ماذا لو وقع ماركيز في قبضة رقباء اتحاد الكتّاب العرب

01-10-2006

ماذا لو وقع ماركيز في قبضة رقباء اتحاد الكتّاب العرب

الجمل-مصطفى علوش:  ذكر غابرييل غارسيا ماركيز في روايته «ذكرى غانياتي الحزينات» وعلى لسان بطله أنه في العشرين من عمره بدأ يحمل سجلاً يدوّن فيه اسم وعمر ومكان كل واحدة صادقها، ولمحة قصيرة عن الظروف والأسلوب، وفي الخمسين من عمره بلغ عددهن خمسمئة وأربع عشرة امرأة، وبعد ذلك أوقف اللائحة. لأن الجسد والعمر ما عادا قادرين على العطاء، ولكنه تابع الحساب دون أوراق.
عشرات الأسئلة تحضر إلى الذهن أثناء قراءة هذه الرواية، أسئلة تخص الاستقامة الاجتماعية الزائفة، وتخص خواء الحياة الروحية العاطفية.
وتذكرت عن حسن نية الرقيب الاجتماعي السائد بكل فصامه وتواطئه الفعلي مع أمراضه، لاسيما ما يتعلق «بالجنس» وفي السياق يمكن تذكّر الرقيب الرسمي المختبئ في عقول بعض قرّاء اتحاد الكتاب العرب الذين توكل لهم مهمة قراءة المخطوطات واقتراح قبولها أو رفضها، ويمكن لهؤلاء القرّاء أن يكونوا قد انتهوا للتو من حضور ندوة عن دور الأدب الملتزم في حماية المعركة، أو دور الشعر في المقاومة، أو دور الأدب الملتزم في الدفاع عن مصالح الجماهير.
وإذا تركنا كوميدية هذه العناوين وكوميدية العقول التي نظمت تلك الندوات، واقتربنا من حالة افتراضية يمكن رسمها على الشكل الآتي:
في ظل هذا الواقع يمكن أن نتخيل أن ماركيز سوري وعضو في اتحاد الكتّاب العرب ويتهيب من الظهور في قناة الحرة، وتجرأ على كتابة هكذا رؤية وتجرأ على تقديمها إلى الاتحاد بغاية الحصول على الموافقة للنشر والتداول.
بعد انتظاره لشهور سيسعى ماركيز المسكين لتأمين واسطة تدلّه أولاً على مصير الخطوط. ويمكن أن نقدّر أن الروائي ماركيز تمكّن من معرفة مصير المخطوط وتمكّن من تصوير تقريري القارئين.
سرا، يقول التقرير الأول: «بعد الاطلاع على مخطوط رواية ذكرى غانياتي الحزينات، ورغم امتلاك صاحبه إلى لغة سردية فاتنة فيها النبض الفني الموازي للنبض الروائي، إلا أن مضمون الرواية لا يتفق إطلاقاً مع الأخلاق العامة، وحديث بطل الرواية عن قراره وهو ابن التسعين بأن يقدّم لنفسه ليلة حب مجنون مع مراهقة عذراء لا تتناسب مع القيم الأصيلة لمجتمعاتنا. كما أن الكاتب يبني روايته على الغوص في مبدأ اللذة، وبذلك يحرّ ض الأجيال على اتباع الطرق الخاطئة لتلبية رغباتهم. كما أنه يذكرنا بذلك اليهودي فرويد صاحب نظرية التحليل النفسي وحديثه المملّ عن الليبيدو.
نقترح رفض هذا المخطوط، ونقترح توجيه إنذار لهذا الروائي. وإذا لم يمتثل لتوجهاتنا فسوف نهدده بالفصل من الاتحاد، ونحرمه من التقاعد ومن الضمان الصحي.
وقبل أن تستقر روح ماركيز التي اضطربت بعد قراءة التقرير الأول سيقرأ التقرير الثاني الذي يوضح صاحبه أن ماركيز قد تجرأ وتضمّنت روايته عبارات تخدش الحياء العام وتحطّم المثل العليا لمجتمعنا، مثل «كان البيت مثل كل المواخير» كما أن العنوان «ذكرى غانياتي الحزينات» يحمل أكثر من سؤال، وفيه الكثير من الاعتداء على الضمير الجمعي لمجتمعنا ونذكّر ماركيز أن العهر في لغتنا العربية هو الزنا وعَهَر بفتحتين والاسم العهر بوزن العهن، وفي لحظة إبداعية تنتمي لعالم الرواية يتذكر ماركيز أنه كولومبي وينشر روايته هناك ويرسلها إلى سورية عبر ترجمتين الأولى لصالح علماني والثانية لرفعت عطفة.
وروسا كايا ركاس صديقة بطل الرواية القديمة ستحكي حكايتها بكل تشويقها الروائي، ومؤكد أن ماركيز لن يلجأ إلى نشر بيان على الانترنت يوضح فيه موقفه من رفض نشر روايته، وما سيقوله أنه يقف على أرض فنية تنتمي لعالم الجمال المحض ومهمته تكمن في إيقاظ روح الجمال والخيال لدى قارئ أنهكته طرق الحياة وتفاصيلها القاسية.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...