أحمد عمر يتتبع روايات الخيانة

03-10-2006

أحمد عمر يتتبع روايات الخيانة

«المجنونة والمختلف» و «العاصفة» روايتان في كتاب واحد صدر أخيراً عن دار الحوار السورية، للروائي المجري الراحل شاركدي إمره (1921- 1961)، وكان قد صدر له قبل عامين ترجمة رواية «الجبانة». وجميعها من ترجمة السوري نافع معلا. يعتبر شاركدي إمره من آباء الحداثة السردية المجرية، تؤكد أعماله قولاً نقدياً شائعاً مفاده ان روايات أي روائي تدور حول موضوع واحد. ظاهريا يمكن تسميته أدب الخيانة الزوجية، أو أدب العشيق لكنه باطنياً أدب البحث عن النصف الثاني الضائع.

في رواية «الجبانة» تفاصيل عن حيرة زوجة جميلة بين حياة الرفاهية والسيارة والمنزل والفيلا والرحلات وبين حبها الجديد للميكانيكي العازب الذي التقته حديثاً، وبين هذين ثمة عاشق ثالث يلاحقها مثل ظلها على دراجته النارية. الراوية مسرودة بضمير المتكلم الحميم والاعترافي. ليس لها شجاعة اتخاذ القرار بين الاختيارات الثلاثة لكنها تقرر في نهاية الرواية أسهل قرار تتخذه وهو ان تستسلم لواقعها، ان تكون عشيقة جيدة إلى حد السأم!

تقدم «الجبانة» قلق الخيانة الاجتماعي قبل الأخلاقي وهمّ العشيق أو الزوج من وجهة نظر الزوجة، في حين تقدمها روايتا «العاصفة» و «المجنونة والمختلف» من وجهة نظر العشيق. في «المجنونة والمختلف» العشيق هو طبيب أمراض نسائية عازب يتقلب بين النساء والأجساد من دون ان يكون صياد نساء بالمعنى الكازنوفي، وربما يخفي في داخله تجلياً من هملت خفي، وفي «العاصفة» هو مهندس معماري ينقذ عائلة من الغرق في عاصفة بحرية ويقع في حب الزوجة التي أنقذها، لكن هذه المرة بلا علاقات جنسية. الرواية القصيرة الأولى تختار قرية معزولة بالثلج والبرد ينقطع فيها مع مريضته اللامبالية ويقع في حبها ويقنعها بترك زوجها من دون نجاح ثم يمضي إلى بيت الزوج وينتزع منه زوجته بعد شجار وتهديد بشكايته إلى قوى الأمن بتهمة الإساءة إلى حقوق المرأة. وفي الرواية الثانية، يغلب صراع البحار مع الأمواج على حساب العلاقات الاجتماعية وتشكل خلفية للعلاقة العاطفية الناعمة هذه المرة لا كما اعتاد سرد إمره.

لا تبالغ روايات إمره في الجانب الايروتيكي كما تفعل مثلاً روايات إحسان عبد القدوس والبرتو مورافيا المتهمة بدغدغة الغرائز ومغازلة الشهوة. يمكن وصف روايات امره بالحيوية والقصر «النوفيلا» والتركيز والرشاقة ووحدة البؤرة والاقتصاد في الشخصيات والأحداث.

العشيقة في الروايات الثلاث متزوجة وحامل ولا مبالية بزوجها، ولا بمولودها الذي هو بذرة ذكر عابر. الزوج قليل الاكتراث بالزوجة مع إشارات أخلاقية طفيفة إلى الخيانة الزوجية لعلها باقية من التراث المسيحي. تعكس أعمال شاركدي قلقاً وجودياً، وبحثاً يصطدم باللذة التي لا تفضي إلى شيء. اللذة لا تفضي إلى معرفة وإنما إلى مزيد من النفي والضياع.

شاركدي كان روائياً وصحافياً. جند أعماله الروائية لقضية تحقيق ذوات شخصياته القلقة وإذا كانت هي المسألة المركزية التي لا ترتوي في رواياته فإن شخصياته لا تهتدي إلى السبيل القويم والمناسب للعثور على أهدافها وهويتها، ودائماً تفقد السيطرة على سلوكها الأخلاقي خصوصاً في هاتين الروايتين. وتمثل رواية «سمعان العمودي» - التي لا تزال قيد الترجمة - النموذج الإنساني المقتبس من التراث المسيحي والذي يهاجر من جديد، في صياغة روائية، هذا العالم المقولب والبشع واللاعقلاني تاركاً تربته وبيئته نهائياً، الفكرة هذه ستتكرر في عمله الرابع «الفردوس المفقود» 1961 والتي تعبر عن التناقضات الأخلاقية في مرحلة الخمسينات الاشتراكية.

لم يلق شاركدي امره التكريم المناسب في حياته، إذ لم يصنف من الكتاب الكبار إلا بعد وفاته، كما لم يعلم حتى الآن سبب وفاته هل هو انتحار أم حادث أو موت عادي؟ على رغم ميل اصدقائه إلى القول بسقوطه ثملاً من فوق سطح مبنى عال. كان شاركدي صارماً في مواعيده جاداً في حياته التي أمضى 25 عاماً منها في الكتابة، درس الصيدلة والحقوق وعمل في المطابع وترك سبع روايات. كان مثله الكتابي الأعلى الكاتب الروائي مورس جيك نونت صاحب رواية «الأقارب» التي صدرت ترجمتها عن دار المدى. حصل على جائزة الشاعر المجري يوجف اتيلا وهي كبرى الجوائز في هنغاريا.

أحمد عمر

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...