ الاعتبار للإيمان الديني وتعزز فاعليته في المجتمعات العربية والإسلامية بل وكل المجتمعات الإنسانية لأن البشرية كما أزعم قد خسرت كثيراً من تنكرها للإيمان الجوهري ومحاربتها للأديان في مواقع عديدة من هذا العالم، إضافة لمُمانَعَتِها أن يكون للدين في أدواره الإيجابية وللمؤمنين الصادقين المخلصين فاعلية حقيقية في المجتمعات الإنسانية، ولعلني لا أجانب الصواب إذا صرحت بكل صدق وشفافية برأيٍ طالما تبنيته مع امتلاكي أدلته الدامغة التي تدعمه، مفاده: إن المسؤولية في تعطيل دور الإيمان وصرف وظيفة الأديان عن أصالتها وجوهرها وحقيقة رسالتها تقع أولاً على عاتق (المُبَجَّلين) من كثير من رجال الدين - من كل دين -  ممن يتصدى بعضهم للوصاية على الدين من داخله، فَيُطِّوعونه لمصالحهم المعنوية والمادية، ويعززون التعصب ضمن مذاهبه ومدارسه وجماعاته، ويجتهدون في بناء مجدهم الذاتي أو مجد مذاهبهم وجزرهم المعزولة المغلقة، وجماعاتهم المحدودة تحت مظلة الله ورسله ورسالاته، فلا يتورعون عن تطويع ثوابت الإيمان وحقائق الأديان لخدمة سياسات وسياسيين، واقتصاد واقتصاديين وزعامات من كل نوعٍ ولون: عشائرية ومناطقية وعائلية وسياسية ومالية وغيرها وسنورد شواهد منها مذهلة في دراسات موثقة في قابل الأيام تحت عنوان: (الإشكالات الداخلية الإسلامية)، كيما نتمكن جميعاً من وضع الإصبع على مكمن الداء، وليسهل على الأطباء المخلصين في هذا المجال تشخيص الحالة ووصف الدواء، وليكون للوطنيين المعتدلين من كل دين ومن كل توجهٍ ومدرسةٍ داخل الدين الدور الذي يجب في المجتمعات الإنسانية، في زمن لا تبرز فيه غالباً إلا أدوار ممتهني الدين ومدّعي الإيمان والمتلاعبين بالمشاعر والعقول والأحاسيس الدينية مستغلين بساطة عوام الناس وعفويتهم، فيتعاملون معهم- على حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه- وكأنهم مجرد أصفار يضعونهم إلى يمينهم كيما تتضاعف قيمتهم- تماماً كما توضح الاصفار إلى يمين رقم ما- فيستقوون بهم بمواجهة ذوي العقول والمعتدلين والمخلصين في كل دين، ويقودونهم كالقطيع من الأغنام مسلوبي الوعي والإرادة بالرغم من أمر القرآن بالاتباع على بصيرة (6) وبالرغم من تقريع القرآن الكريم للمسلمين وتحذيره لهم من ان يتّبعوا نظراء أحبار اليهود ورهبان النصارى غير المخلصين- في الدائرة الإسلامية من علماء دين غير مخلصين أيضاً، والذين لا يكاد يخلو منه دين من الأديان بل ولا يخلو من أمثالهم جماعة أو حزب او تيار بشري (7).
وليس أبلغ دلالة على ما ذكرت (حول الأتَّباع الأعمى الذي يُكرسه كثيرون في أتباعهم) من تأكيد أحد هؤلاء المبجلين على الآلاف من أتباعه أن: (على المريد أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المُغَسِّل كيفما قلَّبه يستجيب لإرادته)، ويمعن هذا المُبَجَّل في استلابه لمريديه وعزلهم حين يقول لهم: (يتوجب عليك يا بني ألا تشرب إلا من كأسي) ليُخضعه لتوجهٍ أحادي، ويصرفه عن أي إطلاع على رأيٍ آخر معطلاً تفكيره كلياً...! وهذا ما يوجد نظيره في كل دين إلهي بل وفي أديان وضعية بشرية.
إذاً لن نُلقيَ أيَّ لومٍ على الآخر أولاً، بل سنبدأ يا قداسة البابا في تشخيص المشكلة من تحديد نصيبنا من المسؤولية فيها، ومعرفة مدى تقصيرنا وقصورنا - نحن المسلمين -  في التعريف بالإسلام لغير المسلمين وبلغة الآخر التي يتعامل بها إضافة إلى تعريف المسلمين على حقيقة دينهم ثم على حقائق الأديان الأخرى، وعلى وجه الخصوص الدين المسيحي بعقائده وبمصادره وتاريخه وتنوعات كنائسه ومجامعه وانقساماته والتباينات في العقائد والطقوس بين مختلف أطيافه، وما نتفق به معه كمسلمين وما نختلف معه، كيما نتمكن من أن نُعَزِّز دائرة الاتفاق ونتبادل الرأي فيما يجب العمل عليه فيما نختلف به، وحتى نكون على بصيرة جميعاً من عقائد وأفكار كل من يشاركنا المواطنية في مجتمعنا العربي، لنُحسن التعامل معه ونراعي مشاعره ونتجنب كل ما يثير حساسياته أو يستدعي تحفظه.
لذا سنبدأ في تحديد مسؤولياتنا في المشكلة من خلال ممارسة نقد ذاتي لدائرتنا أولاً بكل مكوناتها من علماء ومتعلمين، سواء كانوا من الملتزمين المخلصين ومن مختلف مستويات الالتزام، أو من الأدعياء المتحالفين مع كل ما يحقق مصالحهم المعنوية والمادية ولو على حساب جوهر الإيمان وتعاليم الإسلام، وهؤلاء متواجدون في كل عصر ومِصْر، وكلِّ دين ومذهب، ويُقوِّي من أدوار هؤلاء بعضُ المتصدين للفتوى من أدعياء الاجتهاد الذين لا يتورعون ولا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمة، وقد جُعِلَ في حوزتهم القلمُ والقرطاس مؤيَّدين بدعمٍ من السلطان وبركات من لَدُنْه، لذا فلن يتاح لأحد أن يكتبهم من الأشقياء، وما يزال هؤلاء على طول العالم الإسلامي وعرضه مستظهرين بأعوانٍ لهم من كل لون، حلفاء متفانين في خدمة ذواتهم متنكرين لجوهر الإسلام ومُفرِّطين بمصالح المسلمين غير آبهين بالمصلحة الوطنية العليا في هذه المجتمعات التي تضم تنوعاً كبيراً من الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والتي يجب أن تحظى جميعاً بالاحترام المتبادل من كل مكونات المجتمع.
ولن يفوتنا أن نؤكد على احترامنا البالغ وتقديرنا لنخبةٍ من العلماء الربانيين المخلصين الذين تزخر بهم الساحة الإيمانية الإسلامية ومن كل ألوان الطيف الداخلي الإسلامي، فهؤلاء يدفعون على الدوام ضريبة إخلاصهم وتقواهم وورعهم وترفعهم عن المكاسب الدنيوية والمعنوية، فهم يسبحون عكس التيار في هذا الزمان العجيب الغريب، الذي قلبت به الموازين اختلطت فيه المفاهيم وزيّغَت به الحقائق، حتى صارت الخيانة للوطن وقضاياه مجرد وجهة نظر يجدر أن تُحترم، وغدت العمالة والتبعية للأمريكي - الذي يُنَفِّذ (أجندة) صهيونية- مجرد رأي تحميه ما يطلق عليه (الديمقراطية) - بالمفهوم الأمريكي الصهيوني - إن هؤلاء العلماء الحقيقيين هم أمل أمتنا في نهضتها ورهان أجيالنا على المستقبل الواعد بإذن الله لأنهم متلسمون بإيمان راسخ، ومصممون على أن يبذلوا كلَّ جهدهم للعودة بالمسلمين إلى المنابع والأصول الإسلامية الصافية تماماً كما يفعل سمك السلمون الذي يسبح عكس التيار مخاطراً بحياته ومعرَّضاً نفسه لأخطارعديدة، ولأذى الدببة الذين يتربصون به مترقبين زمن ومسار عودته إلى منابع النهر لالتهام بعضه وإيذاء بعضه الآخر، إلا أنه في ختام الرحلة سيصل بعضه حتماً إلى النبع ويبلغ هدفه ويحقق غاية رحلته..
لقد آثرنا تقديم هذه الإضاءات للتمهيد لحوار موضوعي ومنصف مع قداسة البابا، يتسم بالصراحة والشفافية لأنني من المؤمنين بأن واجب كلِّ قادة الأديان في العالم أن يعملوا على تحقيق جوهر إيمانهم وتعزيز البعد الإنساني في ممارساتهم وتوجيهاتهم لرعيتهم، وأن تتضافر جهودهم لخدمة الإيمان مع احترام تنوعاته، وتعزيز التفاهم المتبادل بين المنتمين إلى أديانٍ ومذاهب متنوعة في المجتمع الواحد، تعزيزاً للأمان الداخلي في الأوطان، ومنعاً لتبديد طاقات المجتمع وهدر إمكانياته فيما لا يعود عليه بالخير، ولا يحقق حاضراً مرضياً ولا مستقبلاً واعداً لأجيال تستحق أن تعيش حياة أفضل.
إننا إذ نُقَدِّر ما نَدَّ عن قداسته من تصريحات أعلن فيها أنه يتبنى رأياً مخالفاً لمحتوى الاقتباس الذي أقر أنه سلبي حسبما فُهِم من محاضرتِه ملتزمين بحكمة نستحضرها في هذا المناسبة مفادُها:
(إذا أتاك أخوك مُعتذراً مُتنصلاً من ذنبه فاقبل عُذره)
لذا فإننا ننتهز هذه المناسبة لنكرر مرة ثانية رجاءنا لقداسته: أن يكون مُعينا لنا لا معيقاً، كيما نطبق هذه الحكمة دون أن نشعر بحرجٍ ناجمٍ عن أي تعسفٍ يوقعنا به جرَّاءَ تطبيقها، كما نرجوه ألا يُصر على اتهام كلِّ من فِهم ما يجبُ ألا يُفهمَ إلاَّه من دلالات محاضرته وفق العرض غير المدروس وغير الموفق لبعض جوانبها، إضافة للاقتباسات التي أقر فيما بعد أنها تحمل دلالة سلبية، كان من الأولى أن يُبدي رأيه المخالف إزاءها، أو على الأقل يبين رأي المحاور المسلم الفارسي مع الامبراطور البيزنطي حيث غُيِّب كلياً رأي المحاور الآخر الذي لم يذكر حتى اسمه ولا أي قولٍ من أقواله في حين قدَّم لنا الامبراطور- طيب الذكر!...- باسمه الكامل وسِمَتِه البيزنطية مع تاريخ ولادته ووفاته وتاريخ حواراته ومكانها قرب أنقرة، وعنوانُها هو (العلاقة بين الدين والعنف)، كما قدم قداسته الامبراطور المذكور على أنه واسعُ العلم متبحرٌ بالإسلام والقرآن وتاريخ النبي، كلَّ ذلك تمهيداً لاتحافنا واتحاف غيرنا بدرره النادرة، وأحكامه المتميزة على مقدسات المسلمين وقرآنهم ونبيهم وقد وصفها قداستُه أنها تَتَّسِمُ باقتضابٍ مذهلٍ يبلغ مرتبة الفظاظة (عند البعض) - على حد تعبيره، ولم يقل قداسته (عند الجميع)، ولم يبين لنا إن كان هو من هذا البعض أم من غيره، وهل يقصد قداسته بتعبير (البعض) المسلمين فقط...؟ أم يشمل معهم كلَّ من شاركوا المسلمين (بإساءة فهم أحكام هذا الامبراطور) حيث نقل لنا البابا أحكامه المبرمة التي لا تصدر إلا عن جهل مطبق بهذا الإسلام وفهم ملتبسٍ له ولآيات القرآن الكريم، هذا إضافة إلى أفكار باطلة تصادم سُنَّة وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم!.. ولست أدري لماذا اختار قداسة البابا هذا الاقتباس بالذات من بحر هذا الجهل المطبق والمعلومات الملتبسة لدى امبراطور مسيحي كاثوليكي لا يكاد يعرف عن الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما يعرفه طالبٌ في المرحلة الابتدائية عن اللغة المسمارية القديمة.؟!..
ولماذا تم تغييبُ أي رأيٍ للمحاور المسلم الآخر فلم نقف على رد أو حتى تعليق على ما أتحفنا به من جواهر باح بها هذا الامبراطور المتبحر في العلوم الإسلامية!..؟
ترى هل في وسع قداسته أن يجيب على تساؤلنا واستغرابنا كمسلمين: لماذا اختار هذا الاقتباس ومن هذا المصدر بالذات، وعلى هذا النحو المُخِلِّ حيث أن هذا الاقتباس موجه بأسبقيات سلبيةٍ تجاه الإسلام أساسها الجهل به، حيث أزعم أنه قد يشاركُنا في ذات التساؤل كثير من أحبتنا من المسيحيين العرب الذين يتبعون بطاركة السريان والأقباط والروم الأرثوذكس إضافة للأصدقاء المنصفين من المسيحيين الكاثوليك إضافة للاتجاه اللاإيماني المعتدل ممن تسنى لنا الوقوف على ردود أفعالهم وموقفهم من هذه المحاضرة الإشكالية بامتياز.؟. فهل يجوز والحال هذه أن يُصِرَّ قداستُه للمرة الثالثةِ على أن الإشكالَ يَكمُن في سوءِ فهم مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين وغيرهم لمحاضرةٍ لا يرى فيها أيُ منصفٍ دلالة غير ما فهمها هؤلاء على مختلف أديانهم وثقافاتهم ومستوياتهم؟..
وأزعم أنه لولا حساسية الموقف للكنيسة الإنجيلية تجاه الفاتيكان، وإيثارها أن تبقى بمنأى عن هذا الإشكال لصدر عنها ما يدعو قداسته لتدارك تداعيات محاضرته التي كان من الأولى أن تُدرس بعناية بالغة في هذه الظروف الحرجة في المنطقة العربية والإسلامية... هذا إن لم تكن قد دُرِست فعلاً بالعناية الكافية لتكون في السياق السياسي السائد وكان وراءها ما وراءها- حسب رأي المتبين لوجود مؤامرة ضد الإسلام والمسلمينّ تقودها الإدارة الأمريكية مع حلفائها من الصهاينة وغيرهم، وقد عزز هذا التوجه إسهام الرئيس الأمريكي بوش منذ أيام بشهادة تطوع للإدلاء بها ولم يطلبها منه أحد، أكد فيها على صدق البابا فيما قاله من أن رأيه لا يتفق مع مضمون هذا الاقتباس- فأضرَّ بمصداقية البابا لدى شعوب المنطقة والعالم الذين يعانون من تبعات سياسات الإدارة الأمريكية، الذي أساءت لكل أمريكي قبل غير الأمريكي وأمعنت في زرع وتكريس ونشر الكراهية لأمريكا لدى كل شعوب العالم وقد اعتبر الكثيرون أن مساندة بوش- ممثل محور الشر الأعظم-  لقداسة البابا مؤشر ذو دلالة هامة علينا أن ننتبه لها ونضعها في سياقها السياسي الصحيح وأن نَحْذَرَ من أن نُستَغْفَل فنتعَامل بحسن نية وسذاجة مع هذه المساندة ذات المغزى والتي تُفصِحُ عن دوافعها، وتفضح ما وراءها كما أنها تحمل رسالة مبطنه لقادة الشعوب التي يملك زمام سياسات دولها زعماء يسيرون في ركب السياسة الأمريكية، ومفاد هذه الرسالة أن عليهم أن يضغطوا على شعوبهم لكي يَحُدُّوا من ردود الأفعال على محاضرة البابا، وليس ثمة مؤشر يدعم ذلك سوى منع التظاهرات والاعتصامات في المساجد بعد صلاة الجمعة 23/9/2006 رغم مكانة الجهة الداعية لها في العالم الإسلامي وهي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
إن كل المؤشرات تدعونا للحذر والتوجس والريبة فهلا عَمِلَ قداستُه على ما يُبَدِّدَ دواعيَ هذا الحذر.
وتساؤل آخر أرجو أن يسمح قداسته أن أوجهه له بكل ودٍ ورغبة أكيدة في استجلاء الحقيقة، لدرء أي سوءِ فهمٍ لدوافع قداسته مما احتوته محاضرته من أفكار سنتصدى لتفنيدها بكل موضوعية، وبمنهج علمي في حلقات قادمة من التداعيات بغية فتح حوار جدي وبنّاء حول نقاط سوء الفهم المتبادل بين المسلمين والمسيحية الكاثوليكية التي يمثلها البابا. وحول موانع التفاهم المتبادل والصريح بين الطرفين، هل توافقني الرأي مع كثيرين من المسلمين والعرب بالتأكيد وفيهم مسيحيون ـ أن الأوضاع السياسية المتوترة في العالم العربي والإسلامي وبسبب السياسات الأمريكية الصهيونية قد فاقمت من هذا المضمون الإشكالي لهذه المحاضرة حتى بدا وكأنه في وضعٍ متناغمٍ مع ما سبقه من استهداف للإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ابتداء من سلمان رشدي المكرّم أمريكياً وأوربياً بذريعة حرية الرأي- التي يُركِّز عليها فقط في مجال استهداف مقدسات المسلمين ـ ومروراً إلى تسليمة نسرين وعشرات غيرها إلى الصور الكاريكاتورية الدانماركية ودعم الاتحاد الأوربي والحكومة الدانماركية لها بذريعة حرية الرأي وتعنتها في الاعتذار أو تصحيح الخطأ بل أمعن الجميع بتحدٍ سافر للإسلام والمسلمين يكشف عن توافق عجيب يدعوا للحذر ويجب ألا يركن المسلمون إلى أي تمحلاتٍ وتبريرات لأن المخفي هو أعظم. كل ذلك في الوقت الذي لا يُسمح لأي كان بالتشكيك بعدد ضحايا المحرقة الألمانية ضد اليهود حيث لا حرية للرأي هنا كما لا يسمح بأي انتقاد أو اعتراضٍ أو تنديدٍ بجرائم الصهيونية في فلسطين المغتصبة وفي لبنان- حيث لا مجال لحرية الرأي هنا أيضاً، فهنيئاً لأمريكا العظمى..!. وأوربا الحضارة الإنسانية..!. على هذه الموازين التي تحترم عقل الإنسان..!. وتقدس العدالة الإنسانية..!. التي يؤمن المنصفون من بني الإنسان أنها ستفعل فعلها في المستقبل وفق المثل القائل: (الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون..!.).
وإذا أضفنا إلى هذه المحطات التي استهدفت الإسلام ومقدساته السجون الأمريكية- الإنسانية بامتياز -كسجون غوانتنامو في كوبا وأبو غريب في العراق وسجون أفغانستان حيث أسيئ فيها إلى الإسلام والقرآن الكريم وتفنن عناصر جيش أمريكا -محور الشر الأعظم في العالم- في خرق حقوق الإنسان....هذا إضافة إلى السجون الطائرة والسجون السرية التي لا يعلم إلا الله حقيقة مايحدث بها، إلى ثمرات توجيهات (الوحي الإلهي) الذي ادعى الرئيس بوش أنه يرسم سياساته في العالم على أساسه وأنه هو الذي أمره بسن الحرب على أفغانستان والعراق. حيث يقتل باسم (الروح القدس) الخاص به ويدمر باسم (الرب) ويبيد باسم (المسيحية المتصهينة) في أمريكا وباسم (الصليب المقدس) الذي تحت مظلته يَشن حروبه الصليبية الجديدة في مطلع القرن الحادي والعشرين، حتى تنعم الإنسانية بهذه الديمقراطية الرائعة..!. وهذه الحرية النادرة ونعمة حقوق الإنسان.!... التي لم يسلم من بركات توجيهات (الروح القدس البوشي) هذه حتى الأطفال والنساء والشيوخ في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان سواء بالقوة العسكرية المباشرة لجيش العدوان الأمريكي ـ عدو الإنسانية ـ أو بالمرتزقة المستأجَرين الذين تُدفع رواتبهم وأكلاف عملياتهم الحربية الإجرامية مما يُنهب من بترول الأمة العربية والإسلامية ومن ثرواتها، أو عن طريق دعمٍ عسكري وسياسي ومالي لجيش العدوان الصهيوني العنصري عدو الإنسان والإيمان، والذي يعتمد الأيديولوجية الصهيونية التي تخالف جوهر الإيمان الإلهي لأي دين، حتى أنها تخالف أسس الدين اليهودي الذي حمله أنبياء الله الذين سبقوا النبي ابراهيم عليه السلام وحتى النبي موسى عليه السلام ـ وخير دليلٍ على دعوانا هذه: أصواتٌ مكبوته وخافته ومعتمٌ عليها صادرة عن كثير من اليهود المعتدلين في العالم، والمناهضين للصهيونية العنصرية والتي يدينونها بمواقفهم وتصريحاتهم، حيث يُحاصَرون لتعطيل فاعليتهم، ومنهم حاخامون شرفاء معتدلون، وهم بالرغم من قِلَّتهم النسبية فإنهم يجهدون لتعزيز الاعتدال الديني يهودياً وميزانهم هو أن يكون الدين في خدمة الإنسانية، وليس أن تكون الإنسانية ساحةً مستباحة لمحرفي الدين اليهودي والمستترين به من الصهاينة العنصريين أعداء الإنسان الذين لا يتورعون عن القتل والتدمير والتهجير واغتصاب أملاكِ الغير، لأنهم يعتبرونهم من (الغوييم) أي (الحيوانات) حسب ترجمة دقيقة، وليس (الأغيار) حسب ترجمة ملطفة ومُحَرَّفةٍ إلى حد كبير، ويشمل ذلك طبعاً المسيحيين والمسلمين وكل بني الإنسان من غير اليهود لمجردِ أن الصهاينة يزعمون أن الله اعتبرهم (شعبَ الله المختار) ومَيَّزهم عن باقي الإنسانية.!... هل ثمة عنصرية فاضحة يا قداسة البابا أسوأ من هذه العنصرية التي فاقت كل العنصريات الدينية والإثنية والإيديولوجية والسياسية والاجتماعية وغيرها.؟!.. ألا يستحق كل ذلك من الفاتيكان موقفاً أكثر صراحة وأشدَّ صرامة إزاء فضائحِ وجرائم الجيش الأمريكي في العراق وجرائم جيش العدوان الصهيوني في فلسطين ولبنان والمدعوم أمريكياً وأوربياً وحتى من بعض الأنظمة الخاضعة للهيمنة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي؟. أم أن ممتلكتكم ليست من هذا العالم فقط عندما يتعلق الأمر بمظالم تقع على ملايين المسلمين.!...
أليس من الأجدى يا قداسة البابا بدلاً من الاقتباس من القرن الرابع عشر لامبراطورٍ متعصب وجاهل بالإسلام- بامتياز لا مثيل له- أن نتبصر الواقع الراهن ونقتبس منه ما يُلزمنا إيمانُنا الديني أن نصيغ مواقفاً إيمانيةً إزاء المظالم التي يزخر بها العالم والتي تتم باسم المسيحية المتصهينة في أمريكا والاتجاهات اليمينية العنصرية في أوربا.؟. التي تتوافق مع الفاتك الأولى في أوربا وهو الصلبية المعاصرة التي تريد إحياء الحروب الصليبة وكل قاسي القرون الوسطى متمانعة مع الفاتك الثاني وهو الصهيونية ـ عدوة الإنسان والإيمان وعدوة اليهودية الحقيقية ـ والتي تهيمن على السياسات والاقتصاد والإعلام والتعليم في أوربا وتزرع زراعة شيطانية سيحصد ثمارها في أوربا وأمريكا أجيال لم تولد بعد.
أليس من حقنا وواجبنا مسلمين ومسيحيين ـ ومن أتباع كل أديان العالم أن نطالب قداستكم أن يكون لكم الموقف الذي يمليه عليكم موقعكم البالغ الأهمية، وأنتم على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم والتي يتبعها أكثر من مليار مسيحي كاثوليكي للسعي مع المسلمين وباقي المسيحيين المخلصين من الكنائس الارثوذكسية والإنجيلية ومن أتباع الديانات الأخرى لرفع هذه المظالم التي تفوق الوصف وتستعصي على الحصر والتي تتسبب بكل هذه الآلام للإنسانية تحت دعاوى إلهام (روح القدس البوشي) لرأس محور الشر الأعظم في هذا العالم الرئيس الأمريكي بوش وحلفائه من الصهاينة العنصريين والفاتيكَينْ الصلبية الجديدة في أوربا والصهيونية المهيمنة أوربياً؟.. إن إيماننا الديني لا يسمح لنا أن نتجاهل هذه المظالم، أو نلتزم الصمت إزاءها، بل يملي علينا أن نستنفر كل إمكانياتنا وكلَّ قِوانا، مسلمين ومسيحيين ومن كل الديانات الإنسانية، وحتى المنصفين من غير المؤمنين بدين إلهي، مقتدين بالسيد المسيح عليه السلام الذي هالَهُ استغلالُ الهيكل من الباعة والصيارفة لأعمالٍ لا تتصل بالمقاصد التعبدية والإيمانية التي بني الهيكل لأجلها فقلب عليهم الطاولة وصرخ في وجوههم:
(إنه مكتوبٌ بيتي بيتَ صلاةٍ يُدعى، وأنتم قد صَيّرتُموهُ مغارةَ لصوص)        (إنجيل متى 21/13)
لقد ابتدأ السيد المسيح احتجاجه عليهم بفعل غاضب ثم خاطبهم بلغةٍِ حادةٍ صارمةٍ لالين فيها ولا مهادنة ولا محبة إلا للحق الذي يرى السيد المسيح عليه السلام أنه يجب أن نقوِّم كل خطأ بفعل حقيقي رادع ونُردفُه بقول صريح حازم إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل.
وعلى علماء كل الأديان بما فيهم قداسة البابا أن يكون دورهم في الحياة الإنسانية إنسانياً بامتياز وألا يكونوا كالمثل الذي ضربه السيد المسيح عليه السلام: (مثل علماء السوء مثَلُ الصخرة وقفت على فم النهر، لا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع).
هل ثمة إمكانية يا قداسة البابا أن ننطلق من ثوابتنا الإيمانية معاً ونفتح حواراً حقيقياً إيمانياً إنسانياً لنحدد موقفاً مشتركاً من أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها دول عظمى والتي تُعَدُّ أمامَها أعمال إرهاب الجماعات المتطرفة بمثابة قطرة بالنسبة لبحر إرهاب الدول الأقوى عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً والتي تشرعِنُ لأعمالها بشعارات مزيفة كاذبة من أمثال نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب ومواجهة العنف والإرهاب..؟.
هل لديكم الرغبة لصياة موقف إيماني جوهري وحقيقي من هذه السياسات التي تعتمد إرهاب الدولة المَشرَعْنِ تارةً بالأدلة السرية لإتهام أبرياء وسلبهم حقهم في المحاكمة بمعرفة أدلةِِ إتهامهم، وتارة بتشريع العدوان على الشعوب باسم الضربة الاستباقية لمن يتهمونهم أن لديهم نوايا عدوانية ضدهم، إلى آخر فنون التضليل والتدليس والعُهر السياسي والعسكري الذي لم تنجُ منه حتى منظمة الأمم المتحدة والمجالس والهيئات التابعة لها.
ونحن بانتظار إجابة واضحة جلية من قداستكم تعينُنا كمسلمين على قلب الصفحة غير المرضية التي احتوت تداعيات محاضرتكم، ولنا وطيد الأمل في أن نجد في إجاباتكم وخطاباتكم ومواقفكم وتحركاتكم ما يتفق مع ما تُملِيه تعاليمُ السيد المسيح عليه السلام إزاء هذه القضايا الإنسانية البالغة الأهمية، مما يعيننا- نحن دعاة الحوار (الإسلامي- المسيحي)- مسلمين ومسيحيين كلٌّ في دائرته على مواجهة بؤر التعصب والتطرف ومعالجة إشكالاتها بما هو أجدى من إثارة جنونها وتثويرها بما يخرجها عن الطاعة ويضعها خارج إمكانية السيطرة عليها بالقانون أليس من الأجدى يا قداسة البابا أن يتم التعاطي مع هذه الجماعات المتعصبة والسياسات المتطرفة في كل الأديان بكل حكمة وبعد نظر..؟.
ولا يفوتنا أن نحيطكم علماً ان تداعيات محاضرتكم قد أضرَّت إلى حد كبير بمصداقية وجدوى الحوار الإسلامي المسيحي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية والمسيحية الشرقية، ووضعت العاملين في هذا الحوار في موقع المتهم بالتبعية أو المُغّفل الذي يتم استغلال طيب نواياه ممن هم بارعون في طيب الكلام في حين أن مواقفهم وأعمالهم لا تتفق مع شعاراتهم المفعمة بتعابير المحبة والسلام.
ختاماً: أؤكد لقداستكم أن الإسلام في جوهره، وفي حقيقته هو أقرب للمسيحية في جوهرها وحقيقتها من كلِّ أديان العالم، وإنَّ وهم الخوف من الإسلام (إسلاموفوبيا) هو بدعة متطرفة: صهيونية يهودية، وصليبية مسيحية، وتكفيرية إسلامية، علينا أن تنعاون جميعاً مسلمين ومسيحيين ويهود إنسانيين غير عنصريين (لا صهيونيين)، في مواجهتها متضافرين مع كل المعتدلين والمنصفين والأحرار من أبناء الأديان الأخرى كيما نصيغ لأجيالنا المعاصرة وأجيالٍ لم تولد بعد عالماً تسوده المحبة والسلام والإيمان، عالماً يستحق أن يوصَفَ الإنسانُ فيه أنه إنسان، فعندما تُجَسِّدُ الأديانُ فيه مقاصدها وتغرس في قلبه جواهر الإيمان تنعم الإنسانية بدورٍ إنساني للإيمان ينسجم مع مضامين التبشير المسيحي والدعوة الإسلامية وتعاليم الأديان الأخرى الإيجابية التي يصدح بها رعاتها وقادة مؤسساتها وخطبائها ليل نهار بمواعظ ومثاليات دون أن يجد الإنسان ظلاً لها على أرض الواقع مما قد يحفز أيُّ تدقيق في تجليات هذه التعاليم وتجسداتها على أرض الواقع لدى كثيرين على إعادة النظر لا في مصداقية كثيرٍ من قادة هذه الأديان فحسب، بل سيدعو للتشكيك في واقعية وإمكانية تطبيق التعاليم الإيمانية عملياً في المجتمعات البشرية.
وإلى اللقاء في حلقة ثالثة بإذن الله
 هوامش:
(1) عن لسان العرب لابن منظور باختصار أمين وغير مُخِلٍّ:
[المحال: المكر بالحق: فلانٌ يُماحلُ عن الإسلام أي يماكِر ويدافع. والمحال: الغضب، والتدبير، والمماحلة: المماكرة والمكايدة ومنه قوله تعالى: (ويُسَبِّحُ الرعدُ بحمده، والملائكة مِن خيفَتِه، ويُرسل الصواعِقَ فيُصيبُ بها من يشاءُ، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال]
(سورة الرعد 13/13) ومماحلة الإنسان هي مناكرته إياه، أي ينكر الذي قاله، ومَحَل فلان بصاحبه ومَحِلَ به: إذا بهته وقال إنه قال شيئاً لم يَقله، وماحله مماحلة ومحالاً: قاواه حتى يُتَبين أيهما أشد، وفي الحديث عن ابن مسعود: (إن هذا القرآن شافع مُشفَّع، وماحِلٌ مصدَّق)
والمِحال: العقاب، وبه فسر بعضهم قوله تعالى: (وهو شديد المحال)، وماحله ممحالة ومحالاً: عاداه والمحال: المماكرة، قال القتيبي/ شديد المحال: أي شديد الكيد والمكر، وأصل المحال الحيلة. قال ابن عَرفَة: المِحال: الجدال، وماحل أي جادل.
(2) - {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }       
             (العنكبوت 29/46)
- {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }       
  (النحل 16/125)
(3) - {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }          
(المائدة5/82-83)
(4)  - {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }  
  (آل عمران3/7)
(5)  - (...... قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)             (المائدة 5/15)
- (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ )                     (يوسف12/1)
- (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ )             (النمل27/1)
- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)             (النحل 16/89)
- (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين)                 (النحل 16/35)
- (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين)              (النحل 16/82)
- (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ )            (البقرة2/99)
- (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )
(البقرة2/159)
- (....وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ..)
(البقرة2/253)
-  (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )                          (آل عمران3/105)
(6)  -  (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
(يوسف12/108)
(7)  - (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ....           (التوبة9/32)
  - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )   
(التوبة9/34)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...